الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة
فيها يوم عاشوراء، ألزم معز الدولة أهل بغداد بالنّوح والمآتم، على الحسين، رضي الله عنه، وأمر بغلق الأسواق، وعلّقت عليها المسوح، ومنع الطباخين من عمل الأطعمة، وخرجت نساء الرافضة منشّرات الشعور، مضمّخات [1] الوجوه، يلطمن، ويفتنّ الناس، وهذا أول ما نيح عليه، اللهمّ ثبت علينا عقولنا. قاله في «العبر» [2] .
وفيها في ثامن عشر ذي الحجة، عملت الرافضة عيد الغدير، [غدير] خمّ [3] ، ودقّت الكوسات، وصلّوا بالصحراء صلاة العيد. قاله في «العبر» أيضا [4] .
وفيها بعث صاحب إرمينية إلى ناصر الدولة رجلين ملتصقين خلفة من جانب واحد، فويق الحقو [5] إلى دوين الإبط، ولدا كذلك ولهما بطنان، وسرّتان، ومعدتان، ولم يمكن فصلهما، وكان ربما يقع بينهما تشاجر،
[1] تحرّفت في «العبر» إلى «مضخمات» فتصحح فيه. ومعنى مضمّخات: ملطخات. انظر «لسان العرب» (ضمخ) ، وراجع الخبر في «غربال الزمان» ص (305) .
[2]
(2/ 300) .
[3]
غدير خم: بين مكة والمدينة. انظر «معجم ما استعجم» (2/ 510) و «معجم البلدان» (4/ 188) .
[4]
(2/ 300) .
[5]
الحقو: الخصر. انظر «مختار الصحاح» (حقا) .
فيختصمان، ويحلف أحدهما لا يكلّم الآخر أياما، ثم يصطلحان، فمات أحدهما قبل الآخر، فلحق الحيّ الغمّ من نتن الرائحة، فمات. قاله في «الشذور» [1] .
وفيها توفي الوزير المهلّبي، أبو محمد الحسن بن محمد الأزدي، من ذرية المهلّب بن أبي صفرة، وزير معز الدولة بن بويه. كان من رجال الدّهر حزما، وعزما، وسؤددا، وعقلا، وشهامة، ورأيا. توفي في شعبان، وقد نيّف على الستين، وكان فاضلا، شاعرا، فصيحا، حليما، جوادا، صادر معز الدولة أولاده من بعده، ثم استوزر أبا الفضل بن الحسين [2] الشيرازي واسمه العباس.
قال ابن خلّكان [3] : وكان الوزير المهلّبي قبل اتصاله بمعز الدولة في شدة عظيمة من الضرورة والضائقة، وكان قد سافر مرّة، ولقي في سفره مشقة صعبة، واشتهى اللّحم فلم يقدر عليه، فقال ارتجالا:
ألا موت يباع فأشتريه
…
فهذا العيش ما لا خير فيه
ألا موت لذيذ الطّعم يأتي
…
يخلّصني من العيش الكريه
إذا أبصرت قبرا من بعيد
…
وددت بأنّني مما يليه
ألا رحم المهيمن نفس حرّ
…
تصدّق بالوفاة على أخيه
وكان معه رفيق يقال له: أبو عبد الله الصوفي، وقيل: أبو الحسن العسقلاني، فلما سمع الأبيات اشترى له بدرهم لحما وطبخه وأطعمه، وتفارقا. وتنقلت بالمهلّبي الأحوال، وتولى الوزارة ببغداد لمعز الدولة، وضاقت الأحوال برفيقه في السفر الذي اشترى له اللحم، وبلغه وزارة
[1] وانظر الخبر برواية أخرى أكثر تفصيلا في «المنتظم» (7/ 16- 17) و «النجوم الزاهرة» (3/ 334- 335) .
[2]
تحرّفت في «العبر» إلى «الحسن» فتصحح فيه. وانظر «الكامل في التاريخ» (8/ 547) .
[3]
في «وفيات الأعيان» (2/ 124- 126) .
المهلّبي، فقصده وكتب إليه:
ألا قل للوزير فدته نفسي
…
مقالة مذكّر ما قد نسيه
أتذكر إذ تقول لضنك عيش
…
ألا موت يباع فأشتريه
فلما وقف عليها تذكر [1] وهزّته أريحيّة الكرم، فأمر له في الحال بسبعمائة درهم، ووقّع في رقعته: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ في سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ في كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَالله يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ 2: 261 [البقرة: 261] ، ثم دعا به، فخلع عليه، وقلّده عملا يرتفق به.
ولما ولي المهلّبي الوزارة بعد تلك الإضافة عمل:
رقّ الزمان لفاقتي
…
ورثى لطول تحرّقي
فأنالني ما أرتجي
…
هـ وحاد عمّا أتّقي
فلأصفحن عمّا أتا
…
هـ من الذنوب السّبّق
حتّى جنايته بما
…
فعل [2] المشيب بمفرقي
وكان لمعز الدولة مملوك تركي في غاية الجمال، يدعى تكين الجامدار، وكان شديد المحبة له، فبعث سريّة لمحاربة بعض بني حمدان، وجعل المملوك المذكور مقدّم الجيش، وكان الوزير المهلّبي يستحسنه ويرى أنه من أهل الهوى لا من أهل مدد الوغى [3]، فعمل فيه:
طفل يرقّ الماء في
…
وجناته [4] ويرفّ عوده
ويكاد من شبه العذا
…
رى فيه أن تبدو نهوده
[1] في «وفيات الأعيان» : «تذكره» .
[2]
في «وفيات الأعيان» : «صنع» .
[3]
في «وفيات الأعيان» : «لا مدد الوغى» فتصحح العبارة فيه.
[4]
في الأصل والمطبوع: «جنباته» وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» ولفظ البيت في «يتيمة الدهر» للثعالبي (2/ 267) طبع دار الكتب العلمية ببيروت:
ظبي يرقّ الماء في
…
وجناته ويرقّ عوده
ناطوا بمعقد خصره
…
سيفا ومنطقة تؤوده
جعلوه قائد عسكر
…
ضاع الرعيل ومن يقوده
وكان كذلك، فإنه ما أنجح [في تلك الحركة][1] وكانت الكرة عليهم.
ومن شعره النادر في الرّقة قوله:
تصارمت الأجفان لمّا صرمتني
…
فما تلتقي [2] إلّا على عبرة تجري
انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
وفيها أبو القاسم خالد بن سعد الأندلسي القرطبي الحافظ، كان ينظّر بيحيى بن معين، وكان أحد أركان الحديث بالأندلس. سمع بعد سنة ثلاثمائة من جماعة، منهم: محمد بن فطيس، وسعيد بن عثمان الأعناقي. ومنه:
قاسم بن محمد وغيره، وكان إماما حجّة مقدّما على حفّاظ زمانه، عجبا في معرفة الرجال والعلل، وقيل: كان يحفظ الشيء من مرّة، ورد أن المنتصر بالله الحكم قال: إذا فاخرنا أهل المشرق بيحيى بن معين، فاخرناهم بخالد بن سعد.
وفيها أبو بكر الإسكافي، محمد بن محمد بن أحمد بن مالك، ببغداد، في ذي القعدة. روى عن موسى بن سهل الوشّاء وجماعة، وله جزء مشهور [3] .
وفيها أحمد بن محمد بن السّري بن يحيى بن السّري التميمي الكوفي، أبو بكر بن أبي دارم.
قال ابن ناصر الدّين في «بديعته» :
[1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «وفيات الأعيان» .
[2]
في «وفيات الأعيان» : «فما نلتقي» وما جاء في كتابنا موافق لما في «يتيمة الدهر» (2/ 282) .
[3]
قلت: وثّقه السمعاني، وضعّفه الذهبي. انظر «الأنساب» (1/ 245) و «العبر» (2/ 301) .
ابن أبي دارم الضعيف
…
شيعهم برفضه نحيف
أي كان رافضا، فضعّف بسبب رفضه.
روى عن إبراهيم بن عبد الله القصّار، وأحمد بن موسى الحمار، ومطين، وعنه الحاكم، وابن مردويه وآخرون، وكان محدّث الكوفة وحافظها، وجمع في الحطّ على الصحابة، وقد اتّهم في الحديث.
وفيها أحمد بن عبيد بن إسماعيل الحافظ الثقة أبو الحسن البصري الصّفّار. روى عن الكديمي، ومحمد بن غالب تمتام. وروى عنه الدارقطني، وابن جميع.
قال الدارقطني: ثقة ثبت ذكره ابن بردس [1] .
وفيها علي بن أحمد بن أبي قيس الرفاعي البغدادي، أبو الحسن [2] روى عن زوج أمّه أبي بكر بن أبي الدّنيا، وهو ضعيف جدا [3] .
[1] في الأصل والمطبوع: «ابن درباس» والصواب ما أثبته، وقد سبق لهذا الاسم أن تحرّف في أكثر من موطن من قبل وقمت بالتنبيه على ذلك أكثر من مرة.
[2]
قوله: «وفيها علي بن أحمد بن أبي قيس الرفاعي البغدادي، أبو الحسن» سقط من «العبر» فيستدرك فيه.
[3]
انظر «ميزان الاعتدال» للذهبي (3/ 112) و «لسان الميزان» لابن حجر (4/ 9194.