الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة سبع وستين وثلاثمائة
فيها كما قال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [1] التقى عز الدولة وعضد الدولة، فظفر عضد الدولة وأخذ عز الدولة أسيرا، وقتله بعد ذلك، وخلع الطائع على عضد الدولة خلع السلطنة، وتوجه بتاج مجوهر، وطوّقه وسوّره، وقلّده سيفا، وعقد له لواءين بيده، أحدهما مفضض على رسم الأمراء، والآخر مذهّب على رسم ولاة العهود، ولم يعقد هذا اللواء الثاني لغيره قبله، وكتب له عهد [2] ، وقرئ بحضرته، [ولم يبق أحد إلا تعجّب][3] ولم تجر العادة بذلك، إنما كان يدفع العهد إلى الولاة بحضرة أمير المؤمنين، فإذا أخذ [4] قال أمير المؤمنين: هذا عهدي إليك فاعمل به. انتهى.
وفيها هلك صاحب هجر، أبو يعقوب يوسف بن الحسن الجنّابي القرمطي.
وفيها توفي أبو القاسم النّصرآباذي- بفتح النون والراء الموحدة وسكون الصاد المهملة آخره معجمة، نسبة إلى نصراباذ محلة بنيسابور- واسمه إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمويه النيسابوري، الزاهد الواعظ،
[1] ص (407) .
[2]
في «تاريخ الخلفاء» للسيوطي: «وكتب له عهدا» .
[3]
ما بين حاصرتين زيادة من «تاريخ الخلفاء» للسيوطي.
[4]
في «تاريخ الخلفاء» للسيوطي: «فإذا أخذه» .
شيخ الصوفية والمحدّثين. سمع ابن خزيمة بخراسان، وابن صاعد ببغداد، وابن جوصا بالشام، وأحمد العسّال بمصر، وكان يرجع إلى فنون من الفقه، والحديث، والتاريخ، وسلوك الصوفية، ثم حجّ وجاور سنتين، ومات بمكة في ذي الحجة. قاله في «العبر» [1] .
وقال السخاوي: كان أوحد المشايخ في وقته علما وحالا، صحب الشّبلي، وأبا علي الرّوذباري، والمرتعش، وغيرهم. قيل له: إن بعض الناس يجالس النسوان ويقول: أنا معصوم في رؤيتهنّ، فقال: ما دامت الأشباح باقية، فإن الأمر والنهي باق، والتحليل والتحريم يخاطب [2] بهما ولن يجترئ على الشبهات إلا من يتعرض للمحرمات [3] .
وقال: الراغب في العطاء لا مقدار له، والراغب في المعطي عزيز.
وقال: العبادات إلى طلب الصّفح، والعفو عن تقصيرها، أقرب منها إلى طلب الأعواض والجزاء [بها][4] .
وقال: جذبة من الحق تربي على أعمال الثقلين. هذا كله كلام السّلمي [5] .
وقال الحاكم [6] : الصوفي العارف أبو القاسم النّصرآباذي الواعظ، لسان أهل الحقائق، وقد كان يورّق قديما ثم تركه، غاب عن نيسابور نيّفا
[1](2/ 349) .
[2]
في المطبوع و «طبقات الصوفية» للسلمي ص (487) : «مخاطب» .
[3]
في الأصل: «للحرمات» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «طبقات الصوفية» للسلمي.
[4]
زيادة من «طبقات الصوفية» للسلمي.
[5]
انظر «طبقات الصوفية» ص (484- 488) .
[6]
قلت: وقد ساق هذا النقل باختصار الذهبي في ترجمته في «سير أعلام النبلاء» (16/ 265) فراجعه.
وعشرين سنة، ثم انصرف إلى وطنه سنة أربعين، وكان يعظ على ستر وصيانة، ثم خرج إلى مكة سنة خمس وستين وجاور بها، ولزم العبادة فوق ما كان من عادته، وكان يعظ ويذكّر، ثم توفي بها في ذي الحجة، ودفن عند تربة الفضيل بن عياض رحمهما الله تعالى ورضي عنهما. انتهى ملخصا.
وفيها أبو منصور بختيار، الملقب عز الدولة بن الملك معز الدولة، أحمد بن بويه الدّيلمي.
ولي عز الدولة مملكة أبيه بعد موته، وتزوج الإمام الطائع ابنته شاه زمان [1] على صداق مبلغه مائة ألف دينار.
وكان عز الدولة ملكا سريّا، شديد القوى، يمسك الثور العظيم بقرنيه فيصرعه، وكان متوسطا في الإخراجات والكلف والقيام بالوظائف، حكى بشر الشمعي ببغداد قال: سئلنا عند دخول عضد الدولة بن بويه، وهو ابن عم عز الدولة المذكور، إلى بغداد لما ملكها بعد قتله عزّ الدولة، عن وظيفة الشمع الموقد بين يدي عز الدولة، فقلنا: كانت وظيفة وزيره أبي طاهر محمد بن بقية ألف من في كل شهر، فلم يعاودوا التقصّي استكثارا لذلك.
وكان بين عز الدولة وابن عمه عضد الدولة منافسات في الممالك أدّت إلى التنازع، وأفضت إلى التصافّ والمحاربة، فالتقيا يوم الأربعاء ثامن عشر شوال من هذه السنة، فقتل عز الدولة في المصافّ، وكان عمره ستا وثلاثين سنة، وحمل رأسه في طست [2] ووضع بين يدي عضد الدولة، فلما رآه وضع منديله على عينيه وبكى. قاله ابن خلّكان [3] .
[1] في «وفيات الأعيان» : «شاه زنان» وفي فهرس الأعلام منه: «شاه زمان» كما في كتابنا، وقال محققه في هامشه: وفي نسخة (هـ) : «شاه زيان» .
[2]
تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى «دست» والتصحيح من «وفيات الأعيان» والطست: آنية.
انظر «لسان العرب» (طست) .
[3]
انظر «وفيات الأعيان» (1/ 267- 268) .
وفيها الغضنفر عدّة الدولة، أبو تغلب بن الملك ناصر الدولة بن حمدان، ولي الموصل بعد أبيه مدّة، ثم قصده عضد الدولة فعجز وهرب إلى الشام، واستولى عضد الدولة على مملكته، ومر الغضنفر بظاهر دمشق، وقد غلب عليها قسّام العيّار، ثم ركب [1] إلى العزيز العبيدي، وسأله أن يوليه نيابة الشام، ثم نزل الرملة في هذه السنة، فالتقاه مفرج الطائي فأسره، وقتله كهلا.
وفيها أبو الطاهر الذّهلي محمد بن أحمد بن عبد الله القاضي البغدادي، ولي قضاء واسط، ثم قضاء بعض بغداد، ثم قضاء دمشق، ثم قضاء الدّيار المصرية. حدّث عن بشر بن موسى، وأبي مسلم الكجّي وطبقتهما، وكان مالكي المذهب، فصيحا مفوّها، شاعرا، أخباريا، حاضر الجواب، غزير الحفظ. توفي وقد قارب التسعين.
وفيها عمر بن بشران بن محمد بن بشر بن مهران، أبو حفص السّكّري، الحافظ الثقة الضابط، وهو أخو جد أبي الحسين بن بشران. روى عن أحمد بن الحسن الصّوفي، والبغوي.
قال الخطيب [2] : حدّثنا عنه البرقاني، وسألته عنه، فقال: ثقة، ثقة، كان حافظا، عارفا، كثير الحديث.
وفيها ابن السّليم، قاضي الجماعة، أبو بكر محمد بن إسحاق بن منذر الأندلسي [3] ، مولى بني أميّة، وله خمس وستون سنة، وكان رأسا في الفقه، رأسا في الزهد والعبادة. سمع أحمد بن خالد، وأبا سعيد بن الأعرابي الفقيه بمكة، وتوفي في رمضان.
[1] في «العبر» : «كتب» .
[2]
انظر «تاريخ بغداد» (11/ 256) .
[3]
مترجم في «سير أعلام النبلاء» (16/ 243- 244) .
وفيها ابن قريعة القاضي البغدادي، أبو بكر، محمد بن عبد الرحمن. أخذ عن أبي بكر بن الأنباري وغيره، وكان ظريفا مزّاحا، صاحب نوادر وسرعة جواب، وكان نديما للوزير المهلّبي. ولي قضاء بعض الأعمال، وقد نيّف على الستين.
قال ابن خلّكان [1] : كان قاضي السّندية وغيرها من أعمال بغداد، ولّاه أبو السائب عتبة بن عبيد الله القاضي، وكان من [2] إحدى عجائب الدّنيا في سرعة البديهة في الجواب عن جميع ما يسأل عنه، في أفصح لفظ، وأملح سجع، وله مسائل وأجوبة مدوّنة في كتاب مشهور بأيدي الناس، وكان رؤساء ذلك العصر وفضلاؤه يداعبونه ويكتبون إليه المسائل الغريبة المضحكة، فيكتب الجواب من غير توقف ولا تلبث، مطابقا لما سألوه، وكان الوزير المهلبي يغري به جماعة يضعون له من الأسئلة الهزلية معان شتى من النوادر الظريفة [3] ليجيب عنها بتلك الأجوبة، فمن ذلك ما كتب إليه العبّاس بن المعلى الكاتب: ما يقول القاضي- وفقه الله تعالى- في يهودي زنى بنصرانية، فولدت ولدا جسمه للبشر ووجهه للبقر، وقد قبض عليهما، فما يرى القاضي فيهما، فكتب جوابه بديها: هذا من أعدل الشهود على [الملاعين][4] اليهود بأنهم أشربوا العجل في صدورهم حتّى خرج من أيورهم، وأرى أن يناط برأس اليهودي رأس العجل، ويصلب على عنق النصرانية السّاق مع الرجل، ويسحبا على الأرض، وينادى عليهما ظلمات بعضها فوق بعض، والسلام.
ولما قدم الصاحب بن عبّاد إلى بغداد، حضر مجلس الوزير أبي محمد
[1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 382- 384) .
[2]
لفظة «من» سقطت من المطبوع.
[3]
في «وفيات الأعيان» : «من المسائل الطنزية» .
[4]
ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» .
المهلبي، وكان في المجلس القاضي أبو بكر المذكور، فرأى من ظرفه وسرعة أجوبته مع لطافتها ما عظم منه تعجبه، فكتب الصاحب إلى أبي الفضل بن العميد كتابا يقول فيه: وكان في المجلس شيخ خفيف الرّوح، يعرف بالقاضي ابن قريعة، جاراني في مسائل خفّتها [1] تمنع من ذكرها، إلا أني سأطرفك [2] من كلامه، وقد سأله رجل بحضرة الوزير أبي محمد عن حدّ القفا، فقال: ما اشتمل [3] عليه جربّانك [ومازحك فيه إخوانك][4] وأدّبك فيه سلطانك، وباسطك فيه غلمانك.
وجربّان: بضم الجيم والراء، وتشديد الباء الموحدة، وبعدها ألف، ثم نون لينة، وهي الخرقة العريضة التي فوق القبّ، وهي التي تستر القفا، والجربان لفظ فارسي معرب.
وجميع مسائله على هذا الأسلوب. انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا.
وقال ابن حمدون في «تذكرته» [5] : كان ابن قريعة في مجلس المهلّبي، فوردت عليه رقعة فيها: ما يقول القاضي أعزّه الله، في رجل دخل الحمّام، فجلس في الأبزن لعلة كانت به، فخرجت منه ريح، فتحول الماء زيتا، فتخاصم الحمّامي والضارط، وادّعى كل واحد منهما أنه يستحق جميع الزيت لحقه فيه، فكتب القاضي في الجواب: قرأت هذه الفتيا الظريفة في
[1] في «وفيات الأعيان» : «خسّتها» .
[2]
في «وفيات الأعيان» : «استظرفت» .
[3]
في الأصل: «ما يشتمل» وأثبت لفظ المطبوع وهو موافق للفظ «وفيات الأعيان» .
[4]
ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «وفيات الأعيان» .
[5]
قال العلّامة المؤرخ خير الدّين الزركلي- طيّب الله ثراه- في ترجمة ابن حمدون في «الأعلام» (6/ 85) : منها خمسة أجزاء مخطوطة، طبعت قطعة صغيرة من أحدها. وانظر «كشف الظنون» (1/ 383) .
هذه القصة السخيفة، وأخلق بها أن تكون عبثا باطلا وكذبا ماحلا، وإن كان ذلك كذلك فهو [من] أعاجيب الزمان وبدائع الحدثان، والجواب وبالله التوفيق، أن للضارط [1] نصف الزيت لحق وجعاته، وللحمامي نصف الزيت لحق مائه، وعليهما أن يصدقا المبتاع منهما عن خبث أصله وقبح فصله، حتّى يستعمله في مسرجته ولا يدخله في أغذيته. انتهى.
وقريعة: بضم القاف وفتح الراء وسكون الياء التحتية بعدها عين مهملة وهو لقب جدّه، كذا حكاه السمعاني.
وفيها أبو بكر بن القوطيّة- بضم القاف وكسر الطاء، وتشديد الياء المثناة من [2] تحت- نسبة إلى قوط بن حام بن نوح عليه السلام، نسبت إليه جدّة أبي بكر هذا وهي أم إبراهيم بن عيسى، واسمها سارة بنت المنذر بن حطية من ملوك القوط بالأندلس، وقوط أبو السودان، والهند والسّند أيضا. واسم أبي بكر هذا محمد بن عمر بن عبد العزيز بن إبراهيم بن عيسى بن مزاحم الأندلسي الإشبيلي الأصل القرطبي المولد. كان رأسا في اللغة والنحو، حافظا للأخبار وأيام الناس، فقيها محدّثا متقنا، كثير التصانيف، صاحب عبادة ونسك. كان أبو علي القالي يبالغ في تعظيمه، توفي في شهر ربيع الأول، وقد روى عن سعيد بن جابر، وطاهر بن عبد العزيز، وطبقتهما، وسمع بإشبيلية من محمد بن عبيد الزّبيدي، وبقرطبة من أبي الوليد الأعرج، وكان من أعلم أهل زمانه باللغة والعربية، وأروى الناس للأشعار وأدركهم للآثار، لا يدرك [3] شأوه ولا يشق غباره، وكان مضطلعا بأخبار الأندلس مليئا برواية سير أمرائها وأحوال فقهائها وشعرائها عن ظهر قلب.
[1] في المطبوع: «للصافع» .
[2]
لفظة «من» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع.
[3]
في المطبوع: «ولا يدرك» .
قال ابن خلّكان [1] : وكانت كتب اللغة أكثر ما تقرأ عليه وتؤخذ عنه، ولم يكن بالضابط لروايته في الحديث والفقه، ولا كانت له أصول يرجع إليها، وكان ما يسمع عليه من ذلك إنما يحمل على المعنى لا على اللفظ، وكان كثيرا ما يقرأ عليه ما لا رواية له به على جهة التصحيح، وطال عمره فسمع الناس منه [2] طبقة بعد طبقة، وروى عنه الشيوخ والكهول، وكان قد لقي مشايخ عصره بالأندلس وأخذ عنهم، وأكثر من النقل من فوائدهم.
وصنّف الكتب المفيدة في اللغة، منها: كتاب «تصاريف الأفعال» وهو الذي فتح هذا الباب، فجاء من بعده ابن القطّاع [3] وتبعه، وله كتاب «المقصور والممدود» جمع فيه ما لا يحدّ ولا يوصف، ولقد أعجز من يأتي بعده وفاق من تقدّمه.
وكان مع هذه الفضائل من العبّاد النّساك، وكان جيد الشعر، صحيح الألفاظ، واضح المعاني، حسن المطالع والمقاطع، إلا أنه ترك ذلك [ورفضه][4] .
حكى الشاعر أبو بكر [يحيى] بن هذيل التميمي أنه توجه يوما إلى ضيعة له بسفح جبل [5] قرطبة، وهي من بقاع الأرض الطيبة المؤنقة، فصادف أبا بكر بن القوطية المذكور صادرا عنها، وكانت له أيضا هناك ضيعة، قال:
فلما رآني عرّج عليّ واستبشر بلقائي، فقلت له: على البديهة [6] مداعبا له:
[1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 368- 371) .
[2]
في الأصل والمطبوع: «عنه» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
[3]
هو أبو القاسم علي بن جعفر البغدادي الصقلي، المعروف بابن القطّاع، صاحب كتاب «تثقيف اللسان» المتوفى سنة (514) ، وسوف ترد ترجمته في المجلد السادس من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
[4]
زيادة من «وفيات الأعيان» .
[5]
لفظة «جبل» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع.
[6]
تحرفت في المطبوع إلى «البهديهة» .
من أين أقبلت يا من لا شبيه له
…
ومن هو الشّمس والدّنيا له فلك [1]
قال فتبسم وأجاب بسرعة:
من منزل تعجب النّسّاك خلوته
…
وفيه ستر عن الفتّاك إن فتكوا [1]
قال: فما تمالكت أن قبّلت يده، إذ كان شيخي، ومجدته ودعوت له.
انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
وفيها أبو الطاهر الوزير، نصير الدولة محمد بن محمد بن بقيّة بن علي، أحد الرؤساء والأجواد، تنقلت به الأحوال، ووزر لمعز الدولة بختيار، وقد كان أبوه فلاحا، ثم عزل وسمل، ولما تملك عضد الدولة قتله وصلبه في شوال، ورثاه محمد بن عمر الأنباري بقوله [2] :
علوّ في الحياة وفي الممات
…
لحقّ أنت إحدى المعجزات
كأنّ النّاس حولك حين قاموا
…
وفود نداك أيّام الصّلات
كأنّك قائم فيهم خطيبا
…
وكلّهم قيام للصّلاة
مددت يديك نحوهم احتفاء
…
كمدّكها [3] إليهم بالهبات
فلما ضاق بطن الأرض عن أن
…
يضمّ علاك من بعد الممات
أصاروا الجوّ قبرك واستنابوا
…
عن الأكفان ثوب السّافيات
لعظمك في النّفوس تبيت ترعى
…
بحفّاظ وحرّاس ثقات
وتشعل عندك النّيران ليلا
…
كذلك كنت أيام الحياة
ركبت مطيّة من قبل زيد
…
علاها في السّنين الماضيات
وتلك فضيلة فيها تأسّ
…
تباعد عنك تعيير العداة
[1] البيتان مع الخبر في «يتيمة الدهر» (2/ 84) طبع دار الكتب العلمية، و «معجم الأدباء» لياقوت (18/ 274) .
[2]
الأبيات في «وفيات الأعيان» (5/ 120) و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 690) ، و «نكت الهيمان» ص (272- 273) ، و «النجوم الزاهرة» (4/ 130- 131) مع تقديم وتأخير.
[3]
في «وفيات الأعيان» و «النجوم الزاهرة» : «كمدّها» وفي «الكامل» : «كمدّهما» .
فلم أر قبل جذعك قطّ جذعا
…
تمكن من عناق المكرمات
أسأت إلى النوائب فاستثارت
…
فأنت قتيل ثأر النّائبات
وهي طويلة.
ولم يزل ابن بقيّة مصلوبا إلى أن توفي عضد الدولة، فأنزل عن الخشبة، ودفن في موضعه.
قال الحافظ ابن عساكر في «تاريخ دمشق» : لما صنع أبو الحسن المرثية التائية، كتبها ورماها في شوارع بغداد، فتداولتها الأدباء إلى أن وصل الخبر إلى عضد الدولة، فلما أنشدت بين يديه، تمنى أن يكون هو المصلوب دونه، وقال: عليّ بهذا الرجل، فطلب سنة كاملة، واتصل الخبر بالصاحب بن عبّاد وهو بالرّيّ، فكتب له الأمان، فلما سمع أبو الحسن ذلك قصد حضرته، فقال له: أنت القائل هذه الأبيات؟ قال: نعم، قال: أنشدنيها من فيك، فلما أنشد:
ولم أر قبل جذعك قطّ جذعا
…
تمكن من عناق المكرمات
قام إليه الصاحب وقبّل فاه، وأنفذه إلى عضد الدولة، فلما مثل بين يديه قال: ما الذي حملك على رثاء عدوي؟ فقال: حقوق سلفت وأياد مضت، فقال: هل يحضرك شيء في الشموع؟ والشموع تزهر بين يديه، فأنشأ يقول:
كأنّ الشّموع وقد أظهرت
…
من النّار في كلّ رأس سنانا
أصابع أعدائك الخائفين
…
تضرّع تطلب منك الأمانا
فلما سمعها خلع عليه وأعطاه فرسا وردّه. انتهى.
وكان ابن بقيّة في أول أمره قد توصل إلى أن صار صاحب مطبخ معز الدولة والد عزّ الدولة، ثم انتقل إلى غيرها من الخدم، ولما مات معز الدولة
وأفضى الأمر إلى عزّ الدولة حسنت حاله عنده، ورعى له خدمته لأبيه، وكان فيه توصل وسعة صدر، وتقدم إلى أن استوزره عز الدولة يوم الاثنين سابع ذي القعدة، سنة اثنتين وستين وثلاثمائة، ثم إنه قبض عليه لسبب يوم الاثنين سابع عشر ذي الحجة، سنة ست وستين بمدينة واسط، وسمل عينيه، ولزم بيته.
قال ابن الهمذاني في كتابه «عيون السير» : لما استوزر عز الدولة بن بقيّة بعد أن كان يتولى أمر المطبخ، قال الناس: من الغضارة إلى الوزارة، ولكن ستر كرمه عيوبه، وخلع يوما عشرين ألف خلعة. انتهى.
وتقدم أنه كان راتبه من الشمع في كل شهر ألف من، فكم يكون غيره مما تشتد الحاجة إليه، فسبحان المعز المذل، وعاش ابن بقيّة نيفا وخمسين سنة.
وفيها يحيى بن عبد الله بن يحيى بن الإمام يحيى بن يحيى اللّيثي القرطبي، أبو عيسى، الفقيه المالكي، راوي «الموطأ» عاليا.