الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل قال أبو حنيفة رحمه الله: شاهد الزور أشهره في السوق ولا أعذره. وقالا: نوجعه ضربا ونحبسه، وهو قول الشافعي رحمه الله. لهما ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه ضرب شاهد الزور أربعين سوطا وسخم وجهه.
ــ
[البناية]
[شهادة الزور]
م: (فصل)
ش: أي هذا فصل في ذكر شهادة الزور، ذكره بفصل على حدة؛ لأن لها أحكاما مخصوصة وآخرها لأن الأصل هو الصدق.
م: (قال أبو حنيفة رحمه الله: شاهد الزور أشهره في السوق ولا أعذره) ش: قوله: شاهد الزور كلام إضافي مبتدأ، وقوله: أشهره خبره والجملة مقول القول م: (قالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (نوجعه ضربا) ش: بنون الجماعة وضربا على التمييز م: (ونحبسه) ش: كذلك بنون الجماعة م: (وهو) ش: أي قولهم م: (قول الشافعي رحمه الله) ش:، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - وعامة العلماء رحمهم الله.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه ضرب شاهد الزور أربعين سوطا وسخم وجهه) ش: هذا رواه ابن أبي شيبة رحمه الله في " مصنفه " في الحدود: حدثنا أبو خالد، عن حجاج، عن مكحول، عن الوليد بن مالك، أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عماله بالشام في الشاهد الزور يضرب أربعين سوطا ويسخم وجهه ويحلق رأسه، ويطال الحبس.
وروى عبد الرزاق رحمه الله في " مصنفه ": أخبرنا ابن جريج قال: حديث عن مكحول أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب شاهد الزور أربعين سوطا، قوله: سخم من التسخيم ومن السخام وهو سواد القدر.
وقال الأكمل رحمه الله: من السخام بالخاء المعجمة أو بالحاء المهملة من سخم وهو
ولأن هذه كبيرة يتعدى ضررها إلى العباد وليس فيها حد مقدر فيعزر، وله أن شريحا كان يشهره ولا يضرب، ولأن الانزجار يحصل بالتشهير فيكتفى به، والضرب وإن كان مبالغة في الزجر، ولكنه يقع مانعا عن الرجوع، فوجب التحقيق نظرا إلى هذا الوجه
ــ
[البناية]
الأسود ثم قال: لا يقال الاستدلال به غير مستقيم على مذهبهما لأنهما لا يقولان بجواز التسخيم لأنه مثلة وهو غير مشروع، ولا تبليغ التعزير إلى أربعين لأن مقصودهما إثبات ما نفاه أبو حنيفة من التعزير بالضرب، فإنه يدل على أصل الضرب مشروع في التعزير، وما زاد على ذلك كان محمولا على السياسة.
م: (ولأن هذه) ش: أي شهادة الزور م: (كبيرة) ش: وعدت في الحديث الصحيح من الكبائر م: (يتعدى ضررها) ش: أي ضرر شهادة الزور م: (إلى العباد) ش: بإتلاف أموالهم م: (وليس فيها حد مقدر) ش: من حيث الشرع م: (فيعزر) ش: بالتعزير المذكور.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة رحمه الله م: (أن شريحا) ش: وهو شريح بن الحارث الكندي القاضي رحمه الله م: (كان يشهره) ش: شاهد الزور م: (ولا يضرب، ولأن الانزجار يحصل بالتشهير فيكتفى به، والضرب وإن كان مبالغة في الزجر، ولكنه يقع مانعا عن الرجوع) ش: فإنه إذا تصور الضرب يخاف، فلا يرجع، وفيه تضييع للحقوق م:(فوجب التحقيق نظرا إلى هذا الوجه) ش: فإن قلت: قال في " المبسوط ": شاهد الزور عندنا هو المقر على نفسه بذلك؛ لأنه لا يتمكن تهمة الكذب إلا في إقراره على نفسه ولا طريق لإثبات ذلك بالبينة عليه؛ لأنه نفى الشهادة والبينة للإثبات دون النفي.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في " مبسوطه ": شاهد الزور هو الذي يقر على نفسه بالكذب متعمدا، أو يشهد بقتل رجل ثم يجيء المشهود بقتله حيا حتى يثبت كذبه بيقين، فأما لو قال: غلطت أو أخطأت أو أردت شهادة بتهمة أو المخالفة بين الدعوى والشهادة لا يعزر أصلا.
وقال أبو محمد الكاتب رحمه الله: هذه المسألة على ثلاثة أوجه: إما أن يرجع على سبيل التوبة والندامة لا يعزر بلا خلاف، وإن رجع على سبيل الإقرار يعزر بالضرب بلا خلاف، وإن كان لا يعلم فعلى الاختلاف.
ثم قال: لو تاب شاهد الزور هل تقبل شهادته بعد ذلك. فعلى الوجهين: إن كان فاسقا تقبل توبته؛ لأن الذي حمله على شهادة الزور فسقه، فإذا تاب وظهرت توبته فقد زال فسقه فيقبل، ولم يعين في الكتاب مدة ظهور توبته، فقال بعض المشايخ رحمهم الله: سنة، وقيل: ستة أشهر، والصحيح أنه مفوض إلى رأي القاضي.
أما لو كان مستورا لا تقبل شهادته أبدا، وكذا إذا كان عدلا فشهد بالزور ثم تاب لا تقبل
وحديث عمر رضي الله عنه محمول على السياسة بدلالة التبليغ إلى الأربعين والتسخيم، ثم تفسير التشهير منقول عن شريح رحمه الله فإنه كان يبعثه إلى سوقه إن كان سوقيا، وإلى قومه إن كان غير سوقي بعد العصر، أجمع ما كانوا. ويقول إن شريحا يقرأ عليكم السلام ويقول: إنا وجدنا هذا شاهد زور، فاحذروه وحذروا الناس منه. وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: أنه يشهر عندهما أيضا. والتعزير والحبس على قدر ما يراه القاضي عندهما،
ــ
[البناية]
شهادته أبدا على رواية بشر رحمه الله، عن أبي يوسف رحمه الله. وروى أبو جعفر رحمه الله عن أبي يوسف رحمه الله أنه يقبل، قالوا: والفتوى على هذا، كذا ذكره المحبوبي رحمه الله في " جامعه ".
م: (وحديث عمر رضي الله عنه محمول على السياسة) ش: هذا جواب عما استجابه من حديث عمر رضي الله عنه بيانه أن عمر رضي الله عنه فعل ذلك على طريق السياسة لا على طريق التعزير م: (بدلالة التبليغ إلى الأربعين) ش: لأنه لو كان على سبيل التعزير لم يبلغ الأربعين لبلوغه حدا في غير حد م: (والتسخيم) ش: بالجر عطفا على قوله: بدلالة التبليغ، وهو أيضا يدل على ما قلنا؛ ولأنه مثلة وهي منسوخة بالإجماع.
م: (ثم تفسير التشهير منقول عن شريح رحمه الله فإنه كان يبعثه إلى سوقه إن كان سوقيا، وإلى قومه) ش: أي أو يبعثه إلى قومه م: (إن كان غير سوقي بعد العصر أجمع ما كانوا) ش: مجتمعين أو إلى موضع يكون أكثر جمعا للقوم م: (ويقول) ش: أي الذي يبعثه م: (إن شريحا يقرأ عليكم السلام ويقول: إنا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه وحذروا الناس منه) ش: حتى لا يستشهدوا به.
فإن قيل: أبو حنيفة رحمه الله لا يرى تقليد التابعي رحمه الله حتى روي عنه أنه قال: هم رجال اجتهدوا ونحن رجال يجتهدون، وقلنا: ذكر في " النوادر " عن أبي حنيفة رحمه الله في تقليد التابعي الذي زحم الصحابة رضي الله عنهم في الفتوى قال: أنا أقلده، فعلى هذه الرواية ظاهر.
وعلى ظاهر الرواية قالوا: لم يذكر قوله محتجا به، وإنما ذكره لبيان أن احتجاجه بتجويز الصحابة رضي الله عنهم فعله فإنه كان قاضيا في زمن عمر وعلي رضي الله عنهما ومثل هذا التشهير لا يخفى على الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكره أحد من الصحابة رضي الله عنهم فحل محل الإجماع، وكان احتجاجا بإجماع الصحابة رضي الله عنهم لا تقليد لشريح.
م: (وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: أنه) ش: أي أن شاهد الزور م: (يشهر عندهما أيضا، والتعزير والحبس على قدر ما يراه القاضي عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد
وكيفية التعزير ما ذكرناه في الحدود. وفي " الجامع الصغير ": شاهدان أقرا أنهما شهدا بزور لم يضربا، وقالا: يعزران وفائدته: أن شاهد الزور في حق ما ذكرنا من الحكم هو المقر على نفسه بذلك، فأما لا طريق إلى إثبات ذلك بالبينة؛ لأنه نفي الشهادة، والبينات للإثبات والله أعلم.
ــ
[البناية]
- رحمهما الله - م: (وكيفية التعزير ما ذكرناه في الحدود. وفي " الجامع الصغير ": شاهدان أقرا أنهما شهدا بزور لم يضربا) ش: يعني عند أبي حنيفة رحمه الله م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (يعزران وفائدته) ش: أي وفائدة وضع " الجامع الصغير " بقوله: شاهدان أقرا إلى آخره م: (أن شاهد الزور في حق ما ذكرنا من الحكم هو المقر على نفسه بذلك) ش: أي بالزور، يعني أنه لا يثبت كذب الشاهد إلا بإقراره م:(فأما لا طريق إلى إثبات ذلك بالبينة؛ لأنه نفي الشهادة) ش: فلا تسمع م: (والبينات للإثبات والله أعلم) ش: أي مشروعية البينات لإثبات الأحكام، وقد مر الكلام فيه قريب.