الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة أربعمائة
فيها أقبل الحاكم- قاتله الله- على التألّه والدّين، وأمر بإنشاء دار العلم بمصر، وأحضر فيها الفقهاء والمحدّثين، وعمر الجامع الحاكمي بالقاهرة، وكثر الدعاء له، فبقي كذلك ثلاث سنين، ثم أخذ يقتل أهل العلم، وأغلق تلك الدار، ومنع من فعل كثير من الخير.
وفيها توفي ابن خرّشيذ قوله [1] ، أبو إسحاق، إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن خرّشيذ قوله الأصبهاني التاجر، في المحرم، وله ثلاث وتسعون سنة. دخل بغداد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وسمع من ابن زياد النيسابوري، وابن عقدة، والمحاملي، وكان أسند من بقي بأصبهان، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو مسعود الدمشقي، إبراهيم بن محمد بن عبيد الحافظ، مؤلّف «أطراف الصحيحين» . روى عن عبد الله بن محمد بن السقّا، وأبي بكر بن المقرئ، وطبقتهما، وكان عارفا بهذا الشأن [2] ومات كهلا فلم ينشر حديثه، توفي في رجب.
وفيها الفقيه الزاهد، السيد الجليل، الصالح الورع، جعفر بن عبد
الرحيم اليمني، من نواحي الجند، سأله واليها الإقامة عندهم، فقال:
بشرطين، أحدهما الإعفاء عن الحكم، والثاني أن لا يأكل من طعام الوالي شيئا، فاتفق يوما أنه حضر عقدا عند الوالي، فقال الوالي: هذا الموز أهداه لي فلان، وذكر رجلا من أهل الحلّ، فأكل جعفر الثنتين ثم تقيأهما في الدهليز.
ولما تولاها الصليحي سأله تولية القضاء، فقال: لا أصلح لها، فغضب وخرج من عنده، فأمر جنده أن يلحقوه ويقتلوه، فضربوه بسيوفهم، فلم تقطع شيئا مع تكرير الضرب، فأعلموا الصليحي، فأمرهم بالكتمان.
وسئل الفقيه عن حاله حين الضرب، فقال: كنت أقرأ يس فلم أشعر بذلك. قاله ابن الأهدل.
وفيها ابن ميمون الطّليطلي- بالضم والفتح والسكون وكسر الطاء الثانية، ولام نسبة إلى طليطلة، مدينة بالأندلس- أحمد بن محمد بن محمد بن عبيدة الأموي، أبو جعفر بن ميمون، كان أحد الحفّاظ المتقنين، والعلماء المتقين، والفقهاء الورعين المتزهدين. قاله ابن ناصر الدّين.
وفيها أبو محمد القصّار، عبد الوهاب بن أبي محمد، عبد الرحيم بن هبة الله القصّار، كان حافظا متقنا.
وفيها أبو نعيم الإسفراييني عبد الملك بن الحسن، راوي «المسند الصحيح» عن خال أبيه أبي عوانة الحافظ، وكان صالحا ثقة. ولد في ربيع الأول، سنة عشر وثلاثمائة، واعتنى به أبو عوانة وأسمعه كتابه، وعمّر فازدحم عليه الطلبة وأحضروه إلى نيسابور.
وفيها وقيل في التي بعدها- أبو الفتح البستي [1] الشاعر المفلق،
[1] نقل المؤلف ترجمته عن «وفيات الأعيان» (3/ 376- 378) .
علي بن محمد الكاتب شاعر وقته وأديب ناحيته صاحب الطريقة الأنيقة في التجنيس الأنيس البديع التأسيس، فمن ألفاظه البديعة قوله: من أصلح فاسده، أرغم حاسده. من أطاع غضبه أضاع أدبه. عادات السادات سادات العادات. من سعادة جدّك وقوفك عند حدّك. الرشوة رشاء الحاجات. أجمل الناس من كان للإخوان مذلّا [1][وعلى السلطان مدلّا] . الفهم شعاع [2] العقل. المنيّة تضحك الأمنية. حدّ العفاف الرضا بالكفاف.
ومن نادر شعره:
إن هز أقلامه يوما ليعملها
…
أنساك كلّ كميّ هز عامله [3]
وإن أقرّ على رق أنامله
…
أقر بالرّق كتّاب الأنام له
وله:
إذا تحدثت في قوم لتؤنسهم
…
بما تحدّث من ماض ومن آت
فلا تعيدنّ حديثا [4] إنّ طبعهم
…
موكل بمعاداة المعادات
وله:
تحمّل أخاك على ما به
…
فما في استقامته مطمع
وأنّى له خلق واحد
…
وفيه طبائعه الأربع
وله حين تغيّر عليه السلطان:
قل للأمير أدام ربي عزّه
…
وأناله من فضله مكنونه
[1] في الأصل والمطبوع: «مولى» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[2]
في الأصل والمطبوع: «شجاع» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[3]
في الأصل والمطبوع: «هز وابله» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
[4]
إني جنيت ولم تزل أهل النّهى
…
يهبون للخدام ما يجنونه
ولقد جمعت من الذنوب [1] فنونها
…
فاجمع من العفو الكريم فنونه
من كان يرجو عفو من هو فوقه
…
عن ذنبه فليعف عمّن دونه
وله أيضا:
إذا أحسست في فهمي فتورا
…
وحفظي والبلاغة والبيان
فلا ترتب بفهمي إن رقصي
…
على مقدار إيقاع الزمان
وبالجملة فمحاسنه كثيرة وشعره في غاية اللطافة، رحمه الله تعالى.
[1] في «وفيات الأعيان» : «من العيون» .
تمّ بعون الله تعالى وتوفيقه تحقيق المجلد الرابع من «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» للإمام ابن العماد الحنبلي الدمشقي، وذلك في عصر يوم الثلاثاء السابع عشر من شهر ربيع الآخر من عام 1408 هـ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وأسأل الله العليّ القدير أن يعيننا على تحقيق بقية الكتاب بحوله وقوته، إنه تعالى خير مسؤول وخير معين.
محمود الأرناؤوط