الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القطر الثاني (مما غربيّ الخليج القسطنطينيّ الأرض الكبيرة)
قال صاحب حماة: وهي أرض متسعة في شماليّ الاندلس، بها ألسن كثيرة مختلفة. وقد ذكر في «التعريف» أنها في شرق الاندلس، ولا يصح ذلك إلا أن يريد منها ما هو شرق شمالي الأندلس.
ويتعلق الغرض منها بثلاث ممالك:
المملكة الأولى (مملكة الفرنج القديمة)
وقاعدتها (مدينة فرنجة) بالفاء والراء المهملة المفتوحتين وسكون النون وفتح الجيم وهاء في الآخر، وقد تبدل الجيم منها سينا مهملة فيقال فرنسة. ويقال لملكهم ريدإفرنس، ومعناه ملك إفرنس، والعامة تقول الفرنسيس. وهو الذي قصد ديار مصر وأخذ دمياط وأسره المسلمون ثم أطلقوه. يشير بذلك إلى قضية تاريخية، وهي أن الفرنج في سنة خمس عشرة وستّمائة وهم مستولون على سواحل الشام يومئذ سار منهم نحو عشرين ملكا من عكّا وقصدوا دمياط في أيام الملك العادل «أبي بكر بن أيّوب» «1» رحمة الله، وسار العادل من مصر إليهم فنزل مقابلهم، وأقاموا على ذلك أربعة أشهر، ومات العادل في أثناء ذلك، واستقرّ بعده في الملك ابنه الملك «الكامل محمد» فوقع في عسكره اختلاف تشاغل به، فهجم الفرنج دمياط وملكوها عنوة في سنة ستّ عشرة وستّمائة، وطمعوا بذلك في مملكة الديار المصرية، فبنى الملك الكامل بلدة عند مفرق النيل: الفرقة الذاهبة إلى دمياط، والفرقة الذاهبة إلى أشموم طناح، وسمّاها (المنصورة) ونزلها بعساكره، ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن دخلت سنة ثمان عشرة وستّمائة، وقد اشتدّ طمع الفرنج في الديار المصرية، وتقدّموا عن دمياط إلى المنصورة وضايقوا المسلمين
إلى أن سألهم الملك الكامل في الصّلح على أن يكون لهم القدس، وعسقلان، وطبريّة، واللاذقيّة، وجبلة، وسائر ما فتحه السلطان صلاح الدين من سواحل الشأم، خلا الكرك والشّوبك، فأبوا إلا أن يكون لهم الكرك والشّوبك أيضا، وأن يعطوا مع ذلك ثلاثمائة ألف دينار في نظير ما خرّبوه من سور القدس، فاعمل المسلمون حينئذ الحيلة في إرسال فرع من النيل في إبّان زيادته، حال بين الفرنج وبين دمياط، انقطع بسببه الميرة عنهم، وأشرفوا على الهلاك، وكان آخر أمرهم أن أعرضوا عن جميع ما كانوا سئلوا به من الأماكن المتقدّمة الذكر ونزلوا عن دمياط للمسلمين، وتسلّمها الملك الكامل منهم، ثم عاد إلى مصر وبقيت دمياط بيد المسلمين إلى أن قصدها الفرنسيس في خمسين ألف مقاتل، ومعه الأدفونش صاحب طليطلة في أيام الملك «الصالح أيوب» بن الكامل محمد، بن العادل أبي بكر، بن أيّوب في سنة سبع وأربعين وستمائة، وهجم دمياط، وملكها عنوة، وسار الملك الصالح فنزل بالمنصورة، وسار الفرنج فنزلوا مقابله ثم قصدوا دمياط فتبعهم المسلمون وبذلوا فيهم السيف، فقتلوا منهم نحو ثلاثين ألفا، وأسر الفرنسيس وحبس بالمنصورة بدار الصاحب «فخر الدين إبراهيم بن لقمان» صاحب ديوان الإنشاء، ووكّل به الطّواشيّ صبيح «المعظميّ» ومات الصالح في أثناء ذلك، واستقر ابنه الملك المعظّم مكانه في الملك؛ ثم قتل عن قريب، وفوّض الأمر إلى «شجرة الدّرّ» «1» زوجة الملك الصالح، وقام بتدبير المملكة معها «أيبك التّركمانيّ» ثم تسلّم المسلمون دمياط من الفرنسيس وأطلقوه فسار إلى بلاده فيمن بقي معه من جماعته. وفي ذلك يقول جمال الدّين يحيى «2» بن مطروح الشاعر:(سريع) .