الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للمقرّ والمقام من العموم حتّى يعمّ ما فوق موضع الجلوس، إذ لا يحسن أن يقال مجلس فلان محلّة كذا ولا بلد كذا كما يحسن أن يقال: مقرّه أو مقامه محلّة كذا أو بلد كذا.
السادس- مجلس
- مجرّدا عن الألف واللام مضافا إلى ما بعده، وله في الاصطلاح أربع حالات:
الأولى- أن يضاف إلى الأمير
: فيقال «مجلس الأمير» وهو مختصّ بأرباب السيوف على اختلاف أنواعهم من التّرك والعرب وغيرهم.
الثانية- أن يضاف إلى القاضي
: فيقال «مجلس القاضي» وهو مختصّ بأرباب الأقلام من القضاة والعلماء والكتّاب ومن في معناهم.
الثالثة- أن يضاف إلى الشيخ
: فيقال «مجلس الشيخ» ويختصّ ذلك بالصّوفيّة وأهل الصّلاح ومن في معناهم.
الرابعة- أن يضاف إلى الصّدر
: فيقال «مجلس الصّدر» وهو مختصّ بالتجّار وأرباب الصّنائع ومن في معناهم، وربما كتب به في الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون» وما قاربها لكتّاب الدّرج ومن في معناهم. والمراد بالصّدر صدر المجلس الذي هو أعلى أماكنه وأرفعها، والمضاف والمضاف إليه فيه كالمتعاكسين، والتقدم صدر المجلس.
السابع- أن يقتصر على المضاف إليه من مجلس الأمير
، أو مجلس القاضي، ومجلس الشيخ، أو مجلس الصّدر ويقال فيه:«الأمير الأجلّ» و «القاضي الأجلّ» و «الشيخ الصالح» و «الصدر الأجلّ» .
الثامن- الحضرة
، والمراد بها حضرة صاحب اللّقب. قال الجوهري:
حضرة الرجل قربه وفناؤه. قال ابن قتيبة في «أدب الكاتب» : وتقال بفتح الحاء
وكسرها وضمها وأكثر ما تستعمل في المكاتبات. وهي من الألقاب القديمة التي كانت تستعمل في مكاتبات الخلفاء، وكان يقال فيها «الحضرة العالية» و «الحضرة السامية» وتستعمل الآن في المكاتبات الصادرة عن الأبواب السلطانية إلى بعض الملوك. ويقال فيها:«الحضرة الشريفة العالية» و «الحضرة الكريمة العالية» و «الحضرة العليّة» بحسب ما تقتضيه الحال. قال ابن شيث في «معالم الكتابة» : كانت مما يكتب بها لأعيان الدولة من الوزراء وغيرهم، ولم يكن السلطان يكاتب بها أحدا من الداخلين تحت حكمه والمنسحب عليهم أمره.
وتستعمل أيضا في مكاتبات ملوك الكفر، ويقال فيه بعد الدعاء للحضرة:«حضرة الملك الجليل» ونحو ذلك على ما سيأتي بيانه في موضعه. وقد تستعمل في الولايات في نحو ما يكتب للبطرك. فيقال: «حضرة الشيخ» أو «حضرة البطرك» ونحو ذلك. قلت: وكثير من كتّاب الزمان يظنّون أن هذه الألقاب الأصول أو أكثرها أحدثها القاضي شهاب الدين بن فضل الله وليس كذلك، بل المجلس مذكور في مكاتبات القاضي الفاضل ومن عاصره بكثرة بل لا تكاد مكاتبة من مكاتباته الملوكيّة تخلو عن ذلك. ومقتضى كلام ابن حاجب النّعمان في «ذخيرة الكتّاب» أنّه أوّل ما ابتدع في أيّام بني بويه ملوك الدّيلم والجناب موجود في مكاتبات القاضي الفاضل أيضا بقلّة. وقد ذكره ابن شيث في مصطلح كتابة الدولة الأيوبية. والمقرّ موجود في كلام القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر.
والمقام موجود في مكاتبات من قبل القاضي شهاب الدّين المذكور، نعم هذا الترتيب الخاصّ: وهو جعل أعلاها المقام، ثم المقرّ، ثم الجناب، ثم المجلس، ثم مجلس الأمير أو القاضي أو الشيخ، لم أره إلا في كلام المقرّ الشهابيّ المشار إليه ومتابعيه، ولا أدري أهو المقترح لهذا أم سبقه إليه غيره؟ وقد أولع الفضلاء بالسؤال عن وجه هذا الترتيب، بل أخذوا في إنكاره على مرتّبه من حيث إن هذه الألقاب متقاربة المعاني في اللغة، فلا يتجه تقديم بعضها على بعض في الرتبة، ولا يخفى أن واضع ذلك من المقرّ الشهابيّ أو غيره لم يضعه عن جهل على سبيل التشهّي إذ لا يليق ذلك بمن عنده أدنى مسكة من العلم، وقد ظهر لي عن ذلك
أجوبة يستحسنها الذهن السليم إذا تلقّيت بالإنصاف، ولا بدّ من تقديم مقدّمة على ذلك: وهي أن تعلم أن الخطاب في المكاتبات، والوصف في الولايات، مبنيّ على التفخيم والتعظيم، على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى، ومن ثمّ أتي فيهما بالألقاب المؤدّية إلى الرّفعة كما تقدّمت الإشارة إليه في أوّل الكلام على الألقاب، ثم أثبتوا هذه الألقاب بمعنى الأماكن كناية عن أصحابها من باب مجاز المجاورة وجعلوها رتبة بعد رتبة بحسب ما تقتضيه معانيها اللائحة منها على ما سيأتي بيانه، فجعلوا أدناها رتبة الأمير والقاضي والشيخ، التي وقع فيها التصريح بذكر الشخص، وجعلوا فوق تلك المجلس لتجرّده عن الاضافة إلى ما هو في معنى القريب من التصريح، وجعلوا فوق ذلك الجناب الذي هو الفناء من حيث إن فناء الرجل أوسع من مجلسه ضرورة، بل ربما اشتمل على المجلس واستضافه إليه، وجعلوا فوق ذلك المقرّ الذي هو موضع الاستقرار مع ما يقتضيه من شمول جميع المحلّة أو البلد الذي هو مقيم فيه، من حيث إنه يسوغ أن يقال مقرّه محلّة كذا أو بلد كذا، وتضمنت معنى القرار الذي هو ضد الزّوال على ما قال تعالى: وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ
«1» وجعلوا فوق ذلك المقام لاستعماله في المعنى العامّ، الذي هو أعم من موضع القيام كما أشار إليه الزمخشريّ، مع ما في معنى القيام من النّهضة والشّهامة الزائدة على معنى الاستقرار، من حيث إن القعود دليل العجز والقصور. قال تعالى: وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ
«2» وقال: الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا
«3» فكان المقام باعتبار ذلك أعلى من المقرّ ويوضّح ما ذكرناه أنهم جعلوا المجلس أدنى المراتب والمقام أعلاها.
أما تخصيصه خطاب الخليفة بالدّيوان فلبعد تعلّقه مع كونه عنه تصدر المخاطبات وعليه ترد على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.