المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الخامس 27 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: - رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام - جـ ١

[تاج الدين الفاكهاني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتْابُ الطَّهَارَة

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب السواك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌بابُ الجنابةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌بابُ التَّيَمُّمِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌بابُ الحيضِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كِتْابُ الصَّلَاة

- ‌بابُ المواقيتِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن والحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌بابُ فضلِ صلاة الجماعةِ ووجوبِها

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

الفصل: ‌ ‌الحديث الخامس 27 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ:

‌الحديث الخامس

27 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ ، وَالاسْتِحْدَادُ ، وَقَصُّ الشَّارِبِ ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ ، وَنَتْفُ الإِبِطِ» (1).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (5550)، كتاب: اللباس، باب: قص الشارب، و (5525)، باب: تقليم الأظفار، و (5939)، كتاب: الاستئذان، باب: الختان بعد الكبر ونتف الإبط، ومسلم (257)، (1/ 121 - 122)، كتاب: الطهارة، باب: خصال الفطرة، وأبو داود (4198)، كتاب: الترجل، باب: في أخذ الشارب، والنسائي (9)، كتاب: الطهارة، باب: ذكر الفطرة الاختتتان، و (10)، باب: تقليم الأظفار، و (11) باب: نتف الإبط، و (5043)، كتاب: الزينة، باب: من سنن الفطرة، و (5225)، باب: ذكر الفطرة، والترمذي (2756)، كتاب: الأدب، باب: باب: ما جاء في تقليم الأظفار، وابن مادجه (292)، كتاب: الطهارة، باب: الفطرة.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

«معالم السنن» للخطابي (4/ 211)، و «الاستذكار» لابن عبد البر (8/ 334)، و «عارضة الأحوذي» لابن العربي (10/ 215)، و «إكمال المعلم» للقاضي عياض (2/ 61)، و «المفهم» للقرطبي (1/ 511)، و «شرح مسلم» للنووي (3/ 146)، و «شرح الإلمام» (3/ 245)، و «شرح عمدة الأحكام» كلاهما لابن دقيق (1/ 84)، و «التوضيح» لابن الملقن =

ص: 345

* الكلام على الحديث من وجوه:

الأول: جاء في هذه الرواية: «الفطرة خمس» ، بصيغة الحصر الابتدائي، وفي الرواية الأخرى:«خمس من الفطرة» (1)، بلا حصر، والجمع بينهما: أن يكون المراد برواية الحصر، المجاز دون الحقيقة؛ فإن الحصر يستعمل حقيقة تارة ومجازا أخرى.

فالحقيقة كقولنا: الله ربنا، ومحمد نبينا، والعالم في البلد زيد، إذا لم يكن فيها عالم غيره.

والمجاز كقوله عليه الصلاة والسلام: «الدين النصيحة» (2)، جعل النصيحة كل الدين، وكأنه لا دين إلا النصيحة؛ على

طريق المبالغة، فإن في الدين خصالاً أخر غير النصيحة، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام:«الحج عرفة» (3)، والحج مشتمل على أركان أخر

= (28) /106)، و «طرح التثريب» للعراقي (2/ 71)، و «فتح الباري» لابن حجر (10/ 336)، و «عمدة القاري» للعيني (22/ 44)، و «فيض القدير» للمناوي (3/ 455)، و «كشف اللثام» للسفاريني (1/ 328)، و «نيل الأوطار» للشوكاني (1/ 133).

(1)

تقدم تخريجه في حديث الباب برقم (5550) عند البخاري، و (257)، (1/ 221) عند مسلم، و (4198) عند أبي داود.

(2)

رواه مسلم (55)، كتاب: الإيمان، باب: بيان أن الدين تلنصيحة، من حديث تميم الداري رضي الله عنه.

(3)

رواه أبو داود (1949)، كتاب: المناسك، باب: من لم يدرك عرفة، والنسائي (3016)، كتاب: مناسك الحج، باب: فرض الوقوف بعرفة، =.

ص: 346

غير عرفة، لما أراد تخصيص عرفة لمزية على غيرها من الأركان، لمعنى مذكور في موضعه.

ومما يدل على أن المراد برواية الحصر: الحصر المجازي: أنه جاء في بعض الروايات الصحيحة أيضا: «عشر من الفطرة» (1)،

وهذا نص صريح في عدم الحصر في الخمس، فتعين رجوع إحدى الروايتين إلى الأخرى؛ توفيقًا بينهما بالمعنى المذكور، والله الموفق (2).

وأما رواية: «الفطرة خمس» ، أو «خمس من الفطرة» ، فقيل: إنه شك من الراوي. والله أعلم (3).

الثاني: وأما تفسير «الفطرة» ، فاعلم أنها من الألفاظ المشتركة.

ق: قال أبو عبد الله بن جعفر التميمي المعروف بالقزاز في كتاب «تفسير» غريب صحيح (4)«البخاري» : الفطرة في كلام العرب تتصرف

= والترمذي (889)، كتاب: الحج، باب: ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع، فقد أدرك الحج، وابن ماجه (3015)، كتاب: المناسك، باب: من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع، عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه.

(1)

رواه مسلم (261)، كتاب: الطهارة، باب: خصال الفطرة، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(2)

في (ق): "والله أعلم.

(3)

انظر: «شرح الإلمام» (3/ 284)، و «شرح عمدة الأحكام» كلاهما لابن دقيق (1/ 84).

(4)

صحيح ليس في (ق).

ص: 347

على وجوه أذكرها؛ ليرد هذا إلى أولاها به (1).

فأحدها: فطر الله الخلق فطرة: أنشأه، والله فاطر السموات والأرض؛ أي: خالقهما.

والفطرة: الجبلّة التي خلق الله الناس عليها، وجبلهم على فعلها، وفي الحديث:«كل مولود يولد على الفطرة» (2)، قال

قوم من أهل اللغة: فطرة الله التي فطر الناس عليها: خلْقه لهم.

وقيل: معنى قوله: «على الفطرة» : أي: على الإقرار بالله الذي كان أقر به لما أخرجه من ظهر آدم -عليه الصلاة

والسلام-.

والفطرة: زكاة الفطر.

وأولى الوجوه بما ذكرنا أن تكون الفطرة ما جبل الله الخلق عليه، وجبل طباعهم على فعله، وهي كراهة ما في جسده مما هو ليس من

زينته.

وقال غير القزاز: الفطرة: السنة. انتهى (3).

وقال أبو سليمان الخطابي رحمه الله وجماعة غيره: ذهب أكثر العلماء إلى أنها السنة، قالوا: ومعناه أنه (4) من سنن الأنبياء

-صلوات الله

(1) في (ق): "إلى أولا بها.

(2)

رواه البخاري (1319)، كتاب: الجنائز، باب: ما قيل في أولاد المشركين، ومسلم (2658)، كتاب: القدر باب: معنى «كل مولود على الفطرة» ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 84).

(4)

في (ق): "أنها.

ص: 348

وسلامه عليهم - (1).

وهذا هو الظاهر عندي، والله أعلم. وقيل: الفطرة: الدين.

الثالث: وأما «الختان» ، فما ينتهي إليه القطع من الصبي والجارية، وذلك قطع الجلدة الساترة للحشفة حتى تنكشف جميعها، وفي الصبية قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج، يقال: ختن (2) الصبي، يختنه ويختنه - بكسر التاء وضمها - ختن، بإسكان التاء (3).

وأما حكمه، فهو عند مالك رحمه الله وأكثر العلماء سنة. قال الشيخ أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله، وغيره: الختان للرجال سنة، والخفاض في النساء مكرمة (4)؛ تمسكًا بهذا الحديث، ونصيته على ذلك؛ إذا فسرنا الفطرة بالسنة، وهو مذهب الجمهور كما

تقدم، والتمسك به من وجهين:

أحدهما: أن السنة تذكر في مقابلة الواجب.

والثاني: أن قرائنه المذكورة معه كلها غير واجبة، فتعين أن يكون الختان كذلك.

(1) انظر: «معالم السنن» للخطابي (1/ 63).

(2)

في (ق): "اختتن.

(3)

انظر: «لسان العترب» لابن منظور (13/ 137)، (مادة: ختن).

(4)

انظر: «الرسالة» لابن أبي زيد القيرواني (ص: 156).

ص: 349

وقال الشافعي رحمه الله بوجوبه على الرجال والنساء جميعا، واستدل له ابن سريج (1) بالإجماع على ستر العورة، وتحريم النظر إليها. قال: فلولا أن الختان فرض، لما أبيح النظر لعورة المختون، ولا انتهك هذا المحرم (2).

والجواب عنه من وجهين:

أحدهما: لا نسّلم ثبوت الإجماع على تحريم النظر إلى العورة مطلقًا، بل المنقول في مذهبنا: إجماع المسلمين على أنه ينظر إلى مبال الخنثى المشكل حيث يراد تبيين أمره، هكذا نقله ابن يونس من أصحابنا، ثم قال: فإن كان صغيرا ممن يجوز النظر إلى عورته، كشف عن ذلك، وإن كان كبيرا، فيبول إلى حائط، أو من أعلى حائط، إلى آخر كلامه.

وقد ذكر ابن بطال في شرح «البخاري» في أبواب صلة الرحم، قال: ويقبل الرجل حيثما شاء من جسد ولده الصغير، روي (3) عن جرير، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالحسين بن علي (4) رضي الله عنهما، ففرج بين فخذيه، فقبل زبيبته (5).

(1) في (ق): "شريح وهو خطأ.

(2)

نقله العراقي في «طرح التثريب» (2/ 71).

(3)

في (ق): "وروي.

(4)

في (ق): "ابن أبي طالب.

(5)

رواه الطبراني في «تامعجم الكبير» (2628)، وابن عدي في «الكامل في =

ص: 350

والثاني: ع وغيره: مثل هذا يباح لمصلحة الجسم، ونظر الطبيب ومعاناة ذلك الموضع.

قال: وليس الطب بواجب إجماعا، فما فيه مصلحة دينية، وتمام فطرته، وشعار ملته أولى بذلك (1).

قلت: قول ع: إن الطب ليس بواجب إجماعا، فيه نظر؛ فإن من خيف عليه الهلاك، وقدر على مداواته، لا ينبغي أن يختلف في وجوب مداواته، والله أعلِمَ.

وربما نقل بعضهم (2) الإجماع في هذه الصورة، فيما أظن، فانظره.

وقد أورد على أحد الوجهين المتقدمين، أعني: قولنا: إن قرائنه المذكورة كلها غير واجبة؛ أنه لا يمتنع قرن الواجب بغيره؛ كما قال الله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]، والأكل ليس بواجب إجماعا.

وأجيب عنه: بأن بين الآية والحديث فرقًا دقيقًا لطيفًا ينبغي أن يتنبه له، وذلك أن لفظة الفطرة لفظة واحدة استعملت في هذه الأشياء الخمسة، وفي الآية كل جملة مستقلة على حيالها (3)، وإنما تضعف

= الضعفاء» (6/ 49)، قال الحافظ في «التلخيص الحبير» (1/ 127): وقابوس ضعفه النسائي، وليس في هذا الحديث أيضا أنه صلى عقب ذلك.

وانظر: «شرح ابن بطال» (9/ 212).

(1)

انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 87).

(2)

في (ق): "عن بعضهم.

(3)

في (ق): "على حالها.

ص: 351

دلالة الاقتران إذا استقلت الجمل؛ كما في الآية، لا كما في الحديث، فاعرفه (1).

فائدة: قال صاحب «الوجيز» من أصحابنا، وفي «مختصر السنن» للبيهقي: كان بالمدينة (2) امرأة يقال لها أم عطية، تخفض الجواري، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم «يا أم عطية! أخفضي ولا تنهكي؛ فإنه أسرى للوجه، وأحظى عند الزوج» ، ثم قال: وروينا في رواية ضعيفة عن أنس في هذا الحديث: «إذا خفضت، فأشمّي، ولا تنهكي» (3)، قال: يعني: أبقاءً لماء الوجه ودمه وأحسن في جماعها، والله أعلم.

مسألة: استحب مالك رحمه الله تعالى تأخير الختان إلى الإثغار، ويكره عندنا أن يختن الصبي في سابع يوم ولادته (4)، واستحب ذلك الشافعي.

ودليل مالك: ما نقل من أن ذلك من فعل اليهود.

ووجه الشافعي أن إسحاق عليه الصلاة والسلام ختن وهو ابن سبعة أيام (5)(6).

(1) انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 87).

(2)

في (ق): "في المدينة.

(3)

انظر: «السنن الكبرى) للبيهقي (8/ 324). وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (10/ 340).

(4)

انظر: «مواهب الجليل» للحطاب (3/ 258).

(5)

في (خ): أعوام وجاء في هامشها: «لعله أيام» .

(6)

انظر: «الحاوي» للماوردي (13/ 433)، و «المجموع» للننووي (1/ 369).

ص: 352

وقد يعترض عليه بأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ختن ابن ثمانين سنة، وقيل: ابن مئة وعشرين سنة، وإسماعيل ابن ثلاث عشرة سنة (1)

فرع: الخنثى المشكل هل يختن، أم لا؟ وإذا قلنا: يختن، ففي أحد الفرجين، أو فيهما؟ وإذا قلنا: في أحدهما، فأيهما؟ لم أر لأصحابنا في ذلك نقلاً.

واختلف أصحاب الشافعي في ذلك، فقيل: يجب ختانه في فرجيه (2) بعد البلوغ، وقيل: لا يجوز حتى يتبين، وهو الأظهر عندهم.

ح: وأما من كان له ذكران، فإن كانا عاملين، وجب ختانهما، وإن كان أحدهما عاملاً دون الآخر، ختن العامل.

وبم يعتبر العمل به؟ وجهان: أحدهما: بالبول، والآخر: بالجماع.

قال: ولو مات إنسان غير مختون، ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا: الصحيح المشهور: أنه لا يختتن، صغيرا كان أو كبيرا.

قلت: ولا أعلم في هذا خلافًا في مذهبنا؛ أعني أنه لا (3) يختتن.

قال: والثاني: يختتن.

(1) الصحيح أن إبراهيم عليه السلام اختتن وهو ابن ثمانين، وعاش بعدها أربعين.

انظر: «تحفة المودود» لابن القيم (ص: 155 - 156)، و «فتح الباري» لابن حجر (10/ 342).

(2)

في (خ): فرجه.

(3)

إنه لا ليس في (خ).

ص: 353

والثالث: يختتن الكبير دون الصغير (1).

فائدة جليلة: قال ابن الجوزي في كتابه المسمى ب: «المجتبي» : أسماء من ولد من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- مختونا: آدم، شيث، إدريس، نوح، سام، هود، صالح، لوط، شعيب، يوسف، موسى، سليمان، زكريا، عيسى، يحيى، حنظلة بن صفوان؛ نبي أصحاب

الرس، محمد -صلى الله عليهم وعلى آلهم وسلم-، فذلك سبعة عشر نبيا - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-، وقد اختلف في نبوة حنظلة ابن صفوان هذا، والله أعلم.

قلت: وانظر لعده آدم عليه السلام فيمن ولد، وكأنه جاء على طريق التغليب، والله أعلم.

الرابع: وأما «الاستحداد» ، وهو (2) استفعال من الحديد، قيل: سمي بذلك؛ لاستعمال الحديدة فيه، وهو الموسى، وهو حلق العانة بالحديدة (3)، فإن أزيل بغير حلق؛ كالقص، والنتف، والنورة، حصل المقصود من ذلك، ولكن الحلق هو السنة في ذلك، الدال عليها لفظ الحديث (4).

والمراد ب «العانة» : الشعر الذي فوق الذكر (5) وحواليه، وكذلك

(1) انظر: «شرح مسلم» للنووي (3/ 148).

(2)

في (ق): "فهو.

(3)

في (ق): "بالحديد.

(4)

انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 85).

(5)

في (ق): "ذكر الرجل.

ص: 354

الشعر الذي حول فرج المرأة.

ح: ونقل عن أبي العباس بن سريج (1): أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر، قال: فتحصل (2) من مجموع هذا: استحباب [حلق جميع] ما على القبل والدبر وحولهما.

قلت: وهذا على اختلاف القولين (3) بين العلماء في جواز حلق شعر الدبر ومنعه.

وأما وقت حلقه، فلم أر لأصحابنا فيه تحديدا، والظاهر: أنه بحسب الحاجة إلى حلقه، عندما يطول، وهو المختار من مذهب الشافعي على ما ذكره ح. قال: وأما وقت حلقه، فالمختار أنه يضبط (4) بالحاجة، وطوله، فإذا طال حلق، وكذلك الضبط في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وأما حديث أنس: وقِّت لنا في (5) قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، أن لا يترك أكثر من أربعين ليلة (6)، فمعناه: لا يترك تركًا يتجاوز به أربعين، لا أنهم وقِّت لهم الترك أربعين، والله أعلم. انتهى (7).

(1) في (ق): "شريح، وهو خطا.

(2)

في (ق): "قال: فيحصل.

(3)

في (خ): قولين.

(4)

في (ق): "ينضبط.

(5)

في (خ): من.

(6)

رواه مسلم (258)، الكتاب: الطهارة، باب: خصال الفطرة.

(7)

انظر: «شرح مسلم» للنووي (3/ 148).

ص: 355

الخامس: وأما قص الشارب، فمطلق يطلق (1) على إحفائه، وعلى ما دون ذلك، والمستحب عندنا: إزالة ما زاد على الشفة، وهو (2) الإطار - بكسر الهمزة - وهو طرف الشعر المستدير على الشفة، لا إحفاؤه بالكلية، وكل شيء أحاط بشيء فهو إطار له، وأما رواية (3):«أحفوا الشوارب» (4)، فقيل: معناها: احفوا ما طال على الشفتين (5)، وفي همزة: أحفوا، وأعفوا: القطع، والوصل، وكأن الأكثر القطع، والله أعلِم.

ق: وقوم يرون إنهاكها، وزوال شعرها، ويفسرون به الإحفاء: فإن اللفظة تدل على الاستقصاء (6)، ومنه: إحفاء المسألة، وقد ورد في بعض الروايات:«أنهكوا الشوارب» (7).

والأصل في قص الشوارب وإحفائها (8) وجهان:

أحدهما: مخالفة الأعاجم، وقد وردت هذه العلة منصوصة في «الصحيح»؛ حيث قال عليه الصلاة والسلام:«خالفوا المجوس» (9).

(1) في (ق): "ينطلق.

(2)

في (خ): وهي.

(3)

في (ق): "روايات.

(4)

رواه مسلم (259)، كتاب: الطهارة، باب: خصال الفطرة.

(5)

انظر: «شرح مسلم» للنووي (3/ 149).

(6)

في (ق): "استيفاء.

(7)

رواه البخاري (5554)، كتاب: اللباس، باب: إعفاء اللحى.

(8)

في (خ) و (ق): "إحفافها، والتصويب من «شرح العمدة» .

(9)

رواه مسلم (260)، كتاب: الطهارة، باب: خصال الفطرة.

ص: 356

والثاني: أن زوالها عن مدخل الطعام والشراب أبلغ في النظافة، وأنزه من وضر الطعام، انتهى (1).

السادس: وأما تقليم الأظفار: فهو تفعيل من القلم، وهو القطع.

قال الجوهري: قلَمت ظفري، يريد: بتخفيف اللام، وقّلمت أظفاري شدد (2) للكثرة (3).

قلت: هذا التضعيف يسميه أهل العربية: تضعيف المبالغة، وهو خلاف تضعيف التعدية في نحو فرحت زيدا، على ما هو مقرر في كتب العربية.

والقلامة: ما سقط منه، ولم أر لأصحابنا في كيفية التقليم شيئًا، والمنقول عند الشافعية: أنه يستحب أن يبدأ باليدين قبل الرجلين، فيبدأ بمسبحة يده اليمنى، ثم الوسطى، ثم البنصر، ثم الخنصر، ثم الإ بهام، ثم يعود إلى اليسرى، فيبدأ بخنصرها، ثم ببنصرها، إلى آخرها، ثم يعود إلى الرجل اليمنى، فيبدأ بخنصرها، ويختم بخنصر اليسرى.

ولم أدرِ ما وجه استحباب ذلك إلا أن يكون ورد في السنة شيء، فالسمع والطاعة (4).

(1) انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 85).

(2)

في (ق): "مشدد.

(3)

انظر: «الصحاح» للجوهري (5/ 2014)، (مادة: قلم).

(4)

قال الإمام ابن دقيق في «شرح الإلمام» (3/ 328): مقتضى الإطلاق: أن يحصل تأدي المأمور بمطلق القص، دون اعتبار هيئة مخصوصة، وقد ذكر =.

ص: 357

ق: وفي التقليم معنيان:

أحدهما: تحسين الهيئة، والزينة، وإزالة القباحة في طول الأظفار.

والثاني: أنه أقرب إلى تحصيل الطهارة الشرعية على أكمل الوجوه؛ لما عساه أن يحصل تحتها من الوسخ المانع من وصول الماء إلى البشرة، وهذا على قسمين.

أحدهما: أن لا يخرج طولها عن العادة خروجا بينا، فهذا الذي أشرنا إلى (1) أنه أقرب إلى تحصيل الطهارة الشرعية على أكمل

الوجوه؛ فإنه إذا (2) لم يخرج طولها عن العادة، يعفى عما تعّلق بها من يسير الوسخ، وأما إذا زاد على المعتاد، فما يتعلق بها من الأوساخ مانع من حصول الطهارة، وقد ورد في بعض الأحاديث الإشارة إلى هذا المعنى، انتهى (3).

قلت: ولم أر لأصحابنا هذا التفصيل، بل ولا الكلام على هذه

= في هيئة قصها على وجه مخصوص ما لا أصل له في الشريعة، ولا دليل يدل عليه. ثم ذكر الإمام نظما سيق في هيئة القص.

ثم قال: وهذا كله لا يجوز أن يعتقد مستحبا، لأن الاستحباب حكم شرعي، لا بد أن يستند قائله إلى دليل، وليس استسهال ذلك بصواب، بل هذا التقييد بما لا دليل عليهيجب صون الشريعة المطهرة عن قبوله، انتهى.

قلت: وهذا كلام في غاية الإجادة، فانظره والزم السير عليه.

(1)

إلى ليس في (ق).

(2)

إذا ليس في (ق).

(3)

انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 85).

ص: 358

المسألة جملة، والظاهر: أنه يتكلم على مذهب الشافعي. والله أعلم.

السابع: وأما نتف الإبط، فالمستحب أن يبدأ بالأيمن، ويجوز إزالة شعره بالحلق، والنورة، ولكن السنة نتفه، وقد فرق في الحديث بين إزالة شعر العانة، وإزالة شعر الإبط، فذكر في الأول الاستحداد، وفي الثاني النتف.

ق: ولعل السبب فيه: أن الشعر بحلقه يقوى أصله، ويغلظ جرمه، ولهذا يصف الأطباء تكرار حلق الشعر في الموضع الذي يراد قوته فيها، والإبط إذا قوي فيه الشعر، وغلظ جرمه، كان أفوح للرائحة الكريهة المؤذية، لمن يقار بها، فيناسب فيه النتف المضعف لأصله، المقلل للرائحة الكريهة، وأما العانة، فلا يظهر فيها من الرائحة الكريهة ما يظهر في الإبط، فزال المعنى المقتضي للنتف، فرجع إلى الاستحداد؛ لأنه أيسر وأخف على الإنسان من غير معارض (1).

قلت: وهذا فيمن لا يتضرر بالنتف، ولا يتألم له، فإن كان ممن يتألم له، جاز له الحلق. والله أعلِمَ.

وقد حكي عن يونس بن عبد الأعلى، قال: دخلت على الشافعي رحمه الله، وعنده المزين يحلق إبطه، فقال الشافعي: قد (2) علمت أن السنة النتف، ولكن لا أقوى على الوجع (3)، والله أعلم.

(1) المرجع السابق، (1/ 86).

(2)

قد ليست في (ق).

(3)

انظر: «شرح مسلم» للنووي (3/ 149).

ص: 359