الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة
فيها كما قال في «الشذور» اتصلت الفتن بين الشيعة والسّنّة، وقتل بينهم خلق كثير.
وفيها استنصرت الكلاب الرّوم على المسلمين، فظفروا بسريّة فأسروها، وأسروا أميرها محمد بن ناصر الدولة بن حمدان، ثم أغاروا على الرّها، وحرّان، فقتلوا وسبوا، وأخذوا حصن الهارونية، وأحرقوه، وكرّوا على ديار بكر.
وفي هذه المدة، عمل الخطيب عبد الرحيم بن نباتة خطبه الجهاديات، يحرّض الإسلام على الغزاة.
وفيها توفي النّجّاد أبو بكر أحمد بن سلمان [1] بن الحسن بن إسرائيل بن يونس البغدادي الفقيه الحافظ، شيخ الحنابلة بالعراق، وصاحب التصانيف و «السنن» . سمع أبا داود السجستاني، وإبراهيم الحربي، وعبد الله بن الإمام أحمد، وهذه الطبقة. ومنه ابن مالك، وعمر بن شاهين، وابن بطة، وصاحبه أبو جعفر العكبري، وابن حامد، وأبو الفضل التميمي، وغيرهم، وكانت له حلقتان في جامع المنصور حلقة قبل الصلاة للفتوى على
[1] في الأصل والمطبوع و «العبر» (2/ 284) : «ابن سليمان» وهو خطأ، والتصحيح من كتب الرجال التي بين يدي.
مذهب الإمام أحمد، وبعد الصلاة لإملاء الحديث، واتسعت رواياته وانتشرت أحاديثه ومصنفاته، وكان رأسا في الفقه، رأسا في الحديث.
قال أبو إسحاق الطبري: كان النّجّاد يصوم الدهر، ويفطر [كل ليلة][1] على رغيف، ويترك منه لقمة، فإذا كان ليلة الجمعة، أكل تلك اللّقم التي استفضلها، وتصدق بالرغيف.
وقال أبو علي بن الصوّاف: وكان أحمد بن سلمان النّجّاد يجيء معنا إلى المحدّثين ونعله في يده، فقيل له: لم لا تلبس نعلك؟ قال: أحب أن أمشي في طلب حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم وأنا حاف، فلعله ذهب إلى قوله صلى الله عليه وسلم:«ألا أنبئكم بأخفّ النّاس- يعني حسابا يوم القيامة بين يدي الملك الجبّار- المسارع إلى الخيرات، ماشيا على قدميه حافيا» [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم] : أخبرني جبريل أنّ الله تعالى ناظر إلى عبد يمشي حافيا في طلب الخير [2] . وقال أبو بكر النّجّاد: تضايقت وقتا من الزمان، فمضيت إلى إبراهيم الحربي فذكرت له قصتي، فقال: اعلم أني تضايقت يوما حتّى لم يبق معي إلا قيراط، فقالت الزوجة: فتش كتبك وانظر ما لا تحتاج إليه فبعه، فلما صليت عشاء الآخرة وجلست في الدهليز أكتب، إذ طرق عليّ الباب طارق، فقلت: من هذا؟ فقال: كلّمني، ففتحت الباب، فقال: أطفئ السراج، فطفيتها، فدخل الدهليز، فوضع فيه كارة [3]، وقال: اعلم أنّا أصلحنا للصبيان طعاما، فأحببنا أن يكون لك وللصبيان فيه نصيب، وهذا أيضا شيء آخر، فوضعه إلى جانب الكارة، وقال: تصرفه في حاجتك- وأنا لا أعرف الرجل- وتركني وانصرف، فدعوت الزوجة وقلت لها: أسرجي، فأسرجت وجاءت،
[1] زيادة من «سير أعلام النبلاء» (15/ 503) . أقول: وصيام الدهر خلاف السّنّة. (ع) .
[2]
ذكره الخطيب البغدادي ضمن ترجمة المترجم في «تاريخ بغداد» (4/ 191) ، وإسناده ضعيف جدا.
[3]
الكارة: ما يجمع ويشدّ ويحمل على الظهر من طعام أو ثياب. انظر «المعجم الوسيط» (كور) .
وإذا الكارة منديل له قيمة، وفيه خمسون وسطا، في كل وسط لون من الطعام، وإذا إلى جانب الكارة كيس فيه ألف دينار.
قال النّجّاد: فقمت من عنده، فمضيت إلى قبر أحمد فزرته، ثم انصرفت، فبينا أنا أمشي إلى جانب الخندق، إذ لقيتني عجوز من جيراننا، فقالت لي: أحمد، فأجبتها، فقالت: ما لك مغموم؟ فأخبرتها فقالت: اعلم أن أمك أعطتني قبل موتها ثلاثمائة درهم، وقالت لي: أخبئي هذه عندك، فإذا رأيت ابني مضيقا مغموما فأعطيه إيّاها، فتعال معي حتّى أعطيك إيّاها، فمضيت معها، فدفعتها إليّ.
وقال النّجّاد: حدّثنا معاذ بن المثنى، ثنا خلّاد بن أسلم [1] ثنا محمد بن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، كلهم قال في قول الله عز وجل: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً 17: 79 [الإسراء: 79] . قال: يجلسه معه على العرش [2] وتوفي النّجّاد وقد كفّ بصره ليلة الثلاثاء، لعشر بقين من ذي الحجة، ودفن صبيحة تلك الليلة عند قبر بشر بن الحارث، وعاش خمسا وتسعين سنة.
وفيها الخلدي، أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير البغدادي الخوّاص الزاهد، شيخ الصوفية، ومحدّثهم.
والخلدي: بالضم والسكون ومهملة، نسبة إلى الخلد محلة ببغداد.
سمع الحارث بن أبي أسامة، وعلي بن عبد العزيز البغوي وطبقتهما.
قال السخاوي: هو جعفر بن محمد بن نصير أبو محمد الخوّاص، البغدادي المنشأ والمولد. صحب الجنيد، وعرف بصحبته، وصحب النّوري، ورويما [3] والجريري وغيرهم من مشايخ الوقت، وكان المرجع إليه
[1] في الأصل والمطبوع: «جلّاد بن أسلم» وهو خطأ، والتصحيح من «تقريب التهذيب» ص (196) .
[2]
أقول: وإسناده ضعيف، وانظر «تفسير الطبري» (15/ 98)(ع) .
[3]
في الأصل والمطبوع: «ورميم» والتصحيح من «طبقات الصوفية» للسلمي ص (434) .
في علوم القوم وكتبهم، وحكاياتهم وسيرهم.
قال: عندي مائة ونيّف وثلاثون ديوانا من دواوين الصوفية.
وحجّ قريبا من ستين حجّة، وتوفي ببغداد، وقبره بالشّونيزيّة، عند قبر السّري السّقطي والجنيد.
ومن كلامه: لا يجد العبد لذّة المعاملة مع لذة النفس، لأنّ أهل الحقائق قطعوا العلائق.
وقال: الفرق بين الرياء والإخلاص أنّ المرائي يعمل ليرى، والمخلص يعمل ليصل.
وقال: الفتوّة احتقار النفس وتعظيم حرمة المسلمين.
وقال لرجل: كن شريف الهمّة، فإن الهمم تبلغ بالرجل لا المجاهدات.
وقال جعفر: ودعت في بعض حجّاتي المزين الكبير الصوفي، فقلت:
زودني شيئا، فقال: إن ضاع منك شيء وأردت أن يجمع الله بينك وبين إنسان، فقل: يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يخلف الميعاد، اجمع بيني وبين كذا وكذا، فإن الله يجمع بينك وبين ذلك الشيء، أو ذلك الإنسان. قال: فما دعوت الله بتلك الدعوة في شيء إلا استجبت.
توفي ليلة الأحد لتسع خلون من شهر رمضان. انتهى ملخصا.
وقال في «العبر» [1] : حجّ ستّا وخمسين حجّة، وعاش خمسا وتسعين سنة. انتهى.
وفيها علي بن محمد بن الزّبير القرشي الكوفي المحدّث، أبو الحسن، حدّث عن ابني عفّان، وإبراهيم بن عبد الله القصّار وجماعة. وثقه الخطيب ومات في ذي القعدة، وله أربع وتسعون سنة.
[1](2/ 285) .
وفيها محمد بن أحمد بن علي بن أسد البردعي [1] الأسدي بن حرارة، وحرارة لقب أبيه. وكان محمد هذا حافظا كبيرا، نقّادا، مكثرا.
والبردعي: بفتح الباء والدال المهملة، وسكون الراء، نسبة إلى بردعة بلد بأذربيجان.
وفيها أبو بكر محمد بن جعفر الأدمي القارئ بالألحان. حدّث عن أحمد بن عبيد بن ناصح وجماعة، وقيل: إنه خلّط قبل موته.
[1] كذا في الأصل والمطبوع: «البردعي» وفي «تذكرة الحفاظ» (3/ 971) و «طبقات الحفاظ» ص (387) : «البرذعي» بالذال.