الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزحف (يوسف بن تاشفين)«1» إلى فاس فملكها صلحا سنة خمس وخمسين وأربعمائة وخلّف عليها عامله، وارتحل إلى غمارة فخالفه معتصر إلى فاس وملكها وقتل العامل ومن معه من لمتونة، وبلغ الخبر يوسف بن تاشفين فأرسل العساكر إلى فاس وحاصرها، وخرج معتصر للقاء عساكره، فكانت الدائرة عليه وقتل في المعركة سنة ستين وأربعمائة.
وبايع أهل فاس من بعده ابنه (تميم بن معتصر) فكانت أيامه أيام حصار وفتنة وشدّة وغلاء.
ولما فرغ يوسف بن تاشفين من أمر عمارة سنة ثنتين وستين وأربعمائة قصد فاس فحاصرها أيّاما ثم افتتحها عنوة وقتل بها نحو ثلاثة آلاف من مغراوة وبني يفرن ومكناسة وقبائل زناتة وهلك تميم بن معتصر في جملتهم، وأمر يوسف بن تاشفين بهدم الأسوار التي كانت فاصلة بين العدوتين وصيّرهما مصرا واحدا وأدار عليهما سورا واحدا، وفرّ من خلص من القتل من مغراوة من فاس إلى تلمسان «2» ، وانقرض ملكهم من الغرب الأقصى وتصاريف الأمور بيد الله تعالى.
الطبقة السادسة (المرابطون من الملثّمين من البربر)
كان الملثّمون من البربر من صنهاجة قبل الفتح الإسلامي متوطّنين في القفار وراء رمال الصّحراء: ما بين بلاد البربر وبلاد السّودان، في جملة قبائل صنهاجة على دين المجوسيّة؛ قد اتخذوا اللّثام شعارا يميّز بينهم وبين غيرهم من الأمم؛ والرياسة فيهم يومئذ للمتونة، ولم يزالوا على ذلك إلى أن كان فتح الأندلس واستمر ملكهم أيام عبد الرحمن «3» أوّل خلفاء بني أمية بالأندلس.
قال ابن أبي زرع: أوّل من ملك الصحراء من لمتونة (يتلوثان) وكان يركب في ألف نجيب «1» وتوفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين.
وملك بعده (يلتان) فقام بأمرهم وتوفّي سنة سبع وثمانين ومائتين.
وقام بأمرهم بعده ابنه (تميم) إلى سنة ستّ وثلاثمائة وقتله صنهاجة.
ثم افترق أمرهم بعد تميم مائة وعشرين سنة إلى أن قام فيهم (أبو عبد الله بن نيفاوت) المعروف بتادشت اللّمتوني، وحجّ ومات لثلاثة أعوام من رياسته عليهم.
وقام بأمرهم صهره (يحيى بن إبراهيم) فحج في سني أربعين وأربعمائة، وعاد وصحبته عبد الله بن ياسين الجزوليّ»
ليعلّمهم الدّين، فلما مات يحيى بن إبراهيم اطّرحوا عبد الله بن ياسين واستعصوا عليه وتركوا الأخذ بقوله فاعتزلهم، ثم اجتمع عليه رجال من لمتونة فخرج فيهم وقاتل من استعصى عليه منهم حتّى أنابوا إلى الحق وسمّاهم «المرابطين» وجعل أمرهم في الحرب إلى الأمير يحيى بن عمر، بن واركوت، بن ورتنطق، بن المنصور، بن مرصالة، بن منصور، بن فرصالة، بن أميت، بن راتمال؛ بن تلميت، وهو لمتونة، فافتتحوا درعة وسجلماسة، واستعملوا عليها منهم، وعادوا إلى الصحراء، وهلك يحيى بن عمر سنة سبع وأربعين وأربعمائة.
وولي مكانه أخوه (أبو بكر بن عمر) ثم افتتحوا بلاد السّوس سنة ثمان وأربعين ثم مدينة أغمات سنة تسع وأربعين، ثم بلاد المصامدة وجبال درن سنة خمسين، ثم استشهد عبد الله بن ياسين في بعض الغزوات سنة خمسين، واستمرّ أبو بكر بن عمر في إمارة قومه، وافتتح مدينة لواتة سنة ثنتين وخمسين، ثم ارتحل إلى الصحراء لجهاد السّودان واستعمل على المغرب ابن عمه (يوسف بن
تاشفين) بن إبراهيم بن واركوت، فسار يوسف في عسكره من المرابطين ودوّخ أقطار المغرب، واختط مدينة مرّاكش سنة أربع وخمسين.
ثم انتزع جبال زناتة بالمغرب من أيديهم، ثم افتتح فاس صلحا سنة خمس وخمسين ثم استعيدت بعد فتحها، ثم فتحها عنوة سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وأمر بهدم الأسوار التي كانت فاصلة بين عدوتي القرويّين والأندلسيّين وصيرهما مصرا واحدا، ثم افتتح بعد ذلك مدينة تلمسان واستولى على الغرب الأقصى والغرب الأوسط، ثم صار إلى الأندلس واستولى على أكثر ممالكه كما سيأتي في ذكر مكاتبة صاحب الأندلس، ثم توفّي يوسف بن تاشفين على رأس المائة الخامسة.
وقام بالأمر بعده ابنه (علي بن يوسف) فاستولى على ما كان بيد أبيه من العدوتين، وسار فيهم بأحسن السّيرة. ولأربع عشرة سنة من ولايته كان ظهور المهدي بن تومرت صاحب دولة الموحّدين. ومات عليّ بن يوسف سنة سبع وثلاثين، وقد ضعفت كلمة المرابطين بالأندلس لظهور الموحّدين.
وقام بالأمر بعده ولده (تاشفين بن علي) وأخذ بطاعته وبيعته أهل العدوتين، وقد استفحل أمر الموحّدين وعظم شأنهم، ونزل تلمسان فقصده الموحّدون، ففرّ إلى وهران واتّبعه الموحدون، ففقد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، واستولى الموحدون على الغرب الأوسط.
ثم بويع بمرّاكش (إبراهيم بن تاشفين) ، بن علي، بن يوسف بن تاشفين، فألفوه عاجزا فخلعوه.
وولّي مكانه عمه (إسحاق بن علي) بن يوسف بن تاشفين، وقد ملك الموحّدون جميع بلاد المغرب وقصدوه في مرّاكش، فخرج إليهم في خاصّته فقتلوه، وأجاز عبد المؤمن والموحّدون إلى الأندلس، فملكوه سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وفرّ أمراء المرابطين في كلّ وجه.