الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جميلا أو شكره على فعل، تمرّغ المنعم عليه بين يديه من أوّل المكان إلى آخره، فإذا وصل إلى آخر المكان، أخذ غلمان المنعم عليه أو من هو من أصحابه من رماد يكون موضوعا في آخر مجلس الملك معدّا لهذا الشأن، فيذرّ في رأس المنعم عليه، ثم يعود ويتمرّغ، إلى أن يصل بين يدي الملك، ويضرب جوكا آخر بيده ثم يقوم.
وأما في الركوب فقد جرت عادة سلطان هذه المملكة أنه إذا قدم من سفر أن يحمل على رأسه الجتر راكب، وينشر على رأسه علم، وتضرب أمامه الطّبول، والطّنابير «1» ، والبوقات بقرون لهم فيها صناعة محكمة. قال ابن أمير حاجب:
وشعار هذا السلطان أعلام وألوية كبار جدّا، ورنكه أصفر في أرض حمراء.
وأما غير ذلك من سائر أموره، فقد ذكر الشيخ سعيد الدّكّاليّ: أن من عادة هذا السلطان أنه إذا عاد إليه أحد ممّن بعثه في شغل له أو أمر مهمّ أن يسأله عن كلّ ما حدث له من حين مفارقته له وإلى حين عوده مفصّلا. قال ابن أمير حاجب: وقد رأيت السلطان موسى وهو بمصر لا يأكل إلا منفردا وحده، لا يحضره عند الأكل أحد البتّة.
المملكة السادسة (من ممالك بلاد السّودان، مملكة الحبشة)
بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة والشين المعجمة وهاء في الآخر.
وهي مملكة عظيمة جليلة المقدار، متسعة الأرجاء، فسيحة الجوانب. قال في «مسالك الأبصار» : وأرضها صبعة المسلك: لكثرة جبالها الشامخة، وعظم أشجارها، واشتباك بعضها ببعض، حتّى إنّ ملكها إذا أراد الخروج إلى جهة من جهاتها، تقدّمه قوم مرصدون لإصلاح الطّرق بآلات لقطع الأشجار وإحراقها بالنار.
قال: وهم قوم كثير عددهم، ولم يملك بلادهم غيرهم من النوع الإنسانيّ، لأنهم أجبر بني حام، وأخبر بالتّوغّل في القتال والاقتحام، طول زمنهم في الأسفار، وصيد الوحش، وقتالهم إنما يكون عريا من غير لأمة «1» تدفع عنهم ولا عن خيلهم. ثم وصفهم بعد ذلك بأوصاف لولا ما هم عليه من الشرك لكانوا في الرّتبة العليا من مراتب بني آدم: فذكر أنّ المشهور عنهم مع ما هم عليه من المجاعة أنهم يقبلون الحسب ويصفحون عن الجرائم. ومن عادتهم أن من رمى سلاحه في القتال حرم قتاله، ويكرمون الضيف، ولا ينقض الصديق منهم عهد صديقه، وإذا أحبّوا أظهروا المحبة، وإذا أبغضوا أظهروا البغض، والغالب عليهم الذّكاء والفطنة وصدق الحدس، ولهم علوم وصناعات خاصّة بهم، ولهم قلم يكتبون به من اليمين إلى الشّمال كما في العربيّ، عدّة حروفه ستّة عشر حرفا، لكل حرف منها سبعة فروع، فيكون عدّتها مائة واثنين وثمانين حرفا، سوى حروف أخر مستقلّة بذاتها لا تفتقر إلى حرف من الحروف المذكورة، مضبوطة بحركات نحوية متصلة بالخط لا منفصلة عنه. ومع كونهم جنسا واحدا فلغاتهم تزيد على خمسين لسانا، ويميل الكثير من ألوانهم إلى الصّفاء، ولكل طائفة منهم وسم في وجوههم يعبر عنه بالتلعيط، بعضهم يسم في الخدّين وسما خفيفا، وأمحرا يسمون في الخدّين والجبهة إلى الأنف خطوطا طوالا. ويقال: إن أوّل بلادهم من الجهة الغربيّة بلاد التّكرور مما يلي جهة اليمن، وأوّلها من الجهة الشرقية المائلة إلى بعض الجهة الشمالية بحر الهند واليمن، وفيها يمرّ النهر المسمّى سيحون الذي يرفد منه نيل مصر. وقد عدّ منها أحد عشر إقليما من جهة الغرب بمفازة بمكان يسمّى (وادي بركة) يتوصّل منه إلى إقليم يسمّى (سحرت) ويسمّى قديما تكراي، وكان به في الزمن القديم مدينة اسمها (احسرم) بلغة أخرى من لغاتهم، وتسمّى أيضا (زرفرتا) . بها كان كرسيّ ملك النّجاشيّ، وكان مستوليا على أقاليم الحبشة. ويليه من جهة الشرق إقليم (أمحرا) الذي به الآن مدينة المملكة، ثم