الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنها تندرئ بالشبهات. وشبهة العفو ثابتة حال غيبة الموكل، بل هو الظاهر للندب الشرعي، بخلاف غيبة الشاهد؛ لأن الظاهر عدم الرجوع، وبخلاف حالة الحضرة لانتفاء هذه الشبهة، وليس كل أحد يحسن الاستيفاء، فلو منع عنه ينسد باب الاستيفاء أصلا، وهذا الذي ذكرناه قول أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف رحمه الله:
لا تجوز
الوكالة بإثبات الحدود والقصاص بإقامة الشهود
أيضا، وقول محمد رحمه الله مع أبي حنيفة رحمه الله، وقيل: مع أبي يوسف رحمه الله وقيل: هذا الاختلاف في غيبته دون حضرته؛
ــ
[البناية]
رحمه الله وقال الشافعي رحمه الله في الأصح، ومالك وأحمد: يجوز له استيفاء القصاص والقذف في غيبة الموكل، م:(لأنها تندرئ بالشبهات) .
م: (وشبهة العفو) ش: يعني في القصاص لأن الحدود لا يعفى عنها، وشبهة عفو ولي القصاص م:(ثابتة حال غيبة الموكل، بل هو الظاهر) ش: أي بل العفو هو الظاهر م: (للندب الشرعي) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237](البقرة الآية) م: (بخلاف غيبة الشاهد) ش: حيث يستوفى الحدود والقصاص مع غيبة الشهود وإن كان رجوعهم محتملاً م: (لأن الظاهر عدم الرجوع) ش: احترازاً عن الكذب والفسق. م: (وبخلاف حالة الحضرة) ش: أي حضرة الموكل في المجلس م: (لانتفاء هذه الشبهة) ش: أي شبهة العفو.
م: (وليس كل أحد يحسن الاستيفاء) ش: هذا جواب إشكال، وهو أن يقال: إذا كان الموكل حاضراً لم يحتج إلى التوكيل بالاستيفاء، إذ هو يستوفيه بنفسه، فأجاب بقوله " وليس كل أحد يحسن الاستيفاء "، يعني لقلة هدايته، أو لأن قلبه لا يحتمل ذلك، فيجوز التوكيل بالاستيفاء عند حضوره استحساناً م:(فلو منع عنه) ش: أي عن التوكيل م: (ينسد باب الاستيفاء أصلاً) ش: فلا يبقى.
م: (وهذا الذي ذكرناه) ش: يعني جواز التوكيل بإثبات الحدود والقصاص م: (قول أبي حنيفة رحمه الله) ش: وبه قال الأئمة الثلاثة رحمهم الله.
م: (وقال أبو يوسف رحمه الله) ش: لا.
[الوكالة بإثبات الحدود والقصاص بإقامة الشهود]
م: (لا تجوز الوكالة بإثبات الحدود والقصاص بإقامة الشهود أيضاً) ش: وبه قال زفر رحمه الله م: (وقول محمد رحمه الله مع أبي حنيفة رحمه الله وقيل: مع أبي يوسف رحمه الله) ش: وفي " شرح الطحاوي قول محمد رحمه الله مضطرب، وفي بعض الروايات ذكر قوله مع أبي حنيفة رحمه الله وفي بعضها مع أبي يوسف رحمه الله وذكر الطحاوي في " مختصره " قول محمد رحمه الله مع أبي حنيفة رحمه الله م: (وقيل: هذا الاختلاف في غيبته) ش: أي في غيبة الموكل م: (دون حضرته) ش: فإن في حضرته يجوز التوكيل بلا خلاف م:
لأن كلام الوكيل ينتقل إلى الموكل عند حضوره، فصار كأنه متكلم بنفسه. له أن التوكيل إنابة وشبهة النيابة يتحرز عنها في هذا الباب، كما في الشهادة على الشهادة، وكما في الاستيفاء. ولأبي حنيفة رحمه الله أن الخصومة شرط محض؛ لأن الوجوب مضاف إلى الجناية والظهور إلى الشهادة، فيجري فيه التوكيل كما في سائر الحقوق. وعلى هذا الخلاف التوكيل بالجواب من جانب من عليه الحد والقصاص، وكلام أبي حنيفة رحمه الله فيه أظهر؛ لأن الشبهة لا تمنع الدفع غير أن إقرار الوكيل غير مقبول عليه لما فيه من شبهة عدم الأمر به.
ــ
[البناية]
(لأن كلام الوكيل ينتقل إلى الموكل عند حضوره فصار كأنه متكلم بنفسه له) ش: أي لأبي يوسف رحمه الله م: (أن التوكيل إنابة) ش: أي بدل عن خصومة الموكل والإنابة فيها شبهة م: (وشبهة الإنابة يتحرز عنها في هذا الباب) ش: أي في باب الحدود والقصاص م: (كما في الشهادة على الشهادة) ش: أي كما يتحرز عن الإنابة في الشهادة، يعني لا تجوز م:(وكما في الاستيفاء) ش: أي وكما يتحرز عن الإنابة، أي عن التوكل باستيفاء الحدود والقصاص مع اتفاقاً بالجواب مع غيبة الموكل. م:(ولأبي حنيفة رحمه الله: أن الخصومة شرط محض) ش: يعني ليس لها حظ في الوجوب ولا في الظهور م: (لأن الوجوب مضاف إلى الجناية، والظهور إلى الشهادة، فيجري فيه التوكيل كما في سائر الحقوق) ش: لأن " التوكيل " بها إثبات حق لا تؤثر فيه الشبهة. م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله م: (التوكيل بالجواب من جانب من عليه الحد والقصاص) ش: أي الحد، يعني إذا وكل مطلوب وهو من عليه الحد أو القصاص رجلاً بالجواب عنه في دفع ما يطالبه عليه، قال أبو حنيفة رحمه الله: يجوز. وقال أبو يوسف رحمه الله: لا يجوز. وقول محمد رحمه الله مضطرب، وقوله " التوكيل " مبتدأ وخبره مقدماً عليه هو قوله " وعلى هذا الخلاف بالجواب " أي بأن يجيب عنه.
م: (وكلام أبي حنيفة رحمه الله فيه) ش: أي في - التوكيل من جانب من عليه الحد م: (أظهر؛ لأن الشبهة لا تمنع الدفع) ش: أي لأن الشبهة المذكورة وهي شبهة البدلية على تقدير كونها معتبرة لا تمنع الدفع إلى الدار، ألا ترى الشهادة على الشهادة النساء مع الرجال في العفو صحيحة.
م: (غير أن إقرار الوكيل غير مقبول عليه) ش: يعني إذا أقر هذا الوكيل في مجلس القضاء بوجوب القصاص على موكله لا يصح استحساناً م: (لما فيه من شبهة عدم الأمر به) ش: أي في باب الإقرار من شبهة عدم الأمر بالإقرار.
وفي " المبسوط ": لو أقر في مجلس القضاء بوجوب القصاص على موكله يصح قياساً؛ لأنه قام مقام الموكل كما في سائر الحقوق. وفي الاستحسان لا يجوز كما ذكره المصنف.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا يجوز التوكيل بالخصومة من غير رضا الخصم، إلا أن يكون الموكل مريضا أو غائبا مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا، وقالا: يجوز التوكيل بغير رضا الخصم، وهو قول الشافعي رحمه الله. ولا خلاف في الجواز، إنما الخلاف في اللزوم،
ــ
[البناية]
م: (وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا يجوز التوكيل بالخصومة من غير رضا الخصم) ش: سواء كان التوكيل من جانب المدعي أو من جانب المدعى عليه، ويستوي عنده الموكل إذا كان رجلاً أو امرأة، بكراً كانت أو ثيباً م:(إلا أن يكون الموكل مريضاً أو غائباً مسيرة ثلاثة أيام فصاعداً، وقالا يجوز التوكيل بغير رضا الخصم وهو قول الشافعي رحمه الله) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله -.
وفي " فتاوى قاضي خان ": كان أبو يوسف رحمه الله أولاً يقول: لا تقبل الوكالة بغير رضى الخصم من الرجال وتقبل من النساء، ثم رجع وقال: تقبل من الرجال والنساء، ويستوي فيه الوضيع والشريف. وهو قول محمد والشافعي رحمهما الله، وبه أخذ الصفار.
وقال الإمام السرخسي رحمه الله: إذا علم القاضي التعنت من المدعي في إباء التوكيل يقبل التوكيل بغير رضاه وهو الصحيح عندي. وإن علم المقصد أي الاضطرار من الموكل بالمدعي ليشغل الوكيل بالحيل والأباطيل والتلبيس لا يقبل.
م: (ولا خلاف في الجواز) ش: أي لا خلاف بين أبي حنيفة رحمه الله وبين صاحبيه في جواز التوكيل بالخصومة، م:(إنما الخلاف في اللزوم) ش:، فعند أبي حنيفة رحمه الله لا يلزم، وعندهما يلزم معناه، وهل ترتد الوكالة برد الخصم أم لا عنده ترتد خلافاً لهما، فعلى هذا يكون معنى قول القدوري رحمه الله: لا يجوز التوكيل بالخصومة إلا برضى الخصم، أي لا يلزم إطلاق الاسم اللازم على الملزوم؛ لأن الجواز من لوازم اللزوم، هكذا قاله الأترازي رحمه الله.
وقال الأكمل رحمه الله: وفيه نظر؛ لأنا لا نسلم أن الجواز لازم للزوم عرف ذلك في أصول الفقه سلمنا لكن ذلك ليس مجازاً. والحق: أن قوله: لا يجوز التوكيل بالخصومة إلا برضى الخصم في قوة قولنا التوكيل بالخصومة غير لازم، بل إن رضي به الخصم صح، وإلا فلا حاجة إلى قوله، ولا خلاف في الجواز وإلى التوجيه يجعله مجازاً، وفي " فتاوى العتابي " رحمه الله: التوكيل بغير رضى الخصم لا يجوز، معناه لا يجبر خصمه على قبول الوكالة، وهو المختار.
قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: التوكيل عند أبي حنيفة رحمه الله بغير رضى الخصم صحيح، ولكن للخصم أن يطالب الموكل بأن يحضر بنفسه.
لهما: أن التوكيل تصرف في خالص حقه، فلا يتوقف على رضاء غيره، كالتوكيل بتقاضي الديون. وله: أن الجواب مستحق على الخصم، ولهذا يستحضره. والناس متفاوتون في الخصومة، فلو قلنا بلزومه، يتضرر به فيتوقف على رضاه كالعبد المشترك إذا كاتبه أحدهما يتخير الآخر بخلاف المريض والمسافر؛ لأن الجواب غير مستحق عليهما هنالك، ثم كما يلزم التوكيل عنده من المسافر يلزم إذا أراد السفر
لتحقق الضرورة.
ــ
[البناية]
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد رحمهما الله م: (أن التوكيل تصرف في خالص حقه) ش: أي في حق الموكل، وهذا لأنه وكله إما بالجواب أو بالخصومة، وكلاهما حق الموكل، فإذا كان كذلك م:(فلا يتوقف على رضاء غيره كالتوكيل بتقاضي الديون وله) ش: أي ولأبي حنيفة رحمه الله م: (أن الجواب مستحق على الخصم) ش: أي على الخصم م: (ولهذا يستحضره) ش: في مجلس القاضي.
م: (والناس متفاوتون في الخصومة) ش: وفي جوابها، فرب إنسان يصور الباطل بصورة الحق، ورب إنسان لا يمكنه تمشية الحق على وجه، فيحمل أن الوكيل ممن له حذق في الخصومات فيتضرر بذلك الخصم فيتشرط رضاه م:(فلو قلنا بلزوم) ش: أي بلزوم التوكيل بالخصومة م: (يتضرر به) ش: أي الخصم. فإذا كان كذلك م: (فيتوقف على رضاه) ش: أي على رضى الخصم ثم نظر هذا بقوله: م: (كالعبد المشترك إذا كاتبه أحدهما) ش: أي أحد الشريكين م: (يتخير الآخر) ش: أي الشريك الآخر بين أن يرضى به وبين أن يفسخه دفعاً للضرر عنه.
م: (بخلاف المريض والمسافر) ش: أما المريض فلعجزه بالمرض، وأما المسافر فلغيبته م:(لأن الجواب غير مستحق عليهما) ش: لو لم يسقط عنهما لزم الحرج. قال الله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78](الحج: الآية 78) . م: (هنالك) ش: أي في المكان الذي كان فيه.
وفي " فتاوى قاضي خان " رحمه الله: ثم المريض إذا كان لا يستطيع أن يمشي على قدميه، ولكن يمكنه بركوب الدابة أو أيدي الناس، فإن ازداد مرضه بالركوب صح توكيله بغير رضى الخصم، وإن كان لا يزداد اختلفوا فيه على الخلاف أيضاً، وقيل له أن يوكل بغير رضاء وهو الصحيح م:(ثم كما يلزم التوكيل عنده) ش: أي عند أبي حنيفة رحمه الله م: (من المسافر يلزم إذا أراد السفر لتحقق الضرورة) ش: إذ لو لم يجز يلحقه الحرج بالانقطاع عن مصالحه.
وقال قاضي خان رحمه الله في فتاواه ": لكن لا يصدق أنه يريد السفر، ولكن القاضي ينظر إلى زيد وعدة سفره، أو يسأل عمن يريد أن يخرج معه فيسأله عن رفقائه، كما في فسخ الإجازة إذا أراد المستأجر فسخها بعذر السفر، فبمجرد قوله أريد السفر لا يثبت العذر إذا لم يصدقه الآجر، لكن يسأله القاضي فيقول له مع من تريد الخروج؟ ثم يسأل رفقته فإن قالوا: نعم تحقق العذر، وهو السفر في فسخ الإجارة فكذا هنا.
ولو كانت المرأة مخدرة لم تجر عادتها بالبروز وحضور مجلس الحكم قال الرازي رحمه الله يلزم التوكيل؛ لأنها لو حضرت لا يمكنها أن تنطق بحقها لحيائها فيلزم توكيلها. قال رضي الله عنه وهذا شيء استحسنه المتأخرون. قال: ومن شرط الوكالة أن يكون الموكل ممن يملك التصرف.
ــ
[البناية]
م: (ولو كانت المرأة مخدرة) ش: قال البزدوي: المخدرة هي التي لا يراها غير المحارم من الرجل، أما التي جلست على المنصة فرآها الأجانب لا تكون مخدرة، فلو وكلت بالخصومة، فوجب عليها اليمين وهي لا تعرف بالخروج ومخالطة الرجال في الحوائج يبعث القاضي إليها ثلاثة من العدول ويستحلفها أحدهم، ويشهد الآخران على حلفها. وكذا في المريضة إذا وجب عليها يمين؛ لأن النيابة لا تجري في الأيمان.
هكذا ذكر الصدر الشهيد رحمه الله في " أدب القاضي "، وذكر فيه: وإن كان يبعث إلى المخدرة والمريضة وإلى المريض خليفته فيفصل الخصومة هنالك يجوز؛ لأن مجلس الخليفة كمجلسه.
وفي " الذخيرة ": ومن الأعذار التي توجب لزوم التوكيل بغير رضى الخصم عند أبي حنيفة رحمه الله الحيض في المرأة، إذا كان القاضي يقضي في المسجد، وهذه المسألة على وجهين: إن كانت الحائض طالبة قبل منها التوكيل بغير رضى الخصم، وإن كانت مطلوبة أو أخرها الطالب حتى يخرج القاضي من المسجد لا يقبل توكيلها بغير رضى خصمه، وإلا يقبل ولو كان الموكل محبوساً فهو على وجهين، إن كان محبوساً في سجن هذا القاضي لا يقبل التوكيل بغير رضى خصمه؛ لأن القاضي يخرجه حتى يخاصم ثم يعيده إلى السجن. وإن كان محبوساً في سجن الوالي ولا يمكنه الوالي من الخروج يلزم توكيله بغير رضى خصمه.
م: (لم تجر عادتها بالبروز وحضور مجلس الحكم. قال الرازي رحمه الله يلزم التوكيل؛ لأنها لو حضرت لا يمكنها أن تنطق بحقها لحيائها فيلزم توكيلها) ش: والمراد بالرازي أبو بكر الخصاف أحمد بن علي رحمه الله صاحب التصانيف الكثيرة في الأصول والفروع وأحكام القرآن، وإليه انتهت رئاسة أصحاب أبي حنيفة رحمه الله ببغداد بعد الشيخ أبي الحسن الكرخي، وكانت ولادته سنة خمس وثلاثمائة ومات سنة سبع وثلاثمائة م:(قال رضي الله عنه وهذا شيء استحسنه المتأخرون) ش: قال الأترازي رحمه الله أي قال أبو بكر الرازي رحمه الله: وقال الأكمل، أي قال المصنف وشيخي العلاء - رحمهما الله - قال مثل ما قال الأترازي، وهو الظاهر.
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله م: (ومن شرط الوكالة أن يكون الموكل ممن يملك التصرف) ش: أي التصرف الذي وكل به. وفي " الذخيرة ": هذا القيد، وقع على قولهما لا على
وتلزمه الأحكام،
ــ
[البناية]
قول أبي حنيفة رحمه الله فإن عنده شرط الوكالة كون التوكيل حاصلاً بما يملكه، بيانه أن الشرط عنده أن يكون الوكيل مالكاً لذلك التصريف الذي وكل به، ولهذا قالا: كل عقد لا يجوز للموكل أن يباشره بنفسه لا يجوز للموكل أن يباشره له كما وكله ببيع الدم والميتة.
قلنا: ينتقض هذا الكلي بعقد الصرف، فإنه لا يجوز للموكل أن يباشره بنفسه إذا كان غائباً، ويجوز للوكيل أن يتولاه، وكذلك الحاكم لا يجوز أن يحكم لنفسه، ويجوز أن يحكم له غيره، والقياس على الدم والميتة ضعيف؛ لأن أهل الذمة لا يعتقدونه مالاً، فلا يملك الوكيل تصرفه.
وقال الأترازي رحمه الله هذا الشرط الذي يشرطه القدوري يستقيم على مذهب الكل، وإنما خص هذا القائل للاستقامة على مذهبهما؛ لأنه لم يدرك كنه كلام القدوري رحمه الله إذ مضمونه كلامه: أن الوكالة لها شرط في الموكل وشرط في الوكيل:
فالأول: أن يكون الموكل ممن يملك التصرف ويلزمه الأحكام.
والثاني: أن يكون الوكيل ممن يعقل البيع ويقصده، ومعنى قوله: أن يكون ممن يملك التصرف، أن يكون له ولايته شرعاً في جنس التصرف بأهلية نفسه، بأن يكون عاقلاً بالغاً على وجه يلزمه حكم التصرف، وهذا المعنى حاصل في توكيل المسلم الذمي في الخمر والخنزير بيعاً وشراء؛ لأن المسلم الموكل عاقل بالغ له ولاية شرعاً في جنس التصرف، إلا في كل الأفراد على وجه يلزمه التصرف فيما يتصرف بولايته.
والشرط الآخر: وهو أن يعقل البيع ويقصده حاصل في الوكيل أيضاً وهو الذمي؛ لأنه يعقل معنى البيع والشراء، أو يقصده، فصح الشرط إذن على مذهب الكل.
وقال الأكمل: رحمه الله بعد قوله المصنف رحمه الله قال: ومن شرط الوكالة أن يكون الموكل ممن يملك التصرف ويلزمه الأحكام. قال صاحب " النهاية " إن هذا القصد وقع على قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -، وأما على قول أبي حنيفة فمن شرطها أن يكون الوكيل ممن يملك التصرف؛ لأن المسلم لا يملك التصرف في الخمر، ولو وكل به جاز عنده، ومنشأ هذا التوهم أن جعل اللام في قوله يملك التصرف للعبد أي يملك التصرف الذي وكل به.
وأما إذا جعلت للجنس حتى يكون معناه يملك جنس التصرف احترازاً عن الصبي والمجنون فيكون على مذهب الكل.
م: (وتلزمه الأحكام) ش: قيل هذا احتراز عن الوكيل، فإن الوكيل لا يثبت له حكم تصرفه حتى لا يملك الوكيل بالشراء المبيع ولا الوكيل بالبيع الثمن، فلا يصح توكيل الوكيل غيره، وقيل: