الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة
فيها تملّك سيف الدولة بن حمدان دمشق بعد موت الإخشيذ، فجاءته جيوش مصر فدفعته إلى الرّقّة، بعد حروب وأمور، واصطلح معز الدولة بن بويه، وناصر الدولة بن حمدان.
وفيها كما قال في «الشذور» ملكت الدّيالم الجانب الشرقي- أي من بغداد- ونهبت سوق يحيى وغيره، فخرج الناس حفاة مشاة من بغداد إلى ناحية عكبرا [1] هاربين، النساء والصبيان، فتلفوا من الحرّ والعطش، حتّى إن امرأة كانت تنادي في الصحراء: أنا ابنة فلان، ومعي جوهر وحليّ بألف دينار، رحم الله من أخذه وسقاني شربة ماء، فما التفت إليها أحد فوقعت ميتة [2] .
وفيها توفي أبو العبّاس بن القاص، أحمد بن أبي أحمد الطبري الشافعي، وله مصنفات مشهورة. تفقه على ابن سريج. وتفقه عليه أهل طبرستان، وتوفي بطرسوس.
قال ابن السمعاني [3] : والقاصّ هو الذي يعظ ويذكر القصص.
عرف أبوه بالقاصّ لأنه دخل بلاد الديلم وقصّ على الناس الأخبار
[1] في الأصل والمطبوع: «عكبرى» وانظر «معجم البلدان» (4/ 142) .
[2]
انظر الخبر بتوسع في «المنتظم» لابن الجوزي (6/ 349- 350) .
[3]
انظر «الأنساب» (10/ 20) و (10/ 24- 25) .
المرغّبة في الجهاد، ثم دخل بلاد الرّوم غازيا، فبينما هو يقصّ لحقه وجد وخشية فمات، رحمه الله تعالى. قاله النووي في «تهذيبه» [1] .
وقال ابن خلّكان [2] : إن صاحب الترجمة- وهو أبو العباس، هو الذي مات في حالة من الوجد والخشية [3]- وله تصانيف صغيرة الحجم كبيرة الفائدة [4]، منها:«التلخيص» و «المفتاح» و «أدب القضاء» [5] وكتاب «دلائل القبلة» [6] وأكثره تاريخ وحكايات عن أحوال الأرض وعجائبها وتصنيف في إحرام المرأة، وتصنيف في الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم:«يا أبا عمير ما فعل النّغير» [7] . وفيها المطيري [8] المحدّث، أبو بكر، محمد بن جعفر الصيرفي ببغداد، وكان ثقة مأمونا. روى عن الحسن بن عرفة وطائفة.
وفيها الصّولي، أبو بكر محمد بن يحيى البغدادي، الأديب الأخباري العلّامة، صاحب التصانيف. أخذ الأدب عن المبرّد، وثعلب.
[1] انظر «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 252- 253) طبعة إدارة الطباعة المنيرية، وقد نقل المؤلف عنه بتصرف.
[2]
في «وفيات الأعيان» (1/ 68) .
[3]
في المطبوع: «الغشية» .
[4]
في «وفيات الأعيان» : «كثيرة الفائدة» .
[5]
في «وفيات الأعيان» : «أدب القاضي» .
[6]
لم يرد ذكر لهذا الكتاب في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي.
[7]
قطعة من حديث رواه البخاري رقم (6203) في الأدب: باب الانبساط إلى الناس، و (6203) باب الكنية للصبي وقبل أن يولد للرجل، ومسلم رقم (2150) في الأدب: باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته وحمله إلى صالح يحنكه، وجواز تسميته يوم ولادته، واستحباب التسمية بعبد الله وإبراهيم وسائر أسماء الأنبياء عليهم السلام، وأبو داود رقم (4969) في الأدب: باب ما جاء في الرجل يتكنى وليس له ولد، والترمذي رقم (333) في الصلاة: باب ما جاء في الصلاة على البسط.
[8]
في الأصل والمطبوع: «الطبري» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» (2/ 247) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 301) .
وروى عن أبي داود السّجستاني وطائفة. وروى عنه الدارقطني وغيره، ونادم غير واحد من الخلفاء، وجدّه الأعلى هو صول، ملك جرجان.
وكان الصولي حسن الاعتقاد، جميل الطريقة، يضرب به المثل في لعب الشطرنج، ويعتقد كثيرون أنه الذي وضعه، وإنما وضعه صصّه بن داهر [1] وقيل: ابن يلهب، وقيل: ابن قاسم، وضعه لملك الهند شهرام [2] ، واسمه بلهيث، وقيل: ماهيت، وكان أزدشير بن بابك [3] أول ملوك الفرس الأخيرة قد وضع النرد، ولذلك قيل له: نردشير، لأنهم نسبوه إلى واضعه المذكور، وجعله مثالا للدّنيا وأهلها، فرتب الرقعة اثني عشر بيتا، بعدد شهور السنة، ومن الجهة الأخرى اثني عشر بيتا، بعدد البروج [4] ، وجعل القطع ثلاثين، بعدد أيام الشهر، وجعل الفصوص فيما يرمى به من كل جهتين [5] سبعة بعدد أيام الأسبوع، وجعل ما يأتي به اللاعب مثالا للقضاء والقدر، فتارة له وتارة عليه، فافتخرت ملوك الفرس بذلك، فلما وضع صصه الشطرنج قضت حكماء ذلك العصر بترجيحه على النرد لأمور يطول شرحها، ويقال: إن صصّه لما وضعه وعرضه على ملك الهند المذكور، أعجبه وفرح به كثيرا، وأمر أن يكون في بيوت [6] الديانة، ورآه أفضل ما علم، لأنه آلة للحرب وعزّ للدّين والدّنيا، وأساس لكل عدل، فأظهر الشكر [والسرور][7] على ما أنعم عليه به في ملكه، وقال له: اقترح عليّ ما تشتهي، فقال له: اقترحت أن
[1] في «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (4/ 590) و (5/ 135) : «صصه بن ذاهر» بالذال، وما جاء في كتابنا موافق لما في «وفيات الأعيان» (4/ 357 و 358) و «مرآة الجنان» (2/ 320) .
[2]
في الأصل: «شيرامر» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب، وانظر «وفيات الأعيان» (4/ 357) .
[3]
في «وفيات الأعيان» : «أردشير بن بابك» وانظر ص (111) .
[4]
قوله: «ومن الجهة الأخرى اثني عشر بيتا، بعدد البروج» لم يرد في «وفيات الأعيان»
[5]
في الأصل: «من كل جهة» وأثبت ما في المطبوع.
[6]
في الأصل والمطبوع: «في بيت» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
[7]
سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «وفيات الأعيان» .
تضع حبة قمح في البيت الأول، ولا تزال تضعفها [1] حتّى تنتهي إلى آخرها، فمهما بلغ تعطيني، فاستصغر الملك ذلك، وأنكر عليه كونه قابله بالنزر [اليسير] ، وقد كان أضمر له شيئا كثيرا، فقال: ما أريد إلا هذا، فأجابه إلى مطلوبه، وتقدم له به، فلما حسبه أرباب الديوان قالوا: ما عندنا ولا في ملكنا ما يفي به ولا ما يقاربه، فكانت أمنيته أعجب من وضعه، وكيفية تضعيفه، وما انتهى إليه التضعيف مما شاع وذاع فلا نطيل به، ولكن ما انتهى إليه التضعيف على ما قاله ابن الأهدل [2] وهو آخر بيت من أبيات الرقعة الأربعة والستين، إلى ستة عشر ألف مدينة وثلاثمائة وأربع وثمانين مدينة.
وقال ابن الأهدل أيضا: ومن المعلوم قطعا أن الدّنيا ليس فيها مدن أكثر من هذا العدد، فإن دور كرة الأرض معلوم بطريق الهندسة، وهو ثمانية آلاف فرسخ، بحيث لو وضعنا طرف حبل على أيّ موضع من الأرض وأدير الحبل على كرة الأرض ومسح الحبل، كان أربعة وعشرين ألف ميل، وهي ثمانية آلاف فرسخ، وذلك قطعي لا شك فيه.
وقد أراد المأمون أن يقف على حقيقة ذلك، فسأل بني موسى بن شاكر [3] وكانوا قد انفردوا بعلم الهندسة، فقالوا: نعم هذا قطعي، فسألهم تحقيقه معاينة، فسألوا عن صحراء مستوية، فقيل صحراء سنجار، ووطأة الكوفة، فخرجوا إليها، ووقفوا في موضع واحد، ثم أخذوا ارتفاع القطب الشمالي وضربوا في ذلك الموضع وتدا، وربطوا حبلا طويلا ثم مشوا إلى الجهة الشمالية على الاستواء من غير انحراف إلى يمين أو شمال بحسب الإمكان، فلما فرغ الحبل نصبوا وتدا آخر في الأرض وربطوا فيه حبلا آخر،
[1] في الأصل والمطبوع: «تضعها» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» (4/ 357) و «مرآة الجنان» (2/ 320) .
[2]
انظر في هذا الخبر أيضا «مرآة الجنان» لليافعي (2/ 321- 322) .
[3]
انظر «إخبار العلماء بأخبار الحكماء» للقفطي ص (208) مصوّرة مكتبة المتنبي في القاهرة، ففيه ترجمة موسعة له.
ومضوا إلى جهة الشمال [1] حتّى انتهوا إلى موضع أخذوا فيه ارتفاع القطب المذكور، فوجدوه قد زاد على الارتفاع الأول درجة، فمسحوا ذلك القدر الذي قدّروه من الأرض بالحبال، فبلغ ستة وستين ميلا وثلثي ميل، وجميع الفلك ثلاثمائة وستون درجة، لأن الفلك مقسوم باثني عشر برجا، وكل برج ثلاثون درجة، فضربوا عدد درج الفلك الثلاثمائة والستين في ستة وستين ميلا وثلثين التي هي حصة كل درجة، فكانت الجملة أربعة وعشرين ألف ميل، وهي ثمانية آلاف فرسخ.
قال: فعلى هذا يكون دور كرة الأرض مسيرة ألف مرحلة، وذلك مسيرة ثلاث سنين إلّا ثمانين يوما، بسير النهار دون الليل، لأن المرحلة ثمانية فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، وهذا ينافي ما اشتهر أن الأرض مسيرة خمسمائة سنة، ويعلم من ذلك أيضا أن في كل ثلاث مراحل إلا خمسة أميال، وثلث في السير إلى جهة الشمال، يرتفع القطب درجة ويكون عرض تلك البلد أزيد من التي ابتدئ السير منها بدرجة، ومما يدل على هذا أن عرض المدينة المشرّفة يزيد على عرض مكّة المعظّمة ثلاث درج، والله أعلم. انتهى ما أورده ابن الأهدل ملخصا.
وقال المسعودي: ذكر لي أن [2] الصوليّ في بدء دخوله على الإمام المكتفي، وقد كان ذكر له تخريجه في اللعب بالشطرنج، وكان الماورديّ اللاعب متقيدا عنده، متمكنا من قلبه، معجبا به للعبه، فلما لعبا جميعا بحضرة المكتفي حسن رأيه في الماورديّ، وتقدم على نصرته، وتشجيعه، وتنبيهه، حتّى أدهش ذلك الصوليّ في أول وهلة، فلما اتصل اللعب بينهما، وجمع له الصولي متانته، وقصد قصده، غلبه غلبا لا يكاد يرد عليه شيء،
[1] لفظة «الشمال» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع.
[2]
لفظة «أن» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع.
وتبين حسن لعب الصوليّ للمكتفي، فعدل عن موالاة الماوردي، وقال: عاد ماء وردك بولا.
وصنّف الصولي المصنفات الحسان، منها: كتاب «الوزراء» وكتاب «الورقة» وكتاب «أخبار القرامطة» وكتاب «الغرر» وكتاب «أخبار أبي عمرو بن العلاء» وجمع أخبار جماعة من الشعراء، ورتبه على حروف المعجم، وكلهم من المحدثين.
وكان ينادم الخلفاء، وكان أغلب فنونه أخبار الناس، وله رواية واسعة، ومحفوظات كثيرة، وتوفي بالبصرة مستترا، لأنه روى خبرا في حق عليّ، كرّم الله وجهه، فطلبه الخاصة والعامة، فلم يقدروا عليه، وكان قد خرج من بغداد لضائقة لحقته.
وفيها الهيثم بن كليب، الحافظ أبو سعيد الشاشي، صاحب «المسند» ومحدّث ما وراء النهر. روى عن عيسى بن أحمد البلخي، وأبي عيسى الترمذي، والدّوري، وآخرين. وعنه علي بن أحمد الخزاعي، ومنصور بن نصر الكاغدي، وآخرون، وهو ثقة.