الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
36- لسان الدّين ابن الخطيب
هو محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني اللوشي الأصل، الغرناطي الأندلسي، أبو عبد الله، الشهير بلسان الدين ابن الخطيب، الوزير العلّامة المؤرّخ النبيل، صاحب «الإحاطة في تاريخ غرناطة» وغير ذلك من المصنفات المفيدة النافعة.
ولد بمدينة لوشة في الخامس والعشرين من رجب سنة (713) هـ، وتربى في أحضان أسرته التي عرفت بالأصالة علما وجاها، ونشأ في العاصمة «غرناطة» حيث تلقى بها دراسته على أيدي جهابذة العلماء والأدباء في عصره، فقد كانت غرناطة في ذلك العصر أعظم مركز للدراسات العلمية والأدبية في مغرب العالم الإسلامي.
وكان من الطبيعي أن يتأثر لسان الدين بالجو المحيط بوالده الذي كان يشغل وقتئذ منصب الوزارة في بلاط ملوك بني نصر، حيث وزر للسلطان يوسف بن إسماعيل بن الأحمر، فلما توفي والده دعي لسان الدين ليشغل منصب أبيه وهو في ريعان الشباب كأمين سر أولا لأستاذه رئيس ديوان الإنشاء أبي الحسن علي بن الجباب، ثم تقلّد ديوان الإنشاء بعد وفاة شاغله، وأظهر من البراعة والكفاءة في هذه المناصب ما جعله أهلا لثقة السلطان المذكور، فقلّده السلطان منصب أمانة السر في ديوانه ولمّا يستكمل مرحلة الشباب، وأرسله سفيرا إلى عدد من الملوك، ثم استنابه بدار الملك، وسلّمه خاتمه، وائتمنه على بيت المال، وسجوف حرمه، ومعقل امتناعه، فكانت هذه الفترة هي الفترة الذهبية في حياة هذا العالم الكبير.
ولما توفي السلطان يوسف خلفه ابنه السلطان الغني بالله، فأبقى هذا ابن الخطيب وزيرا له، وهكذا احتل ابن الخطيب مكانة مرموقة في بلاط الغني بالله، حيث جمع في عهده فيما بعد بين وزارة القلم، ووزارة السيف، فلقّب ب «ذي الوزارتين» ، ثم ما لبث السلطان الغني بالله أن انقلب على ابن
الخطيب إثر بعض التقلبات السياسية التي حصلت في فترة لا حقة، الأمر الذي جعل ابن الخطيب يفرّ من وجهه، ثم ما لبث إلا قليلا حتى وقع في أيدي الغني بالله فاتهمه بالزندقة والإلحاد، فأفتى الفقهاء للسلطان بإعدامه، فخنق ثم أحرق، وذلك في أواخر سنة ست وسبعين وسبعمائة من الهجرة.
قال المقري في كتابه «تعريف ابن الخطيب» : كان رحمه الله مبتلى بداء الأرق، لا ينام من الليل إلّا اليسير جدا، وقد قال في كتابه «الوصول لحفظ الصحة في الفصول» : العجب منّي مع تأليفي لهذا الكتاب الذي لم يؤلّف مثله في الطب، ومع ذلك لا أقدر على داء الأرق الذي بي، ولذا يقال له: ذو العمرين، لأن الناس ينامون وهو ساهر، ومؤلفاته ما كان يؤلفها غالبا إلا بالليل، وقد سمعت بعض الرؤساء بالمغرب يقول: لسان الدين، ذو الوزارتين، وذو العمرين، وذو الميتتين، وذو القبرين. ثم قال المقري: واعلم أن لسان الدّين لما كانت الأيام له مسالمة لم يقدر أحد أن يواجهه بما يدنّس معاليه، أو يطمس معالمه، فلما قلبت الأيام له ظهر مجنّها وعاملته بمنعها بعد منحها، ومنها أكثر أعداؤه في شأنه الكلام، ونسبوه إلى الزندقة والانحلال من ربقة الإسلام، بتنقص النبيّ عليه أفضل الصلاة والسلام، والقول بالحلول والاتحاد، والانخراط في سلك أهل الإلحاد، وسلوك مذاهب الفلاسفة في الاعتقاد، وغير ذلك مما أثاره الحقد والعداوة والانتقاد من مقالات نسبوها إليه خارجة عن السنن السويّ، وكلمات كدروا بها منهل علمه الرويّ، لا يدين بها ويفوه إلا الضالّ والغويّ، والظن أن مقامه رحمه الله تعالى من لبسها بريّ، وجنابه سامحه الله عن لبسها عريّ، وكان الذي تولى كبر محنته وقتله تلميذه ابن زمرك.
قلت: وقد اشتهر ابن الخطيب عقب موته بكتابه العظيم «الإحاطة في أخبار غرناطة» وقد بقي هذا الكتاب مخطوطا إلى أن امتدّت إليه يد العالم المؤرّخ الأستاذ محمد عبد الله عنان، فأزاحت الغبار عنه، وأخرجته إلى عالم المطبوعات محقّقا تحقيقا جيدا، وقد صدر في مصر عام 1376 هـ، فقدّم بذلك خدمة عظيمة للمكتبة العربية في العصر الحديث
.