الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل وما يتحمله الشاهد على ضربين: أحدهما: يثبت حكمه بنفسه مثل الربيع والإقرار والغصب والقتل وحكم الحاكم، فإذا سمع الشاهد أو رآه، وسعه أن يشهد به، وإن لم يشهد عليه؛ لأنه علم ما هو الموجب بنفسه، وهو الركن في إطلاق الأداء قال الله تعالى:{إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86](الزخرف الآية 86) ش: وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ - وسلم: «إذا علمت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع» .
ــ
[البناية]
[فصل ما يتحمله الشاهد]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام تتعلق بأداء الشهادة، بأن الشاهد كيف يشهد عند القاضي م:(وما يتحمله الشاهد على ضربين) ش: أي على نوعين م: (أحدهما يثبت حكمه بنفسه) ش: أي بلا احتياج إلى الإشهاد م: (مثل البيع والإقرار والغصب والقتل وحكم الحاكم، فإذا سمع ذلك الشاهد أو رآه) ش: الذي سمعه مثل البيع والإقرار، وحكم الحاكم هذا من المسموعات، والذي رآه مثل الغصب والقتل، ونحو ذلك من المبصرات م:(وسعه) ش: ويسع الشاهد م: (أن يشهد وإن لم يشهد عليه؛ لأنه علم ما هو الموجب بنفسه، وهو الركن) ش: أي العلم بالموجب بنفسه هو الركن م: (في إطلاق الأداء) ش: أي في جواز أداء الشهادة.
م: (قال الله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] (الزخرف: الآية 68) ش: بيانه أن الله تعالى جوز أداء الشهادة بعد العلم، وقد حصل العلم بالرؤية والسماع، فتصح الشهادة، يدل عليه الإجماع أيضا. ألا ترى أن رجلا لو طلق امرأته ثلاثا أو أعتق عبده أو أمته، وسمع الرجلان ذلك فجاءت المرأة أو العبد يطلب شهادتهما لم يسعهما، ترك الشهادة لئلا يقع الرجل في الوطء الحرام في المرأة والأمة، قالوا: إنما يجوز ذلك إذا رأوه أن يفعل ذلك وعرفوا صحته، فإن سمعا كلامه من وراء حجاب غليظ وحائط لا يرونه، لم يسمعهم الشهادة؛ لأن الصوت يشبه الصوت فلا يجوز الشهادة بالشك.
م: (وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ - وسلم: «إذا علمت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع» ش: هذا الحديث رواه البيهقي رحمه الله في "سننه "، والحاكم في "المستدرك "، عن محمد بن سليمان بن مشمول، حدثنا عبيد الله بن سلمة بن وهرام عن أبيه عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة، فقال: "هل ترى الشمس؟ قال: نعم، قال: على مثلها فاشهد أو دع» قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه وتعقبه
قال: ويقول: أشهد أنه باع، ولا يقول: أشهدني؛ لأنه كذب، ولو سمع من وراء الحجاب لا يجوز له أن يشهد، ولو فسر للقاضي لا يقبله لأن النغمة تشبه النغمة، فلم يحصل العلم إلا إذا كان دخل البيت، وعلم أنه ليس فيه أحد سواه ثم جلس على الباب وليس في البيت مسلك غيره، فسمع إقرار الداخل ولا يراه، له أن يشهد؛ لأنه حصل العلم في هذه الصورة ومنه ما لا يثبت الحكم
ــ
[البناية]
الذهبي في "مختصره "، فقال: بل هو حديث واه، فإن محمد بن سليمان بن مشمول ضعفه غير واحد، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه في إسناده، ولا في متنه.
فإن قيل: جعل العلم بالموجب ركنا في الأداء مخالف للنصين جميعا، فإنهما لا بد؛ لأنه على شرطيته وعلى ركنيته، إذ الأحوال شروط وهي موضوعة للشرط. أجيب: بأنه مجاز عن الشرط وإنما غير عنه بذلك إشارة إلى شدة احتياج الأداء إليه.
م: (قال: ويقول: أشهد أنه باع) ش: يعني إذا سمع المبايعة ولم يشهد عليها، واحتيج إلى الشهادة يقول الشاهد: إنه باع م: (ولا يقول: أشهدني لأنه كذب) ش: لأنه ما أشهده.
وفي " الذخيرة ": هذا في البيع الصريح، أما في البيع على سبيل التعاطي، يشهدون على الآخذ والإعطاء؛ لأن التعاطي بيع حكمي، وقيل: لو شهدوا على البيع يجوز.
م: (ولو سمع من وراء الحجاب) ش: أي قول واحد: بعت، وقول آخر: اشتريت، م:(لا يجوز له أن يشهد ولو فسر للقاضي) ش: بأن قال: أشهد بالسماع من رواء الحجاب م: (لا يقبله؛ لأن النغمة تشبه النغمة، فلم يحصل العلم) ش: وهي الكلام الخفي من حد ضرب، يقال: فلان حسن النغمة إذا كان حسن الصوت في القراءة م: (إلا إذا كان) ش: استثناء من قوله: لا يجوز له أن يشهد إلا إذا كان، أي الشاهد م:(دخل البيت وعلم أنه ليس فيه) ش: أي في البيت م: (أحد سواه ثم جلس على الباب وليس في البيت مسلك غيره) ش: أي غير الباب م: (فسمع إقرار الداخل ولا يراه) ش: فحينئذ يجوز م: (له أن يشهد) ش: على إقراره م: (لأنه حصل العلم في هذه الصورة) ش: وكان ابن مقاتل لم يجوز الشهادة بالسماع من وراء الحجاب مطلقا.
وقال أبو الليث رحمه الله: إذا رأى شخصها حال إقرارها يجوز، وإلا لا شرط رؤية شخصها لا رؤية وجهها كما في " الذخيرة " م:(ومنه) ش: هذا بيان للضرب الثاني من الضربين الذين ذكرهما بقوله: ما يتحمله الشاهد على ضربين أي ما يتحمله الشاهد. م: (ما لا يثبت الحكم
فيه بنفسه مثل الشهادة على الشهادة، فإذا سمع شاهدا يشهد بشيء، لم يجز له أن يشهد على شهادته إلا أن يشهده عليه؛ لأن الشهادة غير موجبة بنفسها، وإنما تصير موجبة بالنقل إلى مجلس القضاء، فلا بد من الإنابة والتحميل ولم يوجد وكذا لو سمعه يشهد الشاهد على شهادته لم يسع للسامع أن يشهد، لأنه ما حمله وإنما حمل غيره. ولا يحل للشاهد إذا رأى خطه أن يشهد إلا أن يتذكر الشهادة؛ لأن الخط يشبه الخط، فلم يحصل العلم، قيل هذا على قول لأبي حنيفة رحمه الله وعندهما يحل له أن يشهد، وقيل هذا بالاتفاق، وإنما الخلاف فيما إذا وجد
ــ
[البناية]
فيه بنفسه مثل الشهادة على الشهادة) ش: فإنها لا يثبت بها الحكم ما لم يشهد.
م: (فإذا سمع شاهدا يشهد بشيء لم يجز له أن يشهد على شهادته إلا أن يشهده عليه) ش: بضم الباقي يشهد لأنه مجهول م: (لأن الشهادة) ش: أي شهادة الأصول م: (غير موجبة بنفسها) ش: وفي بعض النسخ: غير مثبتة بنفسها م: (وإنما تصير) ش: أي الشهادة م: (موجبة بالنقل إلى مجلس القضاء، فلا بد من الإنابة والتحميل) ش: أي لا بد من الإنابة بتحمل الشهادة في الفرع حتى ينقلها الفرع إلى مجلس القاضي.
وقال الأكمل رحمه الله: والأول يعني قوله: "الإنابة" إشارة إلى مذهب محمد رحمه الله فإنه يقول بطريق التوكيل، ولا توكيل إلا بأمر الموكل، والثاني يعني قوله، و"التحمل" إشارة إلى مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -؛ فإنهما لم يجعلاه بطريق التوكيل بل بطريق التحميل م:(ولم يوجد) ش: أي كل واحد من الإنابة والتحميل.
م: (وكذا لو سمعه) ش: أي إذا سمع الشاهد م: (يشهد الشاهد على شهادته، لم يسع للسامع أن يشهد؛ لأنه) ش: أي لأن ذلك الشاهد م: (ما حمله السامع) على شهادته م: (وإنما حمل غيره) ش: غير السامع، وهذا بخلاف القاضي إذا شهد على قضيته، وسمع بذلك آخرون، وسمعهم أن يشهدوا؛ لأن قضاءه حجة بمنزلة الإقرار والبيع وغير ذلك، فيصح التحميل من غير إشهاد. كذا ذكره فخر الإسلام البزدوي رحمه الله في " شرح الجامع الصغير ".
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله: م: (ولا يحل للشاهد إذا رأى خطه أن يشهد إلا أن يتذكر الشهادة؛ لأن الخط يشبه الخط، فلم يحصل العلم) ش: وهذا كما رأيت، لم يذكر القدوري فيه الخلاف، وكذا لم يذكر في " شرح الأقطع "، وكذلك الخصاف لم يذكر الخلاف في " أدب القاضي " فلأجل هذا قال المصنف رحمه الله: م: (قيل: هذا على قول أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يحل له أن يشهد) ش: وكذا ذكر الخلاف في " المختلف "، وذكر أي القاضي رحمه الله، ورووا الخبر كذلك على الخلاف.
م: (وقيل: هذا) ش: أي عدم الحل بدون تذكر الحادثة م: (بالاتفاق، وإنما الخلاف فيما إذا وجد
القاضي شهادته في ديوانه أو قضيته؛ لأن ما يكون في قمطره فهو تحت ختمه يؤمن عليه من الزيادة والنقصان فحصل له العلم بذلك، ولا كذلك الشهادة في الصك؛ لأنه في يد غيره، وعلى هذا إذا تذكر المجلس الذي كان فيه الشهادة، أو أخبره قوم ممن يثق بهم أنا شهدنا نحن وأنت.
ــ
[البناية]
القاضي شهادته) ش: أي شهادة شاهد م: (في ديوانه أو قضيته) ش: أو وجد حكمه مكتوبا في خريطته م: (لأن ما يكون في قمطره) ش: في خريطته، وقال تاج الشريعة رحمه الله: القمطر بكسر القاف وفتح الميم وسكون الطاء ما يضاف فيه الكتب.
قال: ليس العلم ما بقي القمطر وما العلم إلا ما وعا الصدر م: (فهو تحت ختمه يؤمن عليه من الزيادة والنقصان فحصل له) ش: أي للقاضي م: (العلم بذلك، ولا كذلك الشهادة في الصك؛ لأنه في يد غيره) ش:.
وفي "أدب القاضي": من " المبسوط " هاهنا ثلاثة فصول أحدها: القاضي إذا وجد في ديوانه صحيفة شهادة، ولم يتذكر أنهم شهدوا بذلك ولا حكمه فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله لا يحكم بدون الذكر، وبه قال الشافعي رحمه الله وأحمد رحمه الله في رواية، وعند أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله -: إذا وجد ذلك في قطرة تحت خاتمه يجوز أن يقضي به وبه قال مالك رحمه الله وأحمد رحمه الله في رواية.
والثاني: الشاهد يجد شهادته في صك وعلم أنه خطه وهو معروف، ولم يتذكر الحادثة، والثالث: إذا سمع حديثا فوجده مكتوبا بخطه ووجد سماعه مكتوبا بخط غيره، لا يحل له الرواية عند أبي حنيفة رحمه الله بدون التذكر، ولهذا قلت روايته لمحمد رحمه الله أخذ في الفصول الثلاثة بالرخصة تيسيرا.
وقال: يعتمد خطه إذا كان معروفا. وأبو يوسف رحمه الله في مسألة القضاء والرواية أخذا بالرخصة؛ لأن المكتوب كان في يده، وفي مسألة الشهادة أخذ بالعزيمة، ولو نسي القاضي قضاءه، ولم يكن مسجلا فشهد حكمه ولم يمضه عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - والشافعي رحمه الله، وعند محمد وأحمد وابن أبي ليلى رحمهم الله: يقضي به ويمضيه.
م: (وعلى هذا) ش: هذا عطف على قوله: ولا يحل للشاهد إذا رأى خطه أي على ما قيل: من الوجهين من وجه بالاتفاق والاختلاف. م: (إذا تذكر المجلس الذي كان فيه الشهادة) ش: ولم يتذكر الحادثة. م: (أو أخبره قوم ممن يثق بهم أنا شهدنا نحن وأنت) ش: لا يحل له أن يشهد بالاتفاق، وقيل: لا يحل ذلك على قول أبي حنيفة رحمه الله خلافا لهما.