الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم ولي بعده رجل اسمه (لذريق) سنتين، وهو الذي غلبه المسلمون على الأندلس وفتحوها منه، وهو آخر من ملك منهم. قال صاحب «الروض المعطار» : وعدد من ملك منهم إلى آخرهم وهو (لذريق) ستة وثلاثون ملكا.
الطبقة الخامسة (ملوكها على أثر الفتح الإسلاميّ)
وكان فتحها في خلافة الوليد بن عبد الملك «1» : أحد خلفاء بني أميّة في سنة اثنتين وتسعين، وكان من أمر فتحها أن طليطلة كانت دار الملك بالأندلس يومئذ، وكان بها بيت مغلق متحامى الفتح، يلزمه من ثقات القوط قوم قد وكّلوا به كي لا يفتح، يعهد الأوّل بذلك للآخر، كلّما ملك منهم ملك زاد على ذلك البيت قفلا.
فلما ولي «لذريق» الأخير، عزم على فتح الباب والاطّلاع على ما في البيت، فأعظم ذلك أكابرهم وتضرّعوا إليه في الكفّ، فأبى وظنّ أنه بيت مال، ففضّ الأقفال عنه ودخله، فأصابه فارغا لا شيء فيه إلا تابوتا عليه قفل، فأمر بفتحه فألفاه أيضا فارغا ليس فيه إلا شقّة مدرجة قد صوّرت فيها صور العرب على الخيول، وعليهم العمائم متقلّدو السيوف متنكّبو القسيّ، رافعو الرايات على الرّماح، وفي أعلاه كتابة بالعجمية فقرئت فإذا هي «إذا كسرت هذه الأقفال عن هذا البيت، وفتح هذا التابوت، فظهر ما فيه من هذه الصور فإن الأمّة المصوّرة فيه تغلب على الأندلس وتملكها» فوجم لذريق وعظم غمّه وغم الأعاجم، وأمر بردّ الأقفال، وإقرار الحرس على حالهم.
وكان من سير الأعاجم أن يبعث أكابرهم بأولادهم ذكورا كانوا أو إناثا إلى بلاط الملك، ليتأدّبوا بأدبه، وينالوا من كرامته حتّى إذا بلغوا أنكح بعضهم بعضا استئلافا لآبائهم. وكان للذريق عامل على سبتة من برّ العدوة يسمّى يليان، وله ابنة
فائقة الجمال، فوجّه بها إلى دار لذريق على عادتهم في ذلك، فوقع نظر لذريق عليها فأعجبته، فاستكرهها على نفسها فاحتالت حتّى أعلمت أباها بذلك سرّا، فشقّ ذلك عليه، وحلف ليزيلنّ سلطان لذريق، ثم تلطّف حتّى اقتلع بنته من بيت لذريق، ثم لم يلبث يليان [أن كتب] إلى موسى بن نصير «1» أمير أفريقيّة من جهة «الوليد بن «2» عبد الملك» يحرّضه على غزو الأندلس، وحثّه على ذلك، ووصف له من حسنها وفوائدها ما دعاه إلى ذلك وهوّن عليه أمر فتحها. فتوثّق منه موسى بن نصير بذلك ودعا مولى له كان على مقدّماته، يقال له «طارق بن زياد» «3» فعقد له وبعثه إليها في سبعة آلاف، وهيّا له يليان المراكب، فعبر البحر وحلّ بجبل هناك يعرف الآن (بجبل طارق) فوجد عجوزا من أهل الأندلس- فقالت له: إنه كان لي زوج عالم بالحدثان، وكان يحدّث عن أمير يدخل بلدنا هذا، ويصفه بأنه ضخم الهامة وأنت كذلك، وكان يقول: إنه بكتفه الأيسر شامة عليها شعر، فكشف طارق ثوبه فإذا بالشامة كما ذكرت العجوز، فاستبشر بذلك.
ويحكى أنه رأى (وهو في المركب) النبيّ صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة يمشون على الماء حتّى مرّوا، فبشّره النبيّ صلى الله عليه وسلم بالفتح، وأمره بالرّفق بالمسلمين والوفاء بالعهد، فاستيقظ مستبشرا، وتيقّن الفتح، وهجم البلد فملكها. وكان عسكره قد انتهى إلى اثنى عشر ألفا إلا ستة عشر، ولذريق في ستمائة ألف، وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ
«4» وأقام طارق بالأندلس حتّى قدم إليها مولاه موسى بن نصير المتقدّم ذكره في رجب من السنة المذكورة. وأقام موسى فيها سنتين ثم انصرف إلى القيروان، واستخلف عليها ابنه (عبد العزيز) فنزل قرطبة واتخذها دار إمارة لهم، وتوجّه موسى سنة ستّ وتسعين بما سباه وما غنمه إلى الوليد بن عبد
الملك، ثم دسّ سليمان بن «1» عبد الملك على عبد العزيز المذكور من قتله بالأندلس لاتّهامه بموالاة أخيه الوليد «2» ثم وليها بعده (عبد العزيز) بن عبد الرحمن القيسيّ سنتين وثلاثة أشهر.
ثم وليها (السّمح بن مالك) الخولانيّ سنتين وتسعة أشهر.
ثم وليها (عنبسة بن سحيم) الكلبيّ أربع سنين وخمسة أشهر.
ثم وليها (يحيى بن مسلمة) سنتين وستة أشهر.
ثم وليها (حذيفة بن الأحوص) القيسيّ سنة واحدة.
ثم وليها (عثمان بن أبي نسعة) الخثعميّ خمسة أشهر.
ثم وليها (الهيثم بن عبيد) خمسة أشهر.
ثم وليها (عبد الرحمن بن عبد الله) الغافقي سنتين وثمانية أشهر.
ثم وليها (عبد الملك) بن [قطن الفهري] أربع سنين.
ثم وليها (عقبة بن الحجّاج) خمس سنين وشهرين.
ثم وليها (مفلح بن بشر القيسي) أحد عشر شهرا.
ثم وليها (حسام بن ضرار) الكلبيّ سنتين.
ثم وليها (ثوابة «3» الجذاميّ) سنة واحدة.
ثم وليها (يوسف بن عبد الرحمن) الفهريّ تسع سنين وتسعة أشهر.
ثم كانت دولة بني أمية بالأندلس، على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.