الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة تسع وثلاثمائة
فيها أخذت الإسكندرية، واستردّت إلى نوّاب الخليفة، ورجع العبيديّ إلى المغرب.
وفيها قتل أبو عبد الله الحسين بن منصور بن محمّى الفارسي الحلّاج، وكان محمّى مجوسيا.
قال في «العبر» [1] : تصوّف [2] الحلّاج وصحب سهل بن عبد الله التّستري، ثم قدم بغداد، فصحب الجنيد، والنّوري، وتعبّد فبالغ في المجاهدة والتّرقب [3] ، ثم فتن ودخل عليه الداخل من الكبر والرئاسة، فسافر إلى الهند وتعلم السّحر، فحصل له به حال شيطاني، وهرب منه الحال الإيماني، ثم بدت منه كفريات أباحت دمه وكسّرت صنمه، واشتبه على النّاس السّحر بالكرامات، فضلّ به خلق كثير، كدأب من مضى ومن يكون، إلى مقتل الدجال الأكبر [4] والمعصوم من عصمه الله [5] وقد جال هذا الرجل بخراسان، وما وراء النهر، والهند، وزرع في كل ناحية زندقة، فكانوا
[1](2/ 144) .
[2]
تحرفت في «العبر» إلى «تطوّف» فتصحح فيه.
[3]
في «العبر» : «والترهب» .
[4]
في «العبر» : «مثل الدجال الأكبر» .
[5]
في «العبر» : «من عصم الله» .
يكاتبونه من الهند بالمغيث، ومن بلاد التّرك بالمقيت، لبعد الدّيار [1] عن الإيمان. وأما البلاد القريبة فكانوا يكاتبونه من خراسان بأبي عبد الله الزاهد، ومن خوزستان [2] بالشيخ حلّاج الأسرار، وسمّاه أشياعه ببغداد المصطلم، وبالبصرة المحير [3] ، ثم سكن بغداد في حدود الثلاثمائة وقبلها، واشترى أملاكا [4] وبنى دارا، وأخذ يدعو النّاس إلى أمور، فقامت عليه الكبار، ووقع بينه وبين الشّبلي، والفقيه محمد بن داود الظاهري، والوزير علي بن عيسى، الذي كان في وزارته، كابن هبيرة في وزارته، علما، ودينا، وعدلا، فقال ناس: ساحر فأصابوا، وقال ناس: به مسّ من الجن، فما أبعدوا، لأن الذي كان يصدر منه لا يصدر من عاقل، إذ ذلك موجب حتفه، أو هو كالمصروع أو المصاب، الذي يخبر بالمغيّبات، ولا يتعاطى بذلك حالا، ولا أنّ ذلك من قبيل الوحي ولا الكرامات. وقال ناس من الأغتام [5] : بل هذا رجل عارف، وليّ لله، صاحب كرامات، فليقل ما شاء، فجهلوا من وجهين أحدهما أنه وليّ، والثاني أن الولي يقول ما شاء، فلن يقول إلا الحق، وهذه بليّة عظيمة، ومرضة مزمنة، أعيا الأطباء داؤها [6] ، وراج بهرجها، وعزّ ناقدها، والله المستعان.
قال أحمد بن يوسف التنوخي الأزرق: كان الحلّاج يدعو كل وقت إلى شيء، على حسب ما يستبله طائفة.
[1] في الأصل، والمطبوع:«لبعد الدار» وأثبت ما في «العبر» (2/ 144) .
[2]
تصحفت في المطبوع إلى «خوزستان» .
[3]
كذا في الأصل والمطبوع و «البداية والنهاية» (11/ 133) : «المحير» وفي «العبر» : «المجير» .
[4]
قوله «واشترى أملاكا» لم يرد في «العبر» للذهبي.
[5]
قال ابن منظور: الغتمة: عجمة في المنطق. ورجل أغتم وغتميّ: لا يفصح شيئا. «لسان العرب» (غتم) .
[6]
في «العبر» : «دواؤها» .
أخبرني جماعة من أصحابه، أنه لما افتتن به الناس بالأهواز لما يخرج لهم من الأطعمة في غير وقتها والدراهم، ويسمّيها دراهم القدرة، حدّث الجبائيّ بذلك فقال: هذه الأشياء تمكن [1] الحيل فيها، ولكن أدخلوه بيتا من بيوتكم، وكلّفوه أن يخرج منه جرزتي شوك، فبلغ الحلّاج قوله، فخرج من الأهواز.
وروي عن عمرو بن عثمان المكّي، أنه لعن الحلّاج وقال: قرأت آية من القرآن، فقال: يمكنني أن أؤلّف مثلها.
وقال أبو يعقوب الأقطع: زوّجت بنتي بالحلّاج فبان لي بعد أنه ساحر محتال.
وقال الصّولي: جالست الحلّاج، فرأيت جاهلا يتعاقل، وعييا [2] يتبالغ، وفاجرا يتزهد.
وكان ظاهره أنه ناسك، فإذا علم أن أهل بلد يرون الاعتزال صار معتزليا، أو يرون التشيّع تشيّع، أو يرون التّسنّن تسنّن، وكان يعرف الشعبذة، والكيمياء، والطب، ويتنقل في البلدان، ويدّعي الربوبية، ويقول للواحد من أصحابه: أنت آدم، ولذا أنت نوح، ولهذا أنت محمد، ويدّعي التناسخ، وأن أرواح الأنبياء انتقلت إليهم.
وقال الصّولي أيضا: قبض عليّ الرّاسبي أمير الأهواز على الحلّاج في سنة إحدى وثلاثمائة، وكتب إلى بغداد، يذكر أن البيّنة قامت عنده أن الحلّاج يدّعي الربوبية ويقول بالحلول، فحبس مدة، وكان يري الجاهل شيئا من
[1] في «العبر» : «يمكن» .
[2]
أي لم يهتد لوجه مراده، أو عجز عنه، ولم يطق إحكامه. انظر «لسان العرب» (عيا) . وفي «العبر» و «البداية والنهاية» (11/ 139) :«وغبيا» .
شعبذته، فإذا وثق به، دعاه إلى أنه إله، ثم قيل: إنه سنّي وإنما يريد قتله الرافضة، ودافع عنه نصر الحاجب قال: وكان في كتبه إنه مغرق قوم نوح، ومهلك عاد وثمود.
وكان الوزير حامد، قد وجد له كتابا فيه: أن المرء إذا عمل كذا وكذا من الجوع والصدقة ونحو ذلك، أغناه ذلك [1] عن الصوم، والصلاة، والحج، فقام عليه حامد فقتل. وأفتى جماعة من العلماء بقتله، وبعث حامد بن العبّاس بخطوطهم إلى المقتدر، فتوقف المقتدر، فراسله، أن هذا قد ذاع كفره وادّعاؤه الربوبية، وإن لم يقتل افتتن به الناس، فأذن في قتله، فطلب الوزير صاحب الشرطة، وأمره أن يضربه ألف سوط، فإن لم يمت وإلا قطع أربعته [2] ، فأحضر وهو يتبختر في قيده، فضرب ألف سوط ثم قطع يده ورجله، ثم حزّ رأسه وأحرقت جثته.
وقال ثابت بن سنان: انتهى إلى حامد في وزارته أمر الحلّاج، وأنه قد موّه على جماعة من الخدم والحشم وأصحاب المقتدر، بأنه يحيي الموتى، وأن الجن يخدمونه ويحضرون إليه ما يريد، وكان محبوسا بدار الخلافة فأحضر جماعة إلى حامد، فاعترفوا أن الحلّاج إله، وأنه يحيي الموتى، ثم وافقوه وكاشفوه [فأنكر][3] . وكانت زوجة السمري عنده في الاعتقال، فأحضرها حامد فسألها، فقالت: قد قال مرّة: زوّجتك بابني وهو بنيسابور، فإن جرى [4] منه ما تكرهين فصومي واصعدي على السطح على الرماد، وأفطري على الملح، واذكري ما تكرهينه، فإني أسمع وأرى.
قالت: وكنت نائمة وهو قريب منّي، فما أحسست إلا وقد غشيني،
[1] لفظة «ذلك» لم ترد في «العبر» (2/ 147) .
[2]
في «العبر» (2/ 148) : «فإن مات وإلا قطع أربعته» .
[3]
سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «العبر» للذهبي.
[4]
في الأصل والمطبوع: «وإن جرى» وأثبت لفظ «العبر» للذهبي.
فانتبهت فزعة، فقال: إنما جئت لأوقظك للصلاة.
وقالت لي بنته يوما: اسجدي له، فقلت: أو يسجد أحد لغير الله، وهو يسمعني، فقال: نعم إله في السماء وإله في الأرض.
وقال ابن باكويه: سمعت أحمد [1] بن الحلاج يقول: سمعت أحمد بن فاتك تلميذ والدي يقول بعد ثلاث من قتل والدي: رأيت ربّ العزّة في المنام، فقلت: يا رب ما فعل الحسين بن منصور؟ قال: كاشفته بمعنى، فدعا الخلق إلى نفسه، فأنزلت به ما رأيت.
وقال يوسف بن يعقوب النّعماني: سمعت محمد بن داود بن علي الأصبهاني الفقيه يقول: إن كان ما أنزل الله على نبيّه حقا [2] ، فما يقول الحلاج باطل.
وعن أبي بكر بن سعدان، قال لي الحلّاج: تؤمن بي حتّى أبعث لك بعصفورة، تطرح من ذرقها [وزن حبّة][3] على كذا منّا نحاسا فيصير ذهبا.
قلت: أفتؤمن بي حتّى أبعث إليك بفيل يستلقي فتصير قوائمه في السماء، فإذا أردت أن تخفيه، أخفيته في عينك، فأبهته، وكان مموّها مشعوذا. انتهى كلام «العبر» [4] بحروفه.
وفي «تاريخ ابن كثير» [5] قال: وقد صحب الحلّاج جماعة من سادات المشايخ، كالجنيد، وعمرو بن عثمان المكّي، وأبي الحسين النوري.
قال الخطيب البغدادي [6] : والصوفية مختلفون فيه، فأكثرهم نفى أن
[1] تحرف في المطبوع إلى «حمد» .
[2]
في الأصل: «حق» وما أثبتناه من المطبوع و «العبر» .
[3]
ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع، واستدركته من «العبر» للذهبي (2/ 149) .
[4]
(2/ 144- 150) .
[5]
يعني «البداية والنهاية» وقد نقل المؤلف عنه (11/ 132) .
[6]
انظر «تاريخ بغداد» (8/ 112) .
يكون الحلّاج منهم [وأبى أن يعدّه فيهم][1] ، وقبله أبو العبّاس بن عطاء [البغدادي] ومحمد بن خفيف [2] الشيرازي، وأبو القاسم النّصرآباذي [النيسابوري] ، وصححوا حاله، ودوّنوا كلامه، حتّى قال ابن خفيف:
الحسين بن منصور عالم رباني [3] .
وعوتب النّصرآباذي في شيء حكي عن الحلّاج في الروح، فقال: إن كان بعد النبيين والصدّيقين موحّد فهو الحلّاج.
وقال السّلميّ: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت الشبلي يقول:
كنت أنا والحسين بن منصور شيئا واحدا، إلا أنه أظهر وكتمت.
قال الخطيب: والذي نفاه من الصوفية نسبوه إلى الشعبذة في فعله، وإلى الزندقة في عقيدته وعقده. وأجمع الفقهاء ببغداد أنه قتل كافرا، وكان ممخرقا مموّها مشعبذا، وبهذا قال أكثر الصوفية فيه، ومنهم طائفة كما تقدم أجملوا القول فيه، وغرّهم ظاهره ولم يطّلعوا على باطنه ولا باطن قوله. ولما أنشد لأبي عبد الله بن خفيف قول الحلّاج بن منصور:
سبحان من أظهر ناسوته
…
سرّ سنا لاهوته الثّاقب
ثم بدا في خلقه ظاهرا
…
في صورة الآكل والشارب
حتّى لقد عاينه خلقه
…
كلحظة [4] الحاجب بالحاجب
[5]
[1] ما بين حاصرتين استدركته من «البداية والنهاية» و «تاريخ بغداد» .
[2]
في الأصل والمطبوع: «محمد بن جعفر» وهو خطأ والتصحيح من «البداية والنهاية» و «تاريخ بغداد» وانظر «طبقات الصوفية» للسلمي ص (462- 466) .
[3]
في الأصل والمطبوع: «وهو محمد بن جعفر الشيرازي: الحسين بن منصور عالم رباني» وذلك خطأ ووهم من النسّاخ، وأبقيت النص كما جاء في «البداية والنهاية» و «تاريخ بغداد» .
[4]
في الأصل والمطبوع: «كخطة» وأثبت لفظ «تاريخ بغداد» و «البداية والنهاية» .
[5]
الأبيات في «تاريخ بغداد» (8/ 129) و «البداية والنهاية» (11/ 134) .
فقال ابن خفيف: على من يقول هذا لعنة الله؟ فقيل له: إن هذا من شعر الحلّاج، فقال: قد يكون مقولا عليه.
ولما كان يوم الثلاثاء لتسع بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلاثمائة، أحضر الحلّاج إلى مجلس [1] الشرطة بالجانب الغربي فضرب نحو ألف سوط، ثم قطعت يداه ورجلاه، ثم ضربت عنقه وأحرقت جثته بالنّار. ونصب رأسه على سور الجسر الجديد، وعلّقت يداه ورجلاه إلى جانب رأسه.
وذكر السّلميّ بإسناده [2]، قال أبو بكر بن ممشاذ [3] : حضر عندنا بالدينور رجل ومعه مخلاة فوجدوا فيها كتابا للحلّاج عنوانه: من الرحيم الرحمن إلى فلان بن فلان يدعوه إلى الضلالة والإيمان به، فبعث بالكتاب إلى بغداد، فسئل الحلّاج عن ذلك فأقرّ أنه كتبه، وعلى هذا جرى ما جرى.
انتهى ما قاله ابن كثير، نقله عنه السخاوي.
وفيها توفي أبو العبّاس أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الأدميّ [4] الزاهد أحد مشايخ الصوفية القانتين الموصوفين بالاجتهاد في العبادة.
قيل: إنه كان ينام في اليوم والليلة ساعتين، ويختم القرآن كل يوم.
سئل ما المروءة؟ قال: أن لا يستكثر له عملا.
وقال: من ألزم نفسه آداب السّنّة نوّر الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب [صلى الله عليه وسلم][5] في أوامره، وأفعاله، وأخلاقه،
[1] في «البداية والنهاية» : «محل» .
[2]
في المطبوع: «بسنده» .
[3]
في الأصل والمطبوع: «ابن ممشاد» وهو تصحيف، والتصحيح من «طبقات الصوفية» ص (509) .
[4]
تحرّفت في «العبر» (2/ 150) إلى «الأزدي» فتصحح فيه. وانظر «طبقات الصوفية» ص (265- 272) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 255- 256) .
[5]
ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «طبقات الصوفية» ص (268) .
والتأدّب بآدابه قولا وفعلا، وعزما، ونيّة، وعقدا.
وقال: العلم الأكبر، الهيبة والحياء، فمن عرّي منهما [1] عرّي عن الخيرات.
وقال: من حرم الآداب حرم جوامع الخيرات.
وقال: أصحّ العقول، عقل وافق التوفيق، وشرّ الطاعات طاعة أورثت عجبا، وخير الذنوب، ذنب أعقب توبة وندما.
توفي في ذي القعدة بالعراق.
وفيها حامد بن محمد بن شعيب أبو العبّاس البلخيّ [2] المؤدّب ببغداد. روى عن سريج بن يونس [3] وطائفة، وكان ثقة. عاش ثلاثا وتسعين سنة.
وعمر بن إسماعيل [4] بن أبي غيلان، أبو حفص، الثقفيّ البغداديّ.
سمع علي بن الجعد وجماعة، ووثّقه الخطيب.
وفيها أبو بكر محمد بن الحسين بن المكرم [5] البغداديّ بالبصرة، وكان أحد الحفّاظ المبرّزين. روى عن بشر بن الوليد وطبقته.
وفيها عبد الرّحمن بن عبد المؤمن بن خالد المهلّبيّ الأزديّ [6] أبو محمد، وكان من الثقات الحفّاظ، والأثبات الأيقاظ.
[1] في الأصل والمطبوع: «عنهما» وما أثبتناه من «طبقات الصوفية» ص (269) .
[2]
انظر «العبر» (2/ 150) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 291) .
[3]
في الأصل والمطبوع، و «العبر» :«شريح بن يونس» وهو خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» و «تقريب التهذيب» ص (229) .
[4]
في الأصل والمطبوع: «عمرو بن إسماعيل» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (14/ 186) .
[5]
في «العبر» (2/ 150) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 286) و «ابن مكرم» .
[6]
انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 222- 223) .
ومحمد بن خلف بن المرزبان [1] أبو بكر البغداديّ الأخباريّ، صاحب التصانيف. روى عن الزّبير بن بكّار وطبقته، وكان صدوقا.
وفيها محمد بن أحمد بن راشد بن معدان الثقفي [2] ، مولاهم، أبو بكر، الأصبهاني، ابن معدان. كان حافظا رحّالا، كثير المصنفات.
[1] انظر «العبر» (2/ 258) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 264- 265) .
[2]
انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 404- 405) .