الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة أربعين وثلاثمائة
فيها سار الوزير أبو محمد، الحسن بن محمد المهلّبي بالجيوش، وقد استوزر عام أول، فالتقى القرامطة، فهزمهم واستباح عسكرهم، وعاد بالأسارى.
وفيها جمع سيف الدولة جيشا عظيما، ووغل في بلاد الرّوم، فغنم وسبى شيئا كثيرا، وعاد سالما، وأمن الوقت، وذلّت القرامطة، وحجّ الركب.
وفيها توفي ابن الأعرابي، المحدّث الصوفي القدوة، أبو سعيد، أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم البصري، نزيل مكة، في ذي القعدة، وله أربع وتسعون سنة. روى عن الحسن الزعفراني، وسعدان بن نصر [1] وخلق كثير. وعنه ابن المقرئ، وابن مندة، وابن جميع، وخلق [2] .
وكان ثقة، نبيلا، عارفا، عابدا، ربانيا، كبير القدر، بعيد الصيت، وجمع، وصنّف ورحلوا إليه.
قال السخاوي: وصنّف للقوم كتبا كثيرة، وصحب الجنيد، وعمرو بن عثمان المكّي، والنوري، وغيرهم.
[1] في الأصل والمطبوع: «وسعد بن نصر» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/ 258) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 408) .
[2]
في المطبوع: «وخلائق» وكلاهما بمعنى.
قال السّلمي [1] : سمعت أبا بكر الرّازي يقول: سمعت أبا سعيد بن الأعرابي يقول بمكة: ثبت الوعد والوعيد عن الله تعالى. فإذا كان الوعد قبل الوعيد، فالوعيد تهديد، وإذا كان الوعيد قبل الوعد، فالوعيد منسوخ، وإذا اجتمعا معا، فالغلبة والثبات للوعد، فالوعد حقّ العبد، والوعيد حق الله تعالى، والكريم يتغافل عن حقه ولا يهمل ولا يترك ما عليه.
وقال: إن الله تعالى طيّب الدّنيا للعارفين بالخروج منها، وطيب الجنة لأهلها بالخلود فيها، فلو قيل للعارف: إنك تبقى في الدّنيا لمات كمدا، ولو قيل لأهل الجنة: إنكم تخرجون منها لماتوا كمدا، فطابت الدّنيا بذكر الخروج، وطابت الآخرة بذكر الخلود [فيها] .
وقال: اشتغالك بنفسك يقطعك عن عبادة ربّك، واشتغالك بهموم الدّنيا يقطعك عن هموم الآخرة، واشتغالك بمداراة الخلق يقطعك عن الخالق، ولا عبد أعجز من عبد نسي فضل ربه، وعدّ عليه تسبيحه وتكبيره، الذي هو [2] إلى الحياء منه أقرب من طلب ثواب عليه، أو افتخار به.
وقال الذهبي: وكان شيخ الحرم في وقته، سندا، وعلما، وزهدا، وعبادة، وتسليكا، وجمع كتاب «طبقات النّسّاك» وكتاب «تاريخ البصرة» وصنّف في شرف الفقر، وفي التصوف.
ومن كلامه: أخسر الخاسرين، من أبدى للناس صالح أعماله، وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد. انتهى ما أورده السخاوي ملخصا.
وفيها أبو إسحاق المروزي، إبراهيم بن أحمد، شيخ الشافعية، وصاحب ابن سريج، وذو التصانيف. انتهت إليه رئاسة مذهب الشافعي ببغداد، وانتقل في آخر عمره إلى مصر، فمات في رجب، ودفن عند ضريح الشافعي رضي الله عنهما.
[1] انظر «طبقات الصوفية» للسلمي (428- 429) .
[2]
في الأصل والمطبوع: «التي هي» والتصحيح من «طبقات الصوفية» .
قال الإسنوي: كان إماما جليلا، غوّاصا على المعاني، ورعا زاهدا.
أخذ عن ابن سريج، وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد، وانتشر الفقه عن أصحابه في البلاد.
قال العبّادي [1] : وخرج من مجلسه إلى البلاد سبعون إماما، وحكي عنه حكاية غريبة متعلقة بالقافة [2]، فقال: حكى الصيدلاني وغيره، عن القفّال، عن الشيخ أبي زيد، عن أبي إسحاق قال: كان لي جار ببغداد وله مال ويسار، وكان له ابن يضرب إلى سواد، ولون الرجل لا يشبهه، وكان يعرّض بأنه ليس منه، قال: فأتاني وقال: عزمت على الحجّ، وأكثر قصدي أن أستصحب ابني وأريه بعض القافة، فنهيته، وقلت: لعل القائف يقول ما تكره، وليس لك ابن غيره، فلم ينته، وخرج، فلما رجع، قال: إني استحضرت مجلسا وأمرت بعرضه عليه في عدة رجال، كان فيهم الذي يرمى بأنه منه، وكان معنا في الرفقة، وغيبت عن المجلس، فنظر القائف فيهم فلم يلحقه بأحد منهم، فأخبرت بذلك، وقيل لي: احضر فلعله يلحقه بك، فأقبلت على ناقة يقودها عبد لنا أسود كبير، فلما رفع بصره علينا، قال: الله أكبر، ذاك الراكب أبو هذا الغلام، والقائد الأسود أبو الراكب، فغشي عليّ من صعوبة ما سمعت، فلما رجعت، ألححت على والدتي، فأخبرتني أن أبي طلقها ثلاثا ثم ندم، فأمر هذا الغلام بنكاحها للتحليل، ففعل، فعلقت منه، وكان ذا مال كثير، وقد بلغ الكبر وليس له ولد، فاستلحقتك، ونكحني مرة ثانية. انتهى كلام الإسنوي.
قال ابن خلّكان [3] : وتوفي لتسع خلون من رجب.
والمروزيّ: بفتح الميم وسكون الراء، وفتح الواو، وبعدها زاي، هذه
[1] في «طبقات الشافعيين» وهو مطبوع كما ذكر الزركلي رحمه الله في «الأعلام» (5/ 314) ولكن الكتاب غير متوفر لدينا.
[2]
القافة: جمع قائف، وهو الذي يعرف الآثار. انظر «لسان العرب» (قوف) .
[3]
في «وفيات الأعيان» (1/ 27) .
النسبة إلى مرو الشّاهجان، [وهي إحدى كراسي خراسان، وهم أربع مدن، هذه، ونيسابور، وهراة، وبلخ، وإنما قيل لها مرو الشاهجان][1] لتتميز عن مرو الرّوذ، والشاهجان: لفظ عجمي، تفسيره روح الملك. انتهى ملخصا.
وفيها أبو عبد الله، الحسين بن الحسن بن أيوب الطّوسي الأديب.
ثقة رحّال مكثر، أقام على أبي حاتم مدة، وجاور لأجل [أبي] يحيى بن أبي ميسرة [2] .
وفيها أبو علي، الحسين بن صفوان البردعي- بالمهملة، نسبة إلى بردعة، بلد بأذربيجان- صاحب أبي بكر بن أبي الدّنيا. توفي ببغداد في شعبان.
وفيها العلّامة، أبو محمد، عبد الله بن محمد بن يعقوب بن الحارث البخاري الفقيه، شيخ الحنفية بما وراء النهر، ويعرف بعبد الله الأستاذ، وكان محدّثا، جوّالا، رأسا في الفقه، وصنّف التصانيف، وعمّر اثنتين وثمانين سنة. وروى عن عبد الصمد بن الفضل، وعبيد الله بن واصل وطبقتهما.
قال أبو زرعة: أحمد بن الحسين الحافظ، ضعيف هو [3] .
وقال الحاكم: هو صاحب عجائب [وأفراد] ، عن الثقات. قاله في «العبر» [4] .
وفيها أبو القاسم الزجّاجي- نسبة إلى الزجّاج [5]- النحوي عبد الرحمن بن إسحاق النّهاوندي، صاحب التصانيف. أخذ عن أبي إسحاق
[1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع.
[2]
في الأصل والمطبوع: «لأجل يحيى بن أبي مسرة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/ 259) وانظر «العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين» للفاسي (8/ 112) .
[3]
في المطبوع و «العبر» : «هو ضعيف» .
[4]
(2/ 259) وما بين حاصرتين زيادة منه.
[5]
وهو شيخه أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجّاج، لأنه كان يخرط الزجاج، ثم تعلم الأدب وترك ذلك. انظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 475) .
الزجّاج، وابن دريد، وعلي بن سليمان الأخفش، وقد انتفع بكتابه «الجمل» خلق لا يحصون، فقيل: إنه جاور مدة بمكّة وصنّفه فيها، وكان إذا فرغ من الباب طاف أسبوعا، ودعا الله بالمغفرة، وأن ينفع الله بكتابه وقراءته.
قال بعض المغاربة: لكتابه عندنا مائة وعشرون شرحا، اشتغل ببغداد ثم بحلب، ثم بدمشق، ومات بطبرية في رمضان.
وفيها قاسم بن أصبغ، الحافظ الإمام، محدّث الأندلس، أبو محمد القرطبي، مولى بني أميّة، ويقال له البيّاني- وبيّانة محلّة بقرطبة- وهو ثقة.
انتهى إليه التقدم في الحديث معرفة، وحفظا، وعلو إسناد. سمع بقي بن مخلد، وأقرانه، ومنه حفيده قاسم بن محمد، وعبد الله بن محمد الباجي، والقاسم بن محمد بن غسلون وغيرهم، ورحل سنة أربع وسبعين ومائتين، فسمع محمد بن إسماعيل بمكة، وأبا بكر بن أبي الدّنيا، وأبا محمد بن قتيبة، ومحمد بن الجهم، وطبقتهم ببغداد، وإبراهيم القصّار بالكوفة. وصنّف كتابا على وضع «سنن أبي داود» لكونه فاته لقيه، وكان إماما في العربية، مشاورا في الأحكام، عاش ثلاثا وستين سنة، وتغير ذهنه يسيرا قبل موته بثلاثة أعوام، ومات في جمادى الأولى.
وفيها أبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب الطائي الموصلي. قدم بغداد، وحدّث بها عن جدّه، وعن جدّ أبيه. وثّقه أبو حازم العبدوي، ومات في رمضان.
وفيها أبو الحسن الكرخي، شيخ الحنفية بالعراق، واسمه عبيد الله [1] بن حسين بن دلّال. روى عن إسماعيل القاضي، وغيره، وعاش ثمانين سنة. انتهت إليه رئاسة المذهب، وخرج له أصحاب أئمة، وكان قانعا، متعفّفا، عابدا، صوّاما، قوّاما، كبير القدر.
[1] في الأصل والمطبوع: «عبد الله» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/ 261) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 426) .