الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطبقة الرابعة (الموحّدون أصحاب المهديّ بن تومرت، وهم القائمون بها إلى الآن)
وكان أوّل من افتتحها منهم (عبد المؤمن «1» بن عليّ) أحد أصحاب ابن تومرت والخليفة بعده. وذلك أنه لما وقع بها ما تقدّم من الاضطراب وقيام الثّوّار واستيلائهم على النّواحي، وكان الموحّدون قد استولوا على الأندلس والغرب الأقصى والغرب الأوسط إلى بجاية، بعث عبد المؤمن المذكور العساكر إلى أفريقيّة مع ابنه عبد الله في سنة سبع وأربعين وخمسمائة، فافتتح أفريقيّة، واستكمل فتحها سنة ستّ وخمسين. وولّى عليها ابنه السيد أبا موسى (عمران بن عبد المؤمن) وأسره عليّ بن يحيى المعروف بابن غانية عند فتحه بجاية، واعتقله بها في صفر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.
ولما ولي (المنصور يعقوب بن عبد المؤمن) بعد أبيه عبد المؤمن، ولّى على أفريقيّة في أوّل ولايته أبا سعيد ابن الشيخ أبي حفص عمر، ثم غلب ابن غانية على أكثر بلاد أفريقيّة واستولى على تونس، وخطب للخليفة العبّاسي ببغداد، ثم جهز الناصر بن المنصور بن عبد المؤمن الشيخ أبا محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص من مرّاكش إلى أفريقيّة سنة ثنتين وستمائة فانتزعها من ابن غانية، ثم وصل الناصر بن المنصور إلى أفريقيّة بعد ذلك ودخل تونس، وأقام بها إلى منتصف سنة ثلاث وستمائة، وعزم على الرحيل إلى مرّاكش فروّى نظره فيمن يوليه أمرها فوقع اختياره على الشيخ أبي محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص، ورحل الناصر إلى المغرب وقعد مقعد الإمارة بقصبة تونس يوم السبت العاشر من شوّال سنة ثلاث وستمائة وبقي حتى توفّى مفتتح سنة ثمان عشرة وستمائة.
وولي بعده ابنه الأمير (أبو زيد عبد الرحمن) وقعد بمجلس أبيه في الإمارة،
وورد كتاب المستنصر بن الناصر خليفة بني عبد المؤمن بعزله لثلاثة أشهر من ولايته.
وولّى المستنصر مكانه السيد أبا العلى (إدريس بن يوسف) بن عبد المؤمن، ودخل إلى تونس في ذي القعدة من السنة المذكورة، فنزل بالقصبة ورتّب الأمور؛ ومات بتونس سنة عشرين وستّمائة.
ثم مات المستنصر وصار الأمر (لعبد الواحد المخلوع) ابن يوسف بن عبد المؤمن فبعث بولاية أفريقيّة إلى (أبي زيد) بن أبي العلى.
ثم صار الأمر إلى العادل فولّى (أبا محمد عبد الله) بن أبي محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص، ودخل تونس سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وأقام في إمارته إلى أن ثار عليه أخوه الأمير (أبو زكريّا يحيى) بن أبي محمد عبد الواحد وولي مكانه ودخل تونس في رجب سنة خمس وعشرين وستمائة، وافتتح قسنطينة وبجاية سنة ست وعشرين وانتزعهما من بني عبد المؤمن.
ثم ملك تلمسان من يدهم بعد ذلك وبايعه أهل الأندلس، ومات ببونة لسبع بقين من جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وستمائة لثنتين وعشرين سنة من ولايته.
وبويع بعده ابنه ووليّ عهده المستنصر بالله (أبو عبد الله محمد) ودخل تونس في رجب من السنة المذكورة، فجدّد بيعته بها وهو أوّل من تلقب من الحفصيّين بألقاب الخلافة كما سيأتي. وأنتهى أمره إلى أن بويع له بمكّة المعظّمة، وبعث بالبيعة إليه، واستولى على ما كان بيد أبيه من الغرب الأوسط ببجاية وقسنطينة، وفتح الجزائر، وبقي حتى مات يوم الأضحى سنة خمس وسبعين وستمائة.
وبويع بعده ابنه (الواثق يحيى) بن المستنصر ليلة موت أبيه، فأحسن السّيرة، وبسط في الرعية العدل والعطاء؛ وبعث إليه أهل بجاية بالبيعة، وخرج عليه عمّه (أبو إسحاق) أخو المستنصر ودخل بجاية، وبايعه أهلها في ذي القعدة سنة سبع وسبعين وسبعمائة واستولى على قسنطينة، وقوي أمره ببجاية وما معها، وبلغ ذلك الواثق بن المستنصر، فتيقّن ذهاب الملك منه فانخلع عن الأمر لعمه أبي إسحاق إبراهيم بن يحيى، ومن هنالك عرف بالمخلوع وأشهد على نفسه بذلك في أوّل ربيع الأوّل سنة ثمان وسبعين وستمائة، وبلغ ذلك السلطان أبا إسحاق فسار إلى تونس، ودخلها في نصف ربيع الآخر من السنة المذكورة، واستولى على المملكة جميعها واعتقل الواثق وبنيه، ثم دسّ عليهم من ذبحهم في الليل في صفر سنة تسع وسبعين وستمائة، وبقي حتّى خرج عليه (أحمد بن روق) بن أبي عمارة من بيوتات بجاية الطارئين عليها من المسيلة سنة إحدى وثمانين وستمائة، وكان شبيها بالفضل بن يحيى المخلوع فعرف بالدّعيّ، واستولى على تونس بعد خروج السلطان أبي إسحاق منها، ولحق أبو إسحاق ببجاية فمنعه ابنه الأمير أبو فارس (عبد العزيز) من الدّخول إليها فانخلع له عنها وأشهد عليه بذلك، ودعا الناس إلى بيعته في آخر ذي القعدة من السنة المذكورة فبايعوه وتلقّب بالمعتمد، ثم كان بين الدعيّ والأمير أبي فارس واقعة قتل فيها الأمير أبو فارس في سنة ثنتين وثمانين وستمائة. وخرج السلطان أبو إسحاق فلحق بتلمسان ومعه ابنه الأمير أبو زكريا، ودخل أهل بجاية في طاعة الدّعيّ.
ثم خرج على الدّعيّ الأمير (أبو حفص عمر بن يحيى) بن عبد الواحد بن أبي حفص، فكانت بينهما حرب انهزم الدّعيّ في آخرها. واستولى أبو حفص على تونس وسائر المملكة، وتلقّب بالمستنصر واختفى الدّعيّ، ثم ظفر به أبو حفص بعد ذلك وقتله، وبايعه أهل تلمسان وطرابلس وما بينهما.
وخرج الأمير (أبو زكريا يحيى) ابن السلطان أبي إسحاق على بجاية وقسنطينة فملكهما واقتطعهما عن مملكة أفريقيّة، وقسم دولة الموحدين بدولتين،
ولم يزل السلطان أبو حفص في ملكه إلى أن مرض في ذي الحجة سنة أربع وستين وستمائة ومات آخر ذي الحجة من السنة المذكورة.
وكان الواثق بن المستنصر لما قتل هو وأبوه ترك جارية حاملا، فسماه الشيخ محمد المرجانيّ «محمدا» وأطعم الفقراء يومئذ عصيدة من عصيدة البرّ فلقّب بأبي عصيدة «1» ، فلما مات السلطان أبو حفص بايع الناس (أبا عصيدة) المتقدّم ذكره.
ومات الأمير أبو زكريا صاحب بجاية وما معها على رأس المائة السابعة.
وقام بعده في تلك الناحية وليّ عهده ابنه (أبو البقاء خالد) فاستمرّ في تلك الناحية، وبقي السلطان أبو عصيدة في مملكة أفريقيّة حتى مات في ربيع الآخر سنة تسع وسبعمائة ولم يخلف ابنا.
وكان بالقصر (أبو بكر بن عبد الرحمن) بن أبي بكر، بن يحيى، بن عبد الواحد، بن أبي حفص في كفالة السلطان أبي عصيدة فلما مات أبو عصيدة بايعه أهل تونس، ثم ارتحل السلطان أبو البقاء خالد: صاحب بجاية إلى جهة تونس طالبا ملكها بعد أبي عصيدة، فخرج (أبو بكر الشهيد) في أهل تونس للقائة فانهزموا عنه، وقبض على أبي بكر الشهيد واعتقل ثم قتل بعد ذلك فسمّي الشهيد، واستقلّ السلطان أبو البقاء خالد بملك تونس وبجاية وحاز جميع المملكة، وتلقّب الناصر لدين الله وبقي حتى بويع (أبو يحيى زكريّا بن أحمد) بن محمد اللحياني، ابن عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص: فبويع بطرابلس، وخرج على أبي البقاء خالد فخافه فخلع نفسه فاعتقل وجاء السلطان أبو يحيى على أثره في رجب سنة إحدى عشرة وسبعمائة فبويع البيعة العامّة ودخل تونس واستولى عليها؛ ثم اضطرب عليه أمره، فخرج من تونس إلى قابس أوّل سنة سبع عشرة وسبعمائة بعد
أن استخلف بتونس، وانتهى إلى قابس فأقام بها وصرّف [العمّال] في جهاتها؛ وقصد السلطان أبو بكر صاحب بجاية تونس، وكان بينه وبين أهلها وقعة انتهى الحال في آخرها إلى أنّ السلطان أبا بكر رجع إلى بجاية. وبايع أهل تونس محمدا المعروف (بأبي ضربة) ابن السلطان أبي يحيى في سنة سبع عشرة المذكورة.
ثم قصد السلطان أبو بكر «1» صاحب بجاية تونس، وبها أبو ضربة فغلبه عليها، ودخلها في ربيع الآخر سنة ثمان عشرة وسبعمائة، وبويع بها البيعة العامّة.
ولحق السلطان أبو يحيى اللحيانيّ بمصر في أيام الملك الناصر «محمد بن قلاوون» فأحسن نزله وأقام عنده إلى أن مات، ولحق ابنه أبو ضربة بتلمسان فأقام بها إلى أن مات، واستقلّ السلطان أبو بكر بأفريقيّة وبجاية إلى أن غلبه على تونس (إبراهيم بن أبي بكر) الشهيد المتقدّم ذكره أوّلا، ودخلها في رجب سنة خمس وعشرين وسبعمائة.
ثم غلبه عليها السلطان أبو بكر وانتزعها من يده في شوّال من السنة المذكورة واستقرّ في يده ملك أفريقيّة وبجاية إلى أن مات فجأة في جوف الليل في ليلة الأربعاء ثاني رجب الفرد سنة سبع وأربعين وسبعمائة بمدينة تونس.
وبويع ابنه (أبو حفص عمر) بن أبي بكر من ليلته، وجلس من الغد وبويع البيعة العامّة. وكان أبوه قد عهد إلى ابنه الآخر أبي العبّاس أحمد، وكان ببلاد الجريد فاستجاش على أخيه وقدم عليه تونس، وكانت بينهما واقعة قتل فيها أبو العباس واستقرّ السلطان أبو حفص على ولايته. وكان السلطان أبو بكر حين عهد لابنه أبي العباس أرسل العهد إلى السلطان أبي الحسن المرينيّ: صاحب تلمسان وسأله في الكتابة عليه، فلما قتل أبو العباس المذكور ثقل ذلك على السلطان أبي الحسن وخرج إلى أفريقيّة في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، ووصل إلى بجاية ثم
إلى قسنطينة فملكهما، ثم سار إلى تونس فلقيه السلطان أبو حفص عمر، وكانت بينهما واقعة قبض فيها على أبي حفص ثم قتل. ودخل السلطان أبو الحسن إلى تونس واستولى على جميع المملكة مضافة إلى مملكته، وكمل له بذلك ملك جميع المغرب.
ثم غلب (أبو العباس الفضل) ابن السلطان أبي بكر على بجاية وقسنطينة وملكهما، وسار السلطان أبو الحسن إلى المغرب واستخلف على تونس ابنه أبا الفضل فسار الفضل ابن السلطان أبي بكر من بجاية إلى تونس فخرج منها أبو الفضل بن أبي الحسن فارّا إلى أبيه بالمغرب، ودخلها الفضل ابن السلطان أبي بكر وملكها سنة تسع وأربعين وسبعمائة واستولى على جميع المملكة، وبقي إلى أن قبض عليه في جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة.
وبويع بعده أخوه (أبو إسحاق إبراهيم) ابن السلطان أبي بكر، وهي يومئذ غلام قد ناهز الحلم، وقتل الفضل في جوف الليل من الليلة القابلة خنقا، واستولى على أفريقيّة وبجاية وقسنطينة، وبقي حتى غلبه بنو مرين على بجاية وقسنطينة، وملكهما منه أبو عنان سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة.
ثم استولى السلطان (أبو العبّاس أحمد) بن محمد بن أبي بكر على قسنطينة سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة وبويع بها.
ثم غلبه عليها أبو عنان وقفل إلى المغرب سنة سبع وخمسين وقد استخلف بها، فتجهز إليها (أبو إسحاق إبراهيم) صاحب تونس وملكها من يد عامل أبي عنان سنة إحدى وستين، ثم قوي أمر السلطان أبي العبّاس وعاد إلى قسنطينة وملكها في السنة المذكورة.
ثم استولى (أبو عبد الله محمد) بن محمد ابن السلطان أبي بكر في رمضان سنة خمس وستين وسبعمائة فأساء السيرة بها، فسار إليه السلطان «أبو العبّاس» من تونس فقتله ودخل بجاية تاسع عشر شعبان سنة سبع وستين وسبعمائة وملكها، وبقيت بيده وتونس بيد السلطان أبي إسحاق إبراهيم ابن السلطان أبي بكر إلى أن
توفّي السلطان أبو إسحاق فجأة في الليل في سنة سبع وسبعين وسبعمائة.
وبويع بعده ابنه (أبو البقاء خالد) واستبدّ عليه منصور مولى أبيه، وابن الباليقي حاجب أبيه فلم يكن له في الدولة تحكّم.
ثم رحل السلطان أبو العبّاس من بجاية إلى تونس وقبض على السلطان أبي البقاء خالد بن إبراهيم بعد حصاره أيّاما واعتقله وملك تونس وانتظم في ملكه أفريقيّة وبجاية وقسنطينة وأعمالها، وبقي حتى مات في شعبان سنة ستّ وثمانين وسبعمائة.
وكان أبو العبّاس هذا له شعر رائق، طلب مرة كاتب إنشائه يحيى بن أجاد، وكان يحيى ثملا، فخافه على نفسه إن هو طلع إليه على تلك الحالة فكتب إليه (مجزوء الخفيف) .
أصبح العبد يحيى
…
كصباح ابن أكثم
شغلته الحميّا «1»
…
وهو بالأمر مهتم
فخشي من رقيب
…
فرأى الدار أكتم
فلمّا قرأها وقّع بخطه تحت خطّه: (مجزوء الخفيف)
قرّ عينا بعيش
…
صفوه بك قد تمّ
أنت أزكى عبيدي
…
هاهنا كنت أو ثمّ
فكان ذلك سبب توبة يحيى.
وبويع بعده أبنه أبو فارس (عزّوز) في رابع شعبان من السنة المذكورة واستولى على تونس وبجاية وقسنطينة وسائر أعمالها. وهو السلطان أبو فارس