الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في التوكيل بشراء نفس العبد
قال: وإذا قال العبد لرجل: اشتر لي نفسي من مولاي بألف ودفعها إليه، فإن قال الرجل للمولى: اشتريته لنفسه فباعه على هذا فهو حر والولاء للمولى لأن بيع نفس العبد منه إعتاق وشراء العبد نفسه قبول الإعتاق ببدل والمأمور سفير عنه، إذ لا يرجع عليه
ــ
[البناية]
[فصل في التوكيل بشراء نفس العبد]
م: (فصل في التوكيل بشراء نفس العبد) ش: أي هذا فصل في بيان حكم التوكيل بشراء نفس العبد، والمصنف رحمه الله ذكر في هذا الفصل مسألتين:
أولهما: توكيل العبد رجلًا ليشتريه من مولاه، والثانية: أن يوكل الرجل العبد ليشتريه له من مولاه. فالعبد في الأولى موكل، والثانية وكيل.
وتحل الترجمة على طبق الوجهين، لمقتضى أن الألف واللام في التوكيل بدلًا من المضاف إليه، فالتقدير في الوجه الأول: فصل في توكيل العبد رجلًا ليشتريه لنفسه من مولاه، وفي الوجه الثاني: فصل في توكيل الرجل العبد ليشتريه له من مولاه، وعلى التقديرين المصدر مضاف إلى فاعله في الوجهين، ولكنه يختلف أيضًا، ففي الأول المفعول هو الرجل، وفي الثاني هو العبد، والأكمل رحمه الله سعى هنا حيث جعل المصدر مضافًا إلى الفاعل والمفعول وليس كذلك والوجه ما قلناه.
م: (قال) ش: أي محمد رحمه الله في " الجامع الصغير ": م: (وإذا قال العبد لرجل اشتر لي نفسي من مولاي بألف درهم ودفعها إليه) ش:، أي دفع العبد الألف إلى الرجل الذي وكله م:(فإن قال الرجل) ش: أي الوكيل م: (للمولى: اشتريته) ش: أي العبد م: (لنفسه) ش: أي لنفس العبد م: (فباعه على هذا) ش: أي على هذا الوجه م: (فهو حر) ش: أي العبد يصير حرًا م: (والولاء للمولى لأن بيع نفس العبد منه) ش: أي من العبد م: (إعتاق وشراء العبد نفسه قبول الإعتاق ببدل) ش: لأن العبد لا يملك، وإن ملك لأنه ليس بأهل أن يملك مالًا فصار مجازًا عن الإعتاق إذ البيع إزالة ملك بعوض، والإعتاق إزالة لا إلى أحد، فجاز أن يستعار منه؛ كذا قاله تاج الشريعة رحمه الله.
حاصل الكلام: ما قاله المصنف رحمه الله: إن بيع العبد من نفسه إعتاق على مال، والإعتاق على مال يتوقف على وجود القبول من المعتق وقد وجد ذلك بأن شراء العبد لنفسه قبول منه للمعتق ببدل.
م: (والمأمور سفير عنه) ش: أي عن العبد حيث أضاف العقد إلى موكله م: (إذ لا يرجع عليه
الحقوق، فصار كأنه اشترى بنفسه. وإذا كان إعتاقا أعقب الولاء وإن لم يعين للمولى فهو عبد للمشتري لأن اللفظ حقيقة للمعاوضة وأمكن العمل بها إذا لم يعين فيحافظ عليها. بخلاف شراء العبد نفسه لأن المجاز فيه متعين، وإذا كان معاوضة يثبت الملك له والألف للمولى لأنه كسب عبده وعلى المشتري ألف مثله ثمنا للعبد. فإنه في ذمته حيث لم يصح الأداء بخلاف الوكيل بشراء العبد من غيره حيث لا يشترط بيانه لأن العقدين هنالك
ــ
[البناية]
الحقوق) ش: هذا تعليل لقوله: سفير عنه، أي لأن حقوق العبد لا ترجع إليه كما إذا كان كذلك م:(فصار كأنه) ش: أي كأن العبد م: (اشترى بنفسه) ش: من نفسه.
م: (وإذا كان إعتاقًا أعقب الولاء) ش: لأن الولاء للمعتق م: (وإن لم يعين للمولى) ش: أي وإن لم يقل الوكيل اشتريت العبد لنفس العبد م: (فهو عبد للمشتري) ش: أي يكون العبد للمشتري م: (لأن اللفظ) ش: أي قوله اشتريت عبدك بكذا موضوع م: (حقيقة للمعاوضة) ش: لأن المولى قال بعت هذا العبد بألف، وقال الوكيل اشتريت وليس بحقيقة للإعتاق م:(وأمكن العمل بها) ش: أي بحقيقة اللفظ م: (إذا لم يعين) ش: أي إذا لم يقل: اشتريت عبدك لأجل عبدك، م:(فيحافظ عليها) ش: أي على المعاوضة.
م: (بخلاف شراء العبد نفسه) ش: حيث يجعل الإعتاق لتعذر العمل بالمعاوضة فإنه ليس بأهل أن يملك مالًا فصار مجازًا عن الإعتاق. وهو معنى قوله: م: (لأن المجاز فيه متعين) ش: والمجاز معنى إزالة الملك فإن البيع يزيل الملك بعوض على آخر، والإعتاق يزيل لا إلى آخر، وقد مر الكلام فيه.
م: (وإذا كان معاوضة يثبت المالك له) ش: أي المشتري م: (والألف للمولى لأنه كسب عبده وعلى المشتري ألف مثله) ش: أي مثل ذلك الألف حال كونه م: (ثمنًا للعبد) ش: وقال الكاكي رحمه الله ثمنًا نص على التمييز، قلت: الأوجه أنه يكون حالًا بتأول تثمينًا م: (فإنه) ش: أي فإن الثمن م: (في ذمته) ش: أي في ذمة المشتري م: (حيث لم يصح الأداء) ش: المشتري هو المأمور.
قال في "النهاية": وهذا ظاهر فيما إذا وقع الشراء للمشتري، وأما إذا وقع الشراء للعبد حتى يعتق هل يجب على العبد ألف أخرى. قال الإمام قاضي خان رحمه الله: لم يذكره في الكتاب ولكن يجب عليه ألف أخرى. لأن الأول مال المولى فلا يصلح بدلًا عن ملكه.
م: (بخلاف الوكيل بشراء العبد من غيره) ش: أي من غير العبد بأن وكل أجنبي أجنبيًا آخر بشراء العبد من مولاه م: (حيث لا يشترط بيانه) ش: بأن يقول وقت الشراء: اشتريته لموكل لوقوع الشراء للموكل م: (لأن العقدين) ش: يعني الذي يقع له والذي للموكل م: (هنالك) ش: أي في
على نمط واحد، وفي الحالين المطالبة تتوجه نحو العاقد. أما هاهنا فأحدهما إعتاق معقب للولاء ولا مطالبة على الوكيل والمولى عساه لا يرضاه ويرغب في المعاوضة المحضة فلا بد من البيان. ومن قال لعبد: اشتر لي نفسك من مولاك، فقال لمولاه: بعني نفسي لفلان بكذا ففعل فهو للآمر، لأن العبد يصلح وكيلا عن غيره في شراء نفسه؛ لأنه
ــ
[البناية]
حق البائع م: (على نمط واحد) ش: أي على نوع واحد وهو المبايعة والنمط والنوع والطريقة أيضًا م: (وفي الحالين) ش: أي في حال الإضافة إلى نفسه والإضافة إلى موكله م: (المطالبة تتوجه نحو العاقد) ش: فلا يحتاج إلى البيان م: (أما هاهنا) ش: أي في صورة توكيل العبد بشراء نفسه م: (فأحدهما) ش: وفي بعض النسخ: أما هاهنا فأحدهما بدون لفظة فإن أي أحد الحالين م: (إعتاق معقب للولاء ولا مطالبة فيه على الوكيل) ش: لأنه سفير.
هذه رواية كتاب الوكالة في باب الوكالة بالعتق: أن العبد يعتق والمال على العبد دون الوكيل، وذكر في باب الوكالة المأذون والمكاتب من كتاب "الوكالة": أن العبد يعتق والمال على الوكيل، وهكذا ذكر في وكالة الجامع: ولو بين للمولى أنه يشتريه لنفسه لكن أضاف الشراء لنفسه، ذكر محمد رحمه الله في كتاب الوكالة: أن العبد يعتق والثمن على العبد لا الوكيل، وذكر في " الجامع الكبير ": وجب الثمن على الوكيل ويرجع به على العبد. وعن عيسى ابن أبان رحمه الله: الصحيح أن الثمن على العبد.
م: (والمولى عساه لا يرضاه) ش: أي الإعتاق لأنه لو أعتق والمولى لا يعلم به يلزمه الضرر ولا يرضى به، لأن ولاءه يكون له، فهو موجب جنايته يكون أيضًا عليه بحكم الولاء، فتعذر تنفيذه على المولى وأمكن تنفيذه على الوكيل والآخر معاوضة محضة، والمطالبة على الموكل م:(ويرغب) ش: أي المولى عساه يرغب م: (في المعاوضة المحضة فلا بد من البيان) ش: قوله عساه لا يرضاه، حق الكلام أن يقال: عساه وأن لا يرضاه، لأن قوله: لا يرضاه في محل النصب، يعني ولكنه شبه عسى بكاد، فاستعمل استعماله وذكر ضمير الغائب مقام الظاهر أحد المذاهب الثلاثة كما عرف في موضعه.
م: (قال) ش: أي محمد رحمه الله في " الجامع الصغير ": م: (ومن قال لعبد: اشتر لي نفسك من مولاك) ش: هذه هي المسألة الثانية من المسألتين اللتين شملتا هذا الفصل م: (فقال) ش: أي العبد م: (لمولاه: بعني نفسي لفلان بكذا ففعل) ش: أي المولى م: (فهو) ش: أي العقد والعبد م: (للآمر لأن العبد يصلح أن يكون وكيلًا عن غيره في شراء نفسه) ش:، وبه قال الشافعي رحمه الله في قول ومالك رحمه الله وأحمد رحمه الله.
وقال الشافعي رحمه الله في قول: لا يصلح فلا يجوز هذا التوكيل م: (لأنه) ش: أي
أجنبي عن ماليته، والبيع يرد عليه من حيث إنه مال إلا أن ماليته في يده، حتى لا يملك البائع الحبس بعد البيع لاستيفاء الثمن، فإذا أضافه إلى الآمر صلح فعله امتثالا، فيقع العقد للآمر. وإن عقد لنفسه فهو حر، لأنه إعتاق، وقد رضي به المولى دون المعاوضة، والعبد وإن كان وكيلا بشراء شيء معين ولكنه أتى بجنس تصرف آخر وفي مثله ينفذ على الوكيل.
ــ
[البناية]
لأن العبد م: (أجنبي عن ماليته) ش: لأنها لمولاه، ولهذا لو أقر بماليته لغيره لا يصلح م:(والبيع يرد عليه) ش: أي على العبد م: (من حيث إنه مال) ش: فكان توكيله بشرائها كتوكيله بغيره من أموال المولى وكتوكيل أجنبي بشراء نفسه م: (إلا أن ماليته في يده) ش: استثناء عن قوله لأنه أجنبي عن ماليته لأنها لمولاه إلا أنها بيده م: (حتى لا يملك البائع) ش: وهو المولى م: (الحبس بعد البيع) ش: لاستيفاء الثمن لأن ماليته في يده لكونه مأذونًا له كالمودع إذا اشترى الوديعة وهي في يده لم يكن للبائع حبسه م: (لاستيفاء الثمن فإذا أضافه إلى الآمر صلح فعله) ش: أي فعل العبد نتيجة الدليل.
وتقريره العبد يصلح وكيلًا عن غيره في شراء نفسه لأنه مال وكل من يصلح وكيلًا عن غيره في شراء مال إذا أضاف العقد إلى الآمر صح فعله م: (امتثالًا) ش: فالعبد إذا أضافه إلى الآمر صلح فعله امتثالًا م: (فيقع العقد للآمر) ش: قياسًا على حر توكل بشيء وفعله، وقوله ففعل فهو للآمر يشير إلى أن العقد يتم بقول المولى بعت.
وهو يخالف ما ذكر في " الجامع " فإن إضافة العقد إلى الموكل إنما تفيد الملك إذ وجد الإيجاب من المولى والقبول من العبد حتى لو قال العبد: بعني نفسي من فلان فقال: بعت لا يتم العقد حتى يقول العبد قبلت بناء على أن الواحد لا يتولى طرفي البيع، بخلاف ما إذا اشترى لنفسه كما يأتي، فإنه إعتاق على مال مقدر والواحد يتولى طرفيه، فيتم بقول المولى بعت مسبوقًا بقول العبد بعني نفسي.
فإن قلت: إذا أضاف إلى الموكل فمن الطالب بالثمن؟. أجيب: بأنه في ذمة العبد لكونه العاقد، فإن قلت قد يكون محجورًا عليه ومثله لا يرجع إليه الحقوق؟، وأجيب: بأن الحجر زال بالعقد الذي باشره مع مولاه، فإن المباشرة تستدعي به تصور صحة المباشرة، وهو إذن.
م: (وإن عقد لنفسه فهو حر) ش: يعني إذا قال: بعني نفسي مني فقال: المولى بعت، فهو حر م:(لأنه إعتاق وقد رضي به المولى دون المعاوضة) ش: لأنه علم أن البيع منه إعتاق م: (والعبد وإن كان وكيلًا) ش: هذا جواب إشكال وهو أن يقال: ينبغي أن لا يجوز بيعه لنفسه لأنه وكيل بشراء معين لا يتمكن من أن يشتريه لنفسه، فينبغي أن لا يتمكن العبد من ذلك فأجاب بقوله: والعبد وإن كان وكيلًا م: (بشراء شيء معين ولكنه أتى بجنس تصرف آخر) ش: وهو الإعتاق على مال فكان مخالفًا، م:(وفي مثله ينفذ الشراء على الوكيل) ش: والوكيل إذا خالف نفذ الشراء على
وكذا لو قال: بعني نفسي، ولم يقل لفلان فهو حر لأن المطلق يحتمل الوجهين، فلا يقع امتثالا بالشك، فيبقى التصرف واقعا لنفسه.
ــ
[البناية]
الوكيل.
م: (وكذا لو قال: بعني نفسي ولم يقل لفلان فهو حر لأن المطلق) ش: وهو قوله "بعني نفسي" م: (يحتمل الوجهين) ش: أي يحتمل أن يكون مشتريًا بنفسه لنفسه ويحتمل أن يكون مشتريًا لغيره م: (فلا يقع امتثالًا بالشك فيبقى التصرف واقعًا لنفسه) ش: لأن الظاهر أن الإنسان يتصرف لأجل نفسه لا سيما تصرفًا يحص منه الإعتاق.
وقال الأكمل رحمه الله: وعورض بأن اللفظ حقيقة للمعاوضة كما تقدم، وإذا تردد اللفظ بين أن يحمل على حقيقته وعلى مجازه حمل على الحقيقة بالنية.
وأجيب: بأن اللفظ للحقيقة إذا لم يكن ثمة قرينة للمجاز، وقد وجدت فيما نحن فيه وهي إضافة العبد العقد إلى نفسه، فإن الحقيقة بالنسبة إليه غير مقصودة ورضي المولى بذلك، وإليه أشار بقوله: وقد رضي المولى به دون المعاوضة لا يقال فعلى هذا لا يكون قوله: لأن المطلق يحتمل الوجهين صحيحًا، لأنا نقول: الاحتمال إنما هو من حيث إطلاق اللفظ، وذلك لا يحتمل الإنكار والترجيح من حيث الإضافة إلى نفسه، وهي خارجة عن مفهوم اللفظ.