الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة أربع وعشرين وثلاثمائة
فيها كما قال في «الشذور» اشتد الجوع وكثر الموت، فمات بأصبهان نحو مائتي ألف.
وفيها ثارت الغلمان الحجرية، وتحالفوا واتّفقوا، ثم قبضوا على الوزير ابن مقلة وأحرقوا داره، ثم سلّم إلى الوزير عبد الرحمن [بن عيسى][1] فضربه وأخذ خطه بألف ألف دينار، وجرى [2] له عجائب من الضرب والتعليق، ثم عزل عبد الرحمن ووزر أبو جعفر محمد بن القاسم الكرخي.
وكان ياقوت والد محمد والمظفر بعسكر مكرم يحارب عليّ بن بويه لعصيانه، فتمت له أمور طويلة، ثم قتل وقد شاخ، وتغلب ابن رائق وابن بويه على الممالك، وقلّت الأموال على الكرخي، فعزل بسليمان بن الحسن، فدعت الضرورة الراضي بالله إلى أن كاتب محمد بن رائق ليقدم، فقدم في جيشه إلى بغداد، وبطل حينئذ أمر الوزارة والدواوين، فاستولى ابن رائق على الأمور، وتحكم في الأموال، وضعف أمر الخلافة، وبقي الراضي معه صورة. قاله في «العبر» [3] .
[1] زيادة من «العبر» .
[2]
في «العبر» : «وجرت» .
[3]
(2/ 206) .
وفيها توفي أحمد بن بقيّ بن مخلد، أبو عمر الأندلسي [1] قاضي الجماعة [في أيام][2] الناصر لدين الله. ولي عشرة أعوام، وروى الكتب عن أبيه.
وفيها أبو الحسن جحظة البرمكي النديم، وهو أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد بن برمك [3] الأديب الأخباري، صاحب الغناء والألحان والنوادر.
قال ابن خلّكان [4] : كان فاضلا، صاحب فنون وأخبار، ونجوم ونوادر.
وكان من ظرفاء عصره، وهو من ذرية البرامكة، وله الأشعار الرائقة، فمن شعره:
أنا ابن أناس نوّل [5] الناس جودهم
…
فأضحوا حديثا للنّوال المشهّر
فلم يخل من إحسانهم لفظ مخبر
…
ولم يخل من تقريضهم [6] بطن دفتر
وله أيضا:
فقلت لها بخلت عليّ يقظى
…
فجودي في المنام لمستهام
فقالت لي وصرت تنام أيضا
…
وتطمع أن أزورك في المنام
وله أيضا:
أصبحت بين معاشر هجروا النّدى
…
وتقبّلوا [7] الأخلاق من أسلافهم
قوم أحاول نيلهم فكأنّما
…
حاولت نتف الشعر من آنافهم
[1]«العبر» (2/ 206- 207) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 83- 84 و 241) .
[2]
زيادة من «العبر» .
[3]
«العبر» (2/ 207) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 221- 222) .
[4]
في «وفيات الأعيان» (1/ 133) .
[5]
في «ذيل الأمالي» للقالي ص (99) و «وفيات الأعيان» و «سير أعلام النبلاء» «موّل» .
[6]
في الأصل والمطبوع: «تقريضهم» في المصادر الأخرى: «تقريظهم» وكلاهما صواب، وهو المدح.
[7]
في «وفيات الأعيان» : «وتقيلوا» .
هات اسقينيها بالكبير وغنّني
…
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
وله:
يا أيّها الركب الذي
…
ن فراقهم إحدى البليّه
يوصيكم الصّبّ المقي
…
م بقلبه خير الوصيّه
ومن أبياته السائرة قوله:
ورقّ الجو حتّى قيل هذا
…
عتاب بين جحظة والزمان
ولابن الرّومي فيه، وكان مشوّه الخلق:
نبّئت جحظة يستعير جحوظه
…
من فيل شطرنج ومن سرطان
وا رحمتا لمنادميه تحمّلوا
…
ألم العيون للذّة الآذان
وتوفي بواسط، وقيل: حمل تابوته من واسط إلى بغداد.
وجحظة: بفتح الجيم، لقب عليه، لقبه به عبد الله بن المعتز. انتهى ملخصا.
وفيها ابن مجاهد مقرئ العراق، أبو بكر أحمد بن موسى بن العبّاس بن مجاهد [1] . روى عن سعدان بن نصر، والرّمادي [2] وخلق. وقرأ على قنبل، وأبي الزّعراء، وجماعة، وكان ثقة بصيرا بالقراءات وعللها، عديم النظير. توفي في شعبان عن ثمانين سنة.
وفيها ابن المغلّس الداودي [3] ، وهو العلّامة أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن محمد بن المغلّس البغدادي الفقيه، أحد علماء الظاهر. له مصنفات كثيرة، وخرج له عدة أصحاب. تفقه على محمد بن داود الظاهري.
[1]«العبر» (2/ 207) وانظر «معرفة القراء الكبار» للذهبي (1/ 269- 271) ، وانظر ص (16- 20) من مقدمة العالم الكبير الدكتور شوقي ضيف ل «كتاب السبعة في القراءات» للمترجم.
[2]
تحرف في «العبر» إلى «الزيادي» فيصحّح فيه.
[3]
«العبر» (2/ 207) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 77- 78) .
وفيها ابن زياد النيسابوري، أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل [1] الفقيه الشافعي الحافظ. صاحب التصانيف والرحلة الواسعة. سمع محمد بن يحيى الذّهلي، ويونس [بن عبد الأعلى] الصّدفي، وغيرهما.
ومنه: ابن عقدة، والدارقطني.
قال الدارقطني: ما رأيت أحفظ من ابن زياد، كان يعرف زيادات الألفاظ، وأثنى عليه الحاكم، وهو ثقة.
قال الإسنوي: ولد في أول سنة ثمان وثمانين ومائتين، ورحل في طلب العلم إلى العراق، والشام، ومصر. وقرأ على المزني، وبرع في العلم، وسكن بغداد، وصار إماما للشافعية بالعراق. وسمع من جماعة كثيرة، وروى عنه جماعة، منهم الدارقطني، وقال: إنه أفقه المشايخ، وإنه لم ير مثله.
أقام أربعين سنة لا ينام الليل ويصلي الصبح بوضوء العشاء. وصنّف كتبا، منها «كتاب الرّبا» . انتهى ملخصا.
وفيها قاضي حمص، أبو القاسم عبد الصمد بن سعيد الكندي [2] .
روى عن محمد بن عوف الحافظ، وعمران بن بكّار، وطائفة. وجمع «التاريخ» [3] .
وفيها الإمام العلّامة، البحر الفهّامة، أبو الحسن الأشعري [4] علي بن إسماعيل بن أبي بشر المتكلم البصري، صاحب المصنفات، وله بضع وستون سنة. أخذ [الحديث] عن زكريا السّاجي، وعلم الجدل والنظر عن أبي علي الجبّائي، ثم ردّ على المعتزلة.
[1]«العبر» (2/ 207- 208) وما بين حاصرتين منه وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 65- 68) .
[2]
«العبر» (2/ 208) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 266- 267) .
[3]
وقد خصصه لذكر من نزل حمص من الصحابة. قاله الذهبي في «سير أعلام النبلاء» .
[4]
«العبر» (2/ 208- 209) وما بين حاصرتين منه وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 85- 90) .
ذكر ابن حزم، أن للأشعري خمسة وخمسين تصنيفا، وأنه توفي في هذا العام.
وقال غيره: توفي سنة ثلاثين، وقيل: بعد الثلاثين، وكان قانعا متعفّفا.
قاله في «العبر» .
قلت: ومما بيّض به وجوه أهل السّنّة النبوية، وسوّد به رايات أهل الاعتزال والجهمية، فأبان به وجه الحق الأبلج ولصدور أهل الإيمان والعرفان أثلج، مناظرته مع شيخه الجبّائي، التي بها قصم ظهر كل مبتدع ومرائي [1]، وهي كما قال ابن خلّكان [2] : سأل أبو الحسن المذكور أستاذه أبا علي الجبائي عن ثلاثة إخوة، كان أحدهم مؤمنا برّا تقيا، والثاني كان كافرا فاسقا شقيا، والثالث كان صغيرا فماتوا، فكيف حالهم؟ فقال الجبّائي: أما الزاهد ففي الدرجات، وأما الكافر ففي الدركات، وأما الصغير فمن أهل السلامة. فقال الأشعري: إن أراد الصغير أن يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له؟ فقال:
الجبائي: لا، لأنه يقال له: أخوك إنما وصل إلى هذه الدرجات بسبب طاعاته [3] الكثيرة، وليس لك تلك الطاعات، فقال الأشعري: فإن قال: ذلك التقصير [4] ليس منّي، فإنك ما أبقيتني ولا أقدرتني على الطاعة، فقال الجبّائي: يقول الباري جلّ وعلا: كنت أعلم لو بقيت لعصيت وصرت مستحقا للعذاب الأليم، فراعيت مصلحتك. فقال الأشعري: فلو قال الأخ الأكبر: يا إله العالمين، كما علمت حاله فقد علمت حالي، فلم راعيت مصلحته دوني؟ فانقطع الجبائي. ولهذه المناظرة دلالة على أن الله تعالى خصّ من شاء برحمته، وخصّ آخر بعذابه. وإلى أبي الحسن انتهت رياسة
[1] في المطبوع: «مرائي» .
[2]
في «وفيات الأعيان» (4/ 267- 268) ضمن ترجمة شيخه الجبّائي
[3]
في الأصل والمطبوع: «طاعته» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
[4]
في الأصل: «الصغير» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
الدّنيا في الكلام، وكان في ذلك المقدّم المقتدى الإمام.
قال في كتابه «الإبانة في أصول الديانة» [1]- وهو آخر كتاب صنّفه وعليه يعتمد أصحابه في الذّبّ عنه عند من يطعن عليه-: فصل في إبانة قول أهل الحق والسّنّة: فإن قال [لنا] قائل، قد أنكرتم قول المعتزلة، والقدرية، والجهمية، والحرورية، والرافضة، والمرجئة، فعرّفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون.
قيل له: قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها، التمسك بكلام ربنا [عز وجل] وسنّة نبينا [صلى الله عليه وسلم] ، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول [به] أبو عبد الله أحمد بن حنبل- نضّر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته- قائلون، ولما خالف قوله مخالفون، لأنه الإمام الفاضل، والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق ودفع به الضلال، وأوضح المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشكّ الشاكّين [2] ، فرحمة الله عليه من إمام مقدّم، وجليل معظّم، وكبير مفخّم [3][وعلى جميع أئمة المسلمين] .
وجملة قولنا: أنا نقرّ بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبما جاء من عند الله، وبما رواه الثقات عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لا نرد من ذلك شيئا، وأن الله، عز وجل، إله واحد [4] لا إله إلا هو، فرد صمد، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق. وأن الجنّة حق، وأن النّار حق. وأن الساعة آتية لا ريب فيها. وأن الله يبعث من في القبور. وأن
[1] ص (17- 26) قرأه وقدّم له وحكم على الأحاديث الواردة فيه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله تعالى، وقد نقل المؤلف عنه بتصرّف واختصار، وما بين حاصرتين في سياق النقل زيادة منه.
[2]
في المطبوع: «المشاكين» وهو خطأ.
[3]
في الأصل والمطبوع: «مفهم» وأثبت لفظ «الإبانة» .
[4]
في الأصل والمطبوع: «وأنه إله واحد» وأثبت لفظ «الإبانة» .
الله مستو على عرشه كما قال: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى 20: 5 [طه: 5] وأن له وجها [بلا كيف][1] كما قال: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ 55: 27 [الرحمن: 27] وأن له يدين بلا كيف كما قال: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ 38: 75 [ص: 75] وكما قال: [2] بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ 5: 64 [المائدة: 64] وأن له عينين بلا كيف كما قال: تَجْرِي بِأَعْيُنِنا 54: 14 [القمر: 14] . وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالا.
وندين بأن الله يقلّب القلوب [وأن القلوب] بين أصبعين من أصابع الله، عز وجل، [وأنه سبحانه] ، يضع السماوات على إصبع والأرضين على إصبع، كما جاءت الرواية عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم [3][من غير تكييف] .
وأن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ونسلّم الروايات الصحيحة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، التي رواها الثقات عدلا عن عدل.
ونصدّق بجميع الروايات التي رواها وأثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدّنيا، وأن الرّبّ، عز وجل، يقول: هل من سائل، هل من مستغفر، وسائر ما نقلوه وأثبتوه، خلافا لأهل الزيغ والتضليل.
ونقول: إن الله [عز وجل] يجيء يوم القيامة كما قال: وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا 89: 22 [الفجر: 22] وأن الله يقرب من عباده كيف شاء كما قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ من حَبْلِ الْوَرِيدِ 50: 16 [ق: 160] وكما قال: ثُمَّ دَنا 53: 8
[1] زيادة من «الإبانة» .
[2]
زيادة من «الإبانة» قلت: وذلك فيما رواه البخاري رقم (7414) في التوحيد: باب قول الله تعالى: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ 38: 75
[3]
رواه مسلم رقم (2786) في صفات المنافقين: باب صفة القيامة والجنة والنار، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ونصه عنده أن حبرا من أحبار اليهود جاء إلى النبيّ، صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! أو يا أبا القاسم! إن الله تعالى يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزّهنّ، فيقول: أنا الملك، أنا الملك. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعجبا مما قال الحبر، تصديقا له، ثم قرأ وَما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ 39: 67 [الزمر: 67] .
فَتَدَلَّى [1] فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى 53: 8- 9 [النجم: 8- 9] . انتهى ملخصا.
وقد ذكر ابن عساكر في كتابه «الذبّ عن أبي الحسن الأشعري» [2] ما يقرب من ذلك إن لم يكن بلفظه، ولعمري إن هذا الاعتقاد هو ما ينبغي أن يعتقد ولا يخرج عن شيء منه إلّا من في قلبه غش ونكد، وأنا أشهد الله على أنني أعتقده جميعه وأسأل الله الثبات عليه، وأستودعه عند من لا تضيع عنده وديعة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على سيدنا محمد معلّم الخيرات.
وفيها علي بن عبد الله بن مبشّر أبو الحسن الواسطي [3] المحدّث.
سمع عبد الحميد بن بيان، وأحمد بن سنان [القطّان] .
[1] أقول: انظر التعليق على قوله تعالى: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى 53: 8 في «زاد المسير في علم التفسير» للحافظ ابن الجوزي (8/ 65) الذي حققته بالاشتراك مع زميلي الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، وطبعه المكتب الإسلامي. (ع) .
[2]
وهو المعروف ب «تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي الحسن الأشعري» انظر ص (157- 163) منه، طبعة مكتبة القدسي بالقاهرة.
[3]
«العبر» (2/ 209) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 25- 26) وما بين حاصرتين زيادة منهما.