الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثلاث وتسعين
فيها افتتح قتيبة بن مسلم عدّة فتوح، وهزم التّرك، ونازل سمرقند في جيش عظيم، ونصب المجانيق [1] عليها، فجاءت نجدة التّرك، فأكمن لهم كمينا، فالتقوا في نصف الليل، فاقتتلوا قتالا عظيما، ولم يفلت من الترك إلّا اليسير، وافتتحها صلحا، وبنى بها الجامع والمنبر، وقيل: صالحهم على مائة ألف رأس [2] وعلى بيوت النار وعلى حلية [3] الأصنام، فسلبت [4] ثم وضعت الأصنام بين يديه، فكانت كالقصر العظيم، فأحرقها، ثم جمعوا ما بقي منها من مسامير الذّهب والفضة، فكانت خمسين ألف مثقال، واستعمل على البلد ابنه عبد الله [5] ، ورد إلى مرو [6] .
[1] جمع منجنيق.
[2]
في الأصل، والمطبوع:«مائة ألف فارس» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 327) ، وهو موافق لما في «تاريخ الطبري» (6/ 473) ، و «الكامل» لابن الأثير (4/ 571) .
[3]
قال ابن منظور: الحلية: الصّفة والصّورة. «لسان العرب» «حلا» (2/ 985) .
[4]
أي قشرت. قال ابن منظور: سلب القصبة والشجرة: قشرها. وعليه فإن قتيبة اشترط أن تقشر صور الأصنام الخشبية، وأن تحرق تلك الأصنام فيما بعد، وهو ما ذكره المؤلف في تتمة الخبر. انظر «لسان العرب» «سلب» (3/ 2058) .
[5]
وقال له: لا تدعنّ مشركا يدخل من باب المدينة إلّا ويده مختومة، ومن وجدت معه حديدة أو سكينا فاقتله، ولا تدعن أحدا منهم يبيت فيها. «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 327) .
[6]
في «تاريخ الإسلام» للذهبي: «وانصرف قتيبة إلى مرو» .
وفيها كانت الفتوح بأرض المغرب، والأندلس، وبأرض الروم، وبأرض الهند، ولم يفتح المسلمون منذ خلافة عثمان مثل هذه [1] الفتوح التي جرت بعد التسعين شرقا وغربا، فلله الحمد والمنّة.
وفيها توفي من سادات الصحابة خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو حمزة أنس بن مالك الأنصاريّ النّجاريّ، وقيل: توفي سنة تسعين، أو إحدى أو اثنتين وتسعين، قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة وله عشر سنين، فخدمه، ودعا له بكثرة المال والولد والبركة فيهما، وفيما أوتي، فدفن لصلبه إلى مقدم الحجّاج البصرة مائة وعشرين، وكان نخله يثمر في العام مرتين [2] .
وبلال بن أبي الدّرداء، روى عن أبيه، ووليّ إمرة دمشق [3] .
وأبو الشّعثاء جابر بن زيد، الذي قال فيه ابن عبّاس: لو أنّ أهل البصرة نزلوا على [4] قول أبي الشّعثاء لأوسعهم علما عمّا في كتاب الله عز وجل.
وأبو الخطّاب عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة القرشيّ المخزوميّ، الشاعر المشهور، قيل: لم يكن في قريش أشعر منه، وهو كثير المجون والتغزّل بالثّريّا ابنة علي بن عبد الله بن الحارث بن أميّة بن عبد شمس الأموية، التي جدّتها قتيلة بالتصغير ابنة النّضر بن الحارث المنشدة في قتل [5]
[1] في الأصل: «هذا» وهو خطأ، والمثبت من المطبوع.
[2]
انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (3/ 395- 406) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 339- 344) . و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (5/ 64- 76) ، و «الأعلام» للزركلي (2/ 24- 25) .
[3]
انظر «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 345، 346) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 285) .
[4]
في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 482) : «نزلوا عند» وهو أصوب.
[5]
في المطبوع: «في قتيل» .
أبيها يوم بدر الأبيات [1] وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لو سمعت شعرها قبل أن أقتله لما قتلته» [2] . واستدلّ بهذا القول الصحيح أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان له أن يجتهد في الأحكام.
وكانت الثّريّا موصوفة بارعة الجمال، وتزوّجها سهيل بن عبد الرّحمن بن عوف، ونقلها إلى مصر، وفيهما يقول عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة:
أيّها المنكح الثّريّا سهيلا
…
عمرك الله كيف يلتقيان
[1] وهي:
يا راكبا إنّ الأثيل مظنّة
…
من صبح خامسة وأنت موفّق
أبلغ بها ميتا بأنّ تحيّة
…
ما إن تزال بها النّجائب تخفق
مني إليه وعبرة مسفوحة
…
جادت بواكفها وأخرى تحنق
هل يسمعنّ النّضر إن ناديته
…
أم كيف يسمع ميّت لا ينطق
أمحمّد ولأنت ضنء كريمة
…
في قومها والفحل مخل معرق
ما كان ضرّك لو مننت وربما
…
من الفتى وهو المغيظ المحنق
أو كنت قابل فدية فلينفقن
…
بأعزّ ما يغلو به ما ينفق
فالنّضر أقرب من أسرت قرابة
…
وأحقّهم إن كان عتق يعتق
ظلّت سيوف بني أبيه تنوشه
…
لله أرحام هناك تشفّق
صبرا يقاد إلى المنيّة متعبا
…
رسف المقيّد وهو عان موثق
قلت: قال ابن إسحاق في «السيرة» طبعة السقا، والأبياري، والشلبي: قتيلة بنت الحارث أخت النضر، وفي «الإصابة» لابن حجر (13/ 95) ، و «شرح أبيات المغني» للبغدادي (5/ 54) قتيلة بنت النّضر.
[2]
قال الحافظ ابن حجر في «الإصابة» بعد أن سرد الأبيات: فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بكى حتى اخضلّت لحيته، وقال:«لو بلغني شعرها قبل أن أقتله ما قتلته» - وهو ما ذكره المؤلف ابن العماد-، وأضاف: قال أبو عمر: هذا لفظ عبد الله بن إدريس، وفي رواية الزّبير بن بكار: فرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى دمعت عيناه، وقال لأبي بكر: يا أبا بكر، لو سمعت شعرها لم أقتل أباها، وقال الزّبير: سمعت بعض أهل العلم يغمز هذه الأبيات، ويقول: إنها مصنوعة. قلت (القائل ابن حجر) : ولم أر التصريح بإسلامها، لكن إن كانت عاشت إلى الفتح فهي من جملة الصحابيات، ورأيت في آخر كتاب «البيان» للجاحظ أن اسمها ليلى، وذكر أنها جذبت رداء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو يطوف.
هي شاميّة إذا ما استقلّت
…
وسهيل إذا استقلّ يماني [1]
وهو القائل:
إنّ من أكبر الكبائر عندي
…
قتل بيضاء خودة عطبول
كتب القتل والقتال علينا
…
وعلى الغانيات جرّ الذّيول [2]
ولد عمر هذا في ليلة قتل عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وذلك ليلة الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجّة سنة ثلاث وعشرين، وكان الحسن البصري يقول فيها: أيّ حق رفع؟ وأيّ باطل وضع؟ يعني مقتل عمر [3] ووضع عمر [4] وكان جدّه أبو ربيعة يلقّب بذي الرمحين، وأبوه عبد الله [أخو أبي جهل بن هشام لأمه، توفي في سفينة غرقا، وعمره سبعون سنة أو ثمانون.
وفيها على الصحيح] [5] وقيل: سنة تسعين توفي أبو العالية رفيع بن مهران الرّياحي [6] مولاهم البصري المقرئ المفسّر، دخل على أبي بكر، وقرأ القرآن على أبيّ، وكان ابن عبّاس يرفعه على السرير وقريش أسفل.
وقال أبو بكر بن أبي داود [7] : ليس بعد الصحابة أحد أعلم، بالقرآن من أبي العالية، وبعده سعيد بن جبير.
[1] البيتان في «الأغاني» للأصفهاني (1/ 122 و 234) ، و «شرح أبيات المغني» للبغدادي (1/ 43) و (5/ 54) . [2) ]
[3]
يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[4]
يعني عمر بن أبي ربيعة.
[5]
ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبتناه من المطبوع.
[6]
في الأصل، والمطبوع:«الرباحي» وهو تصحيف، والتصحيح من «دول الإسلام» (1/ 64) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 207) .
[7]
هو عبد الله بن داود سليمان بن الأشعث (صاحب السنن) ، أبو بكر، حافظ، محدّث، مات سنة (316 هـ) . انظر ترجمته في المجلد الرابع من كتابنا هذا.
قال ابن قتيبة: حجّ أبو العالية ستين حجّة [1] .
وقال الأصمعي [2] : كان أبو العالية، ومكحول جميلين،- يعني مكحول الأزدي- وكان مزّاحا.
قال مسلم بن إبراهيم: سألت أبا العالية عن قتل الذّرّ [3] فجمع منهن شيئا كثيرا وقال: مساكين ما أكيسهن، ثم قتلهن وضحك [4] .
[1]«المعارف» ص (454) وبقية خبره فيه فراجعه.
[2]
هو عبد الملك بن قرب الباهلي البصري الأصمعي، أبو سعيد، اللغوي، الأخباري، المتوفى سنة (216 هـ) . وسوف ترد ترجمته في المجلد الثالث من كتابنا هذا، فراجعها.
[3]
قال ابن منظور: الذّرّ: صغار النمل، واحدته ذرّة، قال ثعلب: إن مائة منها وزن حبّة من شعير، فكأنها جزء من مائة. «لسان العرب» «ذرر» (3/ 1494) .
[4]
قلت: إن صح أن أبا العالية قتل مجموعة كبيرة من النمل من غير سبب، فقد ارتكب إثما، فإن الله عز وجل حرم قتل النمل من غير سبب كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدد من الأحاديث الصحيحة، فقد روى البخاري رقم (3019) في الجهاد: باب رقم (153)، ومسلم رقم (2241) في السلام: باب النهي عن قتل النمل، وأبو داود رقم (2526) في الأدب: باب في قتل الذر، وأحمد في «المسند» (2/ 402، 403) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن نملة قرصت نبيا من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح؟» . وروى البخاري رقم (3319) في بدء الخلق: باب
…
خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم، ومسلم رقم (2241) و (149) و (150) في السلام: باب النهي عن قتل النمل، وأبو داود رقم (5265) في الأدب: باب في قتل الذر، وأحمد في «المسند» (2/ 313 و 449) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نزل نبيّ من الأنبياء تحت شجرة، فلدغته نملة، فأمر بجهازه فأخرج من تحتها، ثم أمر ببيتها فأحرق بالنار، فأوحى الله إليه: فهلا نملة واحدة» . قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (6/ 358) : قوله [تعالى] : فهلا نملة واحدة:
يجوز فيه النصب على تقدير عامل محذوف تقديره: فهلا أحرقت نملة واحدة، وهي التي آذتك بخلاف غيرها فلم يصدر منها جناية؟.
وروى الإمام أحمد في «المسند» (1/ 332 و 347)، وأبو داود رقم (2567) في الأدب: باب في قتل الذر، والدارمي (2/ 89) في الأضاحي: باب النهي عن قتل الضفدع، والنحلة، وابن ماجة رقم (3224) في الصيد: باب ما ينهي عن قتله من حديث عبد الله بن عبّاس رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحل،
وفيها توفي السيد الجليل زرارة بن أوفى العامريّ أبو حاجب، قاضي البصرة، قرئ في صلاة الصبح فَإِذا نُقِرَ في النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ 74: 8- 9 [المدثر: 8- 9] فخرّ ميتا [1] .
وفيها عبد الرّحمن بن يزيد بن جارية الأنصاري المدني، ولد في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وروى عن الصحابة، وولى قضاء المدينة، وعن الأعرج [2] قال:
ما رأيت بعد الصحابة أفضل منه.
والهدهد، والصرد. وهو حديث صحيح.
قلت: وإن أبا العالية رحمه الله كان من أعلم أهل زمانه بالقرآن والسّنة، الأمر الذي يجعلني أشك بعدم صحة هذا الخبر عنه رحمه الله.
[1]
انظر «أخبار القضاة» لوكيع (1/ 294) .
[2]
هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، أبو داود، صاحب أبي هريرة، المتوفى سنة (117 هـ) .
وسوف ترد ترجمته في المجلد الثاني من كتابنا هذا فراجعها هناك.