الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجملة الأولى (في أصل التسمية والمقصود منها، وتنويع الأسماء، وما يستحسن منها، وما يستقبح)
أما أصل التسمية فهي لا تخرج عن أمرين:
أحدهما أن يكون الاسم مرتجلا: بأن يضعه الواضع على المسمّى ابتداء، كأدد اسم رجل، وسعاد اسم امرأة، فإنهما ليسا بمسبوقين بالوضع على غيرهما، والرجوع في معرفة ذلك إلى النقل والاستقراء.
والثاني أن يكون الاسم منقولا عن معنى آخر، كاسد إذا سمّي به الرجل نقلا عن الحيوان المفترس، وزيد إذا سمّي به نقلا عن معنى الزيادة وما أشبه ذلك.
وهذا هو أكثر الأسماء الأعلام وقوعا، والرجوع في معرفته إلى النقل والاستقراء أيضا كما تقدّم في المرتجل.
وأما المقصود من التسمية، فتمييز المسمّى عن غيره، بالاسم الموضوع عليه ليتعرّف.
وأما تنويع الأسماء، فيختلف باختلاف المسمّين وما يدور في خزائن خيالهم مما يألفونه ويجاورونه ويخالطونه.
فالعرب- أكثر أسمائهم منقولة عمّا لديهم مما يدور في خزائن خيالهم إما من أسماء الحيوان كبكر: وهو ولد الناقة، وأسد: وهو الحيوان المفترس المعروف، وإما من أسماء النّبات كحنظلة: وهو اسم لواحدة الحنظل الذي هو النبات المعروف من نبات البادية، وطلحة: وهو اسم لشجرة من شجر الغضى، وعوسجة: وهم اسم لشجرة من شجر البادية. وإما من أجزاء الأرض كحزن: وهو الغليظ من الأرض، وصخر: وهو الصّلد من الحجارة. وإما من أسماء الزّمان
كربيع: وهو أحد فصول السنة الأربعة. وإمّا من أسماء النّجوم كسماك «1» : اسم لنجم معروف. وإما من أسماء الفاعلين: كحارث فاعل من الحرث، وهمّام فاعل من همّ أن يفعل كذا، إلى غير ذلك من المنقولات التي لا تحصى.
وكان من عادتهم أن يختاروا لأبنائهم من الأسماء ما فيه البأس والشّدّة ونحو ذلك: كمحارب، ومقاتل، ومزاحم، ومدافع ونحو ذلك، ولمواليهم ما فيه معنى التّفاؤل: كفرح، ونجاح، وسالم، ومبارك، وما أشبهها، ويقولون: أسماء أبنائنا لأعدائنا، وأسماء موالينا لنا، وذلك أن الإنسان أكثر ما يدعو في ليله ونهاره مواليه للاستخدام دون أبناءه فإنه إنما يحتاج إليهم في وقت القتال ونحوه.
والتّرك- راعوا في أسمائهم ما يدلّ على الجلادة والقوّة مما يألفونه ويجاورونه، وغالب ما يسمّون باسم بغا، ومعناه بلغتهم الفحل: إما مفردا كما تقدّم وهو قليل، وإما موصوفا بحيوان من الحيوانات، مقدّمين الصفة على الموصوف على قاعدة لغتهم في ذلك، كطيبغا بمعنى فحل مهر. وإما بمعدن من المعادن: كالطنبغا بمعنى فحل ذهب، وكمشبغا بمعنى فحل فضة، وتمربغا بمعنى فحل حديد. وربما أبدل اسم الفحل باسم الحديد، واسمه بلغتهم دمركبى دمر بمعنى أمير حديد، وطي دمر بمعنى مهر حديد. وربما أفردوا الاسم بالوصف كدمر بمعنى حديد، وأرسلان بمعنى أسد، وتنكز بمعنى بحر، ونحو ذلك إلى غير ذلك من المفردات والمركّبات التي لا يأخذها حصر. وكذلك كلّ أمة من أمم الأعاجم تراعي في التسمية ما يدور في خزانة خيالها مما يخالطونه ويجاورونه.