المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الحبس جزاء المماطلة - البناية شرح الهداية - جـ ٩

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب أدب القاضي

- ‌[شروط تولى القضاء]

- ‌[حكم طلب تولى القضاء]

- ‌[وظائف القاضي]

- ‌[قبول الهدية للقاضي]

- ‌[تسوية القاضي بين الخصمين]

- ‌فصل في الحبس

- ‌ الحبس جزاء المماطلة

- ‌[أقام المدعي بينة على يساره وأقام المديون بينة على إعساره]

- ‌باب كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌[حكم كتاب القاضي إلى القاضي]

- ‌[شروط قبول كتاب القاضي إلى القاضي]

- ‌[فصل قضاء المرأة]

- ‌[استخلاف القاضي]

- ‌[الحكم إذا رفع إلى القاضي حكم حاكم]

- ‌[حكم الباطن فيما قضى به القاضي في الظاهر]

- ‌[القضاء على الغائب]

- ‌[إقراض القاضي من مال اليتامى]

- ‌باب التحكيم

- ‌[تعريف التجكيم ومشروعيته]

- ‌ التحكيم في الحدود والقصاص

- ‌حكم الحاكم لأبويه وزوجته وولده

- ‌[مسائل شتى في كتاب القضاء]

- ‌[التصرف في محل تعلق به حق محترم للغير]

- ‌ ادعى في دار دعوى، وأنكرها الذي هي في يده ثم صالحه منها

- ‌ قال لآخر: اشتريت مني هذه الجارية فأنكر الآخر

- ‌[أقر الطالب أنه قبض ماله على فلان مائة ثم قال وجدتها زيوفا]

- ‌[قال اقتضيت من فلان كذا درهما ثم ادعى أنها نبهرجة]

- ‌[قال لك علي ألف درهم فقال ليس لي عليك شيء ثم قال في مكانه بل لي عليك]

- ‌ ادعى على آخر أنه باعه جاريته، فقال: لم أبعها منك قط، فأقام المشتري البينة

- ‌فصل في القضاء بالمواريث

- ‌[مات نصراني فجاءت امرأته وقالت أسلمت بعد موته وقالت الورثة أسلمت قبل موته]

- ‌[أخذ الكفيل من الغرماء والوارث]

- ‌ قال مالي في المساكين صدقة

- ‌[أوصى إليه ولم يعلم حتى باع شيئا من التركة]

- ‌ قال القاضي: قد قضيت على هذا بالرجم، فارجمه

- ‌[قول القاضي بانفراده قبل العزل وبعده]

- ‌كتاب الشهادة

- ‌[حكم الشهادة إذا طلبها المدعي]

- ‌الشهادة في الحدود

- ‌[مراتب الشهادة]

- ‌ شهادة النساء مع الرجال

- ‌[اشتراط العدالة في الشهادة]

- ‌[فصل ما يتحمله الشاهد]

- ‌[شهادة الشاهد بشيء لم يعاينه]

- ‌[الشهادة بالتسامع على الموت]

- ‌ شهد أنه شهد دفن فلان أو صلى على جنازته

- ‌[أداء الشهادة بالتسامع]

- ‌[الشهادة بالوقف بالاستفاضة]

- ‌ شهادة الأعمى

- ‌[باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل شهادته]

- ‌[شهادة المملوك]

- ‌[شهادة المحدود في القذف]

- ‌ شهادة الوالد لولده

- ‌[شهادة الأجير لأستاذه]

- ‌ شهادة أحد الزوجين للآخر

- ‌ شهادة المولى لعبده

- ‌[شهادة المخنث]

- ‌[شهادة مدمن الشرب]

- ‌[شهادة من يلعب بالطيور]

- ‌[شهادة من يأتي بابا من الكبائر]

- ‌[شهادة من يدخل الحمام بغير إزار]

- ‌[شهادة من يفعل الأفعال المستحقرة]

- ‌ شهادة من يظهر سب السلف

- ‌ شهادة أهل الأهواء

- ‌ شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض

- ‌ شهادة الحربي على الذمي

- ‌[شهادة من ترك الصلاة في الجماعة استخفافا ا]

- ‌ شهادة الأقلف

- ‌[شهادة منزوع الخصيتين]

- ‌[شهادة ولد الزنا]

- ‌شهادة العمال

- ‌[شهادة الوصيين إذا أقرا أن معهما ثالثا]

- ‌ الشهادة على جرح مجرد

- ‌ أقام المدعى عليه البينة أن المدعي استأجر الشهود

- ‌[شهادة من ذكر الجانب الشرقي مكان الجانب الغربي أو على العكس]

- ‌باب الاختلاف في الشهادة

- ‌[كيفية موافقة الشهادة للمدعي]

- ‌[اتفاق الشاهدين في اللفظ والمعنى عند أداء الشهادة]

- ‌[شهدا على رجل أنه سرق بقرة واختلفا في لونها]

- ‌[شهد لرجل أنه اشترى عبدا من فلان بألف وشهد آخر أنه اشترى بألف وخمسمائة]

- ‌[اختلاف الشهود في النكاح]

- ‌فصل في الشهادة على الإرث

- ‌باب الشهادة على الشهادة

- ‌[حكم الشهادة على الشهادة]

- ‌ شهادة شاهدين على شهادة شاهدين

- ‌[صفة الإشهاد في الشهادة على الشهادة]

- ‌ شهادة شهود الفرع

- ‌[قال أشهدني فلان على نفسه في شهادة الأصول على الفروع]

- ‌ شهد شاهدان فعدل أحدهما الآخر

- ‌[شهادة الزور]

- ‌كتاب الرجوع عن الشهادة

- ‌ رجع الشهود عن شهادتهم قبل الحكم بها

- ‌[كيفية الرجوع عن الشهادة]

- ‌ شهد شاهدان بمال، فحكم الحاكم به ثم رجعا

- ‌ شهد رجل وامرأتان، فرجعت امرأة

- ‌[شهد رجلان وامرأة بمال ثم رجعوا]

- ‌ شهدا على رجل أنه طلق امرأته قبل الدخول بها، ثم رجعا

- ‌ شهدا على أنه أعتق عبده ثم رجعا

- ‌ شهدوا بقصاص، ثم رجعوا بعد القتل

- ‌[رجوع شهود الفرع عن شهادتهم في مجلس القاضي بعد القضاء بشهادتهم]

- ‌[قال شهود الفرع كذب شهود الأصل وغلطوا في شهادتهم]

- ‌كتاب الوكالة

- ‌[تعريف الوكالة وحكمها]

- ‌ الوكالة بالخصومة

- ‌ الوكالة بإثبات الحدود والقصاص بإقامة الشهود

- ‌[أوكل الحرالعاقل البالغ أو المأذون مثلهما]

- ‌[أضرب العقد الذي يعقده الوكلاء]

- ‌ طالب الموكل المشتري بالثمن

- ‌باب الوكالة بالبيع والشراء

- ‌فصل في الشراء

- ‌[وكل رجلاً بشراء شيء هل يلزم تسمية الجنس والصفة]

- ‌[الجهالة اليسيرة في الوكالة بالبيع والشراء]

- ‌[قال لآخر اشتر لي دابة أو ثوبا أو دارا]

- ‌[دفع إلى آخر دراهم وقال اشتري لي حنطة]

- ‌ اشترى الوكيل وقبض ثم اطلع على عيب

- ‌ التوكيل بعقد الصرف والسلم

- ‌[حبس الوكيل المبيع فهلك عنده]

- ‌ وكله بشراء عبد بغير عينه، فاشترى عبدا

- ‌[أمر رجلان أن يشتري له عبدين بأعيانهما ولم يسم لهما ثمنا فاشترى أحدهما]

- ‌ له على آخر ألف درهم فأمره أن يشتري بها هذا العبد فاشتراه

- ‌ تمليك الدين من غير من عليه الدين

- ‌فصل في التوكيل بشراء نفس العبد

- ‌فصل في البيع

- ‌الوكيل بالبيع يجوز بيعه بالقليل والكثير والعرض

- ‌الذي لا يتغابن الناس فيه

- ‌ وكله ببيع عبد له فباع نصفه

- ‌ أمر رجلا ببيع عبده فباعه وقبض الثمن أو لم يقبض فرده المشتري عليه

- ‌[فصل في بيان وكالة الاثنين]

- ‌[يوكلهما بطلاق زوجته بغير مال]

- ‌ يوكل فيما وكل به

- ‌[عقد الوكيل الثاني بحضرة الوكيل الأول]

- ‌[زوج العبد أو المكاتب أو الذمي ابنته وهي صغيرة حرة مسلمة]

- ‌باب الوكالة بالخصومة والقبض

- ‌ الوكيل بالخصومة وكيل بالقبض

- ‌ أقر الوكيل بالخصومة على موكله عند القاضي

- ‌ كفل بمال عن رجل فوكله صاحب المال بقبضه عن الغريم

- ‌ ادعى أنه وكيل الغائب في قبض دينه فصدقه الغريم

- ‌ وكله بعيب في جارية فادعى البائع رضا المشتري

- ‌باب عزل الوكيل

- ‌[حكم عزل الوكيل]

- ‌[مبطلات الوكالة]

- ‌[تصرف بنفسه فيما وكل به الوكيل]

- ‌كتاب الدعوى

- ‌[تعريف الدعوى وأركانها]

- ‌[إقرار المدعى عليه بصحة الدعوى وما يترتب عليه]

- ‌باب اليمين

- ‌ قال المدعي: لي بينة حاضرة وطلب اليمين

- ‌ بينة صاحب اليد في الملك المطلق

- ‌ نكل المدعى عليه عن اليمين

- ‌[ادعى رجل على امرأة أنه تزوجها وأنكرت المرأة وبالعكس]

- ‌ ادعى قصاصا على غيره فجحده

- ‌فصل في كيفية اليمين والاستحلاف

- ‌[استحلاف اليهودي والنصراني]

- ‌[كيفية تحليف من ادعى أنه ابتاع من هذا عبده بألف فجحده]

- ‌باب التحالف

- ‌[صفة اليمين في التحالف]

- ‌[اختلفا البائع والمشتري في الثمن]

- ‌ اختلف الزوجان في المهر

- ‌[اختلف المتآجران في الإجارة]

- ‌[اختلف الزوجان في متاع البيت والنكاح بينهما قائم]

- ‌فصل فيمن لا يكون خصما

- ‌باب ما يدعيه الرجلان

- ‌ ادعى كل واحد منهما نكاح امرأة، وأقاما بينة

- ‌ ادعى اثنان كل واحد منهما أنه اشترى منه هذا العبد

- ‌[ادعى أحدهما شراء والآخر هبة وقبضا وأقاما بينة ولا تاريخ معهما]

- ‌ ادعى أحدهما رهنا وقبضا والآخر هبة وقبضا وأقاما بينة

- ‌[ادعى كل منهما أنه اشترى هذه العين من واحد]

- ‌[أقام الخارج البينة على ملك مؤرخ وصاحب اليد بينة على ملك أقدم تاريخا]

- ‌ أقام الخارج وصاحب اليد كل واحد منهما بينة على النتاج

- ‌[أقاما الخارج وصاحب اليد البينة على نسج ثوب فيما لا يتكرر نسجه كغزل القطن]

- ‌ أقام الخارج البينة على الملك المطلق وصاحب اليد البينة على الشراء منه

- ‌[أقام الخارج وصاحب اليد البينة على الشراء من الآخر ولا تاريخ معهما]

- ‌[أقام أحد المدعين شاهدين والآخر أربعة]

- ‌[دارا في يد رجل ادعاها اثنان أحدهما جميعها والآخر نصفها وأقاما البينة]

- ‌[ادعى أحدهما نصفها والآخر كلها]

- ‌[تنازعا في دابة والدابة في يد ثالث وأقام كل واحد منهما بينة أنها نتجت عنده]

- ‌(فصل في التنازع بالأيدي)

- ‌ كان ثوب في يد رجل وطرف منه في يد آخر

- ‌[ادعيا عبدا وهو في أيديهما]

- ‌[قال أنا عبد لفلان]

- ‌[كان الحائط لرجل عليه جذوع أو متصل ببنائه وللآخر عليه هرادي وتنازعا فيه]

- ‌[دار منها في يد رجل عشرة أبيات وفي يد آخر بيت وتنازعا]

- ‌(باب دعوى النسب)

- ‌ باع جارية فجاءت بولد فادعاه البائع

- ‌ باع عبدا ولد عنده وباعه المشتري من آخر ثم ادعاه البائع الأول

- ‌ ادعى نسب أحد التوأمين

- ‌ الصبي في يد رجل فقال هو ابن عبدي فلان الغائب، ثم قال: هو ابني

- ‌ الصبي في يد مسلم ونصراني فقال النصراني: هو ابني، وقال المسلم: هو عبدي

- ‌ ادعت امرأة صبيا أنه ابنها

- ‌ الصبي في أيديهما وزعم الزوج أنه ابنه من غيرها، وزعمت أنه ابنها من غيره

- ‌[اشترى جارية فولدت ولدا عنده فاستحقها رجل]

- ‌(كتاب الإقرار)

- ‌ أقر الحر البالغ العاقل بحق

- ‌ إقرار الصبي والمجنون

- ‌ قال: لفلان علي مال

- ‌ قال: له علي أو قبلي

- ‌[الإقرار بكون الشيء في يده]

- ‌[أقر بدين مؤجل فصدقه المقرله في الدين وكذبه في الأجل]

- ‌[قال له علي مائة ودرهم]

- ‌ أقر بتمر في قوصرة

- ‌ أقر بدابة في إصطبل

- ‌ أقر لغيره بخاتم

- ‌ قال: لفلان علي خمسة في خمسة يريد الضرب والحساب

- ‌ قال: له علي من درهم إلى عشرة

- ‌ قال: لحمل فلانة علي ألف درهم

- ‌[فصل في بيان مسائل الحمل]

- ‌[قال لحمل فلانة علي ألف من ثمن شيء باعني]

- ‌ أقر بحمل جارية أو حمل شاة لرجل

- ‌باب الاستثناء وما في معناه

- ‌[معنى الاستثناء]

- ‌ قال: له علي مائة درهم إلا دينارا أو إلا قفيز حنطة

- ‌ أقر بحق، وقال: إن شاء الله متصلا بإقراره

- ‌ قال: بناء هذه الدار لي والعرصة لفلان

- ‌[قال هذه الدار لفلان واستثنى بناءها لنفسه]

- ‌ قال: له علي ألف درهم من ثمن عبد اشتريته منه ولم أقبضه

- ‌[قال المقر له مع إنكار العبد المقر به ما بعتكه إنما بعتك غيره]

- ‌ قال: لفلان علي ألف درهم من ثمن خمر أو خنزير

- ‌ قال: أقرضني ألف درهم ثم قال: هي زيوف

- ‌ قال: لفلان علي ألف درهم زيوف ولم يذكر البيع والقرض

- ‌ قال: هي ستوقة أو رصاص بعدما أقر بالغصب والوديعة ووصل

- ‌ أقر بغصب ثوب ثم جاء بثوب معيب

- ‌ قال: أخذتها منك وديعة، وقال الآخر: بل قرضا

- ‌ قال: هذه الألف كانت وديعة لي عند فلان فأخذتها منه، فقال فلان: هي لي

- ‌ قال خاط فلان ثوبي هذا بنصف درهم ثم قبضته وقال فلان: الثوب ثوبي

- ‌ أقر أن فلانا زرع هذه الأرض

- ‌باب إقرار المريض

- ‌[حكم إقرار المريض]

- ‌[أقر المريض بعين في يده لآخر]

- ‌[أقر الرجل في مرضه بدين]

- ‌[أقرالمريض لوارثه]

- ‌ أقر لأجنبي ثم قال: هو ابني

- ‌ أقر بغلام يولد مثله لمثله وليس له نسب معروف أنه ابنه

- ‌ إقرار الرجل بالوالدين والولد والزوجة والمولى

- ‌ أقر بنسب من غير الوالدين والولد نحو الأخ والعم

- ‌ مات أبوه فأقر بأخ

- ‌ مات وترك ابنين وله على آخر مائة درهم فأقر أحدهما أن أباه قبض منها خمسين

الفصل: ‌ الحبس جزاء المماطلة

‌فصل في الحبس

قال: وإذا ثبت الحق عند القاضي، وطلب صاحب الحق حبس غريمه لم يعجل بحبسه، وأمره بدفع ما عليه؛ لأن‌

‌ الحبس جزاء المماطلة

فلا بد من ظهورها،

ــ

[البناية]

[فصل في الحبس]

[الحبس جزاء المماطلة]

م: (فصل في الحبس) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الحبس، ولما كان الحبس من أنواع حكم القاضي، ذكره في فصل على حدة، وهو مشروع بالكتاب، وهو قَوْله تَعَالَى:{أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33](المائدة الآية 33) ، فإن المراد به المجلس، وبالسنة وهو ما روي:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس رجلا بالتهمة» ، غير أنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم سجن وكان يحبس في المسجد أو الدهليز حيث أمكن، ولما كان زمن علي رضي الله عنه أحدث السجن بناه من قصب وسماه فقيه اللصوص، فبنى سجنا من مدر فسماه محبسا.

ثم قال الأترازي: كيسا مكيسا بنيت بعد نافع محبسا بابا حصينا، وأمينا كيسا رواه الزمخشري رحمه الله في "الفائق ". والمحبس موضع التجنيس، وهو التذليل والكيس حسن الثاني في الأمور، والمكيس منسوب إلى الكيس المعروف به قوله، وأمينا أي ونصف أمينها بعين السجان كذا في "الفائق ".

وقال الكاكي رحمه الله: وفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه لم يكن سجن حتى اشترى عمر رضي الله عنه دارا بالمدينة بأربعة آلاف درهم واتخذه محبسا.

م: (قال: وإذا ثبت الحق عند القاضي، وطلب صاحب الحق حبس غريمه لم يعجل بحبسه، وأمره بدفع ما عليه؛ لأن الحبس جزاء المماطلة، فلا بد من ظهورها) ش: أي ظهور المماطلة؛ لقوله عليه السلام: «مطل الغني ظلم» فاستحق الحبس، والمال غير مقدر في حق الحبس يحبس في الدراهم وما دونه؛ لأن مانع ذلك ظلم، فيجازى به والمحبوس في الدين لا يخرج لمجيء رمضان، والفطر والأضحى والجمعة، وصلاة مكتوبة، وحجة فريضة، وحضور جنازة بعض أهله، وموت والده وولده إذا كان ثمة من يكفنه ويغسله، بخلاف ما إذا لم يكن؛ لأنه لزم القيام حينئذ بحق الوالدين.

وقيل: يخرج بكفيله لجنازة الوالدين والأجداد والجدات والأولاد وفي غيرهم لا، وعليه الفتوى. وإن مرض وله خادم لا يخرج، وإلا يخرج لأنه ربما يموت بسببه، وهو ليس بمستحق عليه، ولو احتاج إلى الجماع، دخلت عليه زوجته وجاريته، فيطأهما حيث لا يطلع عليه أحد، وقيل: الوطء ليس من أصول الحوائج، فيجوز أن يمنع بخلاف الطعام. ولا يمنع من دخول أهله وجيرانه عليه، يشاورهم في قضاء الدين، ويمنعون من طول المكث عنده.

ص: 26

وهذا إذا ثبت الحق بإقراره؛ لأنه لم يعرف كونه مماطلا في أول الوهلة فلعله طمع في الإمهال، فلم يستصحب المال، فإذا امتنع بعد ذلك حبسه لظهور مطله، أما إذا ثبت بالبينة حبسه كما ثبت لظهور المطل بإنكاره. قال: فإن امتنع حبسه في كل دين لزمه بدلا عن مال حصل في يده كثمن المبيع أو التزمه بعقد كالمهر والكفالة

ــ

[البناية]

م: (وهذا) ش: أي ترك القاضي عجلته بحبس الغريم م: (إذا ثبت الحق بإقراره؛ لأنه لم يعرف كونه مماطلا في أول الوهلة) ش: يقال: لقيته أول وهلة، أي أول شيء م:(فلعله طمع في الإمهال، فلم يستصحب المال، فإذا امتنع بعد ذلك حبسه لظهور مطله، أما إذا ثبت بالبينة حبسه كما ثبت لظهور المطل بإنكاره) ش: وقال قاضي خان رحمه الله في " شرح الجامع الصغير ": وعلى قول الخصاف رحمه الله في البينة أيضا، لا يحبسه في أول الوهلة.

وقال في " الأجناس ": قال في كفالة الأصل: قال أبو حنيفة رحمه الله: ينبغي للإمام أن يحبس في الديون قرضا كان أو غصبا أو ثمن مبيع أو مهر، لكن لا يحبسه في أول ما يقدم إليه، ويقال له: قم فأرضه فإن عاد إليه حبسه، وهو قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله.

وقال الخصاف رحمه الله والصواب عندي أن لا يحبسه حتى يقول له: ألك مال، ويستحلفه على ذلك، فإن أقر أن له مالا حبسه، وإن قال: لا مال لي، قال للطالب: أثبت أن له مالا حتى أحبسه، وهو مذهب بعض القضاة. ثم اعلم إذا ثبت إعسار المديون لا يجوز حبسه بلا خلاف ولا بلازمته، بل يمهل إلا أن يوسر. قال عز وجل:{فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280](البقرة: الآية 280) ، وعندنا لا يحبس، ولكن للغريم ملازمته ولا يمنعه من الكسب، وهل يلزمه الكسب وإجارة نفسه ليصرف الأجرة والكسب إلى رب الدين عندنا والشافعي رحمه الله: لا، وعند أحمد رحمه الله: يلزمه، وقال مالك رحمه الله: إن كان ممن يعتاد إجارة نفسه لزمه به، وقال الشافعي رحمه الله في وجه: وعليه عمل القضاة لظهور المماطلة، وفي وجه: يبيع ماله الظاهر، وبه قال مالك رحمه الله، وأبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - أما لو امتنع من أداء الدين يحبس بلا خلاف.

م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله: م: (فإن امتنع) ش: أي الغريم م: (حبسه في كل دين لزمه عن مال حصل في يده كثمن المبيع أو التزمه بعقد كالمهر والكفالة) ش: ولكنه إنما يحبسه إذا طلب المدعي ذلك.

وقال قاضي خان رحمه الله في " شرح الجامع الصغير ": ولا يحبسه عندنا في الإقرار والبينة إلا عند طلب المدعي.

وقال شريح رحمه الله: يحبسه من غير طلبه.

ص: 27

لأنه إذا حصل المال في يده ثبت غناه به وإقدامه على التزامه باختياره دليل يساره إذ هو لا يلتزم إلا ما يقدر على أدائه،

ــ

[البناية]

وفي " الذخيرة " لو قال المديون بعد ثبوت الدين: أنا معسر، أو قال: موسر، ولا بينة له، فالقول للمديون مع يمينه، وهو رواية أصحابنا واختيار الخصاف رحمه الله وبه قال الشافعي رحمه الله في وجه؛ لأن الأصل الفقر.

وعن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: إن كان في كل دين أصله مال، كثمن المبيع والقرض، فالقول للمدعي، وبه قال الشافعي رحمه الله في وجه وفي كل دين لا يقابله مال، كالمهر وبدل الخلع، وما أشبه ذلك، فالقول للمديون، إليه أشار محمد رحمه الله في كتاب النكاح، وفي مسألة ادعاء المرأة نفقة الموسرين، وزعم الزوج أنه معسر، فقال: القول للزوج، وقال بعضهم: كل دين لزمه بسبب معاقدته واختياره، فالقول لرب الدين، وبه قال الشافعي رحمه الله في وجه لأن اختيار لزومه بالعقد دليل اليسار.

م: (لأنه) ش: استدلال لما ذكره القدوري رحمه الله، لقوله: حبسه لكل دين

إلخ أي لأن الغريم م: (إذا حصل المال) ش: أي المال الذي هو ثمن المبيع ونحوه من أي جهة كان م: (في يده ثبت غناه به) ش: وزواله عن الملك محتمل، والثابت لا يترك بالمحتمل. والأصل في ذلك أن الأصل في الإنسان الفقر والغنى حادث، فوجب استصحاب المال حتى يعلم حدوث ما يخالفه، وما كان بدلا عن مال، فقد علم حصول الغنى به، فسقط حكم الأصل. ووجب استصحاب الغنى حتى يعلم زواله، فلهذا لم يصدق في الاعتبار، وصار امتناعه ظلما، فحبس لأجله.

م: (وإقدامه على التزامه) ش: بعقد كالمهر والكفالة م: (باختياره دليل يساره إذ هو) ش: أي لأنه م: (لا يلتزم إلا ما يقدر على أدائه) ش: فإذا ادعى الإعسار يريد إسقاطها عن نفسه، فلا يقبل قوله ويحبس، وهو الذي ذكره القدوري رحمه الله، وشرحه المصنف رحمه الله، [و] هو رواية ابن سماعة رحمه الله: أنه يحبس في ذلك ولا يقبل قوله في الإعسار.

وذكر الخصاف رحمه الله عن أصحابنا: أنه يحبس فيما إذا كان بدلا عن مال حصل في يده خاصة، ولا يحبس فيما سوى ذلك، لأن الحبس عقوبة تستحق بالامتناع مع الغنى، فلا يجوز إثابتها بالظاهر، كسائر العقوبات.

وحاصل المذهب عندنا: أن القاضي لا يسأل المدعي المال إلا إذا ادعى المديون الإعسار، فحينئذ يسأل. فإن قال المدعي: إنه معسر، خلى سبيله، وإن قال: إنه موسر، وقال المديون: إني

ص: 28