الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ سعيد الدّكّالي: أن في طاعة سلطانها بلاد مغارة الذهب. وهم بلاد همج، وعليهم إتاوة من التبر تحمل إليه في كل سنة، ولو شاء أخذهم ولكن ملوك هذه المملكة قد جرّبوا أنه ما فتحت مدينة من هذه المدن وفشا بها الإسلام، ونطق بها داعي الأذان، إلا قلّ بها وجود الذهب ثم يتلاشى حتّى يعدم، ويزداد فيما يليه من بلاد الكفار، فرضوا منهم ببذل الطاعة، وحمل قرّر عليهم. وذكر نحو ذلك في «التعريف» في الكلام على غانة.
الجملة الثانية (في الموجود بهذه المملكة)
قد ذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ سعيد الدّكّالي: أن بها الخيل من نوع الأكاديش التتريّة. قال: وتجلب الخيل العراب إلى ملوكهم، يتغالون في أثمانها، وكذلك عندهم البغال، والحمير، والبقر، والغنم، ولكنّها كلّها صغيرة الجثّة، وتلد الواحدة من المعز عندهم السبعة والثمانية، ولا مرعى لمواشيهم، إنما هي جلّالة على المقامات والمزابل. وبها من الوحوش الفيلة، والآساد والنّمورة، وكلّها لا تؤذي من بني آدم إلا من تعرّض لها. وعندهم وحش يسمّى (ترمّي) بضم التاء المثناة والراء المهملة وتشديد الميم، في قدر الذئب، يتولد بين الذئب والضّبع لا يكون إلا خنثى: له ذكر وفرج، متى وجد في الليل آدميّا صغيرا أو مراهقا أكله. ولا يتعرّض إلى أحد في النهار، وهو ينعر كالثور، وأسنانه متداخلة.
وعندهم تماسيح عظام منها ما يكون طوله عشرة أذرع وأكثر، ومرارته عندهم سمّ قاتل تحمل إلى خزانة ملكهم. وعندهم بقر الوحش، وحمير الوحش، والغزلان.
وفيما يسامت سجلماسة من بلادهم جواميس متوحّشة تصاد كما يصاد الوحش.
وبها من الطيور الدّواجن الإوزّ، والدّجاج، والحمام. وبها من الحبوب الأرزّ، والغوثي: وهو دق مزغّب، يدرس فيخرج منه حبّ أبيض شبيه بالخردل في المقدار
أو أصغر منه، فيغسل ثم يطحن ويعمل منه الخبز، وهذا الحب هو والأرزّ هما غالب قوتهم، وعندهم الذّرة وهي أكثر حبوبهم، ومنها قوتهم وعليق خيولهم ودوابّهم، وعندهم الحنطة على قلّة فيها، أما الشعير فلا وجود له عندهم البتة، وعندهم من الفواكه البستانية الجمّيز «1» وهو كثير لديهم؛ وعندهم أشجار برّية ذوات ثمار مأكولة مستطابة، منها شجر يسمّى تادموت يحمل شيئا مثل القواديس كبرا في داخلها شيء شبيه بدقيق الحنطة، ساطع البياض، طعمه مزّ لذيذ يأكلون منه، وإذا جف جعلوه على الحنّاء فيسوّده كالنوشادر، ومنها شجر يسمّى زبيزور تخرج ثمرته مثل قرون الخرّوب فيخرج منها شيء شبيه بدقيق التّرمس حلو لذيذ الطعم، له نوى. ومنها شجر يسمّى قومي، يحمل شبيه السفرجل، لذيذ الطعم يشبه طعم الموز، وله نوى شبيه بغضروف العظم، يأكله بعضهم معه. ومنها شجر اسمه فاريتي، حمله شبيه بالليمون وطعمه يشبه طعم الكمّثرى بداخله نوى ملحم، يؤخذ ذلك النوى وهو طريّ، فيطحن فيخرج منه شيء شبيه بالسمن يجمد، وتبيّض به البيوت، وتوقد منه السّرج، ويعمل منه الصابون، وإذا قصد أكله وضع في قدر على نار ليّنة، ويسقى الماء حتّى يقوى غليانه وهو مغطّى الرأس، ويسارق كشف الغطاء في افتقاده، فإنه متى كشف القدر فار ولحق بالسقف. وربما انعقد منه نار فأحرق البيت، فإذا نضج برّد، وجعل في ظروف القرع، وصار يستعمل في المأكل كالسّمن. ومتى جعل في غير ظروف القرع من الآنية خرقها. ويوجد بها من الثمرات البرّيّة ما هو شبيه بكل الفواكه البستانيّة على اختلاف أنواعها، ولكنها حرّيفة لا تستطاب، يأكلها الهمج من السّودان، وهي قوت كثير منهم.
وبها من الخضراوات اللّوبياء، واللّفت، والثّوم، والبصل، والباذنجان، والكرنب، أما الملوخيّة فلا تطلع عندهم إلا برّية، والقرع عندهم بكثرة. وعندهم شيء شبيه بالقلقاس إلا أنه الذّ من القلقاس، يزرع في الخلاء فإن سرق منه
سارق، قطع الملك رأسه وعلّقه مكان ما قطع منه، عادة عندهم يتوارثونها خلفا عن سلف، لا توجد فيها رخصة، ولا تنفع فيها شفاعة.
وجبالها ذوات أشجار مشتبكة، غليظة السّوق إلى الغاية، تظلّ الواحدة منها خمسمائة فارس. وفيها بغانة وما وراءها في الجنوب من بلاد السّودان الهمج معادن الذهب.
وقد حكى في «مسالك الأبصار» عن الأمير أبي الحسن عليّ بن أمير حاجب عن السلطان (منسا موسى) سلطان هذه المملكة: أنه سأله عند قدومه الديار المصرية حاجّا عن معادن الذهب عندهم- فقال: توجد على نوعين: نوع في زمان الربيع ينبت في الصحراء، له ورق شبيه بالنجيل «1» ، أصوله التبر. والثاني يوجد في أماكن معروفة على ضفّات مجارى النيل، تحفر هناك حفائر فيوجد فيها الذهب كالحجارة والحصى، فيؤخذ. قال: وكلاهما هو المسمّى بالتّبر. ثم قال:
والأوّل «2» أفحل في العيار، وأفضل في القيمة. وذكر في «التعريف» نحوه. وذكر عن الشيخ عيسى الزواويّ عن السلطان (منسا موسى) المقدّم ذكره أيضا أنه يحفر في معادن الذهب كلّ حفيرة عمق قامة أو ما يقاربها، فيوجد الذهب في جنباتها.
وربما وجد مجتمعا في سفل الحفيرة، وأنّ في مملكته أمما من الكفّار لا يأخذ منهم جزية، إنما يستعملهم في إخراج الذهب من معادنه. ثم قد ذكر في «مسالك الأبصار» : أن النوع الأوّل من الذهب يوجد في زمن الربيع عقيب [الأمطار]«3» ينبت في مواقعها، والثاني يوجد في جميع السنة في ضفّات مجارى النّيل. وذكر في «التعريف» : أن نبات الذهب بهذه البلاد يبدأ في شهر
(أغشت) »
حيث سلطان الشمس قاهر، وذلك عند أخذ النّيل في الارتفاع والزيادة. فإذا انحطّ النيل تتبّع حيث ركب عليه من الأرض، فيوجد منه ما هو نبات يشبه النجيل وليس به. ومنه ما يوجد كالحصى. فجعل الجميع مما يحدث في هذا الزمن في أماكن النيل خاصّة، وفيه مخالفة لما تقدّم. بل قد قال: إن شهر (أغشت) الذي يطلع فيه الذهب وهو من شهور الروم، ويقع- والله أعلم- أنه يركّب من (تمّوز) و (آب) يعني من شهور السريان، وهذا غلط فاحش. فقد تقدّم في المقالة الأولى أن شهور الروم منطبقة على شهور السّريان في الابتداء والانتهاء، دون ابتداء أوّل السنة، وشهر (أغشت) من شهور الروم هو شهر (آب) من شهور السريان بعينه.
ثم قد حكى في «مسالك الأبصار» عن والي مصر عن (منسا موسى) المقدم ذكره: أن الذهب ببلاده حمّى له، يجمع له متحصله كالقطيعة، إلا ما يأخذه أهل تلك البلاد منه على سبيل السّرقة.
وحكي عن الشيخ سعيد الدّكّاليّ: أنه إنما يهادى بشيء منه كالمصانعة، وأنه يتكسّب عليهم في المبيعات لأنّ بلادهم لا شيء بها. ثم قال: وكلام الدّكّالي أثبت وعليه ينطبق كلامه في «التعريف» حيث ذكر غانة ثم قال: وله عليها إتاوة مقرّرة تحمل إليه في كلّ سنة. وبهذه البلاد أيضا معدن نحاس وليس يوجد في السّودان إلا عندهم. قال الشيخ عيسى الزواوي: قال لي السلطان موسى: إن عنده في مدينة اسمها (نكوا) معدن نحاس أحمر، يجلب منه قضبان إلى مدينة بنبى قاعدة مالّي فيبعث منه إلى بلاد السّودان الكفّار، فيباع وزن مثقال بثلثي وزنه من الذهب، يباع كلّ مائة مثقال من هذا النحاس بستة وستين مثقالا وثلثي مثقال من الذهب.
وبهذه البلاد (معدن ملح) وليس في شيء من السّودان الوالجين في الجنوب والمسامتين لسجلماسة وما وراءها ملح سواه. قال «المقرّ الشهابيّ بن