الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرّحمن الرّحيم وبه أستعين [1]
مقدمة المؤلف
الحمد لله الذي خلق ما في الأرض جميعا للإنسان، وركّبه في أي صورة شاء على أكمل وضع بأبهر إتقان، وجعله بأصغريه القلب واللسان، فهذا ملك أعضائه، وهذا له ترجمان، فإذا صلح قلبه، صلح منه سائر الأركان، وكان ذلك على فوزه بخيري الدّارين أعظم عنوان، وإذا فسد فسد جسده واستدلّ على خسرانه بأوضح برهان، قضى سبحانه بأن يبلي ديباجة شبابه الجديدان [2] ، ويصير حديثا لمن بعده من أولي البصائر والعرفان، وأعدّ تعالى له بعد النشأة الآخرة إحدى [3] داري العزّ والهوان، حكمة بالغة تحيّر فيها عقول ذوي الأذهان.
أحمده حمد معترف بالتقصير، مقرّ بأن إليه المصير، وأشكره شكر من توالت عليه آلاؤه، وتتابع عليه من فضله عطاؤه.
وأشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله أمات وأحيا، وخلق الزّوجين الذّكر والأنثى، وألهم نفس كلّ متنفّس الفجور والتّقوى، فإما أن يزكّيها فيسعد، أو يدسّيها [4] فيشقى، قدم إلى عباده بالوعيد، وقسمهم كما
[1] قوله: «وبه أستعين» لم يرد في المطبوع.
[2]
الجديدان: الليل والنهار.
[3]
في الأصل: «أحد» وما أثبتناه من المطبوع.
[4]
أي ينقصها، ويخفيها، ويخملها بالفجور، ويضع منها بخذلانه إياها عن الهدى حتى ركب
أخبر إلى شقيّ وسعيد، وأحصى لكل عامل ما فعل من طارف وتليد [1]، حتى ما يَلْفِظُ من قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ 50: 18 [ق: 18] .
وأشهد أن سيّدنا محمّدا عبده ورسوله خير نبي أرسله، ففتح [به][2] آذانا صمّا، وأعينا عميا، وقلوبا مقفلة.
أرسله على حين فترة من الرّسل، وطموس لمعالم الهدى والسّبل، فكانت بعثته أنفع للخليقة من الماء الزّلال، بل من الأنفس، والأهل، والصّحب، والمال، إذ بمبعثه تمت للنّاس مصالح الدّارين، واتّصح [بها][3] لهم أقوم الطريقين، فطوبى لمن أمسى باتّباع شريعته قرير العين، وويل لمن نبذ ما جاء به ظهريّا وأخرج هديه من البين.
اللهم فصلّ وسلّم عليه أفضل صلاة وأكمل سلام، وآته الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود، أشرف مقام، وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل، من بذلوا في طاعته رضا لمرسله المهج والمال، ففازوا بجزيل الثناء وجميل الخلال، وسعدوا بما نالوا من شريف المآل، وعلى تابعيهم، وأتباعهم بإحسان ما تعاقب الجديدان، وأشرق النّيّران [4] آمين.
وبعد: فهذه نبذة جمعتها، تذكرة لي ولمن تذكّر، وعبرة لمن تأمّل فيها وتبصّر، من أخبار من تقدّم من الأماثل وغبر، وصار لمن بعده مثلا سائرا وحديثا يذكر.
جمعتها من أعيان الكتب، وكتب الأعيان، ممّن كان له القدم الرّاسخ في هذا الشّأن [5] ، إذ جمع كتبهم في ذلك إمّا عسر أو محال، لا سيّما من كان
المعاصي، وترك طاعة الله عز وجل، وفي المطبوع: ويدسسها، وهو صواب أيضا وبنفس المعنى.
[1]
الطارف: المال المستحدث، والتليد: ما ولد عندك من مالك أو نتج.
[2]
لفظة «به» سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع.
[3]
لفظة «بها» سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع.
[4]
النيران: الشمس والقمر.
[5]
أي علم التأريخ.
مثلي فاقد الجدة بائس الحال، فتسلّيت عن ذلك بهذه الأوراق، وتعلّلت بعلل [1] علّه يبرد أوام [2] الاحتراق [3] ، إذ هذا شأو [4] لا يدرك دقّه وجلّه، فليكن كما قيل: ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه.
أردت أن أجعله دفترا جامعا لوفيات أعيان الرجال، وبعض ما اشتملوا عليه من المآثر، والسجايا، والخلال، فإنّ حفظ التأريخ أمر مهمّ، ونفعه من الدّين بالضرورة علم، لا سيما وفيات المحدّثين والمتحمّلين لأحاديث سيد المرسلين، فإن معرفة السّند لا تتم إلا بمعرفة الرّواة، وأجلّ ما فيها تحفظ السّيرة والوفاة.
فممّن جمعت من كتبهم، وكرعت من نهلهم [5] وعلمهم مؤرّخ الإسلام الذّهبيّ [6] ، وفي الأكثر على كتبه أعتمد، ومن مشكاة ما جمع في مؤلفاته أستمدّ، وبعده من اشتهر في هذا الشأن كصاحب «الكمال» [7] و «الحلية» [8]
[1] العلل: الشرب الثاني، والنهل: الشرب الأول، يقال: علل بعد نهل.
[2]
الأوام: حر العطش.
[3]
المعنى: وتلهيت بالشرب الثاني لعله يبرد حرّ عطش الاحتراق.
[4]
الشأو: الغاية والأمد.
[5]
يقال: كرع في الماء، تناوله بفيه من موضعه من غير أن يشرب بكفه ولا بإناء، والنهل:
الشرب الأول.
[6]
هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي، المؤرخ، المحدّث، النقاد، صاحب «تاريخ الإسلام» و «سير أعلام النبلاء» و «الأمصار ذوات الآثار» وغير ذلك من المصنفات، المتوفى سنة (748) هـ. انظر «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (517) و «الأعلام» للزركلي (5/ 326) .
[7]
هو تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، الحافظ، المحدّث، المؤرخ، صاحب كتاب «الكمال في أسماء الرجال» - الذي أشار إليه المؤلف- و «عمدة الأحكام» و «النصيحة في الأدعية الصحيحة» وغير ذلك من المصنفات، المتوفى سنة (600) هـ. انظر ترجمته ومصادرها في صدر كتاب «عمدة الأحكام» بتحقيقي ص (17) وما بعدها، طبع دار المأمون للتراث بدمشق.
[8]
هي «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء» لصاحبها أبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، الحافظ، المحدّث، المتوفى سنة (430) هـ. انظر «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (423) و «الأعلام» للزركلي (1/ 157) .
و «المنهل» [1] و «ابن خلّكان» [2] وغير ذلك من الكتب المفيدة، والأسفار الجميلة الحميدة، وسمّيته:
«شذرات الذّهب في أخبار من ذهب» .
ورتّبته على السنين، من هجرة سيّد الأوّلين والآخرين.
وأسأل الله تعالى أن يثقل به ميزان الحسنات، وأن يجعله مقرّبا إليه، وإنما الأعمال بالنّيّات، فأقول، ومنه أطلب العون والقبول.
[1] هو «المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي» لصاحبه جمال الدين يوسف بن تغري بردي، المؤرخ، المتقن المتفنن، المتوفى سنة (874) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (8/ 22) .
[2]
هو أبو العباس أحمد بن محمد بن خلّكان، الأديب، المؤرخ، الحجة، المتوفى سنة (681) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (1/ 220) وكتابه الذي ينقل عنه المؤلف «ابن العماد» هو «وفيات الأعيان» .