الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة عشرين وثلاثمائة
لما استفحل أمر مرداويج الدّيلمي، لاطفه الخليفة، وبعث إليه بالعهد واللواء والخلع، وعقد له على أذربيجان، وإرمينية، وأرّان [1] ، وقمّ، ونهاوند، وسجستان.
وفيها نهب الجند دار الوزير [2] ، فهرب، وسخّم [3] الهاشميون وجوههم، وصاحوا: الجوع الجوع! للغلاء، لأن القرمطي ومؤنسا منعوا الجلب، وتسلل الجند إلى مؤنس، وتملك الموصل، ثم تجهزوا في جمع [4] عظيم، فأمر المقتدر هارون بن غريب أن يلتقي بهم، فامتنع ثم قالت الأمراء للمقتدر: أنفق في العساكر، فعزم على التوجّه إلى واسط في الماء، ليستخدم منها، ومن البصرة، والأهواز، فقال له محمد بن ياقوت: اتق الله ولا تسلّم بغداد بلا حرب، فلما أصبحوا، ركب في موكبه وعليه البردة، وبيده القضيب، والقرّاء والمصاحف حوله، والوزير خلفه، فشقّ بغداد إلى الشمّاسيّة، وأقبل مؤنس في جيشه، وشرع القتال، فوقف المقتدر على تلّ، ثم جاء إليه ابن ياقوت، وأبو العلاء بن حمدان، فقالا: تقدم، فأبى، فألحّوا
[1] تحرّفت في المطبوع إلى «إيران» .
[2]
هو الوزير الفضل بن جعفر بن الفرات. انظر «النجوم الزاهرة» (3/ 232) .
[3]
أي سوّدوها. يقال: سخّم الله وجهه، أي سوّده. انظر «لسان العرب» (سخم) .
[4]
في الأصل: «في جيش» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «العبر» (2/ 184) .
عليه، فتقدّم وهم يستدرجونه، حتّى صار في وسط المصافّ [1] ، في طائفة قليلة، فانكشف أصحابه، وأسر منهم جماعة، وأبلى ابن ياقوت، وهارون بن غريب بلاء حسنا، وكان معظم جيش مؤنس الخادم البربر، فجاء علي بن بليق [2] فترجّل وقال: مولاي أمير المؤمنين، وقبّل الأرض، فعطف جماعة [من البربر][3] إلى نحو المقتدر، فضربه رجل من خلفه ضربة سقط إلى الأرض، وقيل: رماه بحربة وحزّ رأسه بالسيف، وحمل على رمح، ثم سلب ما عليه، وبقي مهتوك العورة حتى ستر بالحشيش، ثم حفر له حفرة، فطم وعفا أثره، وذلك لثلاث بقين من شوال.
وهو أبو الفضل جعفر بن المعتضد بالله أحمد بن الموفق طلحة بن المتوكل بن المعتصم العباسي [4] ، وفي أيامه اضمحلت دولة الخلافة العباسية وصغرت، وسمع أمير الأندلس بذلك، فقال: أنا أولى بإمرة المؤمنين، فلقّب نفسه أمير المؤمنين الناصر لدين الله عبد الرحمن، وبقي في الخلافة إلى سنة خمسين وثلاثمائة. ولا شك أن حرمته ودولته كانت أمتن من دولة المقتدر ومن بعده، وقد خلع المقتدر مرتين وأعيد، وكان ربعة جميل الصورة، أبيض مشربا حمرة، أسرع الشيب إلى عارضيه، وعاش ثمانيا وثلاثين سنة، وكانت خلافته خمسا وعشرين سنة إلا أياما، وكان جيد العقل والرأي، لكنه كان يؤثر اللعب والشهوات، غير ناهض بأعباء الخلافة. كانت أمّه، وخالته، والقهرمانة يدخلن في الأمور الكبار، والولايات، والحلّ، والعقد.
[1] قال ابن منظور: المصفّ: الموقف في الحرب، والجمع المصاف. انظر «لسان العرب» (صفف) .
[2]
تحرّف في «العبر» إلى «علي بن يلبق» فيصحح فيه، وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 251) و «صلة تاريخ الطبري» ص (272 و 273) .
[3]
ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» .
[4]
للتوسّع في دراسة حياته راجع «مروج الذهب» للمسعودي (4/ 292- 311) و «الأعلام» للزركلي (2/ 121) ومصادره.
قال الوزير علي بن عيسى: ما هو إلّا أن يترك [1] النبيذ خمسة أيام [متتابعة حتى يصح ذهنه] ، وكان ربما يكون في إصابة الرأي كأبيه، وكالمأمون.
ومن العجائب أنه لم يل الخلافة من اسمه جعفر إلّا هو والمتوكل، وكلاهما قتل في شوال.
وندم مؤنس على قتله وقال: لنقتلنّ كلنا، ثم بايعوا القاهر، فصادر بعض خواص المقتدر، وعذب أمه، حتّى ماتت معلّقة، وبالغ في الظلم، واستوزر ابن مقلة، وكان المقتدر مسرفا مبذّرا [ناقص الرأي][2] محق الذخائر حتّى إنه أعطى بعض جواره الدرة اليتيمة، التي وزنها ثلاثة مثاقيل، ويقال:
إنه ضيّع من الذهب ثمانين ألف ألف دينار، وكان في داره عشرة آلاف خصيّ من الصقالبة، وأهلك نفسه بيده بسوء تدبيره، وخلّف عدة أولاد، منهم:
الراضي بالله محمد، والمتقي لله إبراهيم، والأمير إسحاق ولد القادر، والمطيع لله، وذكر طبيبه ثابت بن سنان في «تاريخه» أن المقتدر أتلف نيّفا وسبعين ألف ألف دينار.
وفيها توفي الحافظ، محدّث الشام، أبو الحسن، أحمد بن عمير [3] بن يوسف بن موسى بن جوصا [4] . سمع كثير بن عبيد، وطبقته. وعنه الطبراني، وحمزة الكتاني، وأبو علي الحافظ، والحاكم [5] . حطّ عليه حمزة الكتاني، وأثنى عليه الدارقطني، وجمع وصنّف وتبحر في الحديث.
قال أبو علي النيسابوري: كان ركنا من أركان الحديث.
[1] في الأصل والمطبوع: «ما هو إلا لا يترك» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ بغداد» (7/ 218) وما بين حاصرتين زيادة منه.
[2]
ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «العبر» (2/ 186) .
[3]
في الأصل والمطبوع: «ابن عمر» وهو تحريف والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .
[4]
«العبر» (2/ 186- 187) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 15- 21) .
[5]
هو أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي، ويعرف بالحاكم الكبير، المتوفى سنة (378) وسوف ترد ترجمته في ص (415) من هذا المجلد.
وقال محمد بن إبراهيم: كان ابن جوصا بالشام كابن عقدة بالكوفة.
وقال غيره: كان ابن جوصا كثير الأموال، يركب البغلة، وتوفي في جمادى الأولى.
وقال الدارقطني: تفرّد بأحاديث، ولم يكن بالقويّ.
وفيها أبو بكر أحمد بن القاسم بن نصر [1] أخو أبي اللّيث الفرائضي، ببغداد، في ذي الحجّة، وله ثمان وتسعون سنة. روى عن لوين، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وعدّة [2] .
وفيها الحافظ الجوّال، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبيد بن جهينة الشهرزوريّ [3] روى عن أبي زرعة الرّازي، والزعفراني. وعنه أهل الرّيّ، وقزوين، منهم: أحمد بن علي بن حسن الرّازي، وأبو بكر بن يحيى الفقيه، وغيرهما. قاله ابن بردس [4] .
وفيها أبو العبّاس عبد الله بن عتّاب بن الزّفتي [5] محدّث دمشق، وله ست وتسعون سنة. روى عن هشام بن عمّار، وعيسى بن حمّاد زغبة، وخلق.
قال أبو أحمد الحاكم: رأيناه ثبتا.
وفيها الحافظ الثقة أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد الكريم ابن
[1]«العبر» (2/ 187) وانظر «سير أعلام النبلاء» (1/ 466- 467) .
[2]
قلت وقد ساق الخطيب البغدادي بيتان من الشعر له في «تاريخ بغداد» (4/ 352) جديران بالذكر وهما:
لا تترك الحزم في أمر هممت به
…
فإن سلمت فما بالحزم من باس
العجز ضر، وما بالحزم من ضرر
…
وأحزم الحزم سوء الظنّ بالناس
[3]
«تذكرة الحفاظ» (3/ 846) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 249- 250) .
[4]
تحرّف في المطبوع إلى «ابن درباس» وهو إسماعيل بن محمد بن قيس بن نصر بن بردس بن رسلان البعلي الحنبلي، المتوفى سنة (785) هـ، وسوق ترد ترجمته في المجلد الثامن من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى، وكتابه الذي ينقل عنه هو «نظم وفيات تذكرة الحفاظ» وهو مخطوط لم يطبع بعد.
[5]
«العبر» (2/ 188- 189) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 64) .
أخي أبي زرعة الرّازي [1] . روى عن يونس بن عبد الأعلى، وأحمد بن منصور الرّمادي، وطبقتهما.
وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربريّ [2] صاحب البخاري، وقد سمع من علي بن خشرم لمّا رابط بفربر، وكان ثقة ورعا، توفي في شوال، وله تسع وثمانون سنة. وكانت ولادته سنة إحدى وثلاثين ومائتين، ورحل إليه الناس، وسمعوا منه «صحيح البخاري» وهو أحسن من روى الحديث عن البخاري.
وفربر: بفتح الفاء [3] والراء وسكون الباء الموحدة، وفي آخره راء ثانية، وهي بليدة على طرف جيحون مما يلي بخارى. قاله ابن خلّكان [4] .
وفيها أو قبلها أو بعدها، توفي القاضي الحافظ محمد بن يحيى العدني [5] قاضي عدن، ونزيل مكة. سمع منه مسلم بن الحجّاج، والترمذي. وروى عن سفيان بن عيينة وطبقته. روى عنه الترمذيّ أنه قال:
حججت ستين حجّة ماشيا على قدمي. قاله ابن الأهدل [6] .
وفيها الحافظ الكبير أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد النيسابوري [7] الثقة الإمام. روى عن الذهلي، وعيسى بن أحمد، والربيع
[1]«العبر» (2/ 189) و «الأنساب» (6/ 43) .
[2]
«العبر» (2/ 189) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 10- 13) .
[3]
قلت: وبكسرها أيضا. انظر «تاج العروس» للزبيدي (فربر) .
[4]
في «وفيات الأعيان» (4/ 290) .
[5]
«مرآة الجنان» (2/ 280) و «غربال الزمان» ص (285) .
[6]
قلت: قاله ابن الأهدل في «مختصر تاريخ اليافعي» وهو مخطوط كما ذكرت من قبل، وقد اختصر فيه «مرآة الجنان» . ولكن إيراد هذه الترجمة هنا خطأ تبع فيه ابن الأهدل اليافعي صاحب «مرآة الجنان» وتبعهما اليافعي صاحب «غربال الزمان» وقد تابعهم على هذا الخطأ المؤلف ابن العماد، فالصواب أن وفاة الحافظ محمد بن يحيى العدني كانت سنة (243) هـ كما ذكر المؤلف في حوادث السنة المذكورة من المجلد الثالث ص (199) نقلا عن «العبر» للذهبي (1/ 441) فتنبّه، وانظر «سير أعلام النبلاء» (12/ 96- 98) .
[7]
نقل المؤلف هذه الترجمة عن كتاب «نظم وفيات تذكرة الحفاظ» لابن بردس، وهو مخطوط لم يطبع بعد كما ذكرت من قبل. وانظر «تذكرة الحفاظ» (3/ 807- 811) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 60- 61) .
المرادي. وعنه محمد بن صالح بن هاني، وأبو علي الحافظ. ووثقه الحاكم. قاله ابن بردس [1] .
وفيها قاضي القضاة أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل الأزدي مولاهم البغدادي [2] وكان من خيار القضاة حلما، وعقلا، وجلالة، وذكاء، وصيانة.
ولد بالبصرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين، وروى عن زيد بن أخزم [3] ، والحسن ابن أبي الربيع، وجماعة حمل عنهم في صغره، وولي قضاء مدينة المنصور في خلافة المعتضد، ثم ولي قضاء الجانب الشرقي للمقتدر، ثم ولي قضاء القضاة سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وكان له مجلس في غاية الحسن كان يقعد للإملاء، والبغويّ [4] عن يمينه، وابن صاعد عن يساره، وابن زياد النيسابوري بين يديه. وقد حفظ من جده حديثا وهو ابن أربع سنين.
وفيها ميمون بن عمر الإفريقي [5] المالكي، أبو عمر، الفقيه قاضي القيروان، وقاضي صقلّيّة. عاش مائة سنة أو أكثر، وكان آخر من روى بالمغرب عن سحنون، وعن أبي مصعب الزّهريّ [6] وزمن [7] في آخر عمره وهرم [8] .
لم يطبع بعد كما ذكرت من قبل. وانظر «تذكرة الحفاظ» (3/ 807 811) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 60 61) .
[1]
في الأصل والمطبوع: «ابن برداس» وهو خطأ.
[2]
«العبر» (2/ 189- 190) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 555- 557) .
[3]
في الأصل: «يزيد بن أخرم» وفي المطبوع: «يزيد بن أحزم» وفي «العبر» : «زيد بن أخرم» وكله خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» و «تقريب التهذيب» ص (221) .
[4]
يعني أبا القاسم عبد الله بن محمد البغوي، المتوفى سنة (317) هـ. انظر ترجمته في ص (83) من هذا المجلد.
[5]
«العبر» (2/ 190) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 355- 356) .
[6]
في الأصل والمطبوع: «الزهرة» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .
[7]
أي: ابتلي. انظر «لسان العرب» و «مختار الصحاح» (زمن) .
[8]
في «العبر» : «وزمن وانهزم» .
وفيها أبو علي الحسين بن صالح بن خيران البغدادي [1] .
قال الإسنوي: كان إماما جليلا وربما كان يعيب على ابن سريج في القضاء ويقول: هذا الأمر لم يكن في أصحابنا إنما كان في أصحاب أبي حنيفة. وطلبه الوزير ابن الفرات بأمر الخليفة للقضاء فامتنع فوكل ببابه وختم عليه بضعة عشر يوما حتّى احتاج إلى الماء فلم يقدر عليه إلا بمناولة بعض الجيران، فبلغ، الخبر إلى الوزير، فأمر بالإفراج عنه، وقال: ما أردنا بالشيخ أبي علي إلا خيرا، أردنا أن يعلم أن في مملكتنا رجلا يعرض عليه قضاء القضاة شرقا وغربا وفعل به مثل هذا وهو لا يقبل، توفي- رحمه الله تعالى- يوم الثلاثاء لثلاث عشرة بقيت من ذي الحجة. انتهى ملخصا.
وتفقه به جماعة.
وفيها أبو عمرو [2] الدمشقي [3] الزاهد من كبار مشايخ الصوفية وساداتهم. روي عنه أنه قال: كما فرض الله تعالى على الأنبياء إظهار [الآيات و][4] المعجزات، [كذلك][4] فرض الله على الأولياء كتمان الكرامات، لئلا يفتتنوا بها [5] .
[1]«العبر» (2/ 190) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 58- 60) .
[2]
في الأصل والمطبوع و «العبر» : «أبو عمر» وهو خطأ والتصحيح من «طبقات الصوفية» و «حلية الأولياء» .
[3]
«العبر» (2/ 190) وانظر «طبقات الصوفية» ص (277- 279) و «حلية الأولياء» (10/ 346- 347) .
[4]
ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع و «العبر» واستدركته من «طبقات الصوفية» و «حلية الأولياء» .
[5]
في «طبقات الصوفية» : «حتى لا يفتتن الخلق بها» .