الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ست وثلاثمائة
فيها وقبلها، أمرت أم المقتدر في أمور الأمة ونهت لركاكة ابنها، فإنه لم يركب للنّاس ظاهرا منذ استخلف إلى سنة إحدى وثلاثمائة، ثم ولّى ابنه عليا إمرة مصر وغيرها، وهو ابن أربع سنين، وهذا من الوهن الذي دخل على الأمة.
ولما كان في هذا العام أمرت أمّ المقتدر ثمل [1] القهرمانة أن تجلس للمظالم وتنظر في القصص كل جمعة بحضرة القضاة، وكانت تبرز التواقيع وعليها خطها.
وفيها أقبل القائم محمد بن المهدي صاحب المغرب في جيوشه، فأخذ الإسكندرية وأكثر الصعيد ثم رجع.
وفيها توفي أحمد بن الحسن بن عبد الجبّار، أبو عبد الله الصوفي [2] ببغداد. روى عن علي بن الجعد، ويحيى بن معين، وجماعة. وكان ثقة صاحب حديث، مات عن نيّف وتسعين سنة.
وفيها القاضي أبو العبّاس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي [3] شيخ
[1] في «العبر» : «مثل» وهو خطأ. وانظر «صلة تاريخ الطبري» للقرطبي ص (109) ، و «تكملة تاريخ الطبري» للهمذاني ص (227) طبع دار المعارف بمصر.
[2]
انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 152- 153) .
[3]
انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 201- 204) .
الشافعية وصاحب التصانيف، في جمادى الأولى، وله سبع وخمسون سنة وستة أشهر، وكان يقال له: الباز الأشهب، ولي قضاء شيراز، وله من المصنفات أربعمائة مصنف. روى الحديث عن الحسن بن محمد الزّعفراني وجماعة.
قال الإسنوي: قال الشيخ أبو إسحاق: كان ابن سريج يفضّل على جميع أصحاب الشافعيّ حتّى على المزني. انتهى.
وقال ابن خلّكان [1] : وأخذ الفقه عن أبي القاسم الأنماطي، وعنه أخذ فقهاء الإسلام، ومنه انتشر مذهب الإمام الشافعي في أكثر الآفاق.
وكان يناظر أبا بكر محمد بن داود الظاهري، وحكي أنه قال له أبو بكر يوما: أبلعني ريقي، فقال له: أبلعتك دجلة.
وقال له يوما: أمهلني ساعة، قال: أمهلتك من الساعة إلى قيام الساعة.
وقال له يوما: أكلمك من الرّجل فتجيبني من الرأس، فقال له: هكذا البقر، إذا جفّت [2] أظلافها [3] دهنت قرونها.
وكان يقال له في عصره: إن الله تعالى بعث عمر بن عبد العزيز على رأس المائة من الهجرة فأظهر كل سنّة وأمات كل بدعة، ومن الله تعالى على رأس المائتين بالإمام الشّافعيّ حتّى أظهر السّنّة وأخفى البدعة، ومن الله تعالى على رأس الثلاثمائة بك حتّى قويت كل سنّة وأضعفت كل بدعة.
وكان له مع فضائله نظم حسن. انتهى كلام ابن خلّكان.
[1] في «وفيات الأعيان» (1/ 66- 67) .
[2]
في «وفيات الأعيان» : «إذا حفيت» .
[3]
الأظلاف: جمع ظلف. قال ابن منظور: الظّلف للبقر والغنم كالحافر للفرس والبغل، والخف للبعير، وقد يطلق الظّلف على ذات الظّلف أنفسها مجازا. «لسان العرب» (ظلف) .
قلت: وإليه تنسب المسألة السريجية، وهي أن يقول الرجل لزوجته:
كلما، أو إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا، ثم يقول: أنت طالق.
قال ابن سريج: لا يقع شيء للدور.
قال البلقيني بجواز تقليد مصحح الدور في السريجية ومقلده لا يأثم، وإن كنت لا أفتي بصحته لأن الفروع الاجتهادية لا يعاقب عليها، وإن ذلك ينفع عند الله تعالى، ذكره عنه ابن حجر الهيتمي، والله أعلم.
وقال ابن الأهدل: ومن غرائب ابن سريج أنه كان يقول بلزوم الحكم بالحكاية. انتهى.
وفيها أبو عبد الله بن الجلّاء [1] الزاهد المشهور، شيخ الصوفية، واسمه أحمد بن يحيى [2] . صحب ذا النّون المصري والكبار، وكان قدوة أهل الشام. توفي في رجب. وقد سئل عن المحبة فقال: ما لي وللمحبة، أنا أريد أن أتعلم التوبة.
قال السخاوي في «طبقاته» [3] : أحمد بن يحيى بن الجلّاء بغدادي الأصل، أقام بالرّملة ودمشق، وكان من جلّة مشايخ الشام. صحب أباه يحيى بن الجلّاء، وأبا تراب النّخشبي، وذا النّون المصري، وأبا عبيد البسري، وكان أستاذ محمد بن داود الدّقّي.
وكان عالما ورعا. كان يقال: إن في الدّنيا ثلاثة من أئمة الصوفية، لا رابع لهم: الجنيد ببغداد، وأبو عثمان الحيري بنيسابور، وأبو عبد الله أحمد بن الجلّاء بالشام.
[1] انظر «طبقات الصوفية» ص (176- 179) ، و «سير أعلام النبلاء» (14/ 251- 252) .
[2]
في «طبقات الصوفية» و «سير أعلام النبلاء» : «ويقال محمد بن يحيى» .
[3]
قلت: الذي جاء في النص هنا يماثل ما عند السلمي في «طبقات الصوفية» ص (176) فراجعه.
قال ابن الجلّاء: من بلغ بنفسه إلى رتبة سقط عنها، ومن بلغ بالله ثبت عليها.
وسئل: على أيّ شيء تصحب الخلق [1] ؟ فقال: إن لم تبرّهم فلا تؤذهم، وإن لم تسرّهم فلا تسؤهم.
وقال: لا تضيّعنّ حقّ أخيك اتّكالا على ما بينك وبينه من المودّة والصداقة، فإن الله تعالى فرض لكل مؤمن حقوقا لا يضيّعها إلا من لم يراع حقوق الله عليه.
وقال: من استوى عنده المدح والذمّ فهو زاهد، ومن حافظ على الفرائض في أول مواقيتها فهو عابد، ومن رأى الأفعال كلّها من الله [عز وجل] فهو موحّد.
وسئل: ما تقول في الرجل يدخل البادية بلا زاد؟ قال: هذا من فعل رجال الله [عز وجل] .
قيل: فإن مات؟ قال: الدّيّة على القاتل [2] .
وقال: اهتمامك بالرزق يزيلك عن الحق، ويفقرك إلى الخلق.
وسئل مرة عن علم الصفات: فقال:
كيفية المرء ليس المرء يدركها
…
فكيف كيفيّة الجبّار في القدم
هو الذي أحدث الأشياء مبتدعا
…
فكيف يدركه مستحدث النسم
انتهى.
وفيها حاجب [بن مالك][3] بن أركين الفرغاني الضّرير المحدّث.
روى عن أحمد بن إبراهيم الدّورقي وجماعة، وله جزء مشهور.
[1] في «طبقات الصوفية» للسلمي: «على أي شرط أصحب الخلق» وهو أصوب.
[2]
أقول: من السّنّة أن يحمل الزاد، ويعمل بالأسباب، وهذا فعل المتوكلين على الله تعالى. (ع) .
[3]
ما بين حاصرتين زيادة من «سير أعلام النبلاء» (14/ 258) و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (6/ 145) طبع دار الفكر بدمشق.
والحسين بن حمدان التّغلبي [1] ذبح في حبس المقتدر بأمره.
وفيها الإمام أبو محمد، عبدان بن أحمد بن موسى الأهوازي الجواليقي [2] ، الحافظ الثقة، صاحب التصانيف. سمع سهل بن عثمان، وأبا بكر بن أبي شيبة، وطبقتهما، وكان يحفظ مائة ألف حديث، ورحل إلى البصرة ثماني عشرة مرّة. توفي في آخر السنة، وله تسعون سنة وأشهر.
وفيها محمد بن خلف بن [حيّان بن صدقة][3] ، وكيع القاضي [4] أبو بكر الأخباري، صاحب التصانيف. روى عن الزّبير بن بكّار وطبقته، وولي قضاء الأهواز.
قال في «المغني» [5] : مشهور، له تآليف [6] .
قال ابن المنادي: فيه لين. انتهى.
وفيها الفقيه الإمام أبو الحسن منصور بن إسماعيل بن عمر التميمي [7][المصري] الضّرير. أصله من رأس عين، بلدة بالجزيرة [8] له مصنفات في مذهب الشافعي حسان، وشعر جيد، أصابته فاقة في سنة قحط، فنادى بأعلى صوته فوق داره:
[1] انظر «الوافي بالوفيات» للصفدي (12/ 360) ، و «العبر» للذهبي (2/ 138) .
[2]
انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 168- 173) و «العبر» (2/ 139) .
[3]
زيادة من «سير أعلام النبلاء» (14/ 237) والمصادر التي ذكرت في هامشه.
[4]
انظر «العبر» (2/ 139) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 237) .
[5]
انظر «المغني في الضعفاء» للذهبي (2/ 576) .
[6]
في «المغني» : «له تواليف» .
[7]
انظر «غربال الزمان» ص (271) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 238) .
[8]
قال ياقوت في «معجم البلدان» (3/ 14) : وهي مدينة كبيرة مشهورة من مدن الجزيرة بين حرّان ونصيبين ودنيسر، وبينها وبين نصيبين خمسة عشر فرسخا وقريب من ذلك بينها وبين حرّان، وهي إلى دنيسر أقرب، بينهما نحو عشرة فراسخ. وفي الأصل والمطبوع:«بلدة بالجيزة» وهو خطأ.
قلت: وتقع الآن في أقصى الشمال الأوسط من سورية.
الغياث الغياث يا أحرار
…
نحن فقراء [1] وأنتم تجار
إنما تحسن المواساة في الش
…
دة لا حين ترخص الأسعار
[2]
فسمعه جيرانه، فأصبح على بابه مائة حمل برّ.
قال الإسنويّ: كان فقيها متصرفا في علوم كثيرة، لم يكن في زمانه في مصر مثله.
قال الشيخ أبو إسحاق [3] : قرأ على أصحاب الشافعي، وأصحاب أصحابه، وله مصنفات في الفقه [4] مليحة، منها «الهداية» و «المسافر» و «الواجب» و «المستعمل» وغيرها. وله شعر مليح، وكان شاعرا خبيث اللسان في الهجو، وكان جنديا، ومن شعره:
لي حيلة فيمن ينمّ
…
وليس في الكذّاب حيله
من كان يخلق ما يقو
…
ل فحيلتي فيه قليله
[5]
وله أيضا:
الكلب أحسن عشرة
…
وهو النهاية في الخساسة
ممّن ينازع في الرّيا
…
سة قبل أوقات الرّياسه
[6]
نقل عنه الرافعي في الجنايات أن مستحق القصاص يجوز له استيفاؤه بغير إذن الإمام. انتهى ملخصا.
[1] في «غربال الزمان» و «وفيات الأعيان» (5/ 290) : «نحن خلجناكم» .
[2]
في الأصل، والمطبوع ورد البيتان على شكل كلام نثري للمترجم وهو خطأ، وقد حصل بعض التحريف في بعض ألفاظ البيتين في «غربال الزمان» و «وفيات الأعيان» .
[3]
انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (107- 108) وقد نقل المؤلف عنه بتصرّف.
[4]
في «طبقات الفقهاء» و «وفيات الأعيان» : «في المذهب» .
[5]
البيتان في «وفيات الأعيان» (5/ 290) وهما في «سير أعلام النبلاء» برواية أخرى.
[6]
البيتان في «وفيات الأعيان» (5/ 290) .