الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في جنوبي صعيد مصر مما يلي الشرق، فيما بين بحر القلزم وبين نهر النيل، على القرب من الديار المصرية.
وقاعدتهم (سواكن) بفتح السين المهملة والواو وكسر الكاف ونون في الآخر. قال في «تقويم البلدان» في الكلام على بحر القلزم: وهي بليدة للسّودان، حيث الطول ثمان وخمسون درجة، والعرض إحدى وعشرون درجة.
قلت وقد أخبرني من رآها أنها جزيرة على طرف بحر القلزم من جهته الغربيّة قريبة من البرّ يسكنها التّجّار. وصاحبها الآن من العرب المعروفين بالحداربة- بالحاء والدال المهملتين المفتوحتين وألف ثم راء مهملة وباء موحدة مفتوحة وهاء في الآخر، وله مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، ويقال في تعريفه الحدربيّ بضم الحاء وسكون الدال وضم الراء، على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة فيما بعد، إن شاء الله تعالى.
وقد عدّ في «تقويم البلدان» من مدن البجا (العلّاقي) بفتح العين المهملة واللام المشدّدة ثم ألف وقاف مكسورة ثم ياء مثناة من تحت. من آخر الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : حيث الطول ثمان وخمسون درجة، والعرض ستّ وعشرون درجة. قال في «تقويم البلدان» : وهي بالقرب من بحر القلزم، ولها مغاص ليس بالجيّد، وبجبلها معدن ذهب، يتحصّل منه بقدر ما ينفق في استخراجه. قال المهلّبي: إذا أخذت من أسوان في سمت المشرق تصل إلى العلّاقي بعد اثنتي عشرة مرحلة. قال: وبين العلّاقي وعيذاب ثمان مراحل ومن العلّاقي يدخل إلى بلاد البجا.
المملكة الثانية (بلاد النّوبة)
بضم النون وسكون الواو وفتح الباء الموحدة وهاء في الآخر. ولون بعضهم يميل إلى الصّفاء، وبعضهم شديد السّواد. قال في «مسالك الأبصار» :
وبلادهم مما يلي مصر في نهاية جنوبيّها مما يلي المغرب على ضفتي النيل الجاري
إلى مصر. قال في «تقويم البلدان» في الكلام على الجانب الجنوبيّ: وبينها وبين بلاد النّوبة جبال منيعة.
وقاعدتها مدينة (دنقلة) . قال في «تقويم البلدان» : الظاهر أنها بضم الدال المهملة وسكون النون وقاف مضمومة ولام مفتوحة وهاء في الآخر. وما قاله هو الجاري على ألسنة أهل الديار المصرية، ورأيتها في «الروض المعطار» مكتوبة (دمقلة) بإبدال النون ميما، مضبوطة بفتح الدال، وباقي الضبط على ما تقدّم.
وأنشد بيت شعر شاهدا لذلك. وموقعها في الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة.
قال ابن سعيد: حيث الطول ثمان وخمسون درجة وعشر دقائق، والعرض أربع عشرة درجة وخمس عشرة دقيقة. قال: وفي جنوبيّها وغربيّها مجالات زنج النّوبة الذين قاعدتهم (كوشة) خلف الخطّ، وفي غربي دنقلة وشماليّها مدنهم المذكورة في الكتب. قال الإدريسيّ: وهي في غربيّ النيل على ضفّته وشرب أهلها منه.
قال: وأهلها سودان لكنهم أحسن السّودان وجوها، وأجملهم شكلا، وطعامهم الشعير والذّرة والتمر يجلب إليهم. واللحوم التي يستعملونها لحوم الإبل: طريّة ومقدّدة، ومطبوخة. وفي بلادهم الفيلة، والزّراريف، والغزلان.
قال في «مسالك الأبصار» : ومدنها أشبه بالقرى والضيّاع من المدن، قليلة الخير والخصب، يابسة الهواء. قال: وحدّثني غير واحد ممن دخل النّوبة: أن مدينة دنقلة ممتدّة على النيل، وأهلها في شظف من العيش، والحبوب عندهم قليلة إلا الذّرة، وإنما تكثر عندهم اللحوم والألبان والسّمك. وأفخر أطبختهم أن تطبخ اللّوبيا في مرق اللحم، ويثرد ويصفّ اللحم واللّوبيا على وجه الثّريد.
وربما عملت اللّوبيا بورقها وعروقها. قال: ولهم انهماك على السّكر بالمزر «1» وميل عظيم إلى الطّرب.
ولما خاف بنو أيّوب نور الدّين الشهيد صاحب الشام على أنفسهم حين همّ بقصدهم، بعث السلطان صلاح الدّين أخاه شمس الدولة «1» إلى (النّوبة) ليأخذها لتكون موئلا لهم إذا قصدهم، فرأوها لا تصلح لمثلهم، فعدلوا إلى اليمن واستولوا عليها، وجعلوها كالمعقل لهم. قال ابن سعيد: ودين أهل هذه البلاد النصرانية. قال في «مسالك الأبصار» : ومن هذه البلاد نجم «لقمان الحكيم» ثم سكن مدينة أيلة، ثم دخل إلى بيت المقدس. ومنها أيضا «ذو النون المصريّ» «2» الزاهد المشهور، وإنما سمي المصريّ لأنه سكن مصر فنسب إليها. وكان ملوكها في الزمن القديم وسائر أهلها على دين النّصرانية، فلما فتح عمرو بن العاص «3» رضي الله عنه مصر غزاهم. قال في «الروض المعطار» : فرآهم يرمون الحدق بالنّبل، فكفّ عنهم، وقرّر عليهم إتاوة في كل سنة. قال صاحب «العبر» وعلى ذلك جرى ملوك مصر بعده، وربما كانوا يماطلون بذلك ويمتنعون من أدائه، فتغزوهم عساكر المسلمين من مصر حتى يطيعوا، إلى أن كان ملكهم في أيام الظاهر بيبرس «4» رحمه الله، رجلا اسمه (مرقشنكز) وكان له ابن أخ اسمه (داود) فتغلب عليه، وانتزع الملك من يده، واستفحل ملكه بها، وتجاوز حدود مملكته قريب (أسوان) من آخر صعيد الدّيار المصرية؛ فقدم (مرقشنكز) المذكور على الظاهر بيبرس بالدّيار المصرية، واستنجده على ابن أخيه (داود) المذكور، فجهّز معه العساكر إلى بلاد النّوبة، فانهزم (داود) ولحق بمملكة الأبواب من بلاد السّودان، فقبض عليه ملكها وبعث به مقيّدا إلى الظاهر بيبرس،
فاعتقل بالقلعة حتى مات، واستقرّ (مرقشنكز) في ملك النّوبة على جزية يؤدّيها في كل سنة، إلى أن كانت دولة المنصور (قلاوون) ثم استقرّ بمملكة دنقلة في الدولة المنصورية (قلاوون) رجل اسمه سيمامون وغزته عساكر قلاوون سنة ثمانين وستّمائة.
ثم ملكهم في أيام الناصر «محمد بن قلاوون» «1» رجل اسمه (أمي) وبقي حتى توفّي سنة ستّ عشرة وسبعمائة.
وملك بعد دنقلة أخوه (كرنبس) .
ثم خرج من بيت الملك منهم رجل اسمه (نشلى) فهاجر إلى مصر، وأسلم وحسن إسلامه، وأقام بمصر بالأبواب السّلطانية؛ وأجرى عليه السلطان الملك الناصر رزقا، ولم يزل حتى امتنع (كرنبس) من أداء الجزية سنة ستّ عشرة وسبعمائة، فجهّز إليه السلطان العساكر مع نشلى المقدّم ذكره، وقد تسمّى عبد الله ففرّ كرنبس إلى بلاد الأبواب، فاستقرّ (عبد الله نشلى) في ملك دنقلة على دين الإسلام، ورجعت العساكر إلى مصر، وبعث الملك الناصر إلى ملك الأبواب في أمر كرنبس فبعث به إليه، فأسلم وأقام بباب السلطان، وبقي نشلى في الملك حتى قتله أهل مملكته سنة تسع عشرة وسبعمائة، فبعث السلطان كرنبس إليهم فملكهم وانقطعت الجزية عنهم من حين أسلم ملوكهم. قال في «العبر» : ثم انتشرت أحياء جهينة «2» من العرب في بلادهم واستوطنوها، وعاثوا فسادا، وعجز ملوك النّوبة عن مدافعتهم فصاهروهم مصانعة لهم، وتفرّق بسبب ذلك ملكهم حتى صار لبعض جهينة من أمّهاتهم على رأي العجم في تمليك الأخت وابن الأخت، فتمزّق ملكهم واستولت جهينة على بلادهم، ولم يحسنوا سياسة الملك، ولم ينقد بعضهم إلى بعض، فصاروا شيعا ولم يبق لهم رسم ملك، وصاروا رحّالة بادية