الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل آخر وإذا
قال القاضي: قد قضيت على هذا بالرجم، فارجمه
، أو بالقطع فاقطعه، أو بالضرب فاضربه وسعك أن تفعل، وعن محمد أنه رجع عن هذا، وقال: لا تأخذ بقوله حتى تعاين الحجة؛ لأن قوله يحتمل الغلط والخطأ، والتدارك غير ممكن، وعلى هذه الرواية لا يقبل كتابه، واستحسن المشايخ هذه الرواية لفساد حال أكثر القضاة في زماننا، إلا في كتاب القاضي للحاجة إليه.
ــ
[البناية]
[قول القاضي بانفراده قبل العزل وبعده]
[قال القاضي قد قضيت على هذا بالرجم فارجمه]
م: (فصل آخر) ش: أي هذا فصل آخر، ومسائل يجمعها أصل واحد يتعلق بكتاب القضاء، وهو أن قول القاضي بانفراده قبل العزل وبعده مقبول أم لا. فلذلك ذكرها في فصل على حدة.
م: (وإذا قال القاضي: قد قضيت على هذا بالرجم فارجمه) ش: يعني إذا قال القاضي لك: قد قضيت على هذا بالرجم فارجمه وسعك أن ترجمه م: (أو بالقطع فاقطعه) ش: أي وإذا قال لك قضيت عليه بالقطع وسعك أن تقطعه.
م: (أو بالضرب فاضربه) ش: أي وإذا قال: قضيت عليه بالضرب فاضربه. وقوله: م: (وسعك أن تفعل) ش: جواب قوله: " وإذا قال القاضي" في ثلاث صور.
م: (وعن محمد أنه رجع عن هذا) ش: لأنه كان حكي هذا عن أبي يوسف رحمه الله، عن أبي حنيفة رحمه الله في " الجامع الصغير "، ثم رجع عنه م:(وقال: تأخذ بقوله) ش: أي بقول هذا القاضي: م: (حتى تعاين الحجة) ش: أي الشهادة بحضرتك.
وقال الكاكي رحمه الله: أو يشهد على ذلك مع القاضي عدل، وهذه رواية ابن سماعة رحمه الله عن محمد رحمه الله م:(لأن قوله) ش: أي قول القاضي م: (يحتمل الغلط والخطأ، والتدارك) ش: بعد وقوع الأمر م: (غير ممكن) ش: لفواته وبه أخذ مشايخنا رحمهم الله لفساد قضاة هذا الزمان، لا سيما قضاة مصر؛ لأن أكثرهم يقولون بالراشي، فأحكامهم باطلة.
وصدق خبر الواحد بيقين مرتبة الأنبياء عليهم السلام، وغيرهم غير معصومين عن الكذب والغلط على الخصوص في قضاة هذا الزمان بغلط الجهل والفسق فيهم.
م: (وعلى هذه الرواية) ش: أي الرواية التي رويت عن محمد رحمه الله: م: (لا يقبل كتابه) ش: أي كتاب القاضي إلى القاضي.
وقال المصنف رحمه الله م: (واستحسن المشايخ هذه الرواية) ش: وقالوا: ما أحسن هذا في زماننا م: (لفساد حال أكثر القضاة في زماننا) ش: فلا يؤتمنون م: (إلا في كتاب القاضي) ش: إلى القاضي لم يأخذوا بهذه الرواية م: (للحاجة إليه) ش: أي إلى كتاب القاضي إلى القاضي للضرورة
وجه ظاهر الرواية أنه أخبر عن أمر يملك إنشاءه فيقبل لخلوه عن التهمة، ولأن طاعة أولي الأمر واجبة، وفي تصديقه طاعة. وقال الإمام أبو منصور رحمه الله: إن كان عدلا عالما يقبل قوله لانعدام تهمة الخطأ والخيانة، وإن كان عدلا جاهلا يستفسر، فإن أحسن التفسير وجب تصديقه، وإلا فلا. وإن كان جاهلا فاسقا أو عالما لا يقبل إلا أن يعاين سبب الحكم لتهمة الخطأ والخيانة.
قال: وإذا عزل القاضي، فقال لرجل: أخذت منك ألفا ودفعتها إلى فلان قضيت بها عليك فقال: الرجل أخذتها ظلما، فالقول قول القاضي، وكذا لو قال: قضيت بقطع يديك في حق هذا
ــ
[البناية]
م: (وجه ظاهر) ش: أي وجه ظاهر الرواية م: (أنه) ش: أي أن القاضي م: (أخبر عن أمر يملك إنشاءه) ش: لأن المتولي يتمكن من إنشاء القضاء، ومن [
…
] تمكن به من الإنشاء لا يرد م: (فيقبل لخلوه عن التهمة) ش: وقال الأكمل رحمه الله: وفيه بحث، وهو أنه يتمكن من ذلك بحجة أو بدونها، والثاني ممنوع، والأول [
] إلى غير ظاهر الرواية من معاينة الحجة م: (ولأن طاعة أولي الأمر واجبة) ش: هذا دليل آخر، لأن القاضي من أولي الأمر وطاعة أولي الأمر واجبة م:(وفي تصديقه طاعة) ش: أي طاعة القاضي. وكان ينبغي أن يقال: إطاعته.
م: (وقال الإمام أبو منصور رحمه الله) ش: الماتريدي، واسمه محمد بن محمد بن محمود ونسبته إلى " ماتريد " محله من سمرقند، ويقال: ماتريت أيضا بالتاء، م:(إن كان) ش: أي القاضي م: (عدلا عالما يقبل قوله لانعدام تهمة الخطأ والخيانة، وإن كان عدلا جاهلا يستفسر) ش: أي قضائه لتهمة الخطأ م: (فإن أحسن التفسير) ش: القضاء بأن فسر على وجه اقتضاه الشرع أن يقول مثلا: استفسرت المقر بالزنا، كما هو المعروف فيه وحكمت عليه بالرجم، وثبت عندي بالحجة أنه أخذ نصابا من حرز لا شبهة فيه، وأنه قتل عمدا بلا شبهة، فحينئذ م:(وجب تصديقه) ش: وقبول قوله م: (وإلا فلا) ش: أي فلا يحسن تفسيره، فلا يجب تصديقه ولا يقبل قوله.
م: (وإن كان) ش: أي القاضي م: (جاهلا فاسقا أو عالما لا يقبل إلا أن يعاين سبب الحكم لتهمة الخطأ) ش: في الجهل م: (والخيانة) ش: أي ولتهمة الجناية في الفسق، وهذا على أربعة أقسام، ذكر المصنف رحمه الله منها ثلاثة، ولم يذكر القسم الرابع من القسمة العقلية، وهو أن يكون عالما عادلا؛ لأنه يقبل قوله بدون الاستفسار.
م: (قال) ش: أي محمد رحمه الله في " الجامع الصغير " م: (وإذا عزل القاضي، فقال لرجل: أخذت منك ألفا ودفعتها إلى فلان قضيت بها عليك، فقال: الرجل أخذتها ظلما، فالقول قول القاضي، وكذا لو قال) ش: أي القاضي: م: (قضيت بقطع يديك في حق هذا) ش: فالقول قول القاضي، وهذا أي كون القول قول القاضي في تأمين الصورتين.
إذا كان الذي قطعت يده والذي أخذ منه المال مقرين أنه فعل ذلك وهو قاض. ووجهه أنهما لما توافقا أنه فعل ذلك في قضائه كان الظاهر شاهدا له، إذ لا يقضي بالجور ظاهرا ولا يمين عليه، لأنه ثبت فعله في قضائه بالتصادق ولا يمين على القاضي، ولو أقر القاطع والآخذ بما أقر به القاضي لا يضمن أيضا؛ لأنه فعله في حال القضاء، ودفع القاضي صحيح كما إذا كان معاينا.
ولو زعم المقطوع يده أو المأخوذ ماله أنه فعل ذلك قبل التقليد أو بعد العزل، فالقول للقاضي أيضا، وهو الصحيح؛ لأنه أسند فعله إلى حالة معهودة منافية للضمان، فصار
ــ
[البناية]
م: (إذا كان الذي قطعت يده، والذي أخذ منه المال) ش: حال كونه م: (مقرين أنه) ش: أي أن القاضي م: (فعل ذلك) ش: أي كل واحد من أخذ المال وقطع إليه م: (وهو قاض) ش: يعني في حال قضائه م: (ووجهه) ش: أي وجه كون القول قول القاضي في الوجهين م: (أنهما) ش: أي أن القاضي والمأخوذ منه المال أو المقطوع يده م: (لما توافقا) ش: أي انقضاء م: (أنه) ش: أي أن القاضي م: (فعل ذلك) ش: أي أخذ المال أو القطع حال كونه م: (في قضائه) ش: يعني في حال ولايته فلما اتفقا م: (كان الظاهر) ش: أي ظاهر الحال م: (شاهدا له) ش: أي للقاضي م: (إذ) ش: وفي بعض النسخ م: (لا يقضي بالجور) ش: أي بالظلم والخروج عن الحق م: (ظاهرا) ش: والقول قول من يشهد له الظاهر.
م: (ولا يمين عليه) ش: أي على القاضي م: (لأنه ثبت فعله في قضائه بالتصادق ولا يمين على القاضي) ش: لأن إيجابها عليه يقضي إلى تعطيل أمور الناس، بامتناع الدخول في القضاء، ولأنا لو ألزمنا عليه اليمين، لكان خصما، وقضاء الخصم لا يجوز م:(ولو أقر القاطع) ش: أي بأمر القاضي م: (والآخذ) ش: أو أقر أخذ المال بأمر القاضي م: (بما أقر به القاضي) ش: أي بالقطع أو الأخذ م: (لا يضمن) ش: القاضي م: (أيضا لأنه) ش: أي لأن القاطع أو الآخذ م: (فعله في حالة القضاء) ش: وهو صحيح.
م: (ودفع القاضي صحيح) ش: أي دفع القاضي المال إلى رب الدين أو المستحق صحيح، لأنه دفع في حالة القضاء، والظاهر أنه محق م:(كما إذا كان) ش: أي دفع القاضي المال إلى الآخذ بحكم القضاء م: (معاينا) ش: يعني في معاينة المأخوذ منه المال لا يضمن الآخذ، وكذا أقر بما أقر به القاضي م:(ولو زعم المقطوع يده أو المأخوذ ماله أنه) ش: أي أن القاضي م: (فعل ذلك قبل التقليد أو بعد العزل) ش: أي أو فعل بعد عزله م: (فالقول للقاضي أيضا، وهو الصحيح) ش: احترز به عما ذكره شمس الأئمة رحمه الله في "جامعه " أن القول للمدعي إذا قال فعله بعد العزل م: (لأنه) ش: أي لأن القاضي م: (أسند فعله إلى حالة معهودة منافية للضمان) ش: لأنه إذا عرف أنه كان قاضيا، صحت إضافة القطع أو الأخذ إلى حالة القضاء، لأن حالة القضاء معهودة فيتقي بها الضمان، وهو اختيار فخر الإسلام رحمه الله والصدر الشهيد رحمه الله م:(فصار)
كما إذا قال: طلقت أو أعتقت، وأنا مجنون والجنون منه كان معهودا. ولو أقر القاطع أو الآخذ في هذا الفصل بما أقر به القاضي يضمنان؛ لأنهما أقرا بسبب الضمان، وقول القاضي مقبول في دفع الضمان عن نفسه لا في إبطال سبب الضمان على غيره بخلاف الأول؛ لأنه ثبت فعله في قضائه بالتصادق، ولو كان المال في يد الآخذ قائما، وقد أقر بما أقر به القاضي والمأخوذ منه المال صدق القاضي في أنه فعله في قضائه أو ادعى أنه فعله في غير قضائه، يؤخذ منه؛ لأنه أقر أن اليد كانت له فلا يصدق في دعوى تملكه إلا بحجة، وقول المعزول فيه ليس بحجة.
ــ
[البناية]
ش: إسناد القضاء هما م: (كما إذا قال) ش: من عهد منه الجنون: م: (طلقت) ش: امرأتي م: (أو أعتقت) ش: أي قال: أعتقت عبدي م: (وأنا مجنون والجنون) ش: أي والحال أن الجنون م: (منه كان معهودا) ش: أي معلوما بين الناس، فإن القول قوله حتى لا يقطع الطلاق ولا العتاق لإضافته إلى حالة منافية الإيقاع.
م: (ولو أقر القاطع والآخذ في هذا الفصل) ش: وهو فصل أن المقطوع يده والمأخوذ ماله يزعم أن القاضي قطع وأخذ قبل التقليد أو بعد العزل م: (بما أقر به القاضي يضمنان؛ لأنهما أقرا بسبب الضمان) ش: وهو أخذ المال وقطع اليد م: (وقول القاضي مقبول في دفع الضمان عن نفسه لا في إبطال سبب الضمان على غيره) ش: يعني لا يقبل في ذلك، فإن قيل: ينبغي أن لا يضمن الآخذ والقاطع أيضا؛ لأنهما أسندا الفعل أيضا إلى حالة معهودة للضمان. والجواب أن جهة الضمان راجحة؛ لأن إقرار الرجل على نفسه بسبب الضمان حجة قطعية، وقضاء القاضي حجة ظاهرا والظاهر لا يعارض القطعي.
م: (بخلاف الأول) ش: أي الفصل الأول م: (لأنه ثبت فعله) ش: أي فعل القاضي م: (في قضائه بالتصادق) ش: فكان بمنزلة الثابت معاينة م: (ولو كان المال في يد الآخذ قائما وقد أقر بما أقر به القاضي والمأخوذ منه المال صدق القاضي في أنه فعله في قضائه أو ادعى أنه فعله في غير قضائه يؤخذ منه؛ لأنه أقر أن اليد كانت له) ش: أي للمأخوذ منه م: (فلا يصدق في دعوى تملكه إلا بحجة) ش: لأنه لم يكن له ولاية الآخذ إلا بحجة ظاهرة.
م: (وقول المعزول) ش: أي القاضي المعزول م: (فيه ليس بحجة) ش: لكون شهادة فرد، بخلاف ما لو كان المال هالكا وأن القاضي ينكر وجوب الضمان، والقول قول المنكر، والله أعلم بالصواب.