الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السنة الثالثة عشرة
فيها وقعة أجنادين [1] بقرب الرّملة، واستشهد فيها جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ثم كان النصر والحمد لله.
وفيها بعث أبو بكر رضي الله عنه أمراءه إلى الشام، منهم أبو عبيدة، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وبعث خالدا إلى العراق، فافتتح الأبلّة [2] ، وأغار على السواد [3] ، وحاصر عين التمر [4] ،
[1] انظر خبر هذه الوقعة في «تاريخ خليفة بن خياط» ص (119، 120) ، والمصادر التي أحال عليها محققه الدكتور أكرم ضياء العمري.
[2]
الأبلّة: بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة، وهي أقدم من البصرة، لأن البصرة مصّرت في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد نسب إلى الأبّلة جماعة من رواة العلم، منهم شيبان بن فرّوخ الأبلّي. انظر «معجم البلدان» لياقوت (1/ 77، 78) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (8 و 9) .
[3]
السّواد: يراد به رستاق العراق وضياعها التي افتتحها المسلمون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سمي بذلك لسواده بالزروع والنخيل والأشجار، لأنه حيث تاخم جزيرة العرب التي لا زرع فيها ولا شجر. انظر «معجم البلدان» لياقوت (3/ 272- 275) .
[4]
عين التمر: بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة بقربها موضع يقال له: شفاثا، منها يجلب القسب (التمر اليابس) والتمر إلى سائر البلاد، وهو بها كثير جدا، وهي على طرف البرية، وهي قديمة افتتحها المسلمون في أيام أبي بكر رضي الله عنه على يد خالد بن الوليد رضي الله عنه. انظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 176 و 177) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (423) .
وأرى الفرس ذلّا وهوانا، ثم سار من العراق إلى الشّام في بريّة ورمال لا يهتدى طريقها، ولحق بأمراء الشام، فكان له الأثر العظيم.
وفي جمادى الآخرة منها توفي الخليفة أبو بكر الصّدّيق عبد الله بن عثمان رضي الله عنه عن ثلاث وستين سنة، ومناقبه كثيرة لا تنكر [1] مشهورة، وفيه يقول أبو محجن الثقفيّ [2] :
وسمّيت صدّيقا وكلّ مهاجر
…
سواك يسمّى باسمه غير منكر
وبالغار إذ سمّيت بالغار صاحبا
…
وكنت رفيقا للنبيّ المطهّر
سبقت إلى الإسلام والله شاهد
…
وكنت جليسا بالعريش المشهّر
ومناقبه وسوابقه في الإسلام لا تنحصر، وكان رئيسا في الجاهلية، وكان إليه الدّيات، ومعرفة الأنساب، وتأويل الرؤيا، وأسلم على يده جماعة، وأعتق أعبدا افتداهم من أيدي المشركين يعذّبونهم، منهم بلال، وعامر بن فهيرة، ونص صلى الله عليه وسلم أن سبقه لغيره بواقر وقر في صدره [3] ، وجاء أنه كان إذا تنفّس يشم منه رائحة كبد مشوية، وبينه وبين مرة بن كعب
[1] لفظة: «لا تنكر» سقطت من المطبوع.
[2]
اختلف في اسمه، فقيل عبد الله بن حبيب، وقيل: عمرو بن حبيب، وقيل: مالك بن حبيب، وقيل: اسمه كنيته، وهو من الشعراء المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، وهو شاعر فارس شجاع معدود في أولي البأس والنجدة مات سنة (30) هـ. انظر «أسد الغابة» لابن الأثير (6/ 276- 278) ، و «الأغاني» لأبي فرج الأصفهاني (19/ 1- 41) ، و «الإصابة» لابن حجر (12/ 7- 12) ، و «الشعر والشعراء» لابن قتيبة ص (251- 253) ، و «شرح أبيات مغني اللبيب» للبغدادي (1/ 143، 144) ، و «الأعلام» للزركلي (5/ 76) .
[3]
في الأصل: «بواقد وقد في صدره» ، وهو تحريف. وقوله: نص صلى الله عليه وسلم أن سبقه لغيره بواقر وقر في صدره، قال فيه الحافظ العراقي: لم أجده مرفوعا، وهو من كلام بكر بن عبد الله المزني.
ستة آباء كالنبيّ صلى الله عليه وسلم، وأمه سلمى أم الخير [1] بنت صخر بن عامر، تيمية أيضا، ولد بعد عام الفيل بسنتين وأربعة أشهر إلا أياما، وعاش بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم بعدد ما سبقه النبيّ صلى الله عليه وسلم بالولادة، واستخلف عمر فلم يختلف عليه اثنان، والإجماع منعقد على صحة خلافته، ودلائلها أشهر من أن تذكر، لعن الله باغضيه.
قال محب الدين أبو جعفر محمد الطبري في كتابه «الرياض النضرة في فضائل العشرة رضي الله عنهم» [2] : وعن أبي ذر [3] رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل عائشة فقال: «يا عائشة ألا أبشّرك؟» قالت: بلى يا رسول الله، قال:«أبوك في الجنّة، ورفيقه إبراهيم الخليل عليه السلام، وعمر في الجنّة ورفيقه نوح عليه السلام، وعثمان في الجنّة ورفيقه أنا، وعليّ في الجنّة ورفيقه يحيى بن زكريّا [عليه السلام] ، وطلحة في الجنّة ورفيقه داود عليه السلام، والزّبير في الجنّة ورفيقه إسماعيل عليه السلام، وسعد بن أبي وقّاص في الجنّة ورفيقه سليمان بن داود عليه السلام، وسعيد في الجنّة ورفيقه موسى بن عمران عليه السلام، وعبد الرّحمن بن عوف في الجنّة ورفيقه عيسى عليه السلام، وأبو عبيدة بن الجرّاح في الجنّة ورفيقه إدريس عليه السلام» .
ثم قال: «يا عائشة أنا سيّد المرسلين وأبوك أفضل الصّدّيقين، وأنت أمّ المؤمنين» . أخرجه الملاء في «سيرته» [4] ، انتهى.
[1] في المطبوع: «أم الخيرا» وهو تحريف.
[2]
«الرياض النضرة في مناقب العشرة» (1/ 41) .
[3]
هو جندب بن جنادة الغفاري رضي الله عنه.
[4]
«الرياض النضرة» (1/ 41) .
وقال اللّقاني [1] في «شرح الجوهرة» : أفضل الصّحابة أهل الحديبية، وأفضل أهل الحديبية أهل أحد، وأفضل أهل أحد أهل بدر، وأفضل أهل بدر العشرة، وأفضل العشرة الخلفاء الأربعة، وأفضل الأربعة أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنهم أجمعين. انتهى.
وقال المحب الطبري في «الرياض» أيضا عن أنس رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحسن القول في أصحابي فقد برئ من النّفاق، ومن أساء القول في أصحابي كان مخالفا لسّنتي ومأواه النار وبئس المصير» أخرجه أبو سعد في «شرف النبّوة» [2] . وعن عبد الرحيم بن زيد العمّي قال: أخبرني أبي قال: أدركت أربعين شيخا من التابعين كلهم حدّثونا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من أحبّ جميع أصحابي وتولّاهم واستغفر لهم جعله الله تعالى يوم القيامة معهم في الجنّة» ، خرجه ابن عرفة العبدي [3] . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحبّ أصحابي وأزواجي وأهل بيتيّ ولم يطعن في أحد منهم، وخرج من الدّنيا على محبّتهم كان معي في درجتي يوم القيامة» ، أخرجه الملاء في «سيرته» [4] .
[1] هو عبد السلام بن إبراهيم بن إبراهيم اللقاني المصري، شيخ المالكية في وقته بالقاهرة المتوفى سنة (1078) هـ. وكتابه الذي نقل عنه المؤلف ابن العماد هو «شرح جوهرة التوحيد» . انظر «الأعلام» للزركلي (3/ 355) .
[2]
«الرياض النضرة» (1/ 26، 27) .
[3]
«الرياض النضرة» (1/ 27) .
[4]
«الرياض النضرة» (1/ 27) .
وعن الأعمش قال: خرجت في ليلة مقمرة أريد المسجد فإذا أنا بشيء عارضني، فاقشعرّ منه جسدي، فقلت [1] : أمن الجن أم من الإنس؟ فقال:
من الجن، فقلت: مؤمن أم كافر؟ فقال: بل مؤمن، فقلت: هل فيكم من هذه الأهواء والبدع شيء؟ قال: نعم، ثم قال: وقع بيني وبين عفريت من الجنّ اختلاف في أبي بكر وعمر، فقال العفريت: إنهما ظلما عليا واعتديا عليه، فقلت: بمن ترتضي حكما؟ فقال: بإبليس، فأتيناه فقصصنا عليه القصة، فضحك ثم قال: هؤلاء من شيعتي وأنصاري وأهل مودّتي، ثم قال:
ألا أحدّثكم بحديث؟ قلنا: بلى، قال: أعلمكم أني عبدت الله تعالى في السماء [2] الدّنيا ألف عام فسمّيت فيها العابد، وعبدت الله في الثانية ألف عام فسميت فيها الزّاهد، وعبدت الله في الثالثة ألف عام فسميت فيها الرّاغب، ثم رفعت إلى الرابعة فرأيت فيها سبعين ألف صف من الملائكة يستغفرون لمحبي أبي بكر وعمر، ثم رفعت إلى الخامسة فرأيت فيها سبعين ألف ملك يلعنون مبغضي أبي بكر وعمر. انتهى.
وفي «الصحيحين» أنه ذهب بثلاثة أضياف معه إلى بيته، وجعل لا يأكل لقمة إلّا ربا من أسفلها أكثر منها فشبعوا، وصارت أكثر ما هي قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر وامرأته فإذا هي أكثر مما كانت، فرفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء إليه أقوام كثيرون فأكلوا منها [3] .
[1] في المطبوع: «وقلت» .
[2]
في الأصل: «في سماء الدنيا» ، وأثبتنا ما في المطبوع.
[3]
رواه البخاري رقم (602) في مواقيت الصلاة: باب السمر مع الضيق والأهل، و (3581) في المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام، و (6140) في الأدب: باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيق، و (6141) باب قول الضيف لصاحبه والله لا آكل حتى تأكل، ومسلم رقم (2057) في الأشربة: باب إكرام الضيف وفضل إيثاره، وقد أورده المؤلف مختصرا.
ومات يوم وفاة أبي بكر أميره على مكّة عتّاب بن أسيد الأموي، وكان من مسلمة الفتح، وأمّره النبيّ صلى الله عليه وسلم على مكّة حين خرج إلى حنين والطّائف، ولم يزل عليها حتّى توفّي النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولما أن جاء الخبر بموت النبيّ صلى الله عليه وسلم اختفى وخاف على نفسه، فقام سهيل بن عمرو وخطب خطبة بليغة ثبّت الله بها قلوب النّاس، فصحّ في سهيل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«عسى أن يقوم مقاما يحمد فيه» [1] .
[1] قلت: وفي «أسد الغابة» لابن الأثير (2/ 480) : «فعسى أن يقوم مقاما تحمده عليه» .