الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتوجّه به إلى الحطّي سلطان الحبشة، «برهان الدين الدّمياطيّ» فذهب وعاد بالحباء من جهة الملك، لكن ذكر عنه أنه أتى أمورا هناك تقدح في عقيدة ديانته، والله أعلم بحقيقة ذلك. وستأتي الإشارة إلى المكاتبة إلى هؤلاء الملوك السبعة في المقالة الرابعة في الكلام على المكاتبات إن شاء الله تعالى.
الجملة الخامسة (في زيّ أهل هذه المملكة)
أما لبسهم، فإنه قد جرت عادتهم أن الملك يعصّب رأسه بعصابة من حرير، تدور بدائر رأسه، ويبقى وسط رأسه مكشوفا، والأمراء والجند يعصّبون رؤوسهم كذلك بعصائب من قطن، والفقهاء يلبسون العمائم، والعامّة يلبسون كوافي بيضا طاقيات، والسلطان والجند يتّزرون بثياب غير مخيطة: يشدّ وسطه بثوب، ويتّزر بآخر، ويلبسون مع ذلك سراويلات. ومن عداهم من الناس يقتصرون على شدّ الوسط والاتّزار خاصّة بلا لبس سراويل. وربما لبس القمصان منهم بعض الفقهاء وأرباب النّعم.
وأما ركوبهم الخيل، فإنهم يركبونها بغير سروج، بل يوطّا لهم على ظهورها بجلود مرعزّى حتّى ملوكهم.
وأما سلاحهم فغالبه الحراب والنّشّاب.
الجملة السادسة (في شعار الملك وترتيبه)
أما شعار الملك، فقد جرت عادتهم أن الملك إذا ركب تقدّم قدّامه الحجّاب والنّقباء لطرد الناس، ويضرب بالشّبّابة «1» أمامه، ويضرب معها ببوقات من خشب، في رؤوسها قرون مجوّفة، ويدقّ مع ذلك طبول معلّقة في أعناق
الرجال تسمّى عندهم الوطواط. ويتقدّم أمام الكل بوق عظيم يسمّى الجنبا، وهو بوق ملويّ من قرن وحش عندهم من نوع بقر الوحش اسمه (عجرين) في طول ثلاثة أذرع، مجوّف يسمع على مسيرة نصف يوم، يعلم من سمعه ركوب الملك، فيبادر إلى الركوب معه من له عادة به.
وأما ترتيب الملك عندهم، فإن من عادتهم أن الملك يجلس على كرسيّ من حديد مطعّم بالذهب، علوّه أربعة أذرع من الأرض، ويجلس أكابر الأمراء حوله على كراسيّ أخفض من كرسيّه، وبقية الأمراء وقوف أمامه، ويحمل رجلان السلاح على رأسه. ويختصّ صاحب (وفات) بأنه إذا ركب حمل على رأسه جتر على عادة الملوك.
ثم إن كان الملك راكبا فرسا، كان حامل الجتر ماشيا بازائه والجتر بيده، وإن كان راكبا بغلا، كان حامل الجتر رديفه والجتر بيده على رأس الملك.
وبالجملة فإنه يعد من حشمة الملك أو الأمير عندهم أنه إذا كان راكبا بغلا أن يردف غلامه خلفه، بخلاف ما إذا كان راكبا فرسا فإنه لا يردف خلفه أحدا. ومما يعدّ ب (وفات) من حشمة الملك أو الأمير أنه إذا مشى يتوكّا على يدي رجلين.
وملوكهم تتصدّى للحكم بأنفسهم وإن كان عندهم القضاة والعلماء. وليس لأحد من الأمراء ولا سائر الجند إقطاعات على السلطان ولا نقود كما بمصر والشام، بل لهم الدوابّ السائمة. ومن شاء منهم زرع واستغلّ ولا يعارض في ذلك. وليس لأحد من ملوكهم سماط عامّ، بل إنما يمد سماطه له ولخاصّته، ولكنه يفرّق على أمرائة بقرا عوضا عن أمر أكلهم على السّماط. وأكثر ما يعطى الأمير الكبير منهم مائتا بقرة.
قلت: وأهمل المقرّ الشهابي بن فضل الله في «مسالك الأبصار» و «التعريف» عدّة بلاد من ممالك الحبشة المسلمين.
منها (جزيرة دهلك) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح الدال المهملة وسكون الهاء ثم لام مفتوحة وكاف. وهي جزيرة في بحر القلزم، واقعة في الإقليم
الأول من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : حيث الطول إحدى وستون درجة، والعرض أربع عشرة درجة. قال في «تقويم البلدان» : وهي جزيرة مشهورة على طريق المسافرين في بحر عيذاب إلى اليمن. قال ابن سعيد: غربي مدينة (حلي) في بلاد اليمن، فطولها نحو مائتي ميل، وبينها وبين برّ اليمن نحو ثلاثين ميلا [وملك دهلك من الحبش المسلمين «1» ] وهو يداري صاحب اليمن.
ومنها (مدينة عوان) بفتح العين المهملة والواو وألف ثم نون. وهي مدينة على ساحل بحر القلزم مقابل (تهامة اليمن) حيث الطول ثمان وسبعون درجة، والعرض ثلاث عشرة درجة ونصف درجة. قال في «تقويم البلدان» : وإذا كان وقت الضحى ظهر منها (الجناح) وهو جبل عال في البحر.
ومنها (مدينة مقدشو) بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدال «2» المهملة ثم شين معجمة وواو في الآخر كما نقله في «تقويم البلدان» عن ضبطه في «مزيل الارتياب» بالشكل. وموقعها بين الإقليم الأول من الأقاليم السبعة وخطّ الاستواء.
قال ابن سعيد: حيث الطول اثنتان وسبعون درجة، والعرض درجتان. قال في «مزيل الارتياب» : وهي مدينة كبيرة بين الزّنج والحبشة. قال: وهي على [بحر] الهند، ولها نهر عظيم شبيه بنيل مصر في زيادته في الصيّف. قال: وقد ذكر أنه شقيق لنيل مصر في مخرجه من بحيرة كورا، ومصبّه ببحر الهند على القرب من مقدشو.
قلت: وقد أتى الحطّي ملك الحبشة النصارى على معظم هذه الممالك بعد الثمانمائة وخرّبها وقتل أهلها وحرّق ما بها من المصاحف وأكره الكثير منهم على الدخول في دين النصرانية، ولم يبق من ملوكها سوى ابن مسمار المقابلة بلاده
لجزيرة دهلك تحت طاعة الحطّي ملك الحبشة وله عليه إتاوة مقرّرة، والسلطان سعد الدين صاحب زيلع وما معها وهو عاص له خارج عن طاعته بينه وبينه الحروب لا تنقطع، وللسلطان سعد الدين في كثير من الأوقات النصرة عليه والغلبة والله يؤيد بنصره من يشاء.
واعلم أن ما تقدّم ذكره من ممالك السودان هو المشهور منها، وإلا فوراء ذلك بلاد نائية الجوانب بعيدة المرمى منقطعة الأخبار.
منها (بلاد الزنج) . وهي بلاد شرقيّ الخليج البربريّ المقدّم ذكره في الكلام على البحار تقابل بلاد الحبشة من البر الآخر.
وقاعدتها (سفالة الزّنج) . قال في «تقويم البلدان» بالسين المهملة والفاء ثم ألف ولام وهاء في الآخر. وموقعها جنوبيّ خط الاستواء. قال في «القانون» : حيث الطول خمسون درجة، والعرض في الجنوب درجتان. قال في «القانون» : وأهلها مسلمون. قال ابن سعيد: وأكثر معايشهم من الذهب والحديد، ولباسهم جلود النّمور. وذكر المسعوديّ أن الخيل لا تعيش عندهم، وعسكرهم رجّالة، وربما قاتلوا على البقر.
ومنها (بلاد الهمج) جنوبيّ بلاد التّكرور. فقد ذكر ابن سعيد أنه خرج على أصناف السّودان طائفة منهم يقال لهم [الدّمادم]«1» يشبهون التتر، خرجوا في زمن خروجهم فأهلكوا ما جاورهم من البلدان. وذكر في «مسالك الأبصار» عن ابن أمير حاجب والي مصر عن منسا موسى ملك التّكرور أنهم كالتتر في تدوير وجوههم، وأنهم يركبون خيولا مشقّقة الأنوف كالأكاديش، وأن همج السودان عدد لا يستوعبهم الزمان وأن منهم قوما يأكلون لحم الناس.