الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فيمن لا يكون خصما
وإن قال المدعى عليه: هذا الشيء أودعنيه فلان الغائب، أو رهنه عندي، أو غصبته منه وأقام بينة على ذلك فلا خصومة بينه وبين المدعي وكذا إذا قال أجرنيه وأقام البينة لأنه أثبت ببينته أن يده ليست بيد خصومة. وقال ابن شبرمة رحمه الله: لا تندفع الخصومة لأنه تعذر إثبات الملك للغائب لعدم الخصم عنه ودفع الخصومة بناء عليه قلنا: مقتضى البينة شيئان: ثبوت الملك للغائب ولا خصومة فيه فلم يثبت، ودفع خصومة المدعي، وهو خصم
ــ
[البناية]
[فصل فيمن لا يكون خصما]
م: (فصل فيمن لا يكون خصمًا) ش: أي هذا فصل في بيان من لا يكون خصمًا عند الدعوى، ولما ذكر فيما مضى من يكون خصمًا ذكر هنا من لا يكون خصمًا، وبضدها تتبين الأشياء قيل: الفصل مشتملًا أيضًا على ذكر من يكون خصمًا، وأجيب: نعم من حيث الفرق لا من حيث القيد الأصلي م: (وإن قال) ش: و"في بعض النسخ" فإن قال م: (المدعى عليه: هذا الشيء أودعنيه فلان الغائب أو رهنه عندي أو غصبته منه وأقام بينة على ذلك فلا خصومة بينه وبين المدعي) ش: صورته دار أو ثوب في يد إنسان ادعى رجل عليه أنها له، فقال ذو اليد: هو لفلان الغائب أودعنيه.. إلخ.
وأقام ذو اليد بينة على ما قاله فلا خصومة بين ذي اليد الذي هو المدعى عليه وبين المدعي. وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله- والشافعي في الأظهر، وقال ابن شبرمة له يندفع به، وبه قال الشافعي رحمه الله في المنصوص عليه، م:(وكذا) ش: أي لا خصومة م: (إذا قال) ش: ذو اليد م: (أجرنيه) ش: فلان م: (وأقام البينة لأنه) ش: أي وكذا لأن ذا اليد م: (ثبت ببينته أن يده ليست بيد خصومة. وقال ابن شبرمة:) ش: هو عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن حسان الطبي أبو شبرمة الكوفي رحمه الله القاضي فقيه أهل الكوفة، عدداه في التابعين، روى عن أنس بن مالك رحمه الله، وقال العجلي رحمه الله: كان قاضيًا لأبي جعفر على سواد الكوفة وضياعها، وكان فاضلًا ناسكًا ثقة في الحديث، مات سنة أربع وأربعين ومائة.
م: (لا تندفع) ش: أي الخصومة م: (لأنه تعذر إثبات الملك للغائب لعدم الخصم عنه) ش: أي عن الغائب، وإثبات الملك للغائب بدون الخصومة متعذر، إذ ليس لأحد ولاية إدخال شيء في ملك غيره بغير رضاه، م:(ودفع الخصومة بناء عليه) ش: أي على إثبات الملك والبناء على المتعذر متعذر م: (قلنا مقتضى البينة شيئان: ثبوت الملك للغائب) ش: أي أحدهما ثبوت الملك للغائب.
م: (ولا خصومة فيه فلم يثبت، ودفع خصومة المدعي) ش: أي والثاني: دفع الخصومة عن نفسه م: (وهو خصم فيه) ش: لأن مقصود ذي اليد إثبات أن يده يد حفظ لا يد خصومة، ولا إثبات الملك للغائب أو فيما هو المقصود، والمدعي خصم له فيه فتقبل بينته.
فيه فيثبت وهو كالوكيل بنقل المرأة كإقامتها البينة على الطلاق كما بيناه من قبل، ولا تندفع بدون إقامة البينة كما قاله ابن أبي ليلى؛ لأنه صار خصما بظاهر يده فهو بإقراره يريد أن يحول حقا مستحقا على نفسه فلا يصدق إلا بحجة، كما إذا ادعى تحويل الدين عن ذمته إلى ذمة غيره. وقال أبو يوسف رحمه الله آخرا إن كان الرجل صالحا فالجواب كما قلناه، وإن كان معروفا بالحيل لا تندفع عنه الخصومة؛ لأن المحتال من الناس قد يدفع ماله إلى مسافر يودعه إياه. ويشهد عليه الشهود فيحتال لإبطال حق غيره، فإذا اتهمه القاضي به لا يقبله،
ــ
[البناية]
م: (فيثبت) ش: يد الحفظ م: (وهو كالوكيل بنقل المرأة) ش: إلى زوجها م: (كإقامتها البينة على الطلاق) ش: فإنها تقبل بقصر يد الوكيل عنها، ولم يحكم بوقوع الطلاق ما لم يحضر الغائب م:(كما بيناه من قبل) ش: أي في باب الوكالة بالخصومة.
والقبض يعني أن بينة المرأة على الطلقات الثلاث تقبل في حق قصر يد الوكيل عن نقلها لا في حق الطلاق، م:(ولا تندفع) ش: أي الخصومة م: (بدون إقامة البينة كما قاله ابن أبي ليلى) ش: هو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، أبو عبد الرحمن الكوفي رحمه الله الفقيه قاضي الكوفة، فيه مقال، مات سنة ثمان وأربعين ومائة. ومذهبه أنه يخرج من الخصومة بمجرد الدعوى بغير بينة لأنه لا تهمة فيما يقر به على نفسه فيثبت ما أقر به بمجرد إقراره أن يده يد حفظ لا يد خصومة.
م: (لأنه صار خصمًا) ش: دليلها يعني توجهت الخصومة إليه م: (بظاهر يده) ش:، وهذا يبين ما كان للقاضي إحضاره ويكتب إليه بالجواب م:(فهو بإقراره يريد أن يحول حقًا مستحقًا على نفسه) ش: فهو متهم في إقراره م: (فلا يصدق إلا بحجة) ش: كما لا يصدق المدعي دعوى الملك إلا بحجة.
وكذا م: (كما إذا ادعى تحويل الدين عن ذمته إلى ذمة غيره) ش: بالحوالة، فإنه لا يصدق إلا بحجة.
م: (وقال أبو يوسف رحمه الله آخرا:) ش: تندفع الخصومة كما كانت البينة م: (إن كان الرجل) ش: أي ذو اليد م: (صالحًا) ش: أي غير معروف إلا بالخير والصدق، م:(فالجواب كما قلناه) ش: أي تندفع الخصومة كما قامت البينة، م:(وإن كان معروفًا بالحيل لا تندفع عنه الخصومة لأن المحتال من الناس قد يدفع ماله) ش: أي المال الذي غصبه من إنسان م: (إلى مسافر يودعه إياه ويشهد عليه الشهود) ش: حتى جاء المالك وأراد أن يثبت ملكه م: (فيحتال لإبطال حق غيره) ش: بأن يقيم بينة على أن فلانا أودعه فيبطل حقه وتندفع الخصومة عنه.
م: (فإذا اتهمه القاضي به لا يقبله) ش: وقال شيخ الإسلام خواهر زاده في " المبسوط " ما ذهب
ولو قال الشهود: أودعه رجل لا نعرفه لا تندفع عنه الخصومة لاحتمال أن يكون المودع هو هذا المدعي، ولأنه ما أحاله إلى معين ليمكن المدعي من اتباعه، فلو اندفعت لتضرر به المدعي، ولو قالوا: نعرفه بوجهه ولا نعرفه باسمه ونسبه، فكذلك الجواب عند محمد رحمه الله للوجه الثاني، وعند أبي حنيفة رحمه الله تندفع لأنه أثبت بينته أن العين وصل إليه من جهة غيره، حيث عرفه الشهود بوجهه، بخلاف الفصل الأول فلم تكن يده يد خصومة، وهو المقصود، والمدعي هو الذي أضر بنفسه حيث نسي خصمه أو أضره شهوده
ــ
[البناية]
إليه أبو يوسف رحمه الله: صح استحسان ذهب إليه بعدما ابتلي بالقضاء، لأنه لما رضي بالقضاء فوقف على أحوال الناس ما لا يعرفه غيره، وما قالا قياس، لأن البينات حجج متى قامت يجب العمل بها، ولا يجوز تعطيلها بمجرد الوهم.
قلت: زماننا هذا أكثر فسادًا لغلبة التزوير وكثرة الحيل بالاحتياط فيه واجب، م:(ولو قال الشهود: أودعه رجل لا نعرفه لا تندفع عنه الخصومة لاحتمال أن يكون المودع هو هذا المدعي ولأنه) ش: أي ولأن ذي اليد م: (ما أحاله إلى معين ليمكن المدعي من اتباعه، فلو اندفعت الخصومة لتضرر به المدعي، ولو قالوا: نعرفه بوجهه ولا نعرفه باسمه ونسبه فكذلك الجواب عند محمد رحمه الله للوجه الثاني) ش: أي الشهود ما أحاله إلى معين يمكن للمدعي اتباعه.
م: (وعند أبي حنيفة رحمه الله: تندفع) ش: الخصومة، م:(لأنه أثبت بينته أن العين وصل إليه من جهة غيره، حيث عرفه الشهود بوجهه، بخلاف الفصل الأول) ش: وهو ما إذا قال الشهود أودعه رجل لا نعرفه للعلم بيقين، حينئذ أن المودع غير المدعي، فإذا الشهادة تفيد أن يده ليست بيد خصومة وهو المقصود، م:(فلم تكن يده يد خصومة وهو المقصود، والمدعي هو الذي أضر بنفسه) ش: هذا جواب عن قول محمد رحمه الله: لو اندفعت الخصومة لتضرر المدعي.
ووجهه أن المدعي أضر نفسه بالضرر اللاحق م: (حيث نسي خصمه أو أضره شهوده) ش: أي شهود المدعى عليه، وهذا الاختلاف إنما يكون إذا كانت العين قائمة في يد المدعى عليه، وإليه أشار بقوله:"هذا الشيء أو دعته فلان" فإن الإشارة الحسية لا تكون إلا إلى موجود في الخارج؛ وأما إذا هلكت فلا تندفع الخصومة، وإن أقام البينة لأنها إذا كانت قائمة فذو اليد ينتصب خصما للمدعي في العين بظاهر يده فإن ظاهر اليد يدل على الملك إلا أنه يحتمل أنه ليس يد ملك، وبإقامة البينة أن العين وديعة عنده يظهر أن يده ليست يد ملك فتندفع عنه الخصومة، أما إذا كانت العين هالكة فالدعوى تقع في الدين، ومحل الدين الذمة، فالمدعى عليه يثبت خصمًا للمدعي بذمته وبما أقام المدعي من البينة، على أن العين كانت في يده وديعة لا تبين أن ذمته كانت لغيره، فلا تتحول عنه الخصومة.
دون المدعى عليه، وهذه المسألة مخمسة كتاب الدعوى وذكرنا الأقوال الخمسة وإن قال ابتعته من الغائب فهو خصم لأنه لما زعم أن يده يد ملك اعترف بكونه خصما، وإن قال المدعي: غصبته مني أو سرقته مني لا تندفع الخصومة وإن أقام ذو اليد البينة على الوديعة، لأنه إنما صار خصما بدعوى الفعل عليه لا بيده، بخلاف دعوى الملك المطلق لأنه خصم فيه باعتبار يده حتى لا يصح دعواه على غير ذي اليد، ويصح دعوى الفعل وإن قال المدعي سرق مني وقال صاحب اليد: أودعنيه فلان، وأقام البينة لم تندفع الخصومة، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وهو استحسان، وقال محمد: تندفع لأنه لم يدع الفعل عليه فصار كما إذا قال غصب
ــ
[البناية]
م: (دون المدعى عليه وهذه المسألة مخمسة كتاب الدعوى) ش: أي هذه المسألة من مسائل كتاب الدعوى من "الأصل" تسمى المخمسة لما فيها من خمسة أوجه، لأن ذا اليد قال: هذه وديعة أو عارية أو إجارة أو رهن، أو غصب أو تسمى بخمسة لأن فيها خمسة أقاويل، أشار إليه بقوله: م: (وذكرنا الأقوال الخمسة) ش: لعلمائنا الثلاثة رحمهم الله ولابن أبي ليلى ولابن شبرمة.
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله: م: (وإن قال: ابتعته من الغائب فهو خصم) ش: يعني إذا ادعى على ذا اليد عينًا، فقال ذو اليد "اشتريتها من الغائب" لا تندفع الخصومة م:(لأنه لما زعم أن يده يد الملك اعترف بكونه خصمًا) ش: كما لو ادعى ذو اليد ملكًا مطلقًا م: (وإن قال المدعي: "غصبته مني" أو "سرقته مني" لا تندفع الخصومة، وإن أقام ذو اليد البينة على الوديعة) ش: بيانه: أن المدعي إذا ادعى فعلًا على ذي اليد، وقال: الدار داري أودعتها عندك أو استأجرتها مني أو غصبتها مني أو ارتهنتها مني، وقال المدعى عليه الذي في يده الدار: إنها لفلان الغائب أودعها أو غصبتها منه وغير ذلك، وأقام على ذلك البينة؛ فإن الخصومة لا تندفع عنه، م:(لأنه) ش: أي لأن ذا اليد م: (إنما صار خصمًا بدعوى الفعل عليه لا بيده) ش: وصيرورته خصمًا في دعوى الفعل لا يفتقر إلى اليد أصلًا فضلًا عن أن يفتقر إلى ملك ويد خصومة، ولهذا اتضح دعوى الملك المطلق باعتبار يده، حتى لا تصبح دعواه أي دعوى المدعي على غير ذي اليد.
ويصح دعوى الفعل على غير ذي اليد م: (بخلاف دعوى الملك) ش: أي دعوى المدعي لما ملك م: (المطلق، لأنه خصم فيه) ش:، أي لأن ذا اليد خصم في دعوى الملك المطلق م:(باعتبار يده حتى لا تصح دعواه) ش: أي دعوى المدعي م: (على غير ذي اليد ويصح دعوى الفعل) ش: أي غير ذي اليد م: (وإن قال المدعي سرق مني وقال صاحب اليد: أودعنيه فلان وأقام البينة لم تندفع الخصومة، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وهو استحسان، وقال محمد: تندفع) ش: أي الخصومة م: (لأنه لم يدع الفعل عليه) ش: أي على ذي اليد.
بل هذا دعوى الفعل على مجهول وهي باطلة فألحقت بالعدم م: (فصار كما إذا قال: غصب
مني على ما لم يسم فاعله. ولهما: أن ذكر الفعل يستدعي الفاعل لا محالة، والظاهر أنه هو الذي في يده إلا أنه لم يعينه درءًا للحد شفقة عليه، وإقامة لحسبة الستر فصار كما إذا قال سرقت، بخلاف الغصب لأنه لا حد فيه فلا يحترز عن كشفه، وإن قال المدعي: ابتعته من فلان وقال صاحب اليد: أودعنيه فلان ذلك أسقطت الخصومة بغير بينة، لأنهما لما توافقا على أن أصل الملك فيه لغيره فيكون وصولها إلى ذي اليد من جهته، فلم تكن يده يد خصومة إلا أن يقيم البينة أن فلانًا وكله بقبضه؛ لأنه أثبت بينته كونه أحق بإمساكها والله أعلم.
ــ
[البناية]
مني على ما لم يسم فاعله) ش: لأن فيه تجهيل الغاصب م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ولأبي يوسف - رحمهما الله-: م: (أن ذكر الفعل يستدعي الفاعل لا محالة) ش: لأن الفعل بدون الفاعل لا يتصور.
م: (والظاهر: أنه هو الذي في يده إلا أنه لم يعينه) ش: أي لم يعين السارق م: (درءًا) ش: أي دفعًا م: (للحد شفقة عليه وإقامة لحسبة الستر فصار كما إذا قال: سرقت) ش: بالخطاب المذكر م: (بخلاف الغصب، لأنه لا حد فيه فلا يحترز عن كشفه) ش: فإنه غير معذور في التجهيل م: (وإن قال المدعي ابتعته من فلان وقال صاحب اليد أودعنيه فلان ذلك أسقطت) ش: أي أشد إسقاطًا م: (الخصومة بغير بينة، لأنهما لما توافقا على أن أصل الملك فيه لغيره فيكون وصولها إلى ذي اليد من جهته فلم تكن يده يد خصومة، إلا أن يقيم البينة أن فلانا وكله بقبضه، لأنه أثبت بينته كونه أحق بإمساكها) ش: ولو طلب المدعي بينة على ما ادعى من الإيداع يحلف على الثبات.
ولو قال ذو اليد: أودعني وكيله لا يصدق إلا ببينة، لأن الوكالة لا تثبت إلا بقوله، م:(والله أعلم) .