الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: ومن
ادعى قصاصا على غيره فجحده
استحلف بالإجماع، ثم إن نكل عن اليمين فيما دون النفس يلزمه القصاص، وإن نكل في النفس حبس حتى يحلف أو يقر وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله، وقالا: لزمه الأرش فيهما، لأن النكول إقرار فيه شبهة عندهما، فلا يثبت به القصاص ويجب به المال خصوصا إذا كان امتناع القصاص لمعنى من جهة من عليه، كما إذا أقر بالخطأ والولي يدعي العمد، ولأبي حنيفة رحمه الله: أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال فيجري فيها البذل بخلاف الأنفس، فإنه لو قال: أقطع يدي، فقطعها لا يجب الضمان، وهذا إعمال للبذل، إلا أنه لا يباح
ــ
[البناية]
برئ عن الدعوى وإن نكل عن اليمين لزمته الدعوى، فعلى هذا الأصل يخرج مسائل الباب.
[ادعى قصاصا على غيره فجحده]
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله في "مختصره": م: (ومن ادعى قصاصًا على غيره فجحده استحلف بالإجماع) ش: ولا خلاف فيه م: (ثم إن نكل عن اليمين فيما دون النفس لزمه القصاص) ش: عند أبي حنيفة رحمه الله، وبه قال القاضي ومالك - رحمهما الله- بعد حلف المدعي، وأحمد رحمه الله في رواية، م:(وإن نكل في النفس حبس حتى يحلف أو يقر، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله) ش: أي الذي ذكر من النكول فيما دون النفس، والنكول في النفس.
م: (وقالا:) ش: أي أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله-: م: (لزمه الأرش فيهما) ش: أي يلزمه المال في النفس والطرف جميعًا، وهذا الاختلاف فرع اختلافهم في معنى النكول، فعند أبي حنيفة رحمه الله: هو في معنى البذل، وعندهما في مضي إقرار فيه شبهة، لأنه لم يصرح بالإقرار، وهو معنى قوله: م: (لأن النكول إقرار فيه شبهة) ش: أي شبهة البدلية، أو شبهة الإقرار، لأن النكول إقرار فيه شبهة الإنكار م:(عندهما فلا يثبت به القصاص ويجب به المال خصوصًا إذا كان امتناع القصاص لمعنى من جهة من عليه) ش: قيد به لأنه لو كان امتناعه من جهة من له القصاص لا يجب القصاص، ولا المال أيضًا، كما إذا أقام مدعي القصاص رجلا أو امرأتين أو الشهادة على الشهادة، حيث لا يقضى بشيء، فامتنع القصاص، قوله فلا يجب المال ونظائره بقوله: م: (كما إذا أقر بالخطأ والولي يدعي العمد) ش: يجب المال وبعكسه لا يجب.
م: (ولأبي حنيفة رحمه الله: أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال) ش: لأنها خلقت وقاية النفس، كالأموال فإذا كانت كذلك فيجب، أي فيه البذل، كما في الأموال م:(بخلاف الأنفس) ش: حيث لا يجري البذل فيها، وأوضح ذلك بقوله م:(فإنه لو قال) ش: أي فإن أحدًا لو قال لآخر: م: (اقطع يدي فقطعها لا يجب عليه الضمان، وهذا) ش: أي عدم الضمان م: (إعمال للبذل) ش: وهو بذل مقيد لكونه دافعًا للخصومة م: (إلا أنه لا يباح) ش: جواب إشكال، وهو أن يقال لو كانت الأطراف الأموال، ينبغي أن يباح القطع بالبذل، كما يباح المال بالبذل،
لعدم الفائدة، وهذا البذل مفيد لاندفاع الخصومة، فصار كقطع اليد للآكلة وقلع السن للوجع وإذا امتنع القصاص في النفس، واليمين حق مستحق عليه يحبس به كما في القسامة. قال: وإذا قال المدعي: لي بينة حاضرة قيل لخصمه: أعطه كفيلا بنفسك ثلاثة أيام، كي لا يغيب نفسه فيضيع حقه والكفالة بالنفس جائزة عندنا، وقد مر من قبل، وأخذ الكفيل بمجرد الدعوى استحسان عندنا؛ لأن فيه نظرا للمدعي وليس فيه كثير ضرر بالمدعى عليه، وهذا لأن الحضور مستحق عليه بمجرد الدعوى حتى يعدى عليه
ــ
[البناية]
فأجاب: بأنه لا يباع القطع م: (لعدم الفائدة) ش: أي كما إذا قال له الغير، احرق ثوبي، أو أتلف مالي لا يباح لعدم الفائدة.
م: (وهذا البذل مفيد لاندفاع الخصومة) ش: أي بهذا البذل م: (فصار مقطع اليد للآكلة) ش: على وزن الفاعلة، وهي قرحة غائرة في البدن ينحر العفن، وسببها دم فاسد عفن يستحيل إلى السواد، وأول علاجها استنزاع الخط السوداوي، م:(وقلع السن للوجع) ش: عطف على قوله: "تقطع اليد للآكلة" فإن القطع هاهنا مفيد، فلو قطعه لا يجب عليه شيء بخلاف القطع السرقة، فإن القطع فيها خالص حق الله تعالى، فلا يثبت حق الشبهة.
م: (وإذا امتنع القصاص في النفس) ش: لكونه حق الله تعالى خالصًا، ولا يجري البذل في حقوقه م:(واليمين حق مستحق عليه يحبس به) ش: أي بحق اليمين، قاله الكاكي، وقال الأترازي رحمه الله: بالحق المستحق م: (كما في القسامة) ش: فإنهم إذا نكلوا عن اليمين يحسبون حتى يقروا أو يحلفوا.
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله: م: (وإذا قال المدعي: لي بينة حاضرة، قيل لخصمه: أعطه كفيلًا بنفسك ثلاثة أيام كي لا يغيب نفسه فيضيع حقه) ش: أي حق المدعي، وقد اختلف السلف في أخذ الكفيل.
وروى قتادة والشعبي: أنه لا يجوز، وروي عن إبراهيم النخعي: أنه يجوز م: (والكفالة بالنفس جائزة عندنا) ش: وهذا استحسان كما يجيء وبه أخذ علماؤنا، والقياس: أنه لا يجوز كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي رحمه الله، لأنه مجرد الدعوى ليس سبب الاستحقاق م:(وقد مر من قبل) ش: أي في أول كتاب الكفالة، وعند الشافعي رحمه الله: لا تجوز الكفالة بالنفس م: (وأخذ الكفيل بمجرد الدعوى استحسان عندنا) ش: قيد به، لأن في القياس أن لا يؤخذ كفيل قبل إقامة البينة، وبه قال الشافعي رحمه الله.
م: (لأن فيه) ش: أي في أخذ الكفيل م: (نظرًا للمدعي وليس فيه كثير ضرر بالمدعى عليه لأن الحضور مستحق) ش: أي على المدعي م: (عليه بمجرد الدعوى حتى يعدى عليه) ش: بلفظ المجهول
ويحال بينه وبين أشغاله، فصح التكفيل بإحضاره، والتقدير بثلاثة أيام مروي عن أبي حنيفة رحمه الله وهو الصحيح، ولا فرق في الظاهر بين الخامل والوجيه، والحقير من المال والخطير، ثم لا بد من قوله لي بينة حاضرة للتكفيل ومعناه في المصر، حتى لو قال المدعي لا بينة لي أو شهودي غيب
ــ
[البناية]
في الإعداد، يقال: استعدي فلان الأمير علي في ظلمه، أن استعان به، فأعداه الأمير أن أعانه عليه ونصره.
وفي " المبسوط ": الأشخاص إلى بابه يثبت بمجرد الدعوى لما فيه من النظر له، وليس في التكفيل كثير ضرر بالمدعى عليه، لأنه إن لم يكن من فعل الاختفاء لا يتضرر به، وإن كان من قصد الاختفاء يكون ظالمًا فلا ينظر له.
م: (ويحال) ش: على صيغة المجهول بالنصب، عطفًا على قوله: حتى يعدى عليه، وهي من الحيلولة م:(بينه) ش: أي بين المدعى عليه م: (وبين أشغاله، فصح التكفيل بإحضاره) ش: وفي بعض النسخ: فتصح التكفيل م: (والتقدير بثلاثة أيام مروي عن أبي حنيفة رحمه الله وهو الصحيح) ش: واحترز به عما روي عن أبي يوسف رحمه الله أنه يؤخذ الكفيل إلى المجلس م: (ولا فرق في الظاهر) ش: أي في ظاهر الرواية م: (بين الخامل) ش: بالخاء المعجمة. من خمل الرجل خمولًا إذا كان ساقط القدر م: (والوجيه) ش: وهو الذي له وجاهته وقدره بين الناس.
وروي عن محمد رحمه الله: إذا كان الرجل معروفًا، الظاهر من حاله أنه لا يخفى شخصه بذلك القدر من المال فإنه لا يجبر على إعطاء الكفيل، ولكنه أعطى بنفسه كفيلًا مختارًا يؤخذ منه، وإن لم يعطه لا يجبره القاضي على ذلك، م:(والخطير من المال) ش: أي ولا فرق أيضًا بين الخطير وهو الذي له كثرة، م:(والحقير) ش: أي بين الحقير الذي ليس له قدر في الاتصاف بالمالية.
وعن محمد رحمه الله: إذا كان المال حقيرًا لا يخفي المرء نفسه بذلك القدر من المال لا يجبر ولكنه إن أعطى من غير جبر يقبل وإلا فلا، ولو ادعى أنه معسر فإن القاضي يحكم فيه الزي إلا إذا كان المرء من العلماء أو من المعادية لأنهم يتكلفون في لبساهم مع فقرهم، فأما في حق الغير بحكم الزي، وإن كان زي الفقر كان القول قوله: وإن كان عليه زي الأغنياء لا يكون القول قوله، وتحكيم الثياب والزي جائز، قال الله تعالى:{إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ} [يوسف: 26] الآيتين (يوسف: الآيتين 26، 27) ، فعلم أن تحكيم العلامة جائز.
م: (ثم لا بد من قوله: لي بينة حاضرة للتكفيل ومعناه في المصر، حتى لو قال المدعي لا بينة لي أو شهودي غيب) ش: أي لو قال: شهودي غيب، بفتحتين على التخفيف، وهو جمع غائبة، مثل
لا يكفل لعدم الفائدة. قال: فإن فعل وإلا أمر بملازمته كيلا يذهب حقه، إلا أن يكون غريبا فيلازم مقدار مجلس القاضي، وكذا لا يكفل إلا إلى آخر المجلس، فالاستثناء منصرف إليهما،
ــ
[البناية]
خدم وخادم، ويجوز غيب بضم الغين وتشديد الياء، وهو أيضًا جمع غائب على القياس م:(لا يكفل لعدم الفائدة) ش: لأن الفائدة هي الخصومة عند حضور الشهود وذلك في الهالك محال، كالغائب والهالك من وجه، إذا ليس كل غائب يؤوب.
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله: م: (فإن فعل) ش: أي فإن أعطى الكفيل م: (وإلا أمر) ش: أي وإن لم يعط م: (بملازمته) ش: أي سار معه حيث سار م: (كيلا يذهب حقه) ش: أي حق المدعي.
م: (إلا أن يكون غريبًا) ش: إلا أن يكون المدعى عليه غريبًا حال كونه على الطريق، أي مسافرًا فإذا كان كذلك م:(فيلازم مقدار مجلس القاضي) ش: لأن هذا القدر لا يقطعه عن المرفقة ويحصل النظر للمدعي.
فأما في إمساكه على باب القاضي يومًا أو أكثر ليحضر المدعي بينة ضرر على المطلوب، فإذا جاء أو أن قيام القاضي عن مجلسه ولم يحضر المدعي بينته فإن القاضي يحلفه ويخلي سبيل المطلوب ليذهب حيث شاء.
فإن اختلف المطالب والمطلوب وقال المطلوب: أنا مسافر وقال المطالب: إنه لا يريد السفر ففيه أقوال.
قال بعضهم: القول قوله المدعي لأنه يتمسك بالأصل، وهو الإقامة والسفر عارض، وقال بعضهم: فالقاضي يسأله مع من يريد السفر، فإن أخبره مع فلان فالقاضي يبعث إليه من يسأله، هل أستعد للخروج معكم، فإن قالوا: نعم، يقبل ذلك منه فيمهله إلى آخر المجلس، فإن أحضر المدعي بينة في هذه المدة وإلا خلي سبيل المطلوب، وإن لم يعلم من حاله فنحن نعلم أنه يبقى ثلاثة أيام لأجل الاستعداد، فقلنا بأنه يجبره على إعطاء الكفيل ثلاثة أيام.
م: (وكذا لا يكفل إلى آخر المجلس) ش: أي إلى آخر مجلس القاضي م: (فالاستثناء) ش: أي الاستثناء المذكور بقوله- إلا أن يكون غريبًا- م: (منصرف إليهما) ش: أي إلى الملازمة والتكفيل، وهذا التقدير إنما يحتاج إليه على رواية القدوري رحمه الله لأنه لم يذكر هناك مقدار مجلس القاضي في تقدير الملازمة ومدتها، ولا الكفيل ومدته.
فإن فعل والأمر بملازمته إلا أن يكون غريبًا على الطريق، وأما هاهنا قد ذكر الملازمة مدتها ومدة التكفيل، فلا يحتاج إلى قوله "والاستثناء منصرف" لأنه ذكر محمد رحمه الله مدة كل
لأن في أخذ الكفيل والملازمة زيادة على ذلك إضرارا به بمنعه عن السفر، ولا ضرر في هذا المقدار ظاهرا، وكيفية الملازمة نذكرها في كتاب الحجر إن شاء الله تعالى.
ــ
[البناية]
واحد باستثناء واحد.
م: (لأن في أخذ الكفيل والملازمة زيادة على ذلك) ش: أي على مقدار مجلس القاضي م: (إضرارًا به) ش: أي بالغريب الذي على الطريق م: (بمنعه عن السفر) ش: أي لمنع الكفيل إياه عن السفر والذهاب إلى منزله، فيؤدي إلى إلحاق الضرر به. وإن كان المدعي يتضرر بذلك لأن ضرر المسافر حقيقة وضرر المدعي موهوم، وربما يكون صادقًا في الدعوى أو كاذبًا والموهوم لا يعارض المحقق، م:(ولا ضرر في هذا المقدار) ش: أي في مقدار مجلس القاضي م: (ظاهرًا) ش: أي حيث الظاهر، لأنه بهذا القدر لا ينقطع عن الرفقة.
م: (وكيفية الملازمة نذكرها في كتاب الحجر إن شاء الله تعالى) ش: وتفسير الملازمة أن يدور معه حيث دار، ويبعث أمينًا حتى يدور معه أينما دار، لكن لا يحبسه في موضع لأن ذلك حبس، وهو غير مستحق عليه بنفس الدعوى، ولا يشغله عن التصرف بل يتصرف والمدعي يدور معه ولا يمنعه من الدخول إلى أهله.
لكن المطلوب يجلس على باب داره، وفي " الفتاوى الصغرى ": المطلوب إذا أراد أن يدخل داره، فإما أن يأذن للمدعي بالدخول معه أو يحبس معه على باب الدار، لأنه لو تركه حتى يدخل الدار وحده ربما يهرب من جانب آخر فيفوت المقصود من الملازمة.