الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجملة الثانية (في بيان قواعدها وما اشتملت عليه هذه المملكة من الأعمال وما انطوت عليه من المدن)
أما قواعدها فخمس: «1»
القاعدة الأولى (فاس)
بفتح الفاء ثم ألف وسين مهملة. وهي مدينة بالغرب الأقصى، واقعة في آخر الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول عشر درج وخمسون دقيقة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة. قال: وسمّيت بفاس لأنهم لمّا شرعوا في حفر أساسها، وجدوا فأسا في موضع الحفر. قال في «تقويم البلدان» : وهي مدينتان يشقّ بينهما نهر. الأولى (فاس القديمة) والمياه تجري بأسواقها وديارها وحمّاماتها، حتّى يقال إنه ليس بالمشرق ولا بالمغرب مدينة تضاهيها في ذلك، إلا أن أرضها ذات ارتفاع وانخفاض، وفيها عدّة عيون. قال أبو عبد الله العسلي:
عدّتها ثلاثمائة وستون عينا. قال ابن سعيد: لم أر قطّ حمّامات في داخلها عين تنبع إلا في فاس. قال: وهي أكثر مياها من دمشق. قال ابن سعيد في «المغرب» وهي مدينتان: إحداهما بناها إدريس «2» بن عبد الله: أحد خلفاء الأدارسة بالمغرب، وتعرف بعدوة الأندلس. والأخرى بنيت بعدها وتعرف بعدوة القرويّين. قال في «الروض المعطار» : وكان بناء عدوة الأندلسيين في سنة اثنتين وتسعين ومائة، وبناء عدوة القرويين في سنة ثلاث وتسعين ومائة. وعدوة القرويين أكثر عيونا وبساتين وأشجارا من عدوة الاندلسيين. ورجال عدوة الأندلسيّين أشجع ورجال
عدوة القرويين أجمل. ونساء عدوة الأندلسيين أجمل. وبعدوة الأندلسيين تفّاح حسن طيّب الطّعم يعرف بالطرابلسيّ لا يفلح بعدوة القرويّين. وبعدوة القرويين أترجّ حسن لا يفلح بعدوة الأندلسيّين مع التقارب على ضفّة النهر الغربية؛ وهي في مستو من الأرض؛ وهي في علو لا يحكم النهر عليها. والثانية (فاس الجديدة) وهي ثلاث مدن بناها آباء ملوكها القائمين بها الآن حين ملكوا الغرب الأقصى.
ولما نزلوها بنوا معها ثلاث مدن على ضفّة النهر الغربية.
أوّلها (المدينة البيضاء) وتعرف بالجديدة. بناها أبو يوسف «1» يعقوب بن عبد الحق أوّل من استقل بالملك بعد الموحّدين.
الثانية (مدينة حمص) ويعرف موضعها بالملّاح. بناها ولده أبو سعيد:
عثمان بن أبي يوسف إلى جانب المدينة البيضاء المقدّم ذكرها.
الثالثة (ربض النصارى) وهي المتّخذة لسكنى النصارى من الفرنج المستخدمين بخدمة السلطان. وهذه المتجدّدات الثلاث على ضفّة النهر الغربية:
فربض النصارى يقابل فاس القديمة على بعد من ضفّة النهر. والبيضاء وهي فاس الجديدة آخذة من شماليّ ربض النصارى إلى ضفّة النهر. وأوّل عمارة فاس الجديدة آخر عمارة فاس العتيقة. وحمص راكبة على النهر بشمال على جانب فاس الجديدة آخذة إلى ربض النصارى، ينصبّ من الجنوب إلى الشّمال، ثم ينعطف على زاوية آخذا من الغرب إلى الشرق حتى يصير كأنه ينحدر من الغرب، وحمص على مجراه هناك؛ ثم يمرّ آخذا إلى الشرق على حاله فوق فاس الجديدة. ثم ينعطف عليها بزاوية إلى الجنوب ثم ينعطف إلى الشرق جائزا بها؛ وهناك فاس العتيقة على الضّفّة الشّمالية، والقصبة وهي القلعة بها في غربيها مرجّلة على الأرض لا تتميز على المدينة برفعة ولا ببناء عال، ويصير النهر مستديرا
بفاس الجديدة من جانب الشّمال على المجرى المركّب عليه حمص، ومن الشرق حيث انعطف النهر عند فاس العتيقة.
قال في «مسالك الأبصار» : وهذا النهر متوسّط المقدار. عرضه في المكان المتسع نحو أربعين ذراعا، وفي الضّيّق دون ذلك، وربما تضايق إلى خمسة عشر ذراعا فما دونها، وعمقه في الغالب تقدير قامة رجل. ونقل في «مسالك الأبصار» عن ابن سعيد: أن نهرها يلاقي وادي سبو، وهو من أعظم أنهار المغرب، يصبّ في البحر المحيط بين سلا وقصر عبد الكريم. قال في «تقويم البلدان» قال ابن سعيد: وعلى أنهارها «1» داخل المدينة نحو ستّمائة رحا تدور بالماء دائما. قال في «مسالك الأبصار» : وعليها ناعورة ترفع الماء إلى بستان السلطان. وبناء فاس العتيقة بالآجرّ والجبال مكتنفة بها، وعلى كل من عتيقها وجديدها أسوار دائرة محصّنة ذات بروج وبدنات، وجميع أبنيتها بالحجر والآجرّ والكلس موثّقة البناء مشيّدة الأركان. وتزيد فاس الجديدة على فاس العتيقة في الحصانة والمنعة، والعتيقة بسور واحد من الحجارة والجديدة بسورين من الطين المفرغ بالقالب من التراب والرمل [والكلس المضروب وهو أشد من الحجر ولا تعمل فيه المجانيق ولا تؤثر فيه، وكذلك غالب أبنيتها، وسقوف جميعها الخشب وربما غشيت بعض السقوف بالقصدير والأصباغ الملوّنة، وأرض دور رؤسائها مفروشة بالزّلّيج.
وهو نوع من الآجر مدهون بدهان ملوّن كالقاشاني بالأبيض والأسود والأزرق والأصفر والأخضر وما يركب من هذه الألوان وغالبه الأزرق الكحلي وربما اتخذ منه الوزرات بحيطان الدور، قال في «مسالك الأبصار» : وسألت السلائحي عن مقدار عمارة فاس عتيقها وجديدها. فقال: تكون قدر ثلث مصر والقاهرة وحواضرهما. قال في «تقويم البلدان» ] «2» : وللمدينتين ثلاثة عشر بابا؛ وفي
القديمة مخازن الغلال، وهي مكان يستدير عليه سور منيع عليه باب وغلق داخله المطامير. وبفاس العتيقة داخل سورها جنان ورياض ذات أشجار ورياحين في دور الكبراء وبيوت الأعيان. ثم قال: وبكل من فاس القديمة وفاس الجديدة المعروفة بالبيضاء وحمص الجوامع والمساجد والمآذن والحمّامات والأسواق. أما المدارس والخوانق والرّبط فمما خلت صحائف أهل المغرب من أجورها إلا النّزر اليسير جدّا. وبفاس العتيقة مارستان، ودور فاس مجالس متقابلة على عمد من حجر أو آجرّ ورفارف تطلّ على صحن الدار، وفي وسط صحن الدار بركة يصبّ بها الماء ويعبّر عنها عندهم بالصّهريج؛ ولهم عناية باتّخاذ القباب في بيوتهم، حتّى يوجد في دار الكبير قبّتان فأكثر، وحمّاماتهم صحن واحد لا خلاوى فيها، ولذلك يتّخذ غالب رؤساهم الحمّامات في بيوتهم، فرارا من مخالطة العامة في الحمّام.
قال ابن سعيد: ومدينة فاس متوسطة بين ملك الغرب، بينها وبين مرّاكش عشرة أيام وبينها وبين تلمسان عشرة أيام، وبينها وبين سبتة عشرة أيام، وبينها وبين سجلماسة عشرة أيام، قال في «مسالك الأبصار» : ولذلك صلحت أن تكون قاعدة الملك. وهي تشبه الإسكندرية في المحافظة على علوم الشريعة وتغيير المنكر والقيام بالناموس، وتشبّه بدمشق في البساتين.
وقد ذكر ابن منقذ: رسول السلطان «صلاح الدين يوسف بن أيوب» «1» إلى بلاد المغرب: أنهم أخرجوا إلى بستان بفاس يقال له البحيرة متحصّله في كل سنة خمسة وأربعون ألف دينار، وبه بركة ذرع كل جانب منها مائتان وستة عشر ذراعا، يكون دورها ثمانمائة ذراع وأربعة وستين ذراعا. قال: وبها ما هو أكبر من ذلك.