الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الموحّدين وقصد مرّاكش وبها المرتضى فغلبه عليها، والتقيا وفرّ المرتضى إلى أزمّور فقبض عليه واليها واعتقله إلى أن ورد أمر [أبي دبّوس]«1» بقتله فقتله، واستقلّ أبو دبّوس بالأمر وتلقّب (الواثق بالله) والمعتمد على الله.
ثم جمع يعقوب «2» بن عبد الحق وقصد مرّاكش فخرج إليه أبو دبّوس، فكانت الهزيمة على أبي دبوس، ففرّ هاربا فأدرك وقتل، ودخل يعقوب بن عبد الحق مرّاكش وملكها سنة ثمان وستين وستمائة، وفرّ مشيخة الموحدين إلى معاقلهم بعد أن كانوا بايعوا عبد الواحد بن أبي دبّوس ولقّبوه المعتصم، فأقام خمسة أيام، وخرج في جملتهم، وانقرض أمر بني عبد المؤمن، ولم يبق للموحدين ملك إلا بأفريقيّة لبني أبي حفص على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
الطبقة الثامنة (ملوك بني عبد الحق من بني مرين، القائمون بها إلى الآن)
وهو عبد الحق بن محيو، بن أبي بكر، بن حمامة، بن محمد، بن ورزيز، ابن فكّوس، بن كوماط، بن مرين، بن ورتاجن، بن ماخوخ، بن جديح، بن فاتن، بن بدر، بن نجفت، بن عبد الله، بن ورتبيص، بن المعز، بن إبراهيم، بن رجيك، بن واشين، بن بصلتن، بن مشد، بن إكيا، بن ورسيك، بن أديدت، بن جانا، وهو زناتة.
كانت منازل بني مرين ما بين فيكيك إلى صاوملوية، وكانت الرياسة فيهم (لمحمد) بن ورزيز بن فكّوس.
ولما هلك محمد قام بأمره من بعده ابنه (حمامة) ثمّ من بعده أخوه (عسكر) ولما هلك قام برياسته ابنه (المخضب) فلم يزل أميرا عليهم إلى أن قتل في حرب
الموحّدين في سنة أربعين وخمسمائة.
وقام بأمرهم من بعده (أبو بكر ابن عمه حمامة بن محمد) وبقي حتّى هلك.
فقام من بعده ابنه (محيو) ولم يزل حتّى أصابته جراحة في بعض الحروب، وهو في عداد المنصور بن عبد المؤمن، هلك منها بعد مرجعه إلى الزّاب سنة إحدى وتسعين وخمسمائة.
وقام برياسته ابنه (عبد الحق بن محيو) وكان أكبر أولاده، وهو الذي تنسب إليه ملوك فاس الآن. فأحسن السّير في إمارته إلى أن كانت أيام المستنصر يوسف ابن الناصر: خامس خلفاء بني عبد المؤمن فثارت الفتنة بينه وبين بني مرين، وكانت بينهم حروب هلك في بعضها عبد الحق بن محيو.
ونصّب بنو مرين بعده ابنه أبا سعيد (عثمان بن عبد الحق) وشهرته بينهم ادرغال، ومعناه بلغتهم الأعور، وقوي سلطانه وغلب على ضواحي المغرب، وضرب الإتاوة عليهم وتابعه أكثر القبائل، وفرض على أمصار المغرب مثل فاس وتازا وغيرهما ضربية معلومة في كل سنة على أن يكفّ الغارة عنهم. ولم يزل على ذلك إلى أن قتله علج من علوجه سنة سبع وثلاثين وستمائة.
وقام بأمر بني مرين من بعده أخوه (محمد بن عبد الحق) فجرى على سنن أخيه في الاستيلاء على بلاد المغرب، وضرب الإتاوة على بلاده ومدنه إلى أن كانت أيام السعيد بن المأمون من بني عبد المؤمن، فجهّز عساكر الموحدين لقتال بني مرين، فخرجوا إليهم في جيش كثيف في سنة ثنتين وأربعين وستمائة، ودارت الحرب بينهم فكانت الهزيمة على بنى مرين، وقتل محمد بن عبد الحق.
وقام بأمرهم من بعده ابنه «1» أبو يحيى (زكريّا بن عبد الحق) وقسم جبايته ببلاد المغرب في عشائر بنى مرين، ودارت الحرب بينهم وبين الموحّدين، إلى
أن مات السعيد بن المأمون من بني عبد المؤمن، وانتقل الأمر بعده إلى ابنه عبد الله، فضعفت دولة بني عبد المؤمن. واستولى (أبو يحيى) بن عبد الحق على أكثر بلاد المغرب، وقصد فاس وبها بعض بني عبد المؤمن فأناخ عليها وتلطّف بأهلها، ودعاهم إلى الدّعوة الحفصيّة بأفريقيّة، فأجابوه إلى ذلك وبايعوه خارج باب الفتوح. ودخل إلى قصبة فاس لشهرين من موت السعيد في أوّل سنة ستّ وأربعين وستمائة، وبايعه أهل تازا وأهل سلا ورباط الفتح، واستولى على نواحيها، وأقام فيها الدّعوة الحفصيّة، واستبدّ بنو مرين بملك المغرب الأقصى، وبنو عبد الواد بملك المغرب الأوسط.
وملك سجلماسة سنة ثلاث وخمسين وستمائة من أيدي عامّة الموحّدين وبقي حتّى هلك بفاس في رجب سنة ستّ وخمسين وستمائة، ودفن بمقبرة باب الفتوح.
وتصدّى للقيام بأمره ابنه (عمر) ومال أهل الحلّ والعقد إلى عمّه أبي يوسف يعقوب بن «1» عبد الحق، وكان غائبا بتازا فقدم ثم وقع الصلح بينهما على أن ترك يعقوب الأمر لابن أخيه عمر على أن يكون له تازا وبلادها، ثم وقع الخلف بينهما والتقيا فهزم عمر ثم نزل لعمه يعقوب عن الأمر.
ورحل السلطان أبو يوسف (يعقوب بن عبد الحق) فدخل فاس مملّكا، ثم هلك عمر بعد سنة، فكفي يعقوب شأنه واستقام سلطانه، وأخذ في افتتاح أمصار المغرب. وافتتح أمره باستنقاذ مدينة سلا من أيدي النصارى، ثم قصد إلى مرّاكش فخرج إليه الخليفة المرتضى من بني عبد المؤمن، وكانت بينهما حرب هزم فيها المرتضى وقتل، وبايع الموحدون أخاه (إسحاق) ثم قبض عليه سنة أربع وستين وستمائة فقتل فيمن معه، وانقرض أمر بني عبد المؤمن من المغرب.
ووصل السلطان أبو يوسف إلى مرّاكش أوّل سنة ثمان وستين وستمائة
فدخلها، وورث ملك الموحدين بها، ثم رجع إلى فاس بعد أن استخلف على مرّاكش في شوّال من سنته، وشرع في بناء المدينة التي استجدّها ملاصقة لمدينة فاس في ثالث شوّال سنة أربع وسبعين وستمائة، ونزل فيها بحاشيته وذويه، وغزا في خلال ذلك النصارى بالأندلس أربع مرّات حتّى أذعن له شانجة بن أدفونش، وسأله في عقد السلّم له فعقد له على شروط اشترطها عليه، وعاد إلى بلاد المغرب فمرض ومات في آخر المحرّم سنة خمس وثمانين وستمائة.
وبويع بعده ابنه وليّ عهده أبو يعقوب (يوسف بن يعقوب) فجرى على سنن أبيه في العدل والغزو، وأجاز إلى الأندلس، وجدّد السلم مع شانجة ملك النصارى.
وغزا تلمسان مرّات وبقي حتّى طعنه خصيّ من خدمه، وهو نائم على فراشه، فمات سابع ذي القعدة سنة ستّ وسبعمائة.
وبويع بعده ابنه أبو ثابت (عامر بن أبي يعقوب يوسف) واختلفت عليه النّواحي، ثم استقام أمره وبقي حتّى انتقض عليه عثمان بن أبي العلاء «1» ، بنواحي طنجة من أقصى الغرب، فخرج لقتاله ومرض في طنجة ومات في ثامن صفر سنة سبع وسبعمائة.
وبويع بعده أخوه (أبو الرّبيع بن أبي يعقوب يوسف) فأحسن السّيرة، وأجزل الصّلات، وسار بسيرة آبائه وبقي حتّى مات بمدينة تازا في سلخ جمادى الآخرة سنة عشر وسبعمائة ودفن بصحن جامعها.
وبويع بعده أخوه أبو سعيد (عثمان بن أبي يعقوب يوسف) فلما استقام أمره
بالغرب الأقصى سار إلى تلمسان سنة أربع عشرة وسبعمائة فانتزعها من موسى بن عثمان بن يغمراس: سلطان بني عبد الواد بها، وانتقض عليه محمد بن يحيى العزفي صاحب سبتة فسار إليه في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة فأذعن للطاعة، وأحضر عبد المهيمن بن محمد الحضرمي «1» من سبتة وولاه ديوان الإنشاء والعلامة.
وفي أيامه قصد بطرة وجوان ملك النصارى بالأندلس غرناطة. فاستغاثوا به، فأجاز البحر إليهم ولقي عساكر النصارى فهلك بطرة وجوان في المعركة وكانت النّصرة للمسلمين. وتوفّي في ذي الحجّة سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة.
وبويع بعده ابنه وليّ عهده أبو الحسن (علي بن عثمان) وهو الذي كان في عصر المقرّ الشهابيّ بن فضل الله. وسار إلى تلمسان سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، فملكها من ابن أبي تاشفين سلطان بني عبد الواد بها بعد أن قتله بقصره. وملك تونس من يد أبي يحيى سلطان الحفصيين بها في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، واتصل ملكه ما بين برقة إلى السّوس الأقصى والبحر المحيط الغربي، ثم استرجع الحفصيّون تونس بعد ذلك. وملك بعد ذلك سجلماسة قاعدة من بلاد الصحراء بالغرب الأقصى، وبقي حتّى مات في الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة ثنتين وخمسين وسبعمائة بجبل هنتاتة.
وبويع بعده ابنه (أبو عنان بن أبي الحسن) وكان بنو عبد الواد قد استعادوا تلمسان في أيام أبيه فارتجعها منهم في سنة ثلاث وخمسين، ونزل له الأمير محمد ابن أبي زكريا صاحب بجاية عنها فانتظمت في ملكه. وملك قسنطينة من الحفصيّين بعد ذلك بالأمان. ثم ملك تونس من أيديهم سنة ثمان وخمسين. ورجع
إلى المغرب فارتجع الحفصيّون تونس وسائر بلاد أفريقيّة وبقي حتى توفي في ذي الحجة سنة تسع وخمسين.
وكان ابنه (أبو زيّان) وليّ عهده فعدل عنه إلى ابنه (السّعيد بن أبي عنان) واستولى عليه الحسن بن عمر وزير أبيه فحجبه في داره، واستقلّ بالأمور دونه.
وتغلب أبو حمو سلطان بني عبد الواد على تلمسان فانتزعها من يده في سنة ستين وسبعمائة.
ثم خرج على السعيد بن أبي عنان عمّه أبو سالم (إبراهيم بن أبي الحسن) وكان بالأندلس فجاء إليه بالأساطيل، واجتمع إليه العساكر، ووصل إلى فاس، وخلع الحسن بن عمر سلطانه السعيد عن الأمر، وأسلمه إلى عمّه أبي سالم وخرج إليه فبايعه، ودخل فاس في منتصف شعبان سنة ستين وسبعمائة، واستولى على ملك المغرب، وقصد تلمسان فأجفل عنها أبو حمو سلطان بني عبد الواد فدخلها بالأمان في رجب سنة إحدى وستين وسبعمائة، فأقرّ بملكها حفيدا من أحفاد بني عبد الواد يقال له أبو زيّان، ورجع إلى فاس في شعبان من سنته. وعاد أبو حمو إلى تلمسان فملكها من أبي زيّان. وبنى إيوانا فخما بفاس بجانب قصره، وانتقل إليه، وفوّض أمر القلعة إلى عمر بن عبد الله بن عليّ من أبناء وزرائهم، فعمد إلى أبي عمر (تاشفين الموسوس) ابن السلطان أبي الحسن فأجلسه على أريكة الملك، وبايعه في ذي القعدة سنة ثنتين وستين وسبعمائة. وأفاض العطاء في الجند.
وأصبح السلطان أبو سالم فوجد الأمر على ذلك ففرّ بنفسه، فأرسل عمر بن [عبد الله بن]«1» عليّ في أثره من قبض عليه واحتزّ رأسه وأتى بها إلى فاس.
ثم أنكر أهل الدولة على عمر بن عبد الله ما وقع منه من نصب أبي عمر المذكور لضعف عقله، فأعمل فكره فيمن يصلح للملك فوقع رأيه على (أبي
زيّان محمد ابن الأمير عبد الرحمن) ابن السلطان أبي الحسن. وكان قد فزع إلى ملك النصارى بإشبيلية من الأندلس، فأقام عنده خوفا من السلطان أبي سالم، فبعث إليه من أتى به، وخلع أبا عمر من الملك، وبعث إليه بالآلة والبيعة من تلقّاه بطنجة. ورحل إلى فاس في منتصف شهر صفر سنة ثلاث وستين وسبعمائة، ودخل إلى قصر الملك، فأقام به والوزير عمر بن عبد الله مستبدّ عليه لا يكل إليه أمرا ولا نهيا وحجره من كل وجه، فثقل ذلك على السلطان أبي زيّان، وأمر بعض أصحابه في الفتك بالوزير عمر، فبلغ الخبر الوزير فدخل على السلطان من غير إذن على ما كان اعتادة منه، وألقاه في بئر وأظهر للناس أنه سقط عن ظهر فرسه وهو ثمل في تلك البئر.
واستدعى من حينه (عبد العزيز) ابن السلطان أبي الحسن من بعض الدّور بالقلعة، فحضر القصر وجلس على سرير الملك، ودخل عليه بنو مرين فبايعوه وكمل أمره، وذلك في المحرم سنة ثمان وستين وسبعمائة، واستبدّ عليه كما كان مستبدّا على من قبله، فحجره ومنعه من التصرّف في شيء من أمره، ومنع الناس أن يسألوه في شيء من أمورهم، فثقل ذلك عليه غاية الثّقل، وأكنّه في نفسه إلى أن استدعاه يوما فدخل عليه القصر، وكان قد أكمن له رجالا بالقصر، فخرجوا عليه وضربوه بالسيوف حتّى مات. واستقلّ السلطان عبد العزيز بملكه، وقصد تلمسان فملكها من يد أبي حمو سلطان بني عبد الواد بالأمان بعد إجفال أبي حمو عنها.
ودخلها يوم عاشوراء سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة. وارتحل عنها آخر المحرّم إلى الغرب ووصل إلى فاس، ثم عاد إلى تلمسان وخرج منها يريد المغرب، فمرض ومات في الثاني والعشرين من ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وسبعمائة.
وبويع بعده ابنه (سعيد بن عبد العزيز) وهو طفل، وقام بأمره وزيره أبو بكر بن غازي ورجعوا به إلى المغرب ودخل إلى فاس وجدّدت له البيعة بها، واستبدّ عليه الوزير أبو بكر، وحجره عن التصرّف في شيء من أمره لصغره.
ورجع أبو حمو سلطان بني عبد الواد إلى تلمسان فملكها في جمادى سنة أربع وسبعين وسبعمائة.
وخرج عليه (أبو العباس أحمد بن أبي سالم) وكان بالأندلس فأجاز البحر وسار إلى فاس فملكها. ودخلها أوّل المحرّم سنة ستّ وسبعين وسبعمائة، واستقلّ بملك المغرب، وكان ذلك بموالاة ابن الأحمر صاحب الأندلس فاتّصلت بينهما بذلك الصّحبة، وتأكّدت المودّة، وتخلّى عن مرّاكش لعبد الرحمن، وكان بينهما صلح وانتقاض تارة وتارة، وقصد تلمسان فملكها من أبي حمو بعد فراره عنها، وأقام بها أياما وهدم أسوارها وخرج منها في أتباع أبي حمو.
وخالفه السلطان (موسى) ابن عمه أبي عنان إلى فاس فملكها، ونزل دار الملك بها في ربيع الأوّل سنة ستّ وثمانين وسبعمائة، وقدم السلطان أبو العباس إلى فاس، فوجد موسى ابن عمه قد ملكها ففرّ عنها إلى تازا، ثم أرسل إلى السلطان موسى بالطاعة والإذعان، فأرسل من أتى به إليه، فقيّده وبعث به إلى الأندلس واستقلّ السلطان موسى بملك المغرب، وتوفي [لثلاث سنين من خلافته]«1» وبويع بعده (المنتصر ابن السلطان أبي العباس) فلم يلبث أن خرج عليه (الواثق محمد بن أبي الفضل) ابن السلطان (أبي الحسن) من الأندلس، فسار إلى فاس ودخلها وحلّ بدار الملك بها، وبويع في شوّال سنة ثمان وثمانين وسبعمائة.
وبعث المنتصر إلى أبيه أبي العبّاس بالأندلس فأجاز السلطان أبو العبّاس من الأندلس إلى سبتة، فملكها في صفر سنة تسع وثمانين وسبعمائة، ثم استنزله عنها ابن الأحمر صاحب الأندلس وانتظمها في ملكه، ثم ظهرت دعوة السلطان أبي العبّاس بمرّاكش واستولى جنده عليها، ثم سار إليها ابنه المنتصر وملكها، وسار السلطان أبو العباس إلى فاس فملكها ودخل البلد الجديد بها خامس رمضان سنة تسع وثمانين وسبعمائة لثلاثة أعوام وأربعة أشهر من خلعه، وبعث بالواثق إلى الأندلس ثم أمر بقتله فقتل في طريقه بطنجة.