الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجملة الثانية (فيما اشتمل عليه من المدن)
وهو يشتمل على عدّة قواعد ومضافاتها.
القاعدة الأولى (غرناطة)
قال في «تقويم البلدان» : بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وفتح النون وألف وطاء مهملة وهاء في الآخر. ويقال: أغرناطة بهمزة مفتوحة في أوّلها.
وهي مدينة في جنوب الأندلس، موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول إحدى عشرة درجة وأربعون دقيقة، والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : ومملكتها في الجنوب والشرق عن مملكة قرطبة، وبينها وبين قرطبة نحو خمسة أيام. قال: وغرناطة في نهاية الحصانة وغاية النّزاهة، تشبه دمشق من الشام، وتفضّل عليها بأنّ مدينتها مشرفة على غوطتها وهي مكشوفة من الشمال، وأنهارها تنصبّ من جبل الثلج الذي هو من جنوبيها وتتخرق فيها، وعليها الأرحي داخل المدينة، ولها أشجار وثمار ومياه مسيرة يومين تقع تحت مرأى العين لا يحجبها شيء. قال في «مسالك الأبصار» ولها ثلاثة عشر بابا: باب إلبيرة وهو أضخمها، وباب الكحل، وباب الرّخاء، وباب المرضى، وباب المصرع، وباب الرملة، وباب الدبّاغين؛ وباب الطّوّابين، وباب الفخّارين، وباب الخندق، وباب الدفاف، وباب البنود؛ وباب الأسدر. وحولها أربعة أرباض «1» : ربض الفخّارين، وربض الأجل، وهو كثير القصور والبساتين، وربض البيازين بناحية باب الدفاف، وهو كثير العمارة يخرج منه نحو خمسة عشر ألف مقاتل، وهو ربض مستقلّ بحكّامه وقضاته وغير ذلك.
وجامعها من أبدع الجوامع وأحسنها منظرا، وهو محكم البناء لا يلاصقه بناء، تحفّ به دكاكين الشّهود والعطّارين، وقد قام سقفه على أعمدة حسان، والماء يجرى داخلة، ومساجدها [ورباطاتها] لا تكاد تحصى لكثرتها.
وذكر في «مسالك الأبصار» : أنها قليلة مهبّ الرياح، لا تجري بها الريح إلا نادرا لاكتناف الجبال إيّاها. ثم قال: وأصل أنهارها نهران عظيمان (شنيل)«1» و (حدرّه) .
أما شنيل، فينحدر من جبل شكير بجنوبيها ويمرّ على غربيّ غرناطة إلى فحصها، يشقّ فيها أربعين ميلا بين بساتين وقرى وضياع كثيرة البيوت والغلال وأبراج الحمام وغير ذلك. قال: وينتهي فحصها إلى (لوشة)«2» حيث أصحاب الكهف على قول، وجبل شكير المذكور هو طود شامخ لا ينفكّ عنه الثلج شتاء ولا صيفا، فهو لذلك شديد البرد، ويؤثّر برده بغرناطة في الشتاء: لقربه منها إذ ليس بينه وبينها سوى عشرة أميال. وفي ذلك يقول ابن صدرة الشاعر قاتله الله:
(طويل) .
أحلّ لنا ترك الصلاة بأرضكم،
…
وشرب الحميّا «3» وهو شيء محرّم
فرارا إلى نار الجحيم لأنّها
…
أرقّ علينا من شكير وأرحم!
لئن كان ربّي مدخلي في جهنّم
…
ففي مثل هذا اليوم طابت جهنّم!
وأما حدرّه، فينحدر من جبل بناحية (وادياش)«4» شرقيّ شكير فيمرّ بين
بساتين ومزارع وكروم إلى أن ينتهي إلى غرناطة، فيدخلها على باب الدفاف بشرقيها، يشقّ المدينة نصفين، تطحن به الأرحاء بداخلها، وعليه بداخلها خمس قناطر: وهي قنطرة ابن رشيق، وقنطرة القاضي، وقنطرة حمّام جاس، والقنطرة الجديدة، وقنطرة الفود، وعلى القناطر سواق ومبان محكمة. والماء يجري من هذا النهر في جميع البلد: في أسواقه وقاعاته ومساجده، يبرز في أماكن على وجه الأرض، وتخفى جداوله تحتها في الأكثر، وحيث طلب الماء وجد، وبالمدينة جبلان يشقّان وسطها، يعرف أحدهما بالخزة وموزور. والثاني بالقصبة القديمة، وبالز. وبهما دور حسان، وعلاليّ مشرفة على فحصها، فيرى منهما منظرا بديعا من فروع الأنهار والمزدرعات وغير ذلك مما يقصر عنه التخييل والتشبيه. وقد صارت قاعدة ملك الإسلام بالأندلس بيد ملوكها من بني الأحمر «1» الآتي ذكرهم في الكلام على ملوكها. قال في «مسالك الأبصار» : وبها من الفواكه التّفّاح، والقراصيا البعلبكيّة التي لا تكاد توجد في الدنيا منظرا وحلاوة حتى إنها ليعصر منها العسل.
وبها الحوز «2» ، والقسطل، والتين، والأعناب، والخوخ، والبلّوط، وغير ذلك.
وبجبل شكير المقدّم ذكره عقاقير الهند وعشب يستعمل في الأدوية، يعرفها الشجّارون لا توجد في الهند ولا في غيره.
قال في «التعريف» : ومقرّ سلطانها منها (القصبة الحمراء) قال: ومعنى القصبة عندهم القلعة، وتسمّى حمراء غرناطة. قال في «تقويم البلدان» : وهي قلعة عالية شديدة الامتناع. قال في «مسالك الأبصار» : وهي بديعة متّسعة كثيرة المباني الضخمة والقصور ظريفة جدّا، يجري بها الماء تحت بلاط كما يجري في المدينة، فلا يخلو منه مسجد ولا بيت، وبأعلى برج منها عين ماء، وجامعها من أبدع الجوامع حسنا، وأحسنها بناء، وبه الثّريّات الفضّيّة معلّقة، وبحائط محرابه أحجار ياقوت مرصّفة في جملة مانمّق به من الذهب والفضّة؛ ومنبره من العاج
والآبنوس. قال في «تقويم البلدان» في الكلام على الأندلس: ولم يبق للمسلمين بها غير غرناطة وما أضيف إليها، مثل الجزيرة الخضراء، والمريّة. قال في «مسالك الأبصار» : وطولها عشرة أيام، وعرضها ثلاثة أيام. وهي ممتدّة على بحر الزّقاق وما يلي ذلك. ثم قال: وأوّلها من جهة المشرق المريّة، وهي أوّل مراسي البلاد الإسلامية. قال في «تقويم البلدان» وكانت القاعدة قبل غرناطة حصن إلبيرة، فخرب في زمن الإسلام، وصارت القاعدة غرناطة.
وقد عدّ في «مسالك الأبصار» من هذه المملكة عدّة بلاد مضافة إلى مملكة غرناطة الآن.
منها (المريّة) قال في «المشترك» : بفتح الميم وكسر الراء المهملة وتشديد المثناة من تحت وفي آخرها هاء. وهي مدينة بين مملكتي مالقة ومرسية، موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أنها حيث الطول أربع عشرة درجة، والعرض خمس وثلاثون درجة واثنتان وأربعون دقيقة.
قال: وهي مدينة مسوّرة على حافة الزّقاق، وهي باب الشّرق، ومفتاح الرّزق، ولها برّ فضّيّ، وساحل تبريّ، وبحر زبرجديّ، وأسوارها عالية، وقلعتها منيعة شامخة، وهواؤها معتدل، ويعمل بها من الحرير ما يفوق الجمال.
قال في «مسالك الأبصار» : والمريّة ثلاث مدن.
الأولى- من جهة الغرب تعرف بالحوض الداخلي. لها سور محفوظ من العدوّ بالسّمّار والحرّاس، ولا عمارة فيها، ويليها إلى الشرق المدينة القديمة، وتليها المدينة الثالثة المعروفة بمصلّى المريّة، وهي أكبر الثلاث. ولها قلعة بجوار القديمة من جهة الشّمال، وتسمّى القصبة في عرفهم. قال: وهما قصبتان في غاية الحسن والمنعة. وساحل المريّة أحسن السّواحل، وحولها حصون وقرى كثيرة وجبال شامخة. وجامعها الكبير بالمدينة القديمة، وهو من بديع الجوامع. وهي مدينة كثيرة الفواكه. وأكثر زرعها بالمطر وعليه يترتب الخصب وعدمه، وإليها تجلب الحنطة من برّ العدوة، وبها دار صناعة لعمارة المراكب، وبينها وبين
غرناطة مسيرة ثلاثة أيام. وكانت في الزمن الأوّل قبل إضافتها إلى غرناطة مملكة مستقلة. ويقال: إن وادي المريّة من أبدع الأودية على أن ماءه يقلّ في الصيف حتى يقسّط على البساتين.
قال في «مسالك الأبصار» : وعلى وادى المريّة، (بجّانة) . قال: وهي الآن قرية عظيمة جدّا، ذات زيتون وأعناب وفواكه مختلفة، وبساتين ضخمة كثيرة الثمرات.
ومنها (شلوبين) بفتح الشين المعجمة وضم اللام وسكون الواو وكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر. وسماها في «تقويم البلدان» :
شلوبينية. ثم قال: وهو من حصون غرناطة البحرية على بحر الزّقاق، ومنه أبو علي عمر بن محمد الشّلوبينيّ إمام نحاة المغرب. قال صاحب حماة: وقد غلط من قال الشّلوبيني هو الأشقر بلغة الأندلس. قال في «مسالك الأبصار» : وبها يزرع قصب السكر، وهي معدّة لإرسال من يغضب عليه السلطان من أقاربه.
ومنها (المنكّب) . قال في «مسالك الأبصار» : وهي مدينة على القرب من شلوبين دون المريّة، بها دار صناعة لإنشاء السّفن، وبها قصب السكّر، ومنها يحمل السكر إلى البلاد، وبها الموز، ولا يوجد في بلد من البلاد الإسلامية [هنالك] إلا بها إلا ما لا يعتبر، وبها زبيب مشهور الاسم.
ومنها (بلّش) . وهي مدينة تلي المنكّب من جهة الغرب، كثيرة التّين والعنب والفواكة. قال أبو عبد الله بن السديد: ليس بالأندلس أكثر عنبا وتينا يابسا منها.
ومنها (مالقة) قال في «تقويم البلدان» : بفتح الميم وألف وكسر «1» اللام
وفتح القاف وهاء في الآخر. وهي مدينة من جنوب الأندلس موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. وقياس ابن سعيد أنها حيث الطول عشر درج وثلاثون دقيقة، والعرض ثمان وثلاثون درجة وأربع وخمسون دقيقة: وكانت في القديم مملكة مستقلّة، ثم أضيفت الآن إلى غرناطة وملكها حتّى مملكة قرطبة، وهي بين مملكتي إشبيلية وغرناطة، وهي على بحر الزّقاق، وبها الكثير من التين واللّوز الحسن المنظر. ومنها ينقل يابسا إلى جميع الأندلس. قال في «مسالك الأبصار» : ولها ربضان عامران: أحدهما من علوها والآخر من سفلها وجامعها بديع، وبصحنة نارنج ونخلة نابتة، وبها دار صناعة لإنشاء المراكب، وهي مختصّة بعمل صنائع الجلد: كالأغشية، والحزم، والمدورات، وبصنائع الحديد: كالسّكّين والمقصّ ونحوهما. وبها الفخّار المذهب الذي لا يوجد مثله في بلد. قال ابن السديد: وبها سوق ممتدّ لعمل الخوص من الأطباق وما في معناها، ولها عدّة حصون في أعمالها، وفي أعمالها يوجد الحرير الكثير.
ومنها مدينة (مربلّة) بفتح الميم وسكون الراء المهملة وضم الباء الموحدة وفتح اللام المشدّدة وهاء في الآخر. وهي مدينة صغيرة مما يلي مالقة من الغرب على الساحل، وبها الفواكه الكثيرة والسمك.
ومنها (أشبونة) . وهي مما يلي مربلّة من جهة الغرب على الساحل، وهي نظيرها في كثرة الفواكه.
ومنها (جبل الفتح) . وهو الذي نزله طارق عند فتح الأندلس في أوّل الإسلام، منيع جدّا، يخرج في بحر الزّقاق ستة أميال، وهو أضيق ما يكون عنده، وقد كان هذا الجبل في مملكة الفرنج وأقام بيدهم عدّة سنين، ثم أعاده الله تعالى إلى المسلمين في أيام السلطان أبي الحسن المرينيّ، صاحب الغرب الأقصى في
زمن الملك الناصر «محمد بن قلاوون» «1» صاحب الديار المصرية.
ومنها (الجزيرة الخضراء) . وهي مما يلي جبل الفتح من الغرب على الساحل، وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان» :
والقياس أنها حيث الطول تسع درج، والعرض خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال: وهي مدينة أمام سبتة من برّ العدوة من بلاد الغرب. وهي مدينة طيّبة نزهة، توسّطت مدن الساحل، وأشرفت بسورها على البحر، ومرساها من أحسن المراسي للجواز، وأرضها أرض زرع وضرع، وخارجها المياه الجارية والبساتين النضيرة؛ ونهرها يعرف بوادي العسل، وعليه مكان نزه يشرف عليه وعلى البحر يعرف بالحاجبيّة، ومن مستنزهاتها مكان يعرف بالنّقاء. قال ابن سعيد: وهي من أرشق المدن وأطيبها وأرفقها بأهلها وأجمعها لخير البرّ والبحر. قال في «المشترك» : والنسبة إليها جزيريّ، للفرق بينها وبين إقليم الجزيرة فإنه ينسب إليه جزريّ. قال في «مسالك الأبصار» : وهي آخر البلاد البحريّة الإسلامية للأندلس وليس بعدها [لهم بلاد] . ثم قال: وهي الآن بيد النصارى أعادها الله تعالى وقصمهم، وقد عدّها في «تقويم البلدان» : من كور إشبيلية مما يلي جانب نهرها من الجنوب.
ومنها (رندة) بضم الراء وسكون النون وفتح الدال المهملة وهاء في الآخر.
وهي بعيدة عن البحر. وعدّها في «تقويم البلدان» من كور إشبيلية. ثم قال: وبها معقل تعمّم بالسحاب، وتوشّح بالأنهار [العذاب]«2» وذكر أنها من كبار البلدان، ثم قال: وهي بلدة جليلة، كثيرة الفواكه والمياه والحرث والماشية، وأهلها موصوفون بالجمال ورقّة البشرة واللّطافة، وبينها وبين الجزيرة الخضراء مسيرة ثلاثة أيّام.