الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الوكالة
ــ
[البناية]
[كتاب الوكالة]
[تعريف الوكالة وحكمها]
م: (كتاب الوكالة)
ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الوكالة، وجه المناسبة بينه وبين كتاب الشهادات من حيث أن كلا منهما إعانة الغير واجبا حقه. والوكالة بكسر الواو وفتحها، التفويض والتسليم من وكل إليه الأمر إذا فوضه إليه. ويقال: الوكالة لغة الحفظ، ومنه الوكيل في أسماء الله تعالى بمعنى الحافظ، وهو اسم للتوكيل من وكله، يوكله، توكيلا، والتوكيل إظهار العجز والاعتماد على الغير، والاسم التكلان، والوكيل القائم بما فوض إليه، والجمع الوكلاء فعيل بمعنى مفعول، ومعناه شرعا إقامة الإنسان غيره مقام نفسه في تصرف معلوم وركنها لفظ وكلت وأشباهه.
وروى بشر عن أبي يوسف رحمه الله: إذا قال الرجل لغيره أحببت أن تبيع عبدي هذا أو هويت أو رضيت، أو شئت، أو أردت، فذلك توكيل وأمر بالبيع، وشرطها أن يملك الموكل تصرفا ويلزم الأحكام، كما سيجيء إن شاء الله تعالى، وحكمها جواز مباشرة الوكيل، فوض إليه وصفتها أنه عقد جائز، يملك كل من الموكل والوكيل العزل بدون رضى صاحبه، وسببها ما هو السبب في سائر المعاملات، وهو تعلق بناء المقدور تعاطيها، ومشروعيتها بالكتاب هو قَوْله تَعَالَى:{فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19](الكهف: الآية 19) . ولم يلحقه النكير.
وبالسنة وهو ما روي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل حكيم بن حزام بشراء الأضحية، وعروة البارقي به أيضا، وعمرو بن أمية بقبول نكاح أم حبيبة بنت أبي سفيان، وأبا رافع بقبول نكاح ميمونة،» وبإجماع الأمة على جوازها من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وكذا المعقول يدل عليه، إذ الإنسان قد يعجز عن حفظ ماله عند خروجه للسفر، وقد يعجز عن التصرف في ماله، إما لقلة
قال: كل عقد جاز أن يعقده الإنسان بنفسه جاز أن يوكل به غيره؛ لأن الإنسان قد يعجز عن المباشرة بنفسه على اعتبار بعض الأحوال،
ــ
[البناية]
هديته أو لكثرة أشغاله أو لكثرة ماله، أو لضعفه أو لوجاهته لا يتولى الأمور بنفسه فاقتضى هذا المعنى جوازها.
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله: م: (كل عقد جاز أن يعقده الإنسان بنفسه جاز أن يوكل به غيره) ش: هذه ضابطة يتبين بها ما يجوز للوكيل به وما لا يجوز، واعترض عليها بأنها غير متطردة منعكسة.
أما الأول: فلأن الإنسان جاز له أن يستقرض بنفسه، والتوكيل به باطل وتبع على المستقرض الذي هو التوكيل لا على الموكل، والوكيل يعقد بنفسه، وإذا وكل غيره ولم يؤذن له في ذلك لا يجوز له. والذي إذا وكل مسلما في الخمر لم يجز، وجاز أن يعقد الذي بنفسه فيها.
وأما الثاني: فإن المسلم لا يجوز له عقد بيع الخمر وشراءها بنفسه، ولو وكل ذميا بذلك جاز عند أبي حنيفة رضي الله عنه.
والجواب عن الأول: أن محل العقد من شروطه كون المحل ملكا مشروطا كما عرف وليس بموجود في التوكيل بالاستقراض؛ لأن الدراهم التي يستقرضها الوكيل ملك المقرض، والأمر بالتصرف في ملك الغير باطل.
وفي " الذخيرة ": لو أخرج الوكيل كلامه في الاستقراض مخرج الرسالة، بأن قال: فلان يستقرض منك كذا، ففعل المقرض تكون الدراهم للآمر حتى لا يكون للوكيل أن يمنع ذلك منه، ولو أخرج الكلام مخرج الوكالة بأن قال: أقرضني عشرة فالعشرة للوكيل، وله أن يمنعها من الآمر؛ لأن التوكيل بالاستقراض باطل، بخلاف الرسالة، والمراد من قوله " أن يعقده بنفسه " هو أن يكون مستبدا به، والوكيل ليس كذلك، والذي جاز له توكيل المسلم والممتنع توكيل المسلم عنه ليس كلامنا في ذلك لجواز أن يمنع مانع عن التوكيل، وإن صح التوكيل فقد وجد المانع وهو حرمة اقتراضه منها.
والجواب عن الثاني: بأن العكس غير لازم وليس بمقصود.
م: (لأن الإنسان قد يعجز عن المباشرة بنفسه على اعتبار بعض الأحوال) ش: بأن يكون مريضا أو شيخا فانيا أو ذا وجاهة لا يتولى الأمور بنفسه، والتوكيل صحيح بدون هذه العوارض؛ لأن حكمة الحكم تراعى في الجنس لا في الإفراد كالسفر مع المسنة، وبهذا يجاب عما قيل بأن قوله " لأن الإنسان قد يعجز " دليل أخص من المدلول وهو جواز الوكالة فإنها جائزة. وإن لم يكن ثمة عجز
فيحتاج إلى أن يوكل به غيره، فيكون بسبيل منه
دفعا للحاجة.
وقد صح أن النبي عليه الصلاة والسلام وكل بالشراء حكيم بن حزام وبالتزويج عمر بن أم سلمة رضي الله عنهما
ــ
[البناية]
أصلا، وتقرير الجواب كان ذلك بيان حكمة الحكم، وهي تراعي في الجنس لا في الإفراد، ويجوز أن يقال: ذكر الخاص وأراد العام، وهو الحاجة لأن الحاجة للعجز حاجة خاصة، وهو مجاز شائع وحينئذ يكون المناط وهو الحاجة، وقد يوجد بلا عجز م:(فيحتاج إلى أن يوكل به غيره فيكون بسبيل منه) ش: أي من التوكيل م: (دفعا للحاجة) ش: أي لأجل دفع الحاجة.
م: (وقد صح «أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل بالشراء حكيم بن حزام» ش: هذا رواه أبو داود في " سننه " حدثنا محمد بن كثير عن سفيان، حدثني أبو حصين عن شيخ من أهل المدينة «عن حكيم بن حزام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معه بدينار يشتري له أضحية، فاشتراها بدينار فباعها بدينارين، فرجع واشترى أضحية بدينار وجاء بدينار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتصدق به النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له أن يبارك له في تجارته» وفي إسناده مجهول ورواه الترمذي.
حدثنا أبو كريب عن أبي حفص عن حبيب بن أبي ثابت عن حكيم بن حزام فذكره، وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وحبيب لم يسمع عندي عن حكيم، انتهى.
وهكذا كما رأيت رواية أبي داود فيه مجهول، ورواه الترمذي منقطعا، فكيف يكون صحيحا حتى يقول المصنف، وقد صح؟! ولكن يمكن أن أستدل هنا بحديث عروة البارقي، فإن البخاري أخرجه في " صحيحه " عن على بن عبد الله، عن سفيان «عن شبيب بن غرقدة قال: سمعت الحي يتحدثون عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا ليشتري به شاة، فاشترى له به شاتين. فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة، فدعى له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه» .
فإن قلت: قالوا البخاري رحمه الله بما أخرجه بغير الاحتجاج به وذكروا فيه كلاما كثيرا.
قلت: قال ابن العربي: إنه حديث صحيح، وقال الترمذي رحمه الله: فذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث، وقالوا به، وهو قول أحمد وإسحاق رحمهم الله وكفى بهذين الإمامين حجة، وحكيم بن حزام بكسر الحاء المهملة وبالزاي ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ويكنى أبا خالد يوم الفتح، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما، وكان من وجوه قريش وأشرافها، وعاش في الجاهلية ستين عاما، وفي الإسلام ستين عاما، ومات بالمدينة في خلافة معاوية رحمه الله سنة أربع وخمسين، وهو ابن مائة وعشرين سنة، وذهب بصره قبل أن يموت.
م: (وبالتزويج عمر بن أم سلمة رضي الله عنهما) ش: أي وكل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتزويج عمر