الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجملة الخامسة (في ذكر بطاركة الإسكندريّة، الذين عن توليتهم تنشأ ولاية ملوك الحبشة)
اعلم أنه قد تقدّم في المقالة الأولى في الكلام على ما يحتاج إليه الكاتب عند ذكر النحل والملل أن البطاركة عند النّصارى عبارة عن خلفاء الحواريّين الذين هم أصحاب المسيح عليه السلام، وأنه كان لهم في القديم أربعة كراسيّ: كرسيّ برومية: قاعدة الروم، وكرسيّ بالإسكندرية من الديار المصرية، وكرسيّ بأنطاكية: قاعدة العواصم من بلاد الشام، وكرسيّ ببيت المقدس. وأن كرسيّ رومية قد صار لطائفة الملكانيّة وبه بطركهم المعبّر عنه بالبابا إلى الآن. وكرسيّ الإسكندرية قد صار آخرا لبطرك اليعاقبة تحت ذمّة المسلمين بالديار المصرية من لدن الفتح الإسلاميّ وهلمّ جرّا إلى زماننا. وأن كرسيّ بيت المقدس وكرسيّ أنطاكية قد بطلا باستيلاء دين الإسلام عليهما. ثم كرسيّ الإسكندرية بعد مصيره إلى اليعاقبة قد تبع البطرك القائم به على مذهب اليعاقبة الحبشة والنّوبة وسائر متنصّرة السّودان، وصار لديهم كالخليفة على دين النصرانية عندهم، يتصرّف فيهم بالولاية والعزل، لا تصحّ ولاية ملك منهم إلا بتوليته، حتّى قال في «التعريف» في الكلام على مكاتبة ملك الحبشة: ولولا أنّ معتقد دين النصرانية لطائفة اليعاقبة أنه لا يصحّ تعمّد معموديّ إلّا باتّصال من البطريرك، وأن كرسيّ البطريرك كنيسة الإسكندرية، فيحتاج إلى أخذ مطران [بعد مطران]«1» من عنده، وإلا كان شمخ بأنفه على المكاتبة، لكنه مضطرّ إلى ذلك. قال: ولأوامر البطريرك عنده ما لشريعته من الحرمة، وإذا كتب إليه كتابا فأتى ذلك الكتاب إلى أوّل مملكته، خرج عميد تلك الأرض فحمل الكتاب على رأس علم، ولا يزال يحمله بيده حتّى يخرجه من أرضه وأرباب الدولة في تلك الأرض كالقسوس والشّمامسة حوله مشاة بالأدخنة، فإذا خرجوا من حدّ أرضهم تلقّاهم من يليهم أبدا كذلك في كل أرض
بعد أرض حتّى يصلوا إلى أمحرا، فيخرج صاحبها بنفسه، ويفعل مثل ذلك الفعل الأوّل، إلا أن المطران هو الذي يحمل الكتاب لعظمته لا لتأبّي الملك، ثم لا يتصرف الملك في أمر ولا نهي ولا قليل ولا كثير حتّى ينادى للكتاب ويجمع له يوم الأحد في الكنيسة، ويقرأ والملك واقف، ثم لا يجلس مجلسه حتّى ينفّذ ما أمره به.
ولما تعذر الوقوف على معرفة تواريخ ملوكهم، اكتفينا بذكر البطاركة الذين عنهم تنشأ ولاياتهم، فكانوا هم ملوكهم حقيقة.
اعلم أنّ أوّل من ولي من البطاركة كنيسة الإسكندرية مرقص الإنجيليّ:
تلميذ بطرس الحواريّ، الذي أرسله المسيح عليه السلام إلى رومية. وإنما سمّي بمرقص الإنجيليّ لأن بطرس الحواريّ حين كتب إنجيله كتبه بالرّوميّة ونسبه إلى مرقص المذكور فتلقّب بالإنجيلي، وأقام مرقص المذكور في بطركية الإسكندرية سبع سنين يدعو إلى النصرانية بالإسكندرية ومصر وبرقة والمغرب ثم قتله نيرون قيصر بن اقليوديش قيصر سادس القياصرة.
وولي مكانه (حنانيا) ويسمّى بالعبرانية أنانيو ثم مات لسبع وثمانين سنة للمسيح.
وولي مكانه (فلبو) فأقام ثلاث عشرة سنة ثم مات.
فولي مكانة (كرتيانو) ومات لإحدى عشرة سنة من ولايته في أيام (طرنبش قيصر) .
وولي مكانه (إيريمو) ثنتي عشرة سنة.
ثم ولي بعده (نسطس) في أيام (أندريانوس قيصر) ، وكان حكيما فاضلا فأقام في البطركية إحدى عشرة سنة ثم مات.
وولي مكانه (أرمانيون) إحدى عشرة سنة أيضا [ومات] في أيام (أندريانوس) قيصر أيضا.
وولي بعده (موقيانو) فلبث تسع سنين ومات في أيام (أنطونيس قيصر)
في الخامسة من ملكه.
وولي بعده (كلوتيانو) فأقام أربع عشرة سنة في أيام أنطونيس قيصر ومات.
وولي بعده (أغريتوس) فبقي اثنتي عشرة سنة ومات.
وولي بعده (يليانس) في أيام [أوراليانس]«1» قيصر فلبث عشر سنين ومات.
فولي مكانه في أيام أوراليانس (ديمتريوس) فأقام ثلاثا وثلاثين سنة.
وولي بعده (تاوكلا) فأقام ستّ عشرة سنة ومات.
فولي بعده (دونوشيوش) فلبث تسع عشرة سنة [ومات] .
وولي مكانه (مكسيموس) فأقام ثنتي عشرة سنة ومات.
وولي مكانه (ثاونا) فلبث عشر سنين [ومات] وكان النصارى إذ ذاك يقيمون الدّين خفية فلما صار بطركا صانع الروم ولاطفهم بالهدايا فأذنوا له في بناء كنيسة مريم، وأعلنوا فيها بالصلاة.
ثم ولي بعده (بطرس) فلبث عشر سنين وقتله (ديقلاديانوس قيصر) .
وولّي مكانه تلميذه (اسكندروس) وكان كبير تلامذته فلبث ثلاثا وعشرين سنة. وقيل ثنتين وعشرين سنة، وقيل ستّ عشرة سنة، وكسر صنم النّحاس الذي كان في هيكل زحل بالإسكندرية وبنى مكانه كنيسة، وبقيت حتّى هدمها العبيديّون عند ملكهم الإسكندرية، ومات لإحدى وعشرين سنة من ملك (قسطنطين) ملك الروم.
وولي مكانه تلميذه (ايناسيوس) ووثب عليه أهل إسكندرية ليقتلوه لانتحاله مذهبا غير مذهبهم فهرب.
وتولى مكانه (لوقيوش) ثم ردّ (ايناسيوس) المتقدّم ذكره إلى كرسيه بعد
خمسة أشهر وطرد لوقيوس، وأقام ايناسيوس بطركا إلى أن مات.
فتولّى بعده تلميذه (بطرس) سنتين ووثب عليه أصحاب لوقيوس فهرب وردّ لوقيوس إلى كرسيه، فأقام ثلاث سنين، ثم وثبوا عليه وردّوا بطرس ومات لسنة من إعادته، وقيل إنه حبس وأقيم مكانه (أريوس) من أهل سميساط.
ثم ولي (طيماناواس) أخو بطرس، فلبث فيهم سبع سنين ومات. ويقال:
إن ايناسيوس المتقدّم ذكره ردّ إلى كرسيه ثم مات.
فولي مكانه كاتبه (تاوفينا)[فأقام سبعا وعشرين سنة]«1» ومات.
وتولّى مكانه (كيرلس) ابن أخته [فأقام اثنتين وثلاثين سنة]«2» ومات.
فولي مكانه (ديسقرس) فأحدث بدعة في الأمانة التي يعتقدونها فأجمعوا على نفيه.
وولّوا مكانه (برطارس) وافترقت النصارى من حينئذ إلى يعقوبيّة وملكانية «3» ووثب أهل الإسكندرية على برطارس البطرك فقتلوه لستّ سنين من ولايته وأقاموا مكانه (طيماناوس) وكان يعقوبيا، وهو أوّل من ولي البطركية من اليعاقبة بالإسكندرية فأقام فيها ثلاث سنين ثم جاء قائد من القسطنطينية فنفاه وأقام مكانه (سوريس) من الملكية، فأقام تسع سنين. ثم عاد (طيماناوس) المتقدّم ذكره إلى كرسيه بأمر لاون قيصر. ويقال أنه بقي في البطركية اثنتين وعشرين سنة ومات.
فولي مكانه (بطرس) وهلك بعد ثمان سنين.
وولي مكانه (اثناسيوس) وهلك لسبع سنين، وكان قيّما ببعض البيع في بطركية بطرس ومات.
فولي مكانه (يوحنا) وكان يعقوبيا، ومات بعد سبع سنين.
وولي مكانه (يوحنا الحبيس) ومات بعد إحدى عشرة سنة.
فولي مكانه (ديسقرس الجديد) ومات بعد سنتين ونصف.
ثم ولي مكانه (طيماناوس) وكان يعقوبيّا، فمكث فيهم ثلاث سنين، وقيل سبع عشرة سنة، ثم نفي.
وولي مكانه (بولص) وكان ملكيا فلم تقبله اليعاقبة، وأقام على ذلك سنتين.
ثم ولّى قيصر قائدا من قوّاده اسمه (أثوليناريوس) فدخل الكنيسة على زيّ الجند، ثم لبس زيّ البطاركة وحملهم على رأي اليعقوبيّة، وقتل من امتنع وكانوا مائتين، ومات لسبع عشرة سنة من ولايته.
وولي مكانه (يوحنا) وهلك لثلاث سنين.
وانفرد اليعاقبة بالإسكندرية وكان أكثرهم القبط وقدّموا عليهم طودوشيوش بطركا، فمكث فيهم ثنتين وثلاثين سنة. ثم جعل الملكية بطركهم داقيانوس وطردوا طودوشيوش عن كرسيّة ستة أشهر، ثم أمر قيصر بأن يعاد فأعيد، ثم نفاه بعد ذلك.
وولّى مكانه (بولس التّنّيسي) فلم يقبله أهل الإسكندرية ولا ما جاء به، ثم مات وغلّقت كنائس القبط اليعقوبية، ولقوا شدّة من الملكية، ومات (طودوشيوش) الذي كان قد نفي.
وتولّى البطركية (بطرس) ومات بعد سنتين.
وولي مكانه (داميّانو) فمكث ستّا وثلاثين سنة، وخربت الدّيرة في أيامه.
ثم ولي على الملكية بالإسكندرية ومصر (يوحنا الرّحوم) وهو الذي عمل البيمارستان للمرضى بالإسكندرية، ولما سمع بمسير الفرس إلى مصر هرب إلى
قبرس فمات بها لعشر سنين من ولايته، وخلا كرسيّ الملكية بعده بالإسكندرية سبع سنين.
وكانت اليعاقبة بالإسكندرية قدّموا عليهم (انسطانيوس) فمكث فيهم ثنتي عشرة سنة، واستردّ ما كانت الملكية استولوا عليه من كنائس اليعقوبيّة ومات.
ثم ولي (اندرانيكون) بطركا على اليعاقبة فأقام ستّ سنين خربت فيها الدّيرة، ثم مات.
وولي مكانه لأوّل الهجرة (بنيامين) فمكث تسعا وثلاثين سنة. وفي خلال أيامه غلب هرقل ملك الروم على مصر وملكها.
وولّى أخاه (منانيا) بطركا على الاسكندرية وواليا وكان ملكيّا. ورأى بنيامين البطرك في نومه من يأمره بالاختفاء فاختفى، ثم غضب (هرقل) على أخيه (منانيا) لمعتقد في الدين فأحرقه بالنار ثم رمى بجثّته في البحر، وبقي (بنيامين) مختفيا إلى أن فتح المسلمون الإسكندرية فكتب له عمرو بن العاص بالأمان، فرجع إلى الإسكندرية بعد أن غاب عن كرسيّه ثلاث عشرة سنة، وبقي حتّى مات في سنة تسع وثلاثين من الهجرة، واستمرت البطركية بعده في اليعقوبيّة بمفردهم وغلبوا على مصر، وأقاموا بجميع كراسيّهم أساقفة يعاقبة، وأرسلوا أساقفتهم إلى النّوبة والحبشة فصاروا يعاقبة.
وخلفه في مكانه (أغاثوا) فمكث سبع عشرة سنة، ثم مات في سنة ستّ وخمسين من الهجرة، وهو الذي في «1» أيامه قد انتزعت كنائس الملكية من اليعاقبة، وولّي عليهم بطرك بعد أن أقاموا من لدن خلافة عمر بغير بطرك نحوا من مائة سنة ورياسة البطرك لليعاقبة وهم الذين يبعثون الأساقفة إلى النّواحي. ومن هنا
صارت النّوبة ومن وراءهم من الحبشة يعاقبة، وهو الذي بنى كنيسة مرقص وبقيت حتّى هدمت أيام العادل أبي بكر بن أيّوب «1» وولي مكانه بطرك اسمه (يوحنا) .
ثم ولي البطركية بعده (ايساك) فأقام سنتين وأحد عشر شهرا [ومات] . وكانت تقدمته في الثامنة عشرة ليوشطيان ملك الروم، وتقرّر أن لا يقدّم بطرك إلا يوم الأحد.
وقدّم عوضه (سيمون السرياني) فأقام سبع سنين ونصفا، ومات في الرابع والعشرين من أبيب سنة أربعمائة وستّ عشرة للشهداء في خلافة عبد الملك بن مروان.
ويقال: إنه وصل إليه رسول من الهند يطلب منه أن يقدّم لهم أسقفّا وقسوسا فامتنع إلى أن يأمره صاحب مصر، فمضى إلى غيره ففعل له ذلك.
وقدّم بعده في البطركية (الاسكندروس) في سنة إحدى وثمانين من الهجرة في يوم عيد مرقص الإنجيليّ سنة أربعمائة وعشرين للشهداء، فمكث أربعا وعشرين سنة ونصفا، وقيل خمسا وعشرين سنة، وقاسى شدّة عظيمة، وصودر دفعتين، أخذ منه في كل دفعة ثلاثة آلاف دينار، ومات في سنة ثمان ومائة، وكانت وفاته بالإسكندرية.
وقدّم عوضه (قسيما) فأقام خمسة عشر شهرا ومات.
فقدّم مكانه (تادرس) في سنة تسع ومائة فأقام إحدى عشرة سنة ومات.
فقدّم مكانه (ميخائيل) في سنة عشرين ومائة فأقام ثلاثا وعشرين سنة ولقي شدائد من عبد الملك بن موسى نائب مروان الجعديّ على مصر ثم من مروان لما دخل إلى مصر إلى أن قتل في أبي صير وأطلق البطرك والنصارى نائب أبي العباس السّفّاح.
وفي سنة إحدى وثلاثين ومائة رسم بإعادة ما استولى عليه اليعاقبة من كنائس الملكية بالديار المصرية إليهم، فأعيدت وأقيم لهم بطرك، وكانت الملكيّة قد أقاموا بغير بطرك سبعا وتسعين سنة من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين الفتح الإسلاميّ إلى خلافة هشام بن عبد الملك.
وفي سنة سبع وأربعين ومائة صرف أبو جعفر المنصور (ميخائيل) بطرك اليعاقبة، وأقام عوضه (مينا) فأقام تسع سنين، ومات في خلافة الهادي «محمد بن المهدي» .
وقدّم مكانه (يوحنا) فاقام ثلاثا وعشرين سنة، ومات سادس عشر طوبة سنة خمسمائة وخمس عشرة للشهداء.
ثم في سنة اثنتين وسبعين ومائة في خلافة الرشيد قدّم في البطركية (مرقص الجديد) فأقام عشرين سنة وسبعين يوما. وفي أيامه رسم الرشيد بإعادة كنائس الملكية التي استولى عليها اليعاقبة ثانيا إليهم، وثارت العربان والمغاربة وخرّبوا الدّيرة بوادي هبيب «1» ولم يبق فيها من الرّهبان إلا اليسير ثم مات في سنة إحدى عشرة ومائتين.
وقدّم عوضه في البطركيّة (يعقوب) قيل في السنة الثالثة من خلافة المأمون.
وفي أيامه عمرت الديارات وعادت الرهبان إليها، ومات في سنة اثنتين وعشرين ومائتين.
وقدّم عوضه (سيماون) في السنة المذكورة في خلافة المعتصم «1» فأقام سنة واحدة. وقيل سبعة شهور وستة عشر يوما. وخلا الكرسيّ بعده سنة واحدة وتسعة وعشرين يوما.
وفي سنة سبع وعشرين ومائتين قدّم في البطركية (بطرس) ويقال (يوساب) وكانت تقدمته في دير (بومقار) بوادي هبيب حادي عشري هاتور سنة خمسمائة وسبعة وأربعين للشهداء. وقيل: إنه قدّم في أيام المأمون، وإنه أقام ثماني عشرة سنة، وسيّر أساقفة إلى أفريقيّة والقيروان، ومات سنة اثنتين وأربعين ومائتين، وخلا الكرسيّ بعده ثلاثين يوما.
وقدّم عوضه (جاتيل) في السنة العاشرة من خلافة المتوكل. ويقال: إنه كان قسّا بدير بوحنس، فأقام سنة واحدة وخمسة أشهر، ثم مات ودفن بدير بومقار، وهو أوّل من دفن [فيه] من البطاركة. وخلا الكرسيّ بعده أحدا وثمانين يوما.
وقدّم عوضه (قسيما) في سنة أربع وأربعين ومائتين من الهجرة، وهي الثانية عشرة من خلافة المتوكل «2» ، وكان شمّاسا بدير بومقار، فأقام سبع سنين وخمسة شهور ثم مات ودفن بدنوشر، وخلا الكرسيّ بعده أحدا وخمسين يوما.
وقدّم مكانه بطرك اسمه (اساسو) ويقال (سالوسو) في أوّل سنة من خلافة
المعتزّ «1» وأحمد بن طولون «2» بمصر، فأقام إحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر ومات، وهو الذي عمل مجاري المياه التي تجري تحت الأرض من خليج الإسكندرية إلى آدرها.
ولما مات قدّم مكانه (ميخائيل) في خلافة المعتمد «3» في سنة ثلاث وستين ومائتين، فأقام خمسا وعشرين سنة. وصادره أحمد بن طولون في عشرين ألف دينار، فباع في المصادرة رباع الكنائس بالإسكندرية، وبركة الحبش بظاهر مصر، ومات.
فبقي الكرسيّ بعده أربع عشرة سنة شاغرا إلى سنة ثلاثمائة. [وفي يوم الاثنين ثالث شوّال سنة ثلاثمائة] احترقت الكنيسة العظمى بالإسكندرية التي كانت بنتها (كلابطره) ملكة مصر هيكلا لزحل.
ثم قدّم البطرك (غبريال) في السنة السابعة من خلافة المقتدر، وهي سنة إحدى وثلاثمائة، فأقام إحدى عشرة سنة ومات.
فقدّم مكانه البطرك (قسيما) فأقام اثنتي عشرة سنة ومات. وفي السنة الأخيرة من رياسته (وهي سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة) أحرق المسلمون كنيسة مريم بدمشق ونهبوا ما فيها وتتبّعوا كنائس اليعاقبة والنّساطرة.
ولما مات قسيما المذكور قدّموا عليهم بطركا لم أقف على اسمه، فأقام عشرين سنة، ثم مات.
وقدّم في البطركية (تاوفانيوس) من أهل اسكندرية في السنة الحادية عشرة من خلافة المطيع «1» فأقام أربع سنين وستة أشهر، ومات مقتولا في سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة.
وقدّم مكانه البطرك (مينا) في السنة الخامسة عشرة من خلافة المطيع، والأخشيد «2» نائب بمصر، فأقام إحدى عشرة سنة ثم مات. وخلا كرسيّ اليعاقبة بعد موته سنة واحدة.
ثم قدّم مكانه بطرك اسمه (أفراهام السرياني) في سنة ست وستين وثلاثمائة، فأقام ثلاث سنين وستة أشهر، ومات في أيام العزيز الفاطمي بمصر مسموما من بعض كتّاب النصارى: لإنكاره عليه التسرّى، وقطعت يد ذلك الكاتب بعد موته، ومات لوقته. وخلا الكرسيّ بعده ستة أشهر.
وقدّم عوضه بطرك اسمه (فيلاياوس) في سنة تسع وستين وثلاثمائة. وقيل:
في السنة الخامسة للعزيز الفاطميّ فأقام أربعا وعشرين سنة وسبعة أشهر ومات.
وقدّم بعده بطرك اسمه (دخريس) في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة في أيام الحاكم الفاطميّ، فأقام ثمانا وعشرين سنة، ثم مات ودفن ببركة الحبش. وخلا كرسيّ اليعاقبة بعده أربعة وسبعين يوما. [ثم قدّم اليعاقبة بعده (سابونين) بطركا في سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، فأقام خمس عشرة سنة ومات، فخلا الكرسيّ
بعده سنة وخمسة أشهر] «1» ثم قدّم بعده بطرك اسمه (اخرسطوديس) في سنة سبع وثلاثين وأربعمائة في خلافة المستنصر الفاطميّ، فأقام ثلاثين سنة، ومات في السنة الحادية والأربعين من خلافة المستنصر المذكور بالكنيسة المعلّقة بمصر. وهو الذي جعل كنيسة بومرقورة بمصر وكنيسة السيدة بحارة الروم بطركية. وخلا الكرسيّ بعده اثنين وسبعين يوما.
ثم قدّم بعده البطرك (كيرلص) فأقام أربع عشرة سنة وثلاثة أشهر ونصفا، ومات بكنيسة المختارة بجزيرة مصر سلخ ربيع الآخر سنة خمس وثمانين وأربعمائة. وخلا الكرسيّ بعده مائة وأربعة وعشرين يوما.
وقدّم عوضه بطرك اسمه (ميخائيل) في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، في أيام المستنصر الفاطمي صاحب مصر، وكان قبل ذلك حبيسا بسنجار، فأقام تسع سنين وثمانية أشهر، ومات في المعلّقة بمصر.
وقدّموا عوضه بطركا اسمه (مقاري) سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة بدير بومقار، ثم كمل بالإسكندرية، وعاد إلى مصر وقدّس بدير بومقار ثم في الكنيسة المعلّقة. وفي أيامه هدم الأفضل بن أمير الجيوش كنيسة بجزيرة مصر كانت في بستان اشتراه.
ولما مات قدّم عوضه بطرك اسمه (غبريال) أبو العلا صاعد، سنة خمس وعشرين وخمسمائة في أيام الحافظ الفاطمي، وكان قبل ذلك شمّاسا بكنيسة بومرقورة، فقدّم بالمعلّقة، وكمّل بالإسكندرية، فأقام أربع عشرة سنة، ومات بكنيسة بومرقورة. وخلا الكرسيّ بعده ثلاثة أشهر.
وقدّم بعده بطرك اسمه (ميخائيل) بن التقدوسيّ في السنة الخامسة عشرة من
خلافة الحافظ أيضا؛ وكان قبل ذلك راهبا بقلّاية دنشري، قدّم بالمعلّقة وكمّل بالإسكندرية، ومات بدير بومقار في رابع شوّال سنة إحدى وأربعين وخمسمائة.
وخلا الكرسيّ بعده سنة واحدة وسبعين يوما.
وقدّم عوضه بطرك اسمه (يونس) بن أبي الفتح بالمعلّقة بمصر وكمّل بالإسكندرية، فأقام تسع عشرة سنة، ومات في السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. وخلا الكرسيّ بعده ثلاثة وأربعين يوما.
وقدّم بعده بطرك اسمه (مرقص) أبو الفرج بن زرعة في سنة إحدى وستين وخمسمائة بمصر وكمّل بالإسكندرية، فأقام اثنتين وعشرين سنة وستة أشهر وخمسة وعشرين يوما، وفي أيامه أحرقت كنيسة بومرقورة بمصر، ثم مات. وخلا الكرسيّ بعده سبعة وعشرين يوما.
وقدم بعده بطرك اسمه (يونس) بن أبي غالب في عاشر ذي الحجّة سنة أربع وثمانين وخمسمائة بمصر وكمّل بالإسكندرية، وأقام ستّا وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وثلاثة عشر يوما، ومات في رابع عشر رمضان المعظّم قدره، سنة اثنتي عشرة وستمائة بالمعلّقة بمصر، ودفن ببركة الحبش.
وقدّم بعده بطرك اسمه (داود) بن يوحنا، ويعرف بابن لقلق بأمر العادل بن الكامل، فلم يوافق عليه المصريون فأبطلت بطركيته، وبقي الكرسيّ بغير بطرك تسع عشرة سنة.
ثم قدّم بطرك اسمه (كيرلس) داود بن لقلق في التاسع والعشرين من رمضان المعظم سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، فأقام سبع سنين وتسعة أشهر وعشرة أيام، ومات في السابع عشر من رمضان المعظم سنة أربعين وستمائة، ودفن بدير الشّمع بالجيزة. وخلا الكرسيّ بعده سبع سنين وستة أشهر وستة وعشرين يوما.
وقدّم بعده بطرك اسمه (سيوس) بن القسّ أبي المكارم، في رابع رجب سنة ثمان وأربعين وستمائة وكمّل بالإسكندرية، وأقام إحدى عشرة سنة وخمسة
وخمسين يوما، ومات في ثالث المحرم سنة ستين وستمائة. وخلا الكرسيّ من بعده خمسة وثلاثين يوما.
ثم قدّم، بعده في الدولة الناصريّة محمد بن قلاوون «1» البطرك (بنيامين) وهو الذي كان معاصرا للمقرّ الشهابيّ بن فضل الله، ونقل عنه بعض أخبار الحبشة.
ثم قدّم بعده المؤتمن (جرجس) بن القس مفضّل في شهور سنة أربع وستين وسبعمائة.
ثم قدّم بعده البطرك متّى وطالت مدّته في البطركية ثم مات في شهور سنة اثنتي عشرة وثمانمائة.
واستقرّ بعده الشيخ الأمجد (رفائيل) في أواخر السنة المذكورة، وهو القائم بها إلى الآن.
أما ملوكهم القائمون ببلادهم، فلم يتّصل بنا تفاصيل أخبارهم، غير أنّ المشهور أنّ ملكهم في الزمن المتقدّم كان يلقّب النّجاشيّ، سمة لكلّ من ملك عليهم، إلى أن كان آخرهم (النجاشيّ) الذي كان في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم وأسلم وكتب إليه بإسلامه، ومات وصلّى عليه صلاة الغائب، وكان اسمه بالحبشية (أصحمة) ويقال (صحمة) ومعناه بالعربية عطيّة.
وقد ذكر المقر الشهابيّ بن فضل الله في «مسالك الأبصار» : أن الملك الأكبر الحاكم على جميع أقطارهم يسمّى بلغتهم (الحطّي) بفتح الحاء المهملة وتشديد الطاء المهملة المكسورة وياء مثناة تحت في الآخر. ومعناه السلطان اسما موضوعا لكل من قام عليهم ملكا كبيرا. ثم قال: ويقال: إن تحت يده تسعة وتسعين ملكا، وهو لهم تمام المائة. وذكر أن الملك القائم بمملكتهم في زمانه