الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الحبس
قال: وإذا ثبت الحق عند القاضي، وطلب صاحب الحق حبس غريمه لم يعجل بحبسه، وأمره بدفع ما عليه؛ لأن
الحبس جزاء المماطلة
فلا بد من ظهورها،
ــ
[البناية]
[فصل في الحبس]
[الحبس جزاء المماطلة]
م: (فصل في الحبس) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الحبس، ولما كان الحبس من أنواع حكم القاضي، ذكره في فصل على حدة، وهو مشروع بالكتاب، وهو قَوْله تَعَالَى:{أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33](المائدة الآية 33) ، فإن المراد به المجلس، وبالسنة وهو ما روي:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس رجلا بالتهمة» ، غير أنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم سجن وكان يحبس في المسجد أو الدهليز حيث أمكن، ولما كان زمن علي رضي الله عنه أحدث السجن بناه من قصب وسماه فقيه اللصوص، فبنى سجنا من مدر فسماه محبسا.
ثم قال الأترازي: كيسا مكيسا بنيت بعد نافع محبسا بابا حصينا، وأمينا كيسا رواه الزمخشري رحمه الله في "الفائق ". والمحبس موضع التجنيس، وهو التذليل والكيس حسن الثاني في الأمور، والمكيس منسوب إلى الكيس المعروف به قوله، وأمينا أي ونصف أمينها بعين السجان كذا في "الفائق ".
وقال الكاكي رحمه الله: وفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه لم يكن سجن حتى اشترى عمر رضي الله عنه دارا بالمدينة بأربعة آلاف درهم واتخذه محبسا.
م: (قال: وإذا ثبت الحق عند القاضي، وطلب صاحب الحق حبس غريمه لم يعجل بحبسه، وأمره بدفع ما عليه؛ لأن الحبس جزاء المماطلة، فلا بد من ظهورها) ش: أي ظهور المماطلة؛ لقوله عليه السلام: «مطل الغني ظلم» فاستحق الحبس، والمال غير مقدر في حق الحبس يحبس في الدراهم وما دونه؛ لأن مانع ذلك ظلم، فيجازى به والمحبوس في الدين لا يخرج لمجيء رمضان، والفطر والأضحى والجمعة، وصلاة مكتوبة، وحجة فريضة، وحضور جنازة بعض أهله، وموت والده وولده إذا كان ثمة من يكفنه ويغسله، بخلاف ما إذا لم يكن؛ لأنه لزم القيام حينئذ بحق الوالدين.
وقيل: يخرج بكفيله لجنازة الوالدين والأجداد والجدات والأولاد وفي غيرهم لا، وعليه الفتوى. وإن مرض وله خادم لا يخرج، وإلا يخرج لأنه ربما يموت بسببه، وهو ليس بمستحق عليه، ولو احتاج إلى الجماع، دخلت عليه زوجته وجاريته، فيطأهما حيث لا يطلع عليه أحد، وقيل: الوطء ليس من أصول الحوائج، فيجوز أن يمنع بخلاف الطعام. ولا يمنع من دخول أهله وجيرانه عليه، يشاورهم في قضاء الدين، ويمنعون من طول المكث عنده.
وهذا إذا ثبت الحق بإقراره؛ لأنه لم يعرف كونه مماطلا في أول الوهلة فلعله طمع في الإمهال، فلم يستصحب المال، فإذا امتنع بعد ذلك حبسه لظهور مطله، أما إذا ثبت بالبينة حبسه كما ثبت لظهور المطل بإنكاره. قال: فإن امتنع حبسه في كل دين لزمه بدلا عن مال حصل في يده كثمن المبيع أو التزمه بعقد كالمهر والكفالة
ــ
[البناية]
م: (وهذا) ش: أي ترك القاضي عجلته بحبس الغريم م: (إذا ثبت الحق بإقراره؛ لأنه لم يعرف كونه مماطلا في أول الوهلة) ش: يقال: لقيته أول وهلة، أي أول شيء م:(فلعله طمع في الإمهال، فلم يستصحب المال، فإذا امتنع بعد ذلك حبسه لظهور مطله، أما إذا ثبت بالبينة حبسه كما ثبت لظهور المطل بإنكاره) ش: وقال قاضي خان رحمه الله في " شرح الجامع الصغير ": وعلى قول الخصاف رحمه الله في البينة أيضا، لا يحبسه في أول الوهلة.
وقال في " الأجناس ": قال في كفالة الأصل: قال أبو حنيفة رحمه الله: ينبغي للإمام أن يحبس في الديون قرضا كان أو غصبا أو ثمن مبيع أو مهر، لكن لا يحبسه في أول ما يقدم إليه، ويقال له: قم فأرضه فإن عاد إليه حبسه، وهو قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله.
وقال الخصاف رحمه الله والصواب عندي أن لا يحبسه حتى يقول له: ألك مال، ويستحلفه على ذلك، فإن أقر أن له مالا حبسه، وإن قال: لا مال لي، قال للطالب: أثبت أن له مالا حتى أحبسه، وهو مذهب بعض القضاة. ثم اعلم إذا ثبت إعسار المديون لا يجوز حبسه بلا خلاف ولا بلازمته، بل يمهل إلا أن يوسر. قال عز وجل:{فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280](البقرة: الآية 280) ، وعندنا لا يحبس، ولكن للغريم ملازمته ولا يمنعه من الكسب، وهل يلزمه الكسب وإجارة نفسه ليصرف الأجرة والكسب إلى رب الدين عندنا والشافعي رحمه الله: لا، وعند أحمد رحمه الله: يلزمه، وقال مالك رحمه الله: إن كان ممن يعتاد إجارة نفسه لزمه به، وقال الشافعي رحمه الله في وجه: وعليه عمل القضاة لظهور المماطلة، وفي وجه: يبيع ماله الظاهر، وبه قال مالك رحمه الله، وأبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - أما لو امتنع من أداء الدين يحبس بلا خلاف.
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله: م: (فإن امتنع) ش: أي الغريم م: (حبسه في كل دين لزمه عن مال حصل في يده كثمن المبيع أو التزمه بعقد كالمهر والكفالة) ش: ولكنه إنما يحبسه إذا طلب المدعي ذلك.
وقال قاضي خان رحمه الله في " شرح الجامع الصغير ": ولا يحبسه عندنا في الإقرار والبينة إلا عند طلب المدعي.
وقال شريح رحمه الله: يحبسه من غير طلبه.
لأنه إذا حصل المال في يده ثبت غناه به وإقدامه على التزامه باختياره دليل يساره إذ هو لا يلتزم إلا ما يقدر على أدائه،
ــ
[البناية]
وفي " الذخيرة " لو قال المديون بعد ثبوت الدين: أنا معسر، أو قال: موسر، ولا بينة له، فالقول للمديون مع يمينه، وهو رواية أصحابنا واختيار الخصاف رحمه الله وبه قال الشافعي رحمه الله في وجه؛ لأن الأصل الفقر.
وعن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: إن كان في كل دين أصله مال، كثمن المبيع والقرض، فالقول للمدعي، وبه قال الشافعي رحمه الله في وجه وفي كل دين لا يقابله مال، كالمهر وبدل الخلع، وما أشبه ذلك، فالقول للمديون، إليه أشار محمد رحمه الله في كتاب النكاح، وفي مسألة ادعاء المرأة نفقة الموسرين، وزعم الزوج أنه معسر، فقال: القول للزوج، وقال بعضهم: كل دين لزمه بسبب معاقدته واختياره، فالقول لرب الدين، وبه قال الشافعي رحمه الله في وجه لأن اختيار لزومه بالعقد دليل اليسار.
م: (لأنه) ش: استدلال لما ذكره القدوري رحمه الله، لقوله: حبسه لكل دين
…
إلخ أي لأن الغريم م: (إذا حصل المال) ش: أي المال الذي هو ثمن المبيع ونحوه من أي جهة كان م: (في يده ثبت غناه به) ش: وزواله عن الملك محتمل، والثابت لا يترك بالمحتمل. والأصل في ذلك أن الأصل في الإنسان الفقر والغنى حادث، فوجب استصحاب المال حتى يعلم حدوث ما يخالفه، وما كان بدلا عن مال، فقد علم حصول الغنى به، فسقط حكم الأصل. ووجب استصحاب الغنى حتى يعلم زواله، فلهذا لم يصدق في الاعتبار، وصار امتناعه ظلما، فحبس لأجله.
م: (وإقدامه على التزامه) ش: بعقد كالمهر والكفالة م: (باختياره دليل يساره إذ هو) ش: أي لأنه م: (لا يلتزم إلا ما يقدر على أدائه) ش: فإذا ادعى الإعسار يريد إسقاطها عن نفسه، فلا يقبل قوله ويحبس، وهو الذي ذكره القدوري رحمه الله، وشرحه المصنف رحمه الله، [و] هو رواية ابن سماعة رحمه الله: أنه يحبس في ذلك ولا يقبل قوله في الإعسار.
وذكر الخصاف رحمه الله عن أصحابنا: أنه يحبس فيما إذا كان بدلا عن مال حصل في يده خاصة، ولا يحبس فيما سوى ذلك، لأن الحبس عقوبة تستحق بالامتناع مع الغنى، فلا يجوز إثابتها بالظاهر، كسائر العقوبات.
وحاصل المذهب عندنا: أن القاضي لا يسأل المدعي المال إلا إذا ادعى المديون الإعسار، فحينئذ يسأل. فإن قال المدعي: إنه معسر، خلى سبيله، وإن قال: إنه موسر، وقال المديون: إني