الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الثالث منها فقد طبع طبعات كثيرة متعددة في مصر والشام ولبنان، وخير طبعة صدرت منه هي التي قام بتحقيقها الدكتور محمد مرسي الخولي رحمه الله، وقد صدرت في مصر عام 1390 هـ.
22- المقدسي
هو عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر الجمّاعيلي [1] المقدسي ثم الدمشقي، أبو محمد، الإمام المحدّث، المحقّق، المؤرّخ، حافظ عصره، صاحب «الكمال في أسماء الرجال» ، و «عمدة الأحكام» [2] ، و «النصيحة في الأدعية الصحيحة» [3] ، وغير ذلك من المصنفات النافعة.
ولد بجمّاعيل سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وقدم مع أسرته من بيت المقدس إلى الشام، فسكنوا في مسجد أبي صالح خارج الباب الشرقي لمدينة دمشق أول الأمر، ثم انتقلوا إلى سفح جبل قاسيون، فبنوا دارا كبيرة احتوت على عدد كبير من الحجرات دعيت فيما بعد بدار الحنابلة، ثم شرعوا في بناء أول مدرسة في جبل قاسيون، وهي المعروفة ب «المدرسة العمرية» [4] ، وقد عرفت تلك الضاحية التي سكنوها بالصالحيّة فيما بعد نسبة إليهم، لأنهم كانوا من أهل العلم والصلاح.
وقد تتلمذ الحافظ عبد الغني في صغره على عميد أسرته العلّامة الفاضل
[1] نسبة إلى جمّاعيل، وهي قرية في جبل نابلس من أرض فلسطين. انظر «معجم البلدان» لياقوت (1/ 159) .
[2]
الذي أكرمني الله عز وجل بدراسته وتحقيقه، وقام والدي حفظه الله بمراجعته وتقديمه، وقد صدر عن دار المأمون للتراث بدمشق.
[3]
الذي أكرمني الله عز وجل بتحقيقه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه بإشراف والدي حفظه الله، وقد صدر في طبعتين عن دار مؤسسة الرسالة في بيروت.
[4]
هذه المدرسة كانت من خيرة مدارس المسلمين، خرّجت عددا كبيرا من مشاهير العلماء، وكانت فيها مكتبة عظيمة عزّ نظيرها. انظر «القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية» لابن طولون (1/ 248) بتحقيق الشيخ محمد أحمد دهمان، طبع مجمع اللغة العربية بدمشق.
الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، ثم تتلمذ على شيوخ دمشق وعلمائها، فأخذ عنهم الفقه وغيره من العلوم، ثم قصد بغداد سنة (560) هـ ونزل عند الإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني، فقرأ عليه شيئا من الفقه والحديث، وأقام عنده نحو أربعين يوما، بعدها مات الشيخ الجيلاني، فأخذ عن الشيخ أبي الفتح بن المني الفقه والخلاف، ثم رحل إلى أصبهان فمكث فيها وقتا طويلا يدرس ويدرّس إلى أن عاد إلى بغداد مرة ثانية سنة (578) هـ، فحدّث بها، وانتقل من ثمّ إلى دمشق، فأخذ يقرأ الحديث في رواق الحنابلة من مسجد دمشق الأموي، فاجتمع الناس عليه، وكان رقيق القلب سريع الدمعة، فحصل له قبول من الناس عظيم. ثم ضيّق عليه البعض، فرحل إلى بعلبك، ومنها إلى مصر، فنزل عند الطحانين، وصار يقرأ الحديث، فنفق بها سوقه، وصار له حشد وأصحاب، فثار عليه الفقهاء بمصر أيضا، وكتبوا إلى الوزير صفي الدين بن شكر فأقرّ نفيه إلى المغرب، غير أن الحافظ عبد الغني مات قبل وصول كتاب النفي إليه، وذلك سنة ست مائة من هجرة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد وصفه جمع من مشاهير العلماء بأوصاف كثيرة تنبئ عن تمكنه من علم الحديث، وتحليقه في إطار علم الرّجال، وصفاء سريرته، وقوة اعتقاده، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وغضبه لانتهاك حدود الله عز وجل.
قال ضياء الدين المقدسي: كان لا يسأل عن حديث إلا ذكره وبيّنه، وذكر صحته أو سقمه، وكان يقال: هو أمير المؤمنين في الحديث، جاء إليه رجل فقال: رجل حلف بالطلاق أنك تحفظ مائة ألف حديث، فقال: لو قال أكثر من هذا العدد لصدق.
وقال تاج الدّين الكندي: لم ير الحافظ عبد الغني مثل نفسه، ولم يكن بعد الدارقطني مثله.
وقال ابن النجار: حدّث بالكثير، وصنّف في الحديث تصانيف حسنة، وكان غزير الحفظ من أهل الإتقان والتجويد، قيّما بجميع فنون الحديث.
وقال موفق الدين بن قدامة المقدسي: كان رفيقي، وما كنا نستبق إلى خير إلا سبقني إليه إلا القليل، وكمل الله فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدع وقيامهم عليه، وقد رزق العلم وتحصيل الكتب الكثيرة، إلّا أنه لم يعمّر حتى يبلغ غرضه في روايتها ونشرها.
قلت: وقد قامت شهرة الحافظ عبد الغني المقدسي على عدد من كتبه وأهمها «الكمال في أسماء الرجال» الذي ترجم فيه لرجال الكتب الستة المشهورة في علم الحديث، التي عليها المعوّل عند المحدّثين المتقدمين والمحدثين، وهو من الكتب الرائدة في هذا الباب، وقد استفاد العلماء المسلمون من هذا الكتاب العظيم لسنوات طويلة امتدت لقرابة قرن ونصف، إلى أن قام الإمام الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزّي المتوفى سنة (742) هـ بتهذيب هذا الكتاب، وسمّى كتابه «تهذيب الكمال في أسماء الرّجال» الأمر الذي جعل العلماء فيما بعد يميلون إلى اعتماد «تهذيب» المزي لما تضمنه من الزيادة والترتيب والضبط عن «الكمال» نتيجة لتقدم العلم وأساليب البحث والتصنيف عند علماء المسلمين في الفترة الفاصلة بين وفاة الحافظ عبد الغني، وعصر الإمام المزي.
ولكن تجدر الإشارة إلى أن عمل المزي في «تهذيب الكمال» لا يلغي بالضرورة ما للحافظ عبد الغني من فضل في جمع مادة الكتاب أصلا، لأن من المسلّم به أنّ الأفضلية من جهة الدراية في العلوم هي للسابق لا للاحق، وهو الأمر الذي بدت مقدمة محقّق «تهذيب الكمال» الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف وكأنها تصرّ على تجاوزه!.
ولا أقول هذا لأقلّل من قيمة «تهذيب بالكمال» الذي صنّفه المزّي، فإني من أسعد الناس بظهوره بهذا الإتقان الذي اتّسمت به المجلدات الخمس الأولى الصادرة منه حتى الآن، ولكن الإنصاف هو الذي دعاني إلى التشديد على فضل الحافظ عبد الغني المقدسي في وجود أصل الكتاب [1] .
[1] وللتوسّع في دراسة حياة الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله تعالى راجع كتابي «عناقيد