الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لهما: أن الدراهم والدنانير لا تتعينان في المعاوضات دينا كانت أو عينا، ألا ترى أنه لو تبايعا عينا بدين ثم تصادقا أن لا دين لا يبطل العقد، فصار الإطلاق والتقييد فيه سواء، فيصح التوكيل ويلزم الآمر؛ لأن يد الوكيل كيده. ولأبي حنيفة رحمه الله: أنها تتعين في الوكالات. ألا ترى أنه لو قيد الوكالة بالعين منها أو بالدين منها ثم استهلك العين أو أسقط الدين بطلت الوكالة، فإذا تعينت كان هذا
تمليك الدين من غير من عليه الدين
من غير أن يوكله بقبضه
ــ
[البناية]
كان على الاختلاف وإن عين المسلم إليه ومن يعقد به عقد الصرف صح بالاتفاق، وإنما خصهما بالذكر لدفع ما عسى يتوهم أن التوكيل فيهما لا يجوز لاشتراط القبض في المجلس.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن الدراهم والدنانير لا تتعينان في المعاوضات ديناً كانت أو عيناً) ش: يعني لا يكون في الذمة، ثم أوضح ذلك بقوله م:(ألا ترى أنه لو تبايعا عينا بدين ثم تصادقا أن لا دين لا يبطل العقد) ش: ووجب مثل ذلك الدين فإذا لم يتعين دراهم الدين صار التقييد والإطلاق سواء، وهو معنى قوله: م: (فصار الإطلاق) ش: بأن قال: بألف ولم يضفه إلى ما عليه م: (والتقييد) ش: بأن أضافه إلى ما عليه م: (فيه) ش: أي في عقد تبائع العين بالدين م: (سواء) ش: فإذا كان كذلك م: (فيصح التوكيل ويلزم الآمر لأن يد الوكيل كيده) ش: فصار كما لو قال: تصدق بمالي عليك على المساكين، فإنه يجوز وكذا لو آجر حماراً أو دابة أو أمر المستأجر بالمرمة من الأجرة، أو يشتري بالأجرة عبداً يسوق الدابة وينفق عليهما فصار هذا كما لو كان البائع أو المبيع متعيناً.
م: (ولأبي حنيفة رحمه الله أنها) ش: أي أن الدراهم والدنانير م: (تتعين في الوكالة) ش: قال شيخ الإسلام: تتعين بعد القبض أما قبل القبض لا تتعين بلا خلاف، ذكره محمد رحمه الله في " الزيادات " ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أنه لو قيد الوكالة بالعين منها) ش: أي بالدراهم والدنانير م: (أو بالدين منها ثم استهلك) ش: أي الآمر أو الوكيل م: (العين أو أسقط الدين) ش: أي الموكل أسقط الدين بأن أبرأه عن الدين بعد التوكيل بشراء العبد به م: (بطلت الوكالة) ش: ألا ترى أن الناطفي رحمه الله نقل في " الأجناس " عن " الأصل ": الوكيل بالشراء إذا قبض الدنانير من الموكل وقد أمره أن يشتري بها طعاما فاشترى بدنانير غيرها ثم نقد دنانير الموكل فالطعام للوكيل وهو ضامن لدنانير الموكل، ثم قال الناطفي رحمه الله: هذه المسألة تدل على أن الدراهم والدنانير يتعينان في الوكالة.
[تمليك الدين من غير من عليه الدين]
م: (فإذا تعينت) ش: أي الدراهم والدنانير في الوكالات هو من تتمة الدليل أنها تتعين في الوكالات، وإذا تعينت م:(كان هذا تمليك الدين من غير من عليه الدين من غير أن يوكله بقبضه)
وذلك لا يجوز، كما إذا اشترى بدين على غير المشتري، أو يكون أمرا بصرف ما لا يملكه إلا بالقبض قبله، وذلك باطل كما إذا قال: أعط مالي عليك من شئت بخلاف ما إذا عين البائع لأنه يصير وكيلا عنه في القبض ثم يتملكه. وبخلاف ما إذا أمره بالتصدق لأنه جعل المال لله تعالى وهو معلوم. وإذا لم يصح التوكيل نفذ الشراء على المأمور فيهلك من ماله إلا إذا قبضه الآمر منه لانعقاد البيع تعاطيا.
ــ
[البناية]
ش: وذلك لا يجوز لعدم القدرة على التسليم، م:(وذلك لا يجوز) ش: أي تمليك الدين من غير من عليه الدين لا يجوز م: (كما إذا اشترى بدين على غير المشتري) ش: بأن كان لزيد على عمرو مثلًا دين فاشترى زيد من آخر شيئًا بذلك الدين الذي له على عمرو، فإنه لا يجوز م:(أو يكون أمرًا) ش: عطف على قوله: لأن هذا تمليك الدين من عليه الدين، أي أو أن يكون آمرًا م:(بصرف ما لا يملكه إلا بالقبض قبله) ش: أي أو يكون أمرًا يصرف أي يدفع مالا يملكه إلا بالقبض قبل القبض، وذلك لأن الديون تقضى بأمثالها، فكان ما أدى الديون إلى البائع أو إلى رب الدين ملك المديون ولا يملك الدائن قبل القبض م:(وذلك باطل) ش: أي الأمر بدفع ما ليس يملكه باطل، وصار هذا م:(كما إذا قال: أعط مالي عليك من شئت) ش: فإنه باطل لأنه أمر بصرف مالا يملكه الآمر إلا بالقبض إلى من يختاره المديون بنفسه.
م: (بخلاف ما إذا عين البائع) ش: أي بخلاف ما إذا عين الموكل عين البائع م: (لأنه يصير وكيلًا عنه بالقبض) ش: تصحيحًا لتصرفه بقدر الإمكان، م:(ثم يتملكه) ش: أي ثم يتملكه البائع واعترض بأنه لو اشترى شيئا بدين على آخر ينبغي أنه يجوز بجعله وكيلًا بالقبض أولًا لكونه معينًا، وأجيب: بأن عدم الجواز هاهنا لكونه بيعًا بشرط وهو أداء الثمن على الغير.
م: (وبخلاف ما إذا أمره بالتصدق) ش: هذا جواب عن قياسهما على الأمر بالتصدق م: (لأنه جعل المال لله تعالى وهو معلوم) ش: لأنه إخراج المال إلى الله تعالى وهو معلوم، م:(وإذا لم يصح التوكيل) ش: وهذا رجوع إلى أول البحث يعني لما ثبت بالدليل أن التوكيل بشراء عبد غير معين لم يعلم بائعه غير صحيح م: (نفذ الشراء على المأمور) ش: فإذا هلك عنده م: (فيهلك من ماله إلا إذا قبضه الآمر منه لانعقاد البيع تعاطيًا) ش: أي من حيث التعاطي يعني إذا قبضه الآمر عنه انعقد بينهما بيع بالتعاطي، فإن هلك عنده كان من ماله فائدة الدراهم والدنانير لا يتعينان في عقود المعاوضات. وفسوخها عندنا خلافا لزفر والشافعي - رحمهما الله - كما لا يتعينان إذا كانتا عينًا لا يتعينان إذا كانتا دينًا، ولهذا إذا اشترى شيئًا بدين له على البائع ثم تصادقا على أنه لا دين له لا يبطل الشراء ووجب مثل ذلك الدين، وذكر في " الزيادات ": أن الدراهم والدنانير يتعينان في الهبة والوصية والمضاربة والشركة قبل القبض والتسليم.
قال: ومن دفع إلى آخر ألفا وأمره أن يشتري بها جارية فاشتراها، فقال الآمر: اشتريتها بخمسمائة، وقال المأمور: اشتريتها بألف فالقول قول المأمور ومراده إذا كانت تساوي ألفا لأنه أمين فيه وقد ادعى الخروج عن عهدة الأمانة والآمر يدعي عليه ضمان خمسمائة وهو ينكر، فإن كانت تساوي خمسمائة فالقول قول الآمر لأنه خالف حيث اشترى جارية تساوي خمسمائة والآمر تناول ما يساوي ألفا فيضمن. قال: وإن لم يكن دفع إليه الألف فالقول قول الآمر. أما إذا كانت قيمتها خمسمائة فللمخالفة. وإن كانت قيمتها ألفا فمعناه
ــ
[البناية]
وقال الشيخ أبو المعين النسفي رحمه الله في " شرح الجامع الكبير ": اختلف مشايخنا رحمهم الله في الدراهم والدنانير أنهما عند الإشارة إليهما هل يتعينان في العقود أم لا؟ قاله أبو طاهر الدياس رحمه الله: إنهما لا يتعينان، وحكاه عن القاضي أبو حازم رحمه الله، وهو قول أكثر مشايخ بلخ، ونسبه الشيخ أبو سهل الشرعي رحمه الله إلى عامة المشايخ رحمهم الله.
وقال الكرخي رحمه الله: إذا أشار إليه لتعينت، ولكن مع هذا للمشتري أن يمنعها ويدفع غيرها لعدم التفاوت بينهما وبين غيرها، وفسر الشيخ أبو المعين رحمه الله قول الكرخي رحمه الله: بأنهما يتعينان في العقود، جوازًا لا وجوبًا، ثم قال: وعن أصحابنا روايتان في الدراهم والدنانير هل يتعينان في العقود الفاسدة والمختار: عدم التعيين.
ثم اعلم أن عدم تعين الدراهم والدنانير في حق الاستحقاق لا غير، فإنهما يتعينان جنسًا وقدرًا ووصفا، بالاتفاق، وبه صرح الإمام العتابي رحمه الله في "شرح الجامع الصغير ".
م: (قال) ش: أي محمد رحمه الله في " الجامع الصغير ": م: (ومن دفع إلى آخر ألفًا وأمره أن يشتري بها جارية فاشتراها، فقال الآمر: اشتريتها بخمسمائة، وقال المأمور اشتريتها بألف، فالقول قول المأمور) ش: إلى هاهنا لفظ " الجامع الصغير " وقال المصنف رحمه الله: م: (ومراده) ش: أي مراد محمد رحمه الله م: (إذا كانت) ش: أي الجارية م: (تساوي ألفًا لأنه أمين فيه وقد ادعى الخروج عن عهدة الأمانة والآمر يدعي عليه ضمان خمسمائة وهو ينكر) ش: فالقول قوله أي قول المنكر مع يمينه م: (فإن كانت تساوي خمسمائة فالقول قول الآمر لأنه خالف حيث اشترى جارية تساوي خمسمائة والآمر تناول ما يساوي ألفًا فيضمن) .
م: (قال) ش: أي محمد رحمه الله: م: (وإن لم يكن دفع إليه الألف فالقول قول الآمر؛ أما إذا كانت قيمتها خمسمائة فللمخالفة) ش: لأنه أمره أن يشتري جارية تساوي ألفًا وقد خالف الشراء فيلزم المأمور م: (وإن كانت قيمتها ألفًا فمعناه) ش: أي فمعنى قول محمد رحمه الله: إن
أنهما يتحالفان لأن الموكل والوكيل في هذا ينزلان منزلة البائع والمشتري وقد وقع الاختلاف في الثمن وموجبه التحالف ثم يفسخ العقد والذي جرى بينهما فيلزم الجارية المأمور. قال: ولو أمره أن يشتري له هذا العبد ولم يسم له ثمنا، فاشتراه فقال الآمر: اشتريته بخمسمائة، وقال المأمور: بألف وصدق البائع المأمور، فالقول قول المأمور مع يمينه قيل: لا تحالف هاهنا لأنه ارتفع الخلاف بتصديق البائع إذ هو حاضر وفي المسألة الأولى وهو غائب، فاعتبر الاختلاف. وقيل يتحالفان لما ذكرنا، وقد ذكر معظم يمين التحالف وهو يمين البائع، والبائع بعد استيفاء الثمن أجنبي عنهما وقبله أجنبي عن الموكل، إذ لم يجر بينهما
ــ
[البناية]
الجارية للمأمور م: (أنهما يتحالفان لأن الموكل والوكيل في هذا) ش: أي في هذا الفصل م: (ينزلان منزلة البائع والمشتري، وقد وقع الاختلاف في الثمن وموجبه التحالف ثم يفسخ العقد الذي جرى بينهما فيلزم الجارية المأمور) ش: لأن بعد التحالف ينفسخ العقد التقديري الذي جرى بين الآمر والمأمور.
م: (قال) ش: أي محمد رحمه الله م: (ولو أمره أن يشتري له هذا العبد ولم يسم له ثمنًا فاشتراه فقال الآمر: اشتريته بخمسمائة وقال المأمور بألف وصدق البائع المأمور) ش: أي صدق بائع العبد الوكيل فيما قاله، م:(فالقول قول المأمور مع يمينه) ش:، وبه قالت الأئمة الثلاثة رحمهم الله:
م: (قيل: لا تحالف هاهنا) ش: وهو قول أبي جعفر الهندواني رحمه الله، م:(لأنه ارتفع الخلاف بتصديق البائع إذ هو حاضر) ش: يعني يجعل تصادقهما بمنزلة إنشاء عقد، ولو أنشأ العقد يلزم الجارية للآمر فكذا هنا م:(وفي المسألة الأولى) ش: وهي التي سبقت الآن م: (وهو) ش: أي البائع م: (غائب، فاعتبر الاختلاف) ش: الذي كان بين الآمر والمأمور ووجب التحالف، وهاهنا البائع الحاضر.
م: (وقيل: يتحالفان) ش: وهو قول أبي منصور الماتريدي رحمه الله م: (لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله: لأنهما نزلا منزلة البائع والمشتري، م:(وقد ذكر) ش: أي محمد رحمه الله هذا جواب عمال يقال المذكور فيه، فالقول قول المأمور مع يمينه، فالتحالف يخالفه.
أجاب بقوله: وقد ذكر محمد رحمه الله في "الأصل": م: (معظم يمين التحالف وهو يمين البائع) ش: لأن البائع هو الوكيل جعله معظم يمين التحالف لأن يمين البائع مخصوص بصورة التحالف وليس المشتري كذلك لأنه يجب عليه اليمين بكل حال لكونه منكرًا.
م: (والبائع بعد استيفاء الثمن أجنبي) ش: هذا جواب عن قول أبي جعفر رحمه الله أنه ارتفع الخلاف بتصادقهما، وتقرير الجواب: أن البائع بعد استيفاء الثمن أجنبي م: (عنهما) ش: أي عن الوكيل والموكل م: (وقبله) ش: أي وقبل استيفاء الثمن م: (أجنبي عن الموكل، إذ لم يجر بينهما
بيع فلا يصدق عليه فبقي الخلاف، وهذا قول الإمام أبي منصور وهو أظهر والله أعلم بالصواب
ــ
[البناية]
بيع فلا يصدق عليه) ش: أي الوكيل م: (فبقي الخلاف) ش: أي بين الآمر والمأمور والتخالف، وقال المصنف رحمه الله: م: (وهذا قول الإمام أبي منصور وهو) ش: أي قول الإمام أبي منصور رحمه الله: م: (أظهر) ش: أي أصح، وفي "جامع قاضي خان" رحمه الله قول أبي جعفر أصح.
وفي " الكافي ": هو الصحيح؛ وقال الإمام المحبوبي رحمه الله: في "جامعه" بعد هذا: إذا تصادقا على الثمن عند التوكيل وإن اختلفا فقال الوكيل: أمرتني بالشراء بالألف، وقال الآمر: بخمسمائة، فالقول للآمر، وبه قالت الأئمة الثلاثة رحمهم الله فيلزم العبد الوكيل دون الآمر لأن يستفاد من جهته، فكان القول له، ولو أقام البينة فبينة الوكيل أولى لما فيها من زيادة الإثبات، م:(والله أعلم بالصواب) .