الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكتاب الوحيد الجامع في هذا الفن، وقد نشر هذا الكتاب في العصر الحاضر على أيدي عدد من العلماء والأساتذة، فقد قام الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني بتحقيق الأجزاء الستة الأولى منه، ونشرت في الهند، ثم قام الأستاذ محمد عوامة بتحقيق الجزء السابع، وقد أشرف على القسم الأول منه- وهو الذي يضم تراجم حرف السين بكاملها- والدي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، ثم صدر الجزء الثامن بتحقيق الأستاذ محمد عوامة أيضا، والجزء التاسع بتحقيق الأستاذين محمد عوامة، ورياض عبد الحميد مراد، والجزء العاشر بتحقيق الدكتور عبد الفتاح الحلو، والجزء الحادي عشر بتحقيق الأستاذين رياض عبد الحميد مراد، ومحمد مطيع الحافظ، والجزء الثاني عشر- وهو الأخير- بتحقيق صديقنا الفاضل الأستاذ أكرم البوشي، وقد صدرت الأجزاء الستة الأخيرة منه عن منشورات أمين دمج في بيروت خلال السنوات العشر الأخيرة [1] .
19- ابن عساكر الدمشقي
هو علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله، الملقب بثقة الدين، والمعروف بابن عساكر، الإمام الحافظ المؤرّخ الكبير، صاحب «تاريخ مدينة دمشق» وغير ذلك من المصنفات الكثيرة.
ولد في دمشق سنة (499) هـ، ومن هنا عرف بالدمشقي نسبة إلى هذه المدينة العظيمة التي يجمع المؤرخون على أنها من أقدم مدن العالم، إن لم تكن أقدمها على الإطلاق.
وبيت ابن عساكر من البيوت الدمشقية المشهورة بالعلم والفضل، وقد اشتهر أبناؤه بالتقوى والتصدّي لنفع الناس في دينهم.
وقد أخذ ابن عساكر شيئا من العلم عن أهله، وانتفع بصحبة جده أبي
[1] وقد توسعت في الكلام عن هذا الكتاب العظيم في كتابي «عناقيد ثقافية» ص (85- 91) طبع دار المأمون للتراث بدمشق فليرجع إليه من شاء.
الفضل في النحو، كما تفقّه في حداثة سنّه على الفقيه العالم أبي الحسن السّلمي.
ثم رحل، وطوّف، وجاب البلاد، ولقي المشايخ، وكان رفيق الحافظ أبي سعد عبد الكريم السّمعاني في الرحلة.
سمع في بغداد سنة عشرين وخمسمئة من أصحاب البرمكي، والتنوخي، والجوهري. ثم رجع إلى دمشق.
ثم رحل إلى خراسان، ودخل نيسابور، وهراة، وأصبهان، والجبال.
وأخذ عن شيوخ مكّة، والمدينة، ومنى، والكوفة، وسرخس، والجزيرة، وغير ذلك من البلاد.
وذكر بعض المؤرخين بأن عدّة الشيوخ الذين سمع منهم ألف وثلاثمائة شيخ، وثمانون امرأة.
ولم يخرج ابن عساكر عن إطار الحديث، والفقه، والتاريخ، والأخبار، والأدب، وهي الموضوعات التي خاض عبابها، وما كان اعتماده على النقل فقط، بل كان يستعمل العقل أيضا، يدلّ على ذلك مذهبه في المصنفات التي خلّفها، فهو معنيّ بحل المشاكل، يناقش ويجادل بعيدا عن التعصب لمذهبه الشافعي، وكان إلى الاجتهاد أقرب منه إلى التقليد والجمود والوقوف عند أقوال من كان قبله، ولا غرو فالتاريخ يوسّع العقل، ويورث صاحبه نورا لا يستضيء بمثله عقل من لم يرزق حظا من النظر فيه.
توفي في الحادي عشر من شهر رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمئة، وله من العمر ثنتان وسبعون سنة، وحضر السلطان صلاح الدين جنازته، وصلى عليه الشيخ قطب الدين النيسابوري، ودفن في مقابر الباب الصغير.
قال السّمعاني: كان كثير العلم غزير الفضل، حافظا، متقنا، ديّنا، خيّرا، حسن السمت، جمع بين المتون والأسانيد، متثبتا، محتاطا.
وقال ابن خلكان: كان محدّث الشام في وقته، ومن أعيان فقهاء
الشافعية، غلب عليه الحديث فاشتهر به، وبالغ في طلبه إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره.
وقال ابن كثير: أحد أكابر حفّاظ الحديث، وممّن عني به سماعا، وجمعا، وتصنيفا، واطّلاعا، وحفظا لأسانيده ومتونه، وإتقانا لأساليبه وفنونه، صنّف «تاريخ الشام» في ثمانين مجلدة، فهي باقية بعده مخلّدة، وقد ندر من تقدمه من المؤرخين، وأتعب من يأتي بعده من المتأخرين، فحاز فيه قصب السبق، ومن نظر فيه وتأمله رأى ما وصفه فيه وأصله، وحكم بأنه فريد دهره في التواريخ، وأنه الذروة العليا من الشماريخ.
وقال ابن النجار: هو إمام المحدّثين في وقته، انتهت إليه الرياسة في الحفظ والإتقان، والثقة، والمعرفة التامة، وبه ختم هذا الشأن.
قلت: وقد قامت شهرة ابن عساكر على كتابه العظيم «تاريخ مدينة دمشق» الذي قال فيه العلّامة الأستاذ محمد كرد علي الرئيس الأول لمجمع اللغة العربية بدمشق: يقع في ثمانين مجلدة، لم يترك شيئا عن دمشق إلا وذكره فيه، ولا نعرف مدينة من مدن الدنيا حظيت بمثله، ففي المجلدتين الأولى والثانية تكلّم عن تخطيط دمشق وسورها وأبوابها وخططها، وأنهارها، وتخطيطها، وقد ترجم ابن عساكر في بقية المجلدات لكل من يصحّ أن يترجم له من أهل دمشق، وخلفائها، وأمرائها، وحكامها، وقضاتها، وعلمائها، وأدبائها، منذ الفتح الإسلامي وإلى زمانه.
قلت: يقوم مجمع اللغة العربية العامر بدمشق منذ أكثر من ثلاثين عاما بطبع هذا الكتاب العظيم، وقد صدرت منه عشر مجلدات بتحقيق عدد كبير من العلماء والباحثين منذ ذلك الوقت وحتى الآن.
وقد اختصر الإمام ابن منظور هذا الكتاب العظيم، و «مختصره» يطبع الآن بتحقيق عدد من الأساتذة الأفاضل، وقد صدرت منه حتى الآن ثمانية أجزاء، ويتوالى صدور الأجزاء الأخرى تباعا خلال هذا العام والذي يليه، وهو من منشورات دار الفكر بدمشق.