الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضرب الثاني (ما شماليّ بحر الروم المقدّم ذكره من غربيّ الخليج القسطنطينيّ مما يمتدّ غربا إلى البحر المحيط الغربيّ، وما يتصل بذلك مما شماليّ بحر نيطش المعروف ببحر القرم إلى أقصى الشمال، وهو جهتان)
الجهة الأولى (ما هو في جهة الغرب عن الخليج القسطنطينيّ. وهو قطران)
القطر الأوّل (ما بين الخليج المذكور وبين جزيرة الأندلس، وما على سمت ذلك. ويشتمل على ممالك كبار وممالك صغار)
فأما الممالك الكبار، فالمشهور منها خمس ممالك
:
المملكة الأولى (مملكة القسطنطينية)
قال في «اللباب» : بضم القاف وسكون السين المهملة وفتح الطاء المهملة وسكون النون وكسر الطاء الثانية وسكون المثناة من تحت ثم نون (يعني مفتوحة) ثم هاء في الآخر. قال في «تقويم البلدان» : وتسمّى بوزنطيا يعني بالباء الموحدة والواو والزاي المعجمة والنون والطاء المهملة ثم ياء مثناة من تحت وألف في الآخر. وربما قالوا: بوزنطية بابدال الألف هاء. وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال في «رسم المعمور» : حيث الطول ثمان وأربعون درجة، والعرض خمس وأربعون درجة، وواقفه على ذلك صاحب «الأطوال» وصاحب «القانون» وابن سعيد: وهي قاعدة الرّوم بعد رومية وعمّورية، وهي المستقرّة قاعدة ملك لهم إلى الآن.
قال في «الروض المعطار» : نزل رومية من ملوك الروم عشرون ملكا، ثم نزل عمّورية منهم ملكان، ثم عادت المملكة إلى رومية فنزلها منهم ملكان، ثم
ملك (قسطنطين) بن هيلاني، فجدّد بناء بوزنطية وزاد في بنائها، وسمّاها قسطنطينيّة نسبة إليه ونزل بها فصارت دار ملك للرّوم بعده إلى الآن. قال: وهي على ضفّة الخليج المنصبّ من بحر نيطش ومانيطش إلى بحر الرّوم، وقد صار هذا الخليج مشهورا بها. فيقال فيه (الخليج القسطنطينيّ) كما تقدّم. وجهاتها الثلاث من الشرق والغرب والجنوب إلى البحر، والجهة الرابعة وهي الشّمال إلى البرّ، وقطرها من الشرق إلى الغرب ثمانية وعشرون ميلا، ولها سوران من حجارة بينهما فضاء ستّون ذراعا، وعرض السّور الداخل اثنا عشر ذراعا، وارتفاعه اثنان وسبعون ذراعا، وعرض السّور الخارج ثمانية أذرع، وارتفاعه اثنان وأربعون ذراعا، وفيما بين السّورين نهر يسمّى (قسطنطينيانوس) مغطّى ببلاط من نحاس، يشتمل على اثنين وأربعين ألف بلاطة، طول كلّ بلاطة ستة وأربعون ذراعا، وعمق النهر اثنان وأربعون ذراعا. ولها نحو مائة باب أكبرها باب الذهب: وهو باب في شماليّها، طوله أحد وعشرون ذراعا، وهو مضبّب «1» بالحديد، وبه أعمدة من ذهب، وبها قصر في غاية الكبر والعلوّ، وطريقة الذي يتوصل إليه منه يعرف بالبدندون. وهو من عجائب الدنيا، يمشى فيه بين سطرين من صور مفرّغة من النّحاس البديع الصّناعة على صور الآدميين وأنواع الخيل والسّباع وغير ذلك، وفي القصر ضروب من عجائب المصنوعات.
قال في «تقويم البلدان» : وحكى لي بعض من سافر إليها أن داخلها مزدرع وبساتين، وبها خراب كثير، وأكثر عمارتها في الجانب الشرقيّ الشّمالي، وكنيستها مستطيلة، وإلى جانب الكنيسة عمود عال دوره أكثر من ثلاثة باعات، وعلى رأسه فارس وفرس من نحاس، وفي إحدى يديه حربة كبيرة، وقد فتح أصابع يده الأخرى وهو مشير بها. قيل: إن ذلك صورة (قسطنطين) باني المدينة. قال في العزيزيّ: ولها أربع عشرة معاملة.
واعلم أن هذه المملكة كانت أوّلا بيد اليونان. قال البيهقي: وهم بنو يونان
ابن علجان، بن يافث، بن نوح عليه السلام. وفي التوراة أن يونان ابن يافث لصلبه، واسمه فيها (يافان) بفاء تقرب من الواو. وخالف الكنديّ فنسبهم إلى عابر بن فالغ فجعل يونان أخا لقحطان، وذكر أنه خرج من اليمن بأهله وولده مغاضبا لأخيه قحطان فنزل ما بين إفرنجة والرّوم، فاختلط نسبه بنسبهم. وردّ عليه أبو «1» العبّاس الناشي في ذلك بقوله:(طويل)
[و] تخلط يونانا بقحطان ضلّة
…
لعمري لقد باعدت بينهما جدّا!
وقيل إنهم إنما نجموا من رجل يقال له (الكن) ولد سنة سبع وأربعين لوفاة موسى عليه السلام.
وكانت قاعدة ملكهم الأولى (مدينة أغريقية) . وهي مدينة بناها (أغريقش) ابن يونان المقدّم ذكره على الجانب الغربيّ من الخليج القسطنطيني، وهي أوّل مدنهم، ثم هدمها هيليوس أحد ملوكهم وبنى (مدينة مقدونية «2» ) في وسط المملكة بالجانب الغربيّ أيضا ونزلها فصارت منزلا لملوكهم من بعده، وإليها ينسب ملوكهم فيقال ملوك مقدونية، وقد كان يقال للإسكندر بن فيلبس المقدوني نسبة إلى مقدونية هذه. ومن طائفة اليونان كان معظم الحكماء الذين عنهم أخذت علوم الفلسفة، ومنهم بقراط وسقراط وأفلاطن وأرسطو طاليس وإقليدس وغيرهم من الحكماء.
وكان لهم عدّة ملوك، أوّلهم (يونان) بن يافث بن نوح.
ثم ملك بعده ابنه (أغريقش) وهو الذي بنى مدينة أغريقيّة المتقدّم ذكرها.
وتوالى الملك في ولده، وقهروا اللّطينيّين ودال ملكهم في أرمينية.
ثم ملك (هرقل الجبّار) بن ملكان، بن سلقوس، بن أغريقش.
ثم ملك بعده ابنه (بلاق) وإليه تنسب الأمّة البلاقيّة التي هي الآن على بحر سوداق، واتصل الملك في عقب بلاق المذكور إلى أن ظهر عليهم إخوانهم الروم واستبدوا بالملك.
فكان أوّلهم (هردوس) بن مطرون، بن رومي، بن يونان، فملك الأمم الثلاثة، وصار اسمه لقبا لكل من ملك بعده.
ثم ملك بعده ابنه (هرمس) وحاربه الفرس فقهروه وضربوا عليه الإتاوة.
ثم ملك بعده ابنه (مطرنوس) فحمل الإتاوة للفرس.
ثم ملك بعده (فيلبوس) فظهر على الأعداء وهدم مدينة أغريقيّة، وبنى مدينة مقدونية المتقدّم ذكرها، وكان محبّا في الحكمة فكثر الحكماء في دولته.
ثم ملك بعده ابنه (الإسكندر) فاستقام له الأمر وملك الشام، وبيت المقدس، والهند، والسّند، وبلاد الصين، والتّبّت، وخراسان، وبلاد التّرك، وذلّت له سائر الملوك، وهاداه أهل المغرب والأندلس والسّودان، وبنى مدينة الإسكندريّة بالديار المصرية عند مصبّ النيل على ساحل البحر الرّومي، وبنى بالسّند أيضا مدينة سماها الإسكندريّة، ورجع إلى بابل فمات بها، وعرض الملك على ابنه إسكندروس فأبى واختار الرّهبانيّة.
ثم ملك بعده (لوغوس) من بيت الملك، وتلقب (بطليموس) فصار ذلك علما على كل من ملك منهم. وقيل: هو بطليموس بن لاوى صاحب عسكر الإسكندرية. وهلك لأربعين سنة من ملكه.
وملك بعده ابنه (فلديفش) فأقام ثمانيا وثلاثين سنة، وترجمت له التوراة من العبرانيّ إلى الرّومي.
ثم ملك بعده ابنه (أنطرطيش) فأقام ستّا وعشرين سنة وهلك.
فملك بعده أخوه (قلوباظر) فأقام سبع عشرة سنة وهلك.
فملك بعده ابنه (أبيفانش) فأقام أربعا وعشرين سنة.
وملك بعده ابنه (قلوماظر) فأقام خمسا وثلاثين سنة. وكان مقرّه الإسكندرية وهلك.
فملك بعده ابنه (إبرياطش) فأقام سبعا وعشرين سنة. وعلى عهده استفحل ملك رومة، وملكوا الأندلس وأفريقيّة وهلك.
فملك بعده ابنه (شوظا) فأقام سبع عشرة سنة، وهلك.
فملك بعده أخوه (الإسكندر) فأقام عشر سنين وهلك.
فملك بعده (دنونشيش) بن شوظا، فأقام ثمانيا وثلاثين سنة، وفي أيامه ملك الرّوم بيت المقدس وأنطاكية، وهلك.
فملك بعده بنته (كلابطرة) فأقامت سنتين، وكان سكنها الإسكندرية.
وكان الملك على الروم يومئذ أغشطش قيصر ملك الروم، فقصدها، فاحتالت بأن اتخذت حيّة توجد بين الحجاز والشام، فلمست الحية فيبست مكانها، وبقيت الحية في رياحين حولها، وحضر أغشطش فوجدها جالسة ولم يشعر بموتها، فتناول من الرياحين ليشمّها فلسعته الحية فمات. وزالت دولة اليونان بزوالها.
هكذا رتّبهم (هروشيوش مؤرّخ الروم) وسبب ذلك أن الروم واليونان كانوا متجاورين متلاصقين لعلاقة النّسب فقد نقل ابن سعيد عن البيهقي أن الرّوم من ولد روميّ بن يونان المقدّم ذكره. وقيل هم بنو لطين بن يونان أخي روميّ المذكور، ولذلك يقال لهم اللّطينيّون. وقيل هم من بني كيتم بن ياثان وهو يونان. وقيل بل هم من بني عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام.