الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والترك عزيمة، فلعله يخطئ ظنه ولا يوفق له، أو لا يعينه عليه غيره ولا بد من الإعانة، إلا إذا كان هو الأصل للقضاء دون غيره، فحينئذ يفترض عليه التقلد صيانة لحقوق العباد وإخلاء للعالم عن الفساد.
قال: وينبغي أن لا يطلب الولاية ولا يسألها لقوله عليه الصلاة والسلام: «من طلب القضاء، وكل إلى نفسه، ومن أجبر عليه، نزل ملك عليه يسدده» .
ــ
[البناية]
الرحمن، وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا» م:(والترك) ش: أي ترك القضاء م: (عزيمة) ش: من العزم، وهو الجد والصبر م:(فلعله يخطئ ظنه ولا يوفق له) ش: يعني أنه أراد أن يقضي بالحق في الابتداء في ظنه ثم لا يقدر عليه م: (أو لا يعينه عليه غيره ولا بد من الإعانة) ش: أي على القضاء بالحق أنه ربما لا يمكنه القضاء في الأمر إلا بإعانة غيره عليه، ولعل غيره لا يعينه عليه م:(إلا إذا كان هو الأصل للقضاء دون غيره، فحينئذ يفترض عليه التقلد صيانة لحقوق العباد وإخلاء للعالم عن الفساد) ش: هذا بلا خلاف بين الفقهاء كصلاة الجنازة إذا تعين واحد لإقامتها يفترض، ومعنى إخلاء العالم عن الفساد في الحدود والقصاص، وقيد بقوله:" إذا كان هو الأهل للقضاء" يعني وحده؛ لأنه إذا كان في البلد قوم يصلحون للقضاء، فامتنع كل واحد منهم عن الدخول فيه، أثموا إن كان السلطان، بحيث لا يفصل بينهم، وإلا فلا، ولو امتنع الكل حتى قلد جاهل، اشتركوا في الإثم لأدائه إلى تضييع أحكام الله تعالى.
[حكم طلب تولى القضاء]
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله: م: (وينبغي أن لا يطلب الولاية ولا يسألها) ش: أي لا يطلب ولاية القضاء بقلبه ولا يسألها بلسانه م: (لقوله عليه الصلاة والسلام: «من طلب القضاء وكل إلى نفسه، ومن أجبر عليه نزل ملك عليه يسدده» ش: هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه رحمه الله من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل القضاء وكل إلى نفسه»
…
" الحديث، ولفظة أبي داود رحمه الله: «من طلب القضاء» ، كما في رواية المصنف رحمه الله وزاد عليه قوله: «واستعان عليه وكل إليه، ومن لم يطلبه ولم يستعن عليه أنزل الله ملكا يسدده.» ولفظ الترمذي: «من ابتغى القضاء وسأل شفعا وكل إلى نفسه، ومن أجبر عليه أنزل الله عليه ملكا يسدده» قوله: و"كل" على صيغة المبني للمجهول، بتخفيف الكاف، أي فوض أمره إليها، ومن فوض أمره إلى نفسه، كان
ولأن من طلبه يعتمد على نفسه فيحرم، ومن أجبر عليه يتوكل على ربه فيلهم، ثم يجوز التقلد من السلطان الجائر كما يجوز من العادل؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم تقلدوا من معاوية رضي الله عنه والحق كان بيد علي رضي الله عنه في نوبته، والتابعين تقلدوه من الحجاج
ــ
[البناية]
مخذولا غيره مرشد إلى الصواب، لكون النفس أمارة بالسوء، قوله يسدده أي يلهمه الرشد ويوفقه للصواب.
م: (ولأن من طلبه) ش: أي القضاء م: (يعتمد على نفسه) ش: من الورع والعلم والفطنة، فيصير معجبا، فلا يلهم الرشد، ويحرم التوفيق، وهو معنى قوله: م: (فيحرم ومن أجبر عليه يتوكل على ربه) ش: ومن يتوكل على الله فهو حسبه م: (فيلهم) أي الرشد والصواب م: (ثم يجوز التقلد) ش: أي تقليد القضاء م: (من السلطان الجائر كما يجوز من العادل؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم تقلدوا) ش: أي القضاء م: (من معاوية رضي الله عنه) ش: ابن أبي سفيان لما انفرد بالإمرة وخالف عليا رضي الله عنه.
م: (والحق) ش: أي والحال أن الحق م: (كان بيد علي رضي الله عنه في نوبته) ش: أي في خلافته؛ لأن الخلافة كانت له بعد عثمان رضي الله عنه بالنص، وقيد بقوله:"في نوبته" احترازا عن مذهب الروافض، فإنهم يقولون الحق مع علي رضي الله عنه، في جميع نوب الخلفاء، في نوبة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ومع أولاده بعد علي رضي الله عنه، وعند أهل السنة رحمهم الله معاوية رضي الله عنه كان باغيا في نوبة علي رضي الله عنه، وبعده إلى زمان ترك أمير المؤمنين حسن رضي الله عنه الخلافة إليه فانعقد الإجماع على خلافة معاوية رضي الله عنه بعده م:(والتابعين) ش: بالنصب عطفا على قوله؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم م: (تقلدوه) ش: أي القضاء م: (من الحجاج) ش: ابن يوسف الثقفي عامل عبد الملك بن مروان على العراق وخراسان، ومات في رمضان أو شوال سنة خمسة وتسعين، وعمره ثلاث أو أربع وخمسون سنة.
ولما سمع الحسن البصري بموته سجد، يعني شكرا لله تعالى، وقال: اللهم إنك قد أمته، فأمت عنا سننه. وعن الحسن رحمه الله أيضا أنه قال: لو جاءت كل أمة بخبثها، وجئنا به لغلبناهم، وظلمه مشهور.
وتولى أبو الدرداء رضي الله عنه القضاء بالشام، ولما مات وكان معاوية يستشيره، واستشاره فيمن يولي بعده، فأشار إليه بفضالة بن عبيدة الأنصاري رحمه الله فولاه الشام بعده.
وقال البخاري رحمه الله في "تاريخه الوسيط" بإسناده إلى أبي إسحاق رحمه الله -
وهو كان جائرا، إلا إذا كان لا يمكنه من القضاء بحق؛ لأن المقصود لا يحصل بالتقلد، بخلاف ما إذا كان يمكنه.
قال ومن قلد القضاء يسلم إليه عن ديوان القاضي الذي كان قبله، وهو الخرائط التي فيها السجلات وغيرها؛ لأنها وضعت فيها لتكون حجة عند الحاجة، لتجعل في يد من له ولاية القضاء، ثم إن كان البياض من بيت المال فظاهر،
ــ
[البناية]
قال: كان أبو بريدة رحمه الله على الكوفة، فعزله الحجاج وجعل أخاه مكانه، وقال في موضع آخر حدثنا الحسن بن رافع حدثنا ضمرة قال: استقضى الحجاج أبا بردة بن أبي موسى، وأجلس معه سعيد بن جبير، ثم قتل سعيد بن جبير، ومات الحجاج بعده بستة أشهر، ولم يقتل بعده أحدا.
وفي " تاريخ أصفهان " للحافظ أبي نعيم، في باب العين المهملة: عبد الله بن أبي مريم الأموي ولي القضاء بأصبهان للحجاج، ثم عزله الحجاج، فأقام محبوسا بواسط، فلما هلك الحجاج رجع إلى أصبهان ومات بها.
م: (وهو) ش: أي الحجاج م: (كان جائرا) ش: أي ظالما شديد الظلم مشهورا م: (إلا إذا كان) ش: استثنى من قوله يجوز التقليد من السلطان الجائر إلا إذا كان م: (لا يمكنه من القضاء بحق) ش: أي إلا إذا كان السلطان الجائر لا يمكنه من التمكين من الحكم بحق م: (لأن المقصود) ش: وهو العمل بحق م: (لا يحصل بالتقلد) ش: من السلطان الجائر م: (بخلاف ما إذا كان يمكنه) ش: حيث يجوز له التقليد منه، والضمير فيما كان يرجع إلى السلطان ويمكنه من التمكن.
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله: م: (ومن قلد القضاء يسلم إليه ديوان القاضي الذي كان قبله، وهو الخرائط التي فيها السجلات) ش: وفي المغرب الديوان الجديدة من دون الكتب، أو أجمعها لأنها قطع من القراطيس مجموعة. ويروى أن عمر رضي الله عنه أول من دون الدواوين، أي رتب الجراية للولاة والقضاء، وأصله بدون تشديد الواو فعوض من إحدى الواوين، لأنه يجمع على دواوين. ولو كانت الياء أصلية لقالوا دياوين.
وفسر المصنف الديوان بقوله وهو الخرائط، جمع خريطة. قال الجوهري رحمه الله وعامة من الأدم وغيره بشرح علي فيها، والسجلات جمع سجل، وهو كتاب الحكم، وقد سجل عليه القاضي م:(وغيرها) ش: أي غير السجلات من المحاضر والصكوك، وكتاب نصب الأوصياء، وتقدير النفقات، والقيم في أموال الوقف م:(لأنها) ش: أي السجلات وغيرها م: (وضعت فيها) ش: أي في الخرائط م: (لتكون حجة عند الحاجة، فتجعل في يد من له ولاية القضاء) ش: وهو القاضي المولى؛ لأنه يحتاج إلى معرفة ما فيها، فكان له أخذها.
م: (ثم إن كان البياض) ش: الذي كتب عليه السجلات ونحوها م: (من بيت المال فظاهر) ش: أي يجبر المعزول على دفعه؛ لأن ذلك إنما كان في يده لعمله وقد صار العمل لغيره، فلا
وكذا إذا كان من مال الخصوم في الصحيح؛ لأنهم وضعوها في يده لعمله وقد انتقل إلى المولى، وكذا إذا كان من مال القاضي هو الصحيح؛ لأنه اتخذه تدينا لا تمولا، ويبعث أمينين ليقبضاها بحضرة المعزول أو أمينه ويسألانه شيئا فشيئا، ويجعلان كل نوع فيها في خريطة كيلا يشتبه على المولى وهذا السؤال لكشف الحال لا للإلزام
ــ
[البناية]
يترك في يده، أي وكذا يجعل في يد من له ولاية القضاء م:(وكذا إذا كان) ش: أي البياض م: (من مال الخصوم) ش: لأنه وضع عنده لصيانة حقوق الناس تدينا لا تمولا (في الصحيح) احترز به عما قال المشايخ رحمهم الله إذا كان البياض من ماله أو من مال الخصوم لا يجبر على الدفع لأنه ملكه أو وهب له، وفي الصحيح يجبر م:(لأنهم وضعوها في يده لعمله وقد انتقل إلى المولَّى) ش: بتشديد اللام المفتوحة.
م: (وكذا) ش: أي يجبر على الدفع م: (إذا كان) ش: أي البياض م: (من مال القاضي هو الصحيح) ش: احترز به عن مثل ما مضى في الصورة الأولى م: (لأنه) ش: أي لأن القاضي المعزول م: (اتخذه تدينا) ش: أي وضع عندهم بطريق الديانة والأمانة م: (لا تمولا) ش: أي ما وضع عنده من حيث أن يتمول به م: (ويبعث) ش: أي القاضي الجديد المولَّى اثنين م: (أمينين ليقبضاها) ش: أي الخرائط التي فيها السجلات وغيرها، والواحد يكفي والاثنان أحوط م:(بحضرة) ش: القاضي م: (المعزول أو أمينه) ش: أي الأمين من جهة المعزول.
م: (ويسألانه) ش: أي يسألان المعزول م: (شيئا فشيئا) ش: يعني واحدا بعد واحد م: (ويجعلان كل نوع فيها في خريطة) ش: وينسخ الأوصياء في خريطة، وكل نوع في خريطة؛ لأن هذه النسخ كانت في خريطة تحت يد المعزول، فلا يشتبه عليه شيء من ذلك متى احتاج إليه بخلاف المولَّى؛ لأنه لا علم له بذلك، فيجعل كل نوع في خريطة م:(كيلا يشتبه على المولى) ش: شيء منها، أي من هذه السجلات وغيرها.
م: (وهذا السؤال) ش: أي سؤال أحوال الديوان والمحبوسين وسبب الحبس م: (لكشف الحال لا للإلزام) ش: لأن قول المعزول ليس بحجة لالتحاقه بالعزل بواحد من الرعايا، ومتى قبضا ذلك، يختمان ذلك احترازا عن الزيادة والنقصان، وهذا ينبغي أن يكون في حق كل قاض. كذا في " المحيط " وفي " أدب القاضي " للصدر الشهيد.
وقال الكاكي رحمه الله: قيل: والسؤال يعني الاستعلام، يتعدى إلى المفعول الثاني بغير، وهنا قال: يسألانه شيئا فشيئا بدون عن، وأجيب بأن انتصاب شيئا بعامل مضمر يدل عليه قوله: يسألان، تقديره يسألانه عن أحوال السجلات وكيفياتها، أي يسألان شيئا فشيئا عنها.
ونقل الأكمل رحمه الله جميع ما قاله شيخه الكاكي رحمه الله ثم قال: وليس بشيء؛ لأن الكلام في الثاني كالكلام في الأول، والأولى أن يجعل حالا، بمعنى مفصلا كما في