الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثلاث وعشرين
فيها توفي أبو حفص أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب القرشي العدوي شهيدا، طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة في ليال بقين من ذي الحجة بعد مرجعه من الحج، وكان آدم شديد الأدمة طوالا صلبا [1] في دين الله، لا تأخذه في الله لومة لائم، ومناقبه أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر، وفي الأحاديث الصحاح من موافقة التنزيل له، وتزكية النبيّ صلى الله عليه وسلم له في وجهه، وعزّ الإسلام بإسلامه، واتسعت دائرة الإسلام في خلافته، وبركاته، ومناقبه، وكراماته عديدة، ولما طعنه أبو لؤلؤة في صلاة الصبح جعل الأمر شورى بين من بقي من العشرة، وأخرج نفسه وبنيه من ذلك، فأفضى الأمر بعد التشاور إلى عثمان، وقد ثبت في «الصحيحين» عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:«قد كان في الأمم قبلكم محدّثون [2] ، فإن يكن في أمتي أحد فعمر» [3] .
[1] في المطبوع: «صليبا» .
[2]
قال ابن الأثير: أراد بقوله [صلى الله عليه وسلم]«محدّثون» أقواما يصيبون إذا ظنوا وحدسوا فكأنهم قد حدّثوه بما قالوا، وقد جاء في الحديث تفسيره:«أنهم ملهمون» والملهم: الذي يلقى في نفسه الشيء، فيخبر به حدسا وظنا وفراسة، وهو نوع يختصّ الله به من يشاء من عباده الذين اصطفى، مثل عمر رضي الله عنه. «جامع الأصول» (8/ 610) .
[3]
رواه البخاري رقم (3689) في فضائل الصحابة: باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي رضي الله عنه، ومسلم رقم (2398) في فضائل الصحابة: باب من فضائل عمر رضي الله تعالى عنه. وانظر «جامع الأصول» لابن الأثير (8/ 609، 610) بتحقيقي.
وفي الترمذي وغيره عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر» [1] . وفي الترمذي أيضا: «لو كان بعدي نبيّ لكان عمر» [2] . وفي حديث آخر: «إن الله ضرب [3] الحقّ على لسان عمر وقلبه» [4] . وكان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: ما كنا [5] نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر. ثبت هذا عنه من رواية الشعبي [6] .
[1] ذكره المحب الطبري في «الرياض النضرة» (2/ 24) في مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: خرجه القلعي، وذكره ابن الجوزي في «الموضوعات» (1/ 320) ، والشوكاني في «الفوائد المجموعة» ص (336) .
[2]
رواه الترمذي رقم (3686) في المناقب: باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وهو كما قال.
ورواه أيضا أحمد في «المسند» ، وابن حبان في «صحيحه» ، والطبراني في «الأوسط» ، والحاكم في «المستدرك» (3/ 85) وصححه، ووافقه الذهبي.
[3]
وفي بعض الروايات: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه» .
[4]
رواه الترمذي رقم (3682) في المناقب: باب في مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ورواه أيضا أحمد في «المسند» (2/ 53 و 95) من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
ورواه أيضا أحمد في «المسند» (2/ 401) ، وابن حبان في «صحيحه» رقم (2184) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ورواه أيضا أحمد في «المسند» (5/ 165 و 177)، وأبو داود رقم (2962) في الخراج والإمارة: باب في تدوين العطاء، وابن ماجة رقم (108) في المقدمة، من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.
ورواه أحمد في «المسند» (5/ 145) من حديث غضيف بن الحارث رضي الله عنه، وهو حديث صحيح.
[5]
لفظة «كنا» ليست في المطبوع، ولا في «مسند أحمد» الذي بين أيدينا، وهي في «مشكاة المصابيح» .
[6]
رواه أحمد في «المسند» (1/ 106) ، والبيهقي في «دلائل النبوة» ، وهو حديث حسن.
وقال ابن عمر: وما كان عمر يقول لشيء إني لأراه كذا إلا كان كما يقول.
وعن قيس بن طلق: كنّا نتحدّث أن عمر ينطق على لسان ملك، وكان عمر يقول: اقتربوا من أفواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقولون، فإنه تنجلي لهم أمور صادقة.
وهذه الأمور التي أخبر أنها تنجلي للمطيعين هي الأمور التي يكشفها الله لهم.
فقد ثبت أن لأولياء الله مخاطبات، ومكاشفات [1] ولا شك أن أفضل هؤلاء في هذه الأمة بعد أبي بكر عمر رضي الله عنه، واستشهد وله ثلاث وستون سنة [2]، وقيل: خمس وستون، ومدة خلافته عشر سنين، وسبعة أشهر، وخمس ليال، وقيل: غير ذلك، ودفن مع صاحبيه بإذن عائشة رضي الله عنها.
وفي آخر خلافته توفيت أمّ المؤمنين سودة بنت زمعة القرشيّة العامريّة [3] ، تزوجها صلى الله عليه وسلم بعد موت خديجة، وقبل الهجرة بنحو ثلاث سنين، وكانت قبله تحت السّكران [4] ابن عمها أخي سهيل بن عمرو، وكانت طويلة جسيمة، ووهبت نوبتها من القسم لعائشة رجاء أن تموت في عصمة النبيّ صلى الله عليه وسلم، فتم لها ذلك.
[1] الأولى أن يقال: ثبت أن للأولياء فراسات وإلهامات من الله عز وجل كعمر رضي الله عنه وغيره.
[2]
وهو الصواب.
[3]
كذا في «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 66) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (2/ 267) ، و «الإصابة» لابن حجر (12/ 324) ، و «أسد الغابة» لابن الأثير (7/ 158) .
[4]
في الأصل: «السكراب» وهو تصحيف، والسكران، هو السكران بن عمرو بن عبد شمس.
والصحيح أنها توفيت سنة خمس وخمسين في خلافة معاوية، والله أعلم [1] .
وفيها مات قتادة بن النعمان الأنصاري الأوسي، الذي رد النبيّ صلى الله عليه وسلم عينه يوم أحد حين سقطت، وكانت أحسن عينيه.
وسببه أن رماة المشركين كانوا يقصدونه صلى الله عليه وسلم بالرمي، وكان أصحابه يقف الواحد منهم بعد الواحد في وجهه صلى الله عليه وسلم يتلقى عنه الرمي يفدّيه بنفسه، حتى قتل عشرة، وكان قتادة الحادي عشر، فلما استتم أمر الوقعة وقد سالت عينه، قال له: إن لي زوجة وأنا ضنين بها، محبّ لها، وإنها تقذرني إذا رأتني على هذه الحال، وأنا ما فعلت ما فعلت إلا لأنال الشهادة، أو كلاما هذا معناه، فردها صلى الله عليه وسلم، فكانت أضوأ عينيه وأحسنهما، وفي ذلك يقول ابنه: وقد وفد على بعض خلفاء الأمويين فقال له: من أنت؟ فقال:
أنا ابن الذي سالت على الخدّ عينه
…
فردّت بكفّ المصطفى أحسن الرّدّ
[1] قلت: قال الذهبي في «تاريخ الإسلام» (2/ 67)، و «سير أعلام النبلاء» (2/ 267) : وماتت بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين، وقال الواقدي: وهذا الثبت عندنا، وقال ابن حجر في «الإصابة» (12/ 324)، ويقال: ماتت سنة أربع وخمسين، ورجحه الواقدي.