الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجملة [الخامسة] السادسة (في ترتيب هذه المملكة على ما هي عليه في زمن بني رسول: ملوكها الآن: في مقدار عساكرها، وزيّ جندها، وبيان أرباب وظائفها، وحال سلطانها)
أما مقدار عساكرها. فقد قال في «مسالك الأبصار» : أخبرني أقضى القضاة، أبو الربيع: سليمان بن محمد، بن الصدر سليمان (وكان قد توجه إلى اليمن، وخدم في ديوان الجيوش به) أن جميع جند اليمن لا يبلغ ألفي فارس.
قال: وينضاف إليهم من العرب المدافعين في طاعته مثلهم، وأراني جريدة «1» للجيش تشهد بما قال. ذكر أن غالب جنده من الغرباء. ونقل عن الحكيم «صلاح الدين بن البرهان» أن الإمرة عندهم قد تطلق على من ليس بأمير، وأما الإمرة الحقيقية التي ترفع بها الأعلام والكؤوسات «2» ، فإنها لمن قلّ، وربما أنه لا يتعدّى عدّة الأمراء بها عشرة نفر.
وأما زيّ السلطان والجند بها، فقد ذكر في «مسالك الأبصار» أن لباس السلطان وعامّة الجند باليمن أقبية إسلامية، ضيّقة الأكمام، مزنّدة على الأيدي، وفي أوساطهم مناطق مشدودة، وعلى رؤوسهم تخافيف لانس، وفي أرجلهم الدلاكسات، وهي أخفاف من القماش الحرير الأطلس والعتّابيّ وغير ذلك.
قال المقر الشهابيّ بن فضل الله: وقد حضر عليّ بن عمر بن يوسف الشهابيّ: أحد أمراء الملك المجاهد باليمن إلى الديار المصرية، في وحشة «3» حصلت بينه وبين سلطانه، وهو بهذا الزّيّ خلا الدلاكس فإنه قلعه ولبس الخفّ
المعتاد بالديار المصرية، وكان يحضر الموكب السلطانيّ بالديار المصرية، وهو على هذا الزّيّ.
وأما شعار السلطنة، فقد ذكر عن الحكيم بن البرهان أيضا أن شعار سلطان اليمن وردة حمراء في أرض بيضاء. قال المقر الشهابيّ بن فضل الله: ورأيت أنا السّنجق اليمنيّ، وقد رفع في عرفات سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، وهو أبيض فيه وردات حمر كثيرة.
وأما أرباب الوظائف، فنقل عن ابن البرهان أن باليمن أرباب وظائف: من النائب، والوزير، والحاجب، وكاتب السر، وكاتب الجيش وديوان المال. وبها وظائف الشادّ والولاية، وأنه يتشبه بالديار المصرية في أكثر أحواله. قال: أما كتّاب الإنشاء ثمّ، فإنه لا يجمعهم رئيس يرأس عليهم يقرأ ما يرد على السلطان ويجاوب عنه ويتلقّى المراسيم وينفّذها، وإنما السلطان إذا دعت حاجته إلى كتابة كتب، بعث إلى كلّ منهم ما يكتبه. فإذا كتب السلطان ما رسم له به، بعثه على يد أحد الخصيان فقدّمه إليه، فيعلّم فيه وينفّذه.
قال المقر الشهابيّ بن فضل الله: وعادة ما يكتب عنه في ديوان الإنشاء كعادة الديار المصرية في المصطلح. قال: ورأيت علامة الملك المؤيّد داود على توقيع مثالها «الشاكر لله على نعمائه» في سطر، وتحته «داود» في سطر آخر.
وأما ترتيب أحوال السلطان، فقد ذكر في «مسالك الأبصار» : أن صاحب اليمن قليل التصدّي لإقامة رسوم المواكب والخدمة والاجتماع بولاة الأمور ببابه، فإذا احتاج أحد من أمرائه وجنده إلى مراجعته في أمر، كتب إليه قصة يستأمره فيها، فيكتب عليها بخطه ما يراه؛ وكذلك إذا رفعت إليه قصص المظالم هو الذي يكتب عليها بخطه بما فيه إنصاف المظلوم.
ونقل عن ابن البرهان: أن ملوك اليمن أوقاتهم مقصورة على لذّاتهم، والخلوة مع حظاياهم وخاصّتهم من النّدماء والمطربين، فلا يكاد السلطان يرى، بل ولا يسمع أحد من أهل اليمن خبرا له على حقيقته، وأهل خاصّته المقرّبون
الخصيان، وله أرباب وظائف للوقوف بأموره، وهو ينحو في أموره منحى صاحب مصر: يتسمّع أخباره، ويحاول اقتفاء آثاره في أحواله، وأوضاع دولته، غير أنه لا يصل إلى هذه الغاية، ولا تخفق عليه تلك الراية، لقصور مدد بلاده، وقلّة عدد أجناده، وللتّجّار عندهم موضع جليل، لأن غالب متحصّلات اليمن منهم وبسببهم، وغالب دخله من التّجّار والجلّابة «1» برّا وبحرا. ولذلك كانت مملكة بني رسول هذه أكثر مالا من مملكة الشّرفاء بصنعاء وما والاها لمجاورة مملكة بني رسول البحر. وصاحب اليمن لا ينزل في أسفاره إلّا في قصور مبنيّة له في منازل معروفة من بلاده، فحيث أراد النزول بمنزلة وجد بها قصرا مبنيّا ينزل به. قال:
وإنما تجتمع لهم الأموال لقلة الكلف في الخرج والمصاريف والتكاليف، ولأن الهند يمدّهم بمراكبه، ويواصلهم ببضائعه.
قال في «مسالك الأبصار» : ولا تزال ملوك اليمن تستجلب من مصر والشام طوائف من أرباب الصناعات والبضائع ببضائعهم على اختلافها. قال أقضى القضاة أبو الربيع سليمان بن الصدر سليمان: وصاحب هذه المملكة أبدا يرغب في الغرباء، ويحسن تلقيهم غاية الإحسان، ويستخدمهم بما يناسب كلّا منهم، ويتفقّدهم في كل وقت بما يأخذ به قلوبهم ويوطّنهم عنده.
وذكر في «مسالك الأبصار» عن ملوك هذه المملكة: أنهم لم يزالوا مقصودين من آفاق الأرض، قلّ أن يبقى مجيد في صنعة من الصنائع إلا ويصنع لأحدهم شيئا على اسمه، ويجيد فيه بحسب الطاقة، ثم يجهّزه إليه ويقصده به فيقدّمه إليه، فيقبل عليه ويقبل منه. ويحسن نزله، ويسني جائزته؛ ثم إن أقام في بابه، أقام مكرما محترما، أو عاد محبوّا محبورا، يجزلون من نعمهم العطايا، ويثقلون بكرمهم المطايا، ما قصدهم قاصد إلا وحصل له من البرّ والإيناس وتنويع الكرامة ما يسليهم عن الأوطان، ولكنهم لا يسمحون بعود غريب، ولا يصفحون