الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالقاضي يقضي وكذا إذا قضى بإحلال، وهذا إذا كانت الدعوى بسبب معين، وهي مسألة قضاء القاضي في العقود والفسوخ بشهادة الزور، وقد مرت في النكاح.
قال: ولا يقضي القاضي على غائب إلا أن يحضر من يقوم مقامه. وقال الشافعي رحمه الله: يجوز
ــ
[البناية]
طلقها ثلاثا، أو أقامت بينة كاذبة وقضى القاضي بالفرقة، وتزوجت بآخر بعد انقضاء العدة، فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله وقول أبي يوسف رحمه الله أولا: لا يحل للزوج الأول وطئها ظاهرا أو باطنا، ويحل للثاني ظاهرا وباطنا علم بحقيقة الحال أولا.
وعلى قول أبي يوسف آخرا ومحمد والشافعي ومالك وأحمد - رحمهما الله - لا يحل للثاني وطئها إذا كان عالما بحقيقة الحال، ومن صورة التحريم أيضا وصبي وصبية سبيا وهما صغيران، فكبرا وأعتقا، ثم تزوج أحدهما الآخر، فجاء حربي مسلما، وأقام بينة أنهما ولداه.
م: (فالقاضي يقضي) ش: بنسبهما ويفرق بينهما، فإن رجع الشهود، أو تبين أنهم زور، لا يسع للزوج وطأها عنده، لأن القضاء بالحرمة نفذ ظاهرا وباطنا، وكذا عند محمد رحمه الله لأنه لا يعلم حقيقة كذب الشهود.
م: (وكذا إذا قضى) ش: القاضي م: (بإحلال) ش: يعني إذا قضى القاضي بإحلال شيء في الظاهر، فهو في الباطن كذلك، ومن صوره رجل ادعى على امرأة نكاحا، وهي تجحد، فأقام عليها شاهدي زور، وقضى القاضي بالنكاح بينهما، حل للزوج وطأها، وحل للمرأة التمكين عند أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله في قوله الأول.
وعند محمد وأبي يوسف في قوله الأخير، وزفر والأئمة الثلاثة رحمهم الله: لا يحل لهما ذلك م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرناه م: (إذا كانت الدعوى بسبب معين، وهي مسألة قضاء القاضي في العقود والفسوخ بشهادة الزور، وقد مرت في النكاح) ش: كنكاح وبيع وطلاق وعتاق لا في الأملك المرسلة مثل أن يدعي الملك، ولم يذكروا السبب، فإن الحكم فيها بشهادة الزور، لا ينفذ باطنا بالإجماع.
ومن صور البيع: ما إذا قضى القاضي بالبيع بشهادة الزور، سواء كانت الدعوى من جهة المشتري، مثل أن قال: بعتني هذه الجارية، أو من جهة البائع مثل أن يقول: اشتريت مني هذه الجارية، فإنه يحل للمشتري وطؤها في الوجهين جميعا.
[القضاء على الغائب]
م: (ولا يقضي القاضي على غائب) ش: ولا يقضي له أيضا عندنا م: (إلا أن يحضر من يقوم مقامه) ش: مثل وكيل الغائب أو وصيه. م: (وقال الشافعي رحمه الله: يجوز) ش: إذا كان غائبا
لوجود الحجة وهي البينة فظهر الحق. ولنا: أن العمل بالشهادة لقطع المنازعة، ولا منازعة بدون الإنكار، ولم يوجد، ولأنه يحتمل الإقرار والإنكار من الخصم فيشتبه وجه القضاء؛ لأن أحكامهما مختلفة، ولو أنكر ثم غاب، فكذلك الجواب؛ لأن الشرط قيام الإنكار وقت القضاء،
ــ
[البناية]
عن البلد أو عن مجلس الحكم إذا كان مستترا في البلد قولا واحداَ، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - ولو كان غائبا في مجلس الحكم غير مستتر في البلد فقولان أصحهما: أنه لا يحكم بدون حضوره، وبه قال مالك وأحمد، إذ في المستتر تضييع الحقوق، وفي غيره: لا. والثاني أنه يجوز م: (لوجود الحجة وهي البينة فظهر الحق) ش: فيحل للقاضي العمل بمقتضاها م: (ولنا: أن العمل بالشهادة لقطع المنازعة) ش: لأن الشهادة خبر تحتمل الصدق والكذب، ولا يجوز بناء الحكم على الدليل المحتمل، لأن الشرع جعلها حجة ضرورة قطع المنازعة، ولهذا إذا كان الخصم حاضرا وأقر بالحق لا حاجة إليها م:(ولا منازعة بدون الإنكار) ش: يعني لا تكون المنازعة إلا بالإنكار م: (ولم يوجد) .
ش: فإن قيل: قد قلتم بالشهادة بدون الإنكار إذا حضر الخصم وسكت.
أجيب: بأن الشرع أنزله منكرا حملا لأمره على الصلاح، إذ الظاهر من حال المسلم أن لا يسكت إن كان عليه حق، وكذا في " المبسوط " و" الأسرار " و" الذخيرة ".
فإن قيل: وقف الحكم إلى الحضور المدعى عليه بعد ثبوت البينة غير مفيد، لأن المدعى عليه لو حضر، فإما أن يقر أو ينكر، فعلى الوجهين كان الدعوى لازمة.
قلنا: بل هو مفيد، لأنه يحتمل أن يطعن في البينة، ويثبت طعنه بالحجة ويحتمل أنه يسلم الدعوى، ثم ادعى الأداء إلى المدعي ويثبت بالحجة.
م: (ولأنه) ش: دليل آخر على المطلوب أي ولأن البيان م: (يحتمل الإقرار والإنكار من الخصم فيشتبه وجه القضاء) ش: على الحاكم م: (لأن أحكامهما) ش: أي أحكام القضاء بالبينة، والإقرار م:(مختلفة) ش: فإن حكم القضاء بالبينة وجوب الضمان على الشهود عند الرجوع، ويظهر في الزوائد المتصلة والمنفصلة، فإن الرجل إذا اشترى جارية مولده عنده، فاستحقها رجل بالبينة، فإنه يأخذها وولدها، وإن أقر بها لرجل لم يأخذ ولدها، لأن البينة حجة مطلقة بخلاف الإقرار، فإنه حجة قاصرة لانعدام الولاية على الغير م:(ولو أنكر) ش: المدعى عليه م: (ثم غاب فكذلك الجواب) ش: يعني لا يقضي القاضي في غيبته م: (لأن الشرط قيام الإنكار وقت القضاء) ش: لأن البينة إنما تظهر حجة بالقضاء، وبقاؤه شرط وهو محتمل هاهنا.
وفيه خلاف أبي يوسف رحمه الله، ومن يقوم مقامه قد يكون نائبا بإنابته كالوكيل أو بإنابة الشرع كالوصي من جهة القاضي،
ــ
[البناية]
م: (وفيه) ش: أي وفي الوجه م: (خلاف أبي يوسف رحمه الله) ش: فإنه يقول الشرط الإصرار على الإنكار إلى وقت القضاء، وهو ثابت بعد غيبته بالاستصحاب، وأجيب أن الاستصحاب يصلح للدفع لا للإثبات.
فإن قلت: احتج الشافعي رحمه الله بقوله عليه السلام: «البينة على المدعي» ، فاشتراط حضور الخصم لإقامة البينة زيادة عليه، وما قالت هند رضي الله عنها: "يا رسول الله إن أبا سفيان شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي، فقال عليه السلام:«خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف» فقد قضى عليه وهو غائب.
قلت: حجتنا نحن بقوله عليه السلام لعلي رضي الله عنه: «لا تقض لأحد الخصمين بشيء حتى تسمع كلام الآخر، فإنك لا تدري بما تقضي» رواه الترمذي رحمه الله وقال: هذا حديث حسن.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «البينة على المدعي» فدليلنا لأن البينة اسم لما يحصل به التبيان، وليس المراد بالبيان في حق المدعي؛ لأنه حاصل بقوله، ولا في حق القاضي، لأنه حاصل بقول المدعي إذا لم يكن له منازع إنما الحاجة إلى البيان في حق الخصم الجاهد، وذلك إلا بحضوره.
وأما الجواب: عن حديث هند رضي الله عنها فهو أنه عليه السلام كان عالما باستحقاق النفقة على أبي سفيان رضي الله عنه ألا ترى أنها لم تقم البينة، وقيل: كان هذا فتوى وليس بحكم.
م: (ومن يقوم مقامه) ش: لما ذكر إن القضاء على الغائب لا يجوز إلا أن يحضر من يقوم مقامه بين ذلك بقوله، ومن يقوم مقامه صلى الله عليه وسلم أي مقام المدعى عليه الغائب، ولا يخلو هذا إلا بأن يكون م:(قد يكون نائبا بإنابته، كالوكيل أو بإنابة الشرع كالوصي من جهة القاضي) ش: قيد به احترازا عن المسخر من جهة القاضي، فإن فيه اختلاف الروايتان. وذكر في " الذخيرة ": وتفسير المسخر أن ينصب القاضي وكيلا عن الغائب ليسمع القاضي الخصومة عليه وكذا لو أحضر المدعي رجلا غير الخصم ليسمع القاضي الخصومة عليه.
وقد يكون حكما بأن كان ما يدعي على الغائب سببا لما يدعيه على الحاضر، وهذا في غير صورة في الكتب. أما إذا كان شرطا لحقه فلا معتبر به في جعله خصما عن الغائب،
ــ
[البناية]
والقاضي يعلم أنه ليس بخصم لا يسمع الخصومة عليه، ولا على المسخر، وإنما يجوز نصب الوكيل عن خصم اختفى في بيته، ولا يحضر مجلس الحكم ولكن بعد بعث في بعثائه إلى باب داره ونادى على باب داره، وقال: احضر مجلس الحكم وإلا يحكم عليك. أما في غير ذلك الموضع فلا.
م: (وقد يكون حكما) ش: هذا عطف على قوله: قد يكون بإنابته، أي قد يكون من يقوم مقامه حكما م:(بأن كان يدعي على الغائب سببا لما يدعيه على الحاضر) ش: أي يكون سببا لا محالة، أما إذا كان سببا في وقت دون وقت، لا ينصب الحاضر خصما عن الغائب. كما إذا قال رجل لامرأة رجل غائب: إن زوجك وكلني أن أحملك إليه، فقالت: قد طلقني ثلاثا، وبرهنت قبلت في حق قصر يد الوكيل عنها لا في حق إثبات الطلاق على الغائب حتى لو حضر الغائب وأنكر الطلاق، أعادت البينة. وأما صورة كون ما يدعي على الغائب سببا لما يدعيه على الحاضر فكثيرة، منها رجل أقام بينة على آخر أن هذه الدار له، اشتراها من فلان الغائب وهو يملكها، وذو اليد غصبها منه وهو ينكر قبلت بينته، ويكون ذلك قضاء على الحاضر والغائب، حتى لو حضر الغائب، وأنكر البيع، لا يلتفت إلى إنكاره؛ لأن الشراء من المالك سبب لما يدعي على الحاضر فصار الحاضر كالوكيل عن الغائب فصار إنكاره كإنكار الغائب.
م: (وهذا) ش: أي ما يدعي على الغائب سببا لا محالة لما يدعيه على الحاضر م: (في غير صورة في الكتب) ش: ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: وتفسير ذلك في مسائل منها ما ذكرناه الآن، ومنها إذا ادعى على رجل أنه كفيل عن فلان بما يذوب له عليه، فأقر المدعى عليه بالكفالة وأنكر الحق، فبرهن أنه ذاب له على فلان ألف درهم، فإنه يقضي بها، ومنها إذا ادعى الشفعة في دار إنسان، وقال ذو اليد ما اشتريتها من أحد والدار داري، فيبرهن المدعي أنه اشتراها من فلان الغائب، وهو يملكها وأنه شفيعها، ويقضي بالشراء في حق ذي اليد والغائب جميعا.
م: (أما إذا كان شرطا) ش: يعني أما إذا كان ما يدعي على الغائب شرطا م: (لحقه) ش: أي لحق المدعي على الحاضر كمن قال لامرأته: إن طلق فلان امرأته فأنت طالق، فادعت امرأة الحالف عليه أن فلانا طلق امرأته وأقامت على ذلك بينة، فلا تصح هذه البينة ولا يقضي بوقوع الطلاق عليها أشار بقوله م:(فلا معتبر به في جعله خصما عن الغائب) ش: وهو قول عامة المشايخ