الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جسدا وفيها بئر ولا أهل فيها، ثمّ إلى كشة، وهي قرية عظيمة فيها عيون وحرس، ثمّ إلى بيشة يقطان، وفيها ماء ظاهر وكرم، والحرس منها على ثلاثة أميال، ثم إلى المهجرة، وهي قرية عظيمة فيها عيون وفيما بين سروم راح والمهجرة طلحة الملك: وهي شجرة عظيمة. وهناك حدّ ما بين عمل مكة المشرفة وعمل اليمن، ثم منها إلى عرقة، وماؤها قليل ولا أهل فيها؛ ثم إلى صعدة، وقد تقدم ذكرها؛ ثم إلى الأعمشيّة، وفيها عين صغيرة ولا أهل فيها، ثم إلى خيوان، وقد تقدّم ذكرها؛ ثم إلى أثافت، وهي مدينة فيها زرع وكرم وعيون، ثم إلى مدينة صنعاء، وهي قاعدة هذه المملكة على ما تقدّم.
الجملة الثالثة (فيمن ملك هذه المملكة إلى زماننا)
قد تقدّم في الكلام على صنعاء أنها كانت قاعدة ملك التبابعة، وقد مرّ القول عليهم في الكلام على ملوك اليمن في مملكة بني رسول، في القسم الأول من اليمن.
أما حضرموت، فقد قال عليّ بن عبد العزيز الجرجاني «1» : إنه كان لهم في الجاهلية ملوك يقاربون ملوك التّبابعة في علوّ الصّيت ونباهة الذّكر. ثم قال: وقد ذكر جماعة من العلماء أوّل من انبسطت يده منهم، وارتفع ذكره (عمرو بن الأشنب) بن ربيعة، بن يرام، بن حضرموت؛ ثم خلفه ابنه (نمر الأزجّ) فملكهم مائة سنة، وقاتل العمالقة.
ثم ملك بعده ابنه (كريب، ذو كراب) بن نمر الأزج مائة وثلاثا وثلاثين سنة.
ثم ملك بعده (مرثد ذو مران) بن كريب مائة وأربعين سنة، وكان يسكن مأرب، ثمّ تحوّل إلى حضرموت.
ثم ملك بعده ابنه (علقمة ذو قيقان) بن مرثد ذي مرّان ثلاثين سنة.
ثم ملك بعده ابنه (ذو عيل) بن ذي قيقان عشرين سنة. ثم تحوّل من حضرموت إلى صنعاء واشتدّت وطأته. وهو أوّل من غزا الرّوم من ملوك اليمن، وأدخل الحرير والدّيباج اليمن.
ثم ملك بعده ابنه (بدعيل بن ذي عيل) أربع سنين، وبنى بها حصونا وخلّف آثارا.
ثم ملك بعده ابنه (يدنو ذو حمار) بن بدعيل بحضرموت وبحر فارس، وكان في أيام سابور ذي الأكتاف «1» من ملوك الفرس، ودام ملكه ثمانين سنة، وهو أوّل من اتخذ الحجّاب من ملوكهم.
ثم ملك بعده ابنه (ليشرح) ذو الملك، بن ودب، بن ذي حمار، بن عاد من بلاد حضرموت مائة سنة، وهو أوّل من رتّب المراتب، وأقام الحرس من ملوكهم.
ثم ملك بعده (ينعم) بن ذي الملك دثار بن جذيمة.
ثم ملك بعده (ساجي) بن نمر، وفي أيامه تغلبت الحبشة على اليمن، وقد مرّ القول على ملكهم، ثم ملك الفرس بعدهم إلى ظهور الإسلام في الكلام على ملوك اليمن في القسم الأوّل من اليمن، فأغنى عن إعادته هنا.
وأما نجران وجرش، فإنهما [كانا] بيد جرهم من القحطانية، ثمّ غلبهم على ذلك بنو حمير، وصاروا ولاة للتبابعة، فكان كلّ من ملك منهم يسمّى أفعى.
ومنهم كان الأفعى الذي حكم بين أولاد نزار بن معدّ بن عدنان في قصتهم المشهورة.
ثم نزل نجران بنو مدحج، واستولوا عليها، ثم نزل في جوارهم الحارث بن كعب الأزديّ فغلبهم عليها، وانتهت رياسة بني الحارث فيها إلى بني الدّيّان، ثم صارت إلى بني عبد المدان، إلى أن كان منهم في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم يزيد، فأسلم على يد خالد بن الوليد رضي الله عنه.
وكان منهم زياد بن عبد الله بن عبد المدان خال السّفّاح، ولّاه نجران واليمامة، وخلّف ابنه محمدا ويحيى، ودخلت المائة الرابعة والملك بها لبني أبي الجود بن عبد المدان، واتصل مجيئهم وكان آخرهم عبد القيس الذي أخذ عليّ بن مهديّ الملك من يده.
أما في الإسلام، فقد تقدّم في الكلام على القسم الأوّل من اليمن أيضا أنه لمّا ظهر الإسلام أسلم باذان نائب الفرس على اليمن، وتتابع أهل اليمن في الإسلام، وولّى النبيّ صلى الله عليه وسلم على صنعاء شهر بن باذان المذكور، فلما خرج الأسود العنسيّ «1» ، أخرج عمّال النبيّ صلى الله عليه وسلم من اليمن على ما تقدّم، وزحف إلى صنعاء فملكها وقتل شهر بن باذان وتزوّج امرأته. فلما قتل العنسيّ ورجع عمّال النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، استبدّ بصنعاء قيس بن عبد يغوث المراديّ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمر على ذلك.
ثم كانت خلافة أبي بكر رضي الله عنه، فولّى على اليمن (فيروز الديلميّ) ثم ولّى بعده (المهاجر بن أبي أميّة) . ثم توالت عمّال الخلفاء على اليمن على ما تقدّم في الكلام على القسم الأوّل من اليمن. ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن كان أوّل المائة الرابعة بعد الهجرة أو ما قاربها. فغلب على صنعاء وما والاها بنو يعفر من بقايا التبابعة. قال ابن سعيد: وكان دار ملكهم كحلان، وهي
قلعة من عمل صنعاء بالقرب منها، ولم أقف على تفاصيل أحوالهم وأسماء ملوكهم.
ثم كانت دولة أئمة الزيدية القائمين بها إلى الآن، وهم بنو القاسم الرّسّيّ، ابن إبراهيم طباطبا، بن إسماعيل الديباج، بن عبد الله «1» ، بن الحسن المثنّى، بن الحسن السبط، ابن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه.
وكان مبدأ أمرهم أن محمّد بن إبراهيم طباطبا خرج بالكوفة في خلافة المأمون، في سنة تسع وتسعين ومائة ودعا إلى نفسه، وكان شيعته من الزيديّة وغيرهم يقولون: إنه مستحقّ للإمامة بالتوارث من آبائه عن جدّه إبراهيم الإمام، وغلب على كثير من بلاد العراق، ثم خمدت سورته، فتطلّب المأمون أخاه القاسم الرّسّيّ فهرب إلى الهند، ولم يزل به حتى هلك سنة خمس وأربعين ومائتين، فرجع ابنه الحسين بن القاسم الرسيّ بن إبراهيم طباطبا إلى اليمن، فكان من عقبه هؤلاء الأئمة.
وأوّل من خرج منهم باليمن (يحيى بن الحسين الزاهد) بن القاسم الرسيّ ودعا لنفسه بصعدة وتلقّب بالهادي، وبويع بالإمامة سنة ثمان وثمانين ومائتين في حياة أبيه الحسين، وجمع الشيعة وغيرهم وحارب إبراهيم بن يعفر، ويقال أسد بن يعفر، القائم من أعقاب التبابعة بصنعاء وكحلان، وملك صنعاء ونجران وضرب السكة باسمه.
قال في «مسالك الأبصار» : واستجاب الناس لندائه، وصلّوا بصلاته وأمّنوا على دعائة؛ وقام فيهم مقاما عظيما، وأثّر فيهم من الصلاح أثرا مشهودا، قال: وفي ذلك يقول: (طويل)
بني حسن إنّي نهضت بثاركم
…
وثار كتاب الله والحقّ والسّنن
وصيّرت نفسي للحوادث عرضة
…
وغبت عن الإخوان والأهل والوطن
ثم ارتجعهما بنو يعفر منه ورجع هو إلى صعدة، فتوفّي بها سنة ثمان وتسعين ومائتين، لعشر سنين من بيعته. قال ابن المحاب: وله مصنّفات في الحلال والحرام. وقال غيره، كان مجتهدا في الأحكام الشرعية، وله في الفقه آراء غريبة، وتآليف بين الشّيعة مشهورة، قال ابن حزم: ولم يبعد في الفقه عن الجماعة كلّ البعد.
قال الصوليّ: ثم ولي بعده ابنه (محمد المرتضى) وتمّت له البيعة، فاضطرب الناس عليه. قال في «أنساب الطالبيين» : واضطرّ إلى تجريد السيف فجرّده. وفي ذلك يقول: (رمل)
كدر الورد علينا بالصّدر
…
فعل من بدّل حقّا أو كفر
أيّها الأمّة عودي للهدى
…
ودعي عنك أحاديث البشر
عدمتني البيض «1» والسّمر معا
…
وتبدّلت رقادا بسهر
لأجرّنّ على أعدائنا
…
نار حرب بضرام وشرر
ومات سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة لثنتين وعشرين سنة من ولايته.
وولي بعده أخوه (الناصر) فاستقام ملكه.
ثم ولي بعده ابنه (الحسين) المنتجب (بالجيم) ومات سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.
وولي بعده أخوه (القاسم المختار) بعهد من أخيه المذكور، وقتله أبو القاسم بن الضحاك الهمدانيّ سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.
وولي بعده صعدة (جعفر الرشيد) ثم بعده أخوه (المختار) ثم أخوه (الحسن المنتجب) ثم أخوه (محمد المهديّ) .
قال «ابن المحاب» : ولم تزل إمامتهم بصعدة مطردة إلى أن وقع الخلاف بينهم وجاء السليمانيّون أمراء مكة حين غلبة الهواشم عليهم فغلبوا على صعدة في المائة السادسة.
قال ابن سعيد: وقام بها منهم (أحمد بن حمزة) بن سليمان، بن داود، ابن عبد الله، بن المثنّى، بن الحسن السبط، وغلب على زبيد وملكها من بني مهديّ، ثمّ انتزعها بنو مهديّ منه، وعاد إلى صعدة ومات.
فولي بعده ابنه المنصور (عبد الله) بن أحمد بن حمزة، وامتدت يده مع الناصر «1» لدين الله خليفة بني العباس ببغداد، وبعث دعاته إلى الدّيلم والجبل، فخطب له بهما وأقيم له بهما ولاة، وكان بينه وبين سيف الإسلام بن أيوب «2» ، ثم الملك مسعود ابن الملك الكامل حروب باليمن. وبقي حتى توفي سنة ثلاثين وستمائة عن عمر طويل.
وولي بعده ابنه (أحمد) بن المنصور عبد الله بن أحمد بن حمزة، ولقّب بالمتوكل صغيرا ولم يخطب له بالإمامة لصغر سنّه.
وكان بنو الرسيّ حين غلب عليهم السليمانيون بصعدة أووا إلى جبل شرقيّ صعدة، فلم يبرحوا عنه، والخبر شائع بأن الأمر يرجع إليهم، إلى أن كان المتوكل أحمد من السليمانيين، فبايع الزيديّة أحمد الموطّىء، بن الحسين المنتجب، بن أحمد الناصر، بن يحيى الهادي، بن الحسين، بن القاسم الرسيّ، بن إبراهيم طباطبا، المقدّم ذكره في سنة خمس وأربعين وستمائة.
وكان الموطّىء فقيها أديبا عالما بمذهبهم، قوّاما صوّاما، فأهمّ عمر بن عليّ بن رسول صاحب زبيد شأنه، فحاصره بحصن ملا سنة فلم يصل إليه،
وتمكن أمر الموطّىء وملك عشرين حصنا، وزحف إلى صعدة فغلب السّليمانيين عليها، فنزل أحمد المتوكل: إمام السليمانيين إليه، وبايعه في سنة تسع وأربعين وستمائة، وحجّ سنة خمسين وستمائة وبقي أمر الزيديّة بصعدة في عقبه.
وقد ذكر المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «مسالك الأبصار» : أنه سأل تاج الدين عبد الباقي اليمانيّ أحد كتّاب اليمن عن تفاصيل أحوال هذه الأئمة فقال:
إن أئمة الزيديين كثيرون، والمشهور منهم المؤيّد بالله، والمنصور بالله، والمهديّ بالله، والمطهّر يحيى بن حمزة. قال: ويحيى بن حمزة هو الذي كان آخرا على عهد الملك المؤيّد داود بن يوسف صاحب اليمن، وكانت الهدنة تكون بينهما.
وذكر في «التعريف» أن الإمامة في زمانه كانت في بني المطهّر. ثم قال:
واسم الإمام القائم في وقتنا حمزة. ثم قال: ويكون بينه وبين الملك الرسوليّ باليمن مهادنات ومفاسخات تارة وتارة. قال قاضي القضاة وليّ الدين بن خلدون في تاريخه: وقد سمعت بمصر أن الإمام بصعدة كان قبل الثمانين والسبعمائة عليّ ابن محمد من أعقابهم، وتوفي قبل الثمانين، وولي ابنه صلاح، وبايعه الزيديّة، وكان بعضهم يقول فيه: إنه ليس بإمام لعدم اجتماع شروط الإمامة، فيقول: أنا لكم على ما شئتم: إمام أو سلطان.
ثم مات صلاح آخر سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وقام بعده ابنه (نجاح) وامتنع الزيدية من بيعته. فقال: أنا محتسب لله تعالى.
قلت: وقد وهم في «التعريف» : فجعل هذه الأئمة من بقايا الحسنيين القائمين بآمل الشّطّ من بلاد طبرستان، وأن القائم منهم بآمل الشّطّ بطبرستان هو الداعي المعروف بالعلويّ من الزيدية، وهو الحسن، بن زيد، بن محمد، بن إسماعيل، بن الحسن السبط، بن عليّ، بن أبي طالب رضي الله عنه، خرج سنة خمس وخمسين ومائتين أو ما يقاربها، فملك طبرستان وجرجان وسائر أعمالها ثم مات، وقام أخوه (محمد بن زيد) مقامه. وكان لشيعته من الزيدية دولة هناك، ثم