الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنما يشترط طلب المدعي، لأنها حقه، فيتوقف على طلبه كسائر الحقوق،
و
الشهادة في الحدود
يخبر فيها الشاهد بين الستر والإظهار، لأنه بين حسبتين: إقامة الحد والتوقي عن الهتك،
ــ
[البناية]
وقال الزمخشري رحمه الله كتمان الشهادة هو أن يضمرها، ولا يتكلم بها، فلما كان آثما مقترفا بالقلب أسند إليه؛ لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ.
م: (وإنما يشترط طلب المدعي؛ لأنها حقه، فيتوقف على طلبه كسائر الحقوق) ش: لأن الحق لما كان له لم يلزمهم الشهادة قبل طلبه، بل يتوقف على الطلب كما في سائر الحقوق، ونوقض بما إذا علم الشاهد الشهادة، ولم يعلم بها المدعي، ويعلم الشاهد أنه إن لم يشهد يضع حقه، فإنه يجب عليه الشهادة، ولا طلب ثمة. والجواب أنه ألحق بالمطلوب دلالة، فإن الموجب للأداء عند الطلب إحياء الحق وهو فيما ذكرتم موجود، فكان في معناه فألحق به لا يقال: قد مر آنفا أن طلب المدعي سببا لأداء الشهادة وهو خلاف ما ذكره المصنف رحمه الله بقوله، وإنما يشترط طلب المدعي فإنه يدل على أن طلبه شرط، وهو غير السبب؛ لأن معنى كلامه وإنما يشترط وجود سبب الأداء وهو طلب المدعي. فالطالب سبب وجوده شرط فلا يخالفه حينئذ.
فإن قلت: إنما جعله شرطا، وقَوْله تَعَالَى:{وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ} [البقرة: 282]، {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] سببا.
قلت: نعم؛ لأنه خطاب وضع يدل على سبب، وغيره كقوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78](الإسراء: الآية 78) .
[الشهادة في الحدود]
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله م: (والشهادة في الحدود يخير فيها الشاهد بين الستر والإظهار لأنه) ش: أي لأن الشاهد م: (بين حسبتين) ش: بكسر الحاء تثنية حسبة، والحسبة ما ينتظر به الأجر في الآخرة، وفي "الصحاح" احتسب بهذا جزاء عند الله، والاسم الحسبة بالكسر، وبين الأجر والجمع الحسب، وفلان محتسب البلد ولا تقل محتسب م:(إقامة الحد) ش: حسبة لله تعالى، فيقام عليه الحد والحسبة الأخرى م:(والتوقي عن الهتك) ش: أي التحفظ عن هتك المسلم حسبة لله تعالى، فإن قيل: هذا الذي ذكره معارض لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283](البقرة: الآية 283) ، وتقييد المطلق بخبر الواحد لا يجوز.
الجواب: أن الآية محمولة على الشهادة في حقوق العباد، بدليل سياق الآية، وهي آية المداينة وبالإجماع والنص قَوْله تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} [النور: 19] إلى قوله: {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النور: 19](النور: الآية 19) ، والمعنى أن الستر والكتمان إنما يحرم لخوف فوت حق المدعي المحتاج إلى إحياء حقه من الأموال وغيرها.
فأما الحدود فهي حقوق الله تعالى، والله عز وجل موصوف بالعطاء والكرم، وليس فيه
والستر أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام للذي شهد عنده: «لو سترته بثوبك لكان خيرا لك» .
ــ
[البناية]
خوف فوت حقه، فجاز له ذلك أن يختار الشاهد جانب الستر، وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله:
م: (والستر أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم م: (للذي شهد عنده: «لو سترته بثوبك لكان خيرا لك» ش: الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول لم يشهد عنده بشيء، ولكنه حمل ماعزا إلى أن اعترف عند النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا كما رواه أبو داود والنسائي عن سفيان عن زيد بن أسلم عن يزيد بن نعيم عن أبيه نعيم بن هزال رضي الله عنه، «أن ماعزا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر عنده أربع مرات، فأمر برجمه. وقال لهزال: "لو سترته بثوبك كان خيرا لك» . ثم أخرج أبو داود عن ابن المنكدر: «أن هزالا أمر ماعزا أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره» انتهى بلفظ أبي داود. ورواه عبد الرزاق رحمه الله في "مصنفه" ولفظه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهزال: لو سترت بثوبك كان خيرا» .
قلت: لم أر أحدا من الشراح حرر هذا الموضع، حتى قال الأكمل رحمه الله أيضا: قوله صلى الله عليه وسلم: "الذي شهد عنده وهو رجل يقال له: هزال الأسلمي رحمه الله: لو سترته بثوبك"، وفي رواية:"بردائك لكان خيرا لك". انتهى.
وقد قلنا: إن الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول لم يشهد عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف يقول الأكمل رحمه الله شهد عنده رجل يقال له:" هزال الأسلمي رحمه الله" و" هزال " لم يشهد أصلا وإنما حمل ماعزا على أن يعترف عند النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا، وقال صلى الله عليه وسلم لهزال:«لو سترت بثوبك كان خيرا» .
و" هزال " بفتح الهاء وتشديد الزاي وباللام أسلمي سكن المدينة، وقال المنذري: نعيم بن هزال رضي الله عنه، قيل: لا صحبة له وإنما الصحبة لأبيه هزال، وصاحب الذنب اسمه ماعز بن مالك الأسلمي، معدود في المدنيين، والمرأة التي وقع عليها اسمها فاطمة جارية هزال رضي الله عنه.
وقال عليه الصلاة والسلام: «من ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة» ، وفيما نقل من تلقين الدرء عن النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضي الله عنهم دلالة ظاهرة على أفضلية الستر
ــ
[البناية]
م: (وقال عليه الصلاة والسلام) ش: أي وقال النبي صلى الله عليه وسلم: م: «من ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة» ش: هذا أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا «ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» م: (وفيما نقل من تلقين الدرء عن النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضي الله عنهم دلالة ظاهرة على أفضلية الستر) .
ش: لم يتعرض أحد من الشراح على حل هذا التركيب، "قبوله دلالة" مبتدأ وخبره مقدما"، هو قوله: "وفيما نقل من التلقين" إلى آخر قوله: "للدرء" أي لدفع الحد.
أما الذي نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من تلقينه للدرء عن حد الزنا، فما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في حديث ماعز، قال له صلى الله عليه وسلم:«لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟. قال: لا، قال: أفنكتها؟، قال نعم، قال: فعند ذلك أمر برجمه» .
والذي نقل عن الدرء عن حد السرقة ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبي المنذر مولى ذر عن أبي أمية المخزومي رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص قد اعترف اعترافا، ولم يوجد معه متاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أخالك سرقت؟. قال: بلى، فأعادها عليه مرتين أو ثلاثا، فأمر به فقطع» .
وأما الذي نقل عن أصحابه صلى الله عليه وسلم من التلقين للدرء، فما رواه عبد الرزاق رحمه الله في "مصنفه "، أخبرنا معمر عن طاوس عن عكرمة بن خالد قال: " أتى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رجل، فسأله أسرقت؟ فقال: لا، فتركه. وروى أبو يعلى الموصلي في مسنده بإسناده إلى أبي مطر قال: رأيت عليا رضي الله عنه أتي برجل قيل له: إنه سرق جملا، فقال