الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال في «تقويم البلدان» : وأهلها مخصوصون برفاهية العيش. قال في «مسالك الأبصار» : ولأهلها حسن الصنعة في المخروطات من الخشب والنّحاس. قال أبو عبد الله السلايحي: ولكنها وخمة ثقيلة الماء، تعلو وجوه سكّانها صفرة، وتحدث في أجسادهم كسلا وفتورا.
القاعدة الثانية (سبتة)
قال في «تقويم البلدان» : بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة وتاء مثناة فوق وهاء في الآخر. قال في «الروض المعطار» : والنسبة إليها سبتيّ بكسر السين. وهي في دخلة في البحر. قال في «تقويم البلدان» : وهي مدينة بين بحرين: بين البحر المحيط وبحر الرّوم. ومدخلها من جهة المغرب وهو مدخل ضيّق، والبحر محيط بأكثرها، ولو شاء أهلها لوصلوا البحر حولها وجعلوها جزيرة. ولها أسوار عظيمة من الصّخر، وعليها أبراج كثيرة، والماء يجلب إليها في الشّواني «1» حتى للحمّامات التي بها، وبها صهاريج من ماء المطر. ويقال إنها أوّل ما بني ببر العدوة. قال في «الروض المعطار» : وهي سبعة أجبل «2» صغار متصلة بعضها ببعض معمورة؛ طولها من الغرب إلى الشرق نحو ميل. وقال في «مسالك الأبصار» : طولها من السور الغربي المحيط بربضها إلى آخر الجزيرة خمسة أميال. قال في «الروض المعطار» : ولها بابان من جهة البرّ، ويتصل بها على ميلين من جهة الغرب جبل يعرف بجبل موسى، وهو موسى بن نصير «3» الذي فتح الأندلس، ويجاوره بساتين وأشجار وقرى كثيرة، وهناك يزرع قصب السكّر ويحمل إلى ما جاورها من البلدان، ولها نهر عذب في البحر، وكان بها كنيسة
جعلت جامعا، وبها يستخرج من البحر شجر المرجان الذي لا يعدله مرجان.
ويقابلها من الأندلس الجزيرة الخضراء وبحر الروم بينهما ضيّق، حتّى إنه إذا كان الصحوريئت إحداهما من الأخرى، ولذلك يسمّى بحرها بحر الزّقاق، وميناها شرقيّها، وغالب طرف الدنيا موجودة فيها، والحنطة مجلوبة إليها إذ لا يزكو نباتها فيها، ويصاد بها أسماك مختلفة على نحو مائة نوع. ويقابل هذه المدينة من برّ الأندلس الجزيرة الخضراء.
وكانت هذه المدينة قاعدة لهذا القطر قبل الإسلام، وهي يومئذ ديار عمارة من المصامدة، والحاكم عليها ملك الأندلس من القوط، وكان ملك عمارة بها في زمن الفتح يقال له يليان «1» ؛ ولما زحف إليه موسى بن نصير المذكور أمير أفريقيّة في زمن الفتح جاء معه بالهدايا، وأذعن لأداء الجزية فأقرّه عليها، واسترهن ابنه وأبناء قومه، وأنزل طارق بن زياد «2» بطنجة بالعساكر إلى أن أجاز البحر لفتح الأندلس كما سيأتي في الكلام على مكاتبة صاحب الأندلس.
ولما هلك يليان استولى المسلمون من العرب على مدينة سبتة بالصّلح من أهلها فعمروها إلى أن كانت فتنة ميسرة الخفير وما دعا إليه من مذهب الخوارج وأخذ به الكثير من البربر من غمارة وغيرهم، فزحف برابرة طنجة إلى سبتة فأخرجوا العرب منها وخرّبوها، وبقيت خالية إلى أن عمرها ماجكس من وجوه غمارة من البربر وبناها وأسلم وصحب أهل العلم، فرجع الناس إليها ومات.
فقام بأمره من بعده ابنه (عصام) فأقام بها زمنا إلى أن مات.
فولي بعده ابنه (مجير) فأقام بها إلى أن مات.
فوليها أخوه (الرّضيّ) ويقال ابنه، وكانوا يعطون الطاعة لبني إدريس من العلوية ملوك فاس، ولما سما الناصر «1» الأمويّ صاحب الأندلس إلى ملك المغرب وتناول أكثره من يد الأدارسة ببلاد غمارة وغيرها حين أخرجوا من فاس وقاموا بدعوة الناصر في جميع أعمالهم، نزلوا للناصر عن سبتة، فبعث إليها العساكر فانتزعها من يد الرّضيّ بن عصام سنة تسع عشرة وثلاثمائة، وانقرض أمر بني عصام وصارت سبتة للناصر ومن بعده من بني أميّة خلفاء الأندلس. وكان عليّ والقاسم ابنا حمّود بن ميمون، بن أحمد، بن عليّ، بن عبيد الله، بن عمر، بن إدريس العلويّ قد لحقا بالأندلس لما أخرج المستنصر «2» الأمويّ الأدارسة من المغرب، وبقيا بالأندلس إلى أن كانت أيام المستعين سليمان «3» بن الحكم فاختصّ بقاسم وعليّ ابني حمّود، وعقد لعليّ بن حمّود على طنجة وأعمال غمارة فنزلها، ثم خرج عن طاعته ودعا لنفسه، وعاد إلى الأندلس وولي الخلافة بقرطبة كما سيأتي في مكاتبة صاحب الأندلس، وولّى على عمله بطنجة ابنه يحيى بن علي.
ثم أجاز يحيى بعد موت أبيه إلى الأندلس واستقلّ أخوه إدريس بن علي بولاية طنجة وسائر أعمال أبيه من مواطن غمارة.
ثم أجاز إلى الأندلس بعد مهلك أخيه يحيى، وعقد لحسن ابن أخيه يحيى
على عملهم بسبتة وطنجة وأرسل معه نجا الخادم لتدبير دولته.
ثم أجاز (نجا) الخادم إلى الأندلس ومعه حسن بن يحيى المذكور، ثم عقد حسن لنجا الخادم على عملهم في بلاد غمارة.
فلما هلك حسن بالأندلس، أجاز (نجا) إلى الأندلس واستخلف على العمل من وثق به من الموالي الصّقالبة، واستمرّت في الموالي واحدا بعد آخر إلى أن استقلّ بسبتة وطنجة من موالي بني حمّود الحاجب (سكّوت البرغوطي) فاستقلّ بسبتة وطنجة وأطاعته قبائل غمارة؛ واتّصلت أيامه إلى أن كانت دولة المرابطين، وغلب أمير المسلمين «يوسف بن تاشفين» «1» على مغراوة بفاس، وسار إلى بلاد غمارة ونازل سكوت الحاجب، وكانت بينهما واقعة قتل فيها سكوت، ولحق ضياء الدولة بن سكوت بسبتة فأقام بها إلى أن نازله المعزّ بن يوسف بن تاشفين بها فقبض عليه ثم قتله؛ وانقرضت دولة بني حمّود من بلاد غمارة وصارت في ملك المرابطين إلى أن فتح بنو عبد المؤمن من الموحّدين مرّاكش، فدخل أهل سبتة وسائر غمارة في طاعتهم؛ وأقامت على ذلك إلى أن ضعفت دولة بني عبد المؤمن:
ثار في غمارة محمد بن محمد اللّثاميّ المعروف بابي الطواجن، وكان له يد في السّيمياء، وارتحل إلى سبتة فنزل عليها وادّعى النبوّة وأظهر أنواعا من السيمياء فاتّبعه جماعة، ثم ظهر لهم حقيقة أمره فرجعوا عنه، وقتله بعض البربر غيلة، إلى أن كانت أيام بني مرين وغلبهم على بلاد المغرب فامتنعت عليهم سبتة، وقام بأمرها الفقيه أبو القاسم العزفي من مشيختها فبقيت بيده ويد بنيه إلى أن ملكها منهم بنو مرين سنة تسع وعشرين وسبعمائة في أيام السلطان أبي الحسن، فصارت
تابعة لفاس دار ملك بني مرين جارية في يد ملوكها، وهي باقية بأيديهم إلى زماننا بعد العشر والثمانمائة.
القاعدة الثالثة «1» (مدينة مرّاكش)
بفتح الميم وتشديد الراء المهملة وفتحها وألف ساكنة ثم كاف ثم شين معجمة.
وهي مدينة واقعة في أوّل الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول إحدى عشرة درجة، والعرض تسع وعشرون درجة. بناها أمير المسلمين «يوسف بن تاشفين» ملك المرابطين في أرض صحراويّة، وجلب إليها المياه.
قال ابن سعيد: وأوّل ما بني بها القصر المعروف (بقصر الحجر) ثم بنى الناس حوله؛ ثم زادها يعقوب بن عبد المؤمن، وكبّرها ومصرّها، وفخّمها وضخّمها؛ وجلب إليها المياه والغراس. قال في «تقويم البلدان» ودورها سبعة أميال، ولها سبعة عشر بابا. قال في «الروض المعطار» : وبنى سورها عليّ بن يوسف بن تاشفين في سنة ستّ وعشرين وخمسمائة، وقيل سنة أربع عشرة وخمسمائة. قال:
وطولها مائة وعشرون ميلا، وعرضها قريب من ذلك؛ وهي في وطاءة من الأرض ليس حولها جبال إلا جبل صغير منه قطع الحجر الذي بنى منه عليّ بن يوسف بن تاشفين قصره؛ وعامّة بنائها بالطين والطوب.
قال ابن سعيد: وهي مما سكنت بها وعرفتها ظاهرا وباطنا، ولا أرى عبارة تفي بما تحتوي عليه، ويكفي أن كلّ قصر من قصورها مستقلّ بالديار والبساتين والحمّام والإصطبلات والمياه، وغير ذلك حتّى إن الرئيس منهم يغلق بابه على جميع خوله وأقاربه وما يحتاج إليه، ولا يخرج من بابه إلى خارج داره لحاجة يحتاجها، ولا يشترى شيئا من السوق لمأكل، ولا يقريء أولاده في مكتب،
ويخرج من بابه راكبا فلا تقع عليه العين راجلا. قال: ولا أدري كيف أصل إلى غاية من الوصف أصف بها ترتيب هذه المدينة المحدثة؟ فإنها من عجائب همّات السلاطين، ذات أسوار ضخمة وأبواب عالية.
وبظاهرها مدينة اختطها المنصور «يعقوب بن عبد المؤمن» له ولخواصّه تعرف بتامرّاكش، وبها قصر الخلافة الذي بناه به دور عظيمة، وبها بستان يعرف بالبحيرة طوله اثنا عشر ميلا، به بركة عظيمة لم يعمل مثلها قال العقيليّ: طولها ثلاثمائة وثمانون باعا، على جانبها الواحد أربعمائة شجرة نارنج، بين كل اثنتين منها ليمونة أو ريحانة. وهي أكثر بلاد الغرب بساتين، وشجرها أكثر منها، وبساتينها تسقى بالبئار «1» وبئارها قريبة الرشاء «2» على نحو قامتين من وجه الأرض، وهي كثيرة الزّرع والضّرع، وبها دار الضيافة المعروفة بدار الكرامة. وفيها يقول محمد بن محمد البربريّ من أبيات يمدحهم ويصفها:(خفيف) .
خير قوم دعوا إلى خير دار
…
هي للملك نضرة وكمامه
عالم السبعة الأقاليم فيها،
…
وهم في فنائها كالقلامه
وبمرّاكش جامع جليل يعرف بالكتبيّين، طوله مائة وعشرة أذرع، وعلى بابه ساعات مرتفعة في الهواء خمسين ذراعا، كان يرمى فيها عند انقضاء كلّ ساعة صنجة زنتها مائة درهم، تتحرك لنزولها أجراس تسمع على بعد، تسمّى عندهم بالبحّانة. قال في «تقويم البلدان» : إلا أنّ الناس أكثروا فيها البساتين فكثر وخمها. قال في «الروض المعطار» : وقد هجاها أبو القاسم بن أبي عبد الله محمد ابن أيوب بن نوح الغافقيّ من أهل بلنسية بأبيات أبلغ في ذمّها، فقال:(مخلّع البسيط) .
مرّاكش إن سألت عنها،
…
فإنّها في البلاد عار!
هواؤها في الشّتاء ثلج
…
وحرّها في المصيف نار!