الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عزّوز ابن السلطان أبي العباس أحمد، ابن السلطان أبي بكر بن يحيى، بن إبراهيم، بن عبد الواحد، ابن الشيخ أبي حفص.
قلت: وهو باق إلى زماننا في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وقد شاع ذكر شجاعته وعدله حتّى إنه دوّخ البلاد ومهّدها وقتل العرب وأبادهم، ودخل من بقي منهم في طاعته بعد أن لم يدينوا لطاعة غيره، وقطع المكوس من بلاده، وأزال الحانات من تونس، مع تواضع وقرب من الفقراء، وأخذ بيد المظلومين، ووجوه برّ رتّبها وقرّرها ولم تعهد لأحد ممن قبله، إلى غير ذلك من صفات الملوك المحمودة التي امتاز بها عن الملوك، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
الجملة العاشرة (في منتمى ملوك هذه المملكة القائمين بها الآن، من الموحّدين في النّسب، ودعواهم الخلافة، وبيان أصل دولتهم، وتسميتهم الموحّدين)
أما منتماهم في النسب، فقد ذكر في «التعريف» : أن الملك القائم بها في زمانه يدّعي النسب إلى أمير المؤمنين: عمر بن الخطّاب رضي الله عنه؛ ومن أهل النّسب من ينكر ذلك: فمنهم من يجعله من بني عديّ بن كعب رهط عمر، وليس من بني عمر، ومنهم من يقول بل من هنتاتة وليسوا من قبائل العرب [في شيء] .
وهم الحفصيّون نسبة إلى أبي حفص: أحد العشرة «1» أصحاب ابن تومرت «2» وهم بقايا الموحّدين إذ كان من تقرير ابن تومرت أن الموحدين هم أصحابه، ولم يبق ملك الموحّدين إلا في بني أبي حفص هذا.
واعلم أن النسّابين قد اختلفوا في نسبه على ثلاثة أقوال.
أحدها- نسبته إلى أمير المؤمنين: عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وهؤلاء يقولون: هو أبو حفص عمر بن يحيى، بن محمد، بن وانّودين، بن عليّ، بن أحمد، بن والّال، بن إدريس، بن خالد، بن اليسع، بن إلياس، بن عمر، بن وافتق، بن محمد، بن نجيه، بن كعب، بن محمد، بن سالم، بن عبد الله، بن عمر بن الخطّاب، قال قاضي القضاة «وليّ الدين بن خلدون» ويظهر أن هذا النسب القرشيّ وقع في المصامدة من البربر، والتحم بهم واشتملت عليه عصبيّتهم، شأن الأنساب التي تقع من قوم إلى قوم.
الثاني- نسبته إلى بني عديّ بن كعب: رهط عمر بن الخطّاب رضي الله عنه الذي ينتسب فيه، وهو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزّى ابن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب جدّ النبي صلى الله عليه وسلم وباقي نسبه إلى عدنان معروف.
الثالث- نسبته إلى هنتاتة، وهنتاته- بفتح الهاء وإسكان النون وفتح التاء المثنّاة فوق وبعدها ألف ثم تاء مثناة فوق مفتوحة ثم هاء قبيلة من قبائل المصامدة من البربر، بجبال درن المتاخمة لمرّاكش، وهي قبيلة واسعة كبيرة، ويقال لها بالبربرية «ينتي» وكان أبو حفص هذا هو شيخهم وكبيرهم، وهو الذي دعاهم إلى اتباع ابن تومرت والحمل على طاعته.
وأما دعواهم الخلافة، فقد قال في «التعريف» عند ذكر سلطان زمانه منهم: لا يدّعي إلا الخلافة ويتلقّب بألقاب الخلفاء، ويخاطب بأمير المؤمنين في بلاده.
واعلم أن أوّل من تلقّب منهم المستنصر «1» بالله أبو عبد الله محمد ابن السلطان أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص، على أن أباه كان يمتنع من التلقّب بألقاب الخلافة، ويمنع من يخاطبه بها مقتصرا على التلقّب
بالأمير خاصّة حتّى إن بعض شعرائه رفع إليه قصيدة مدحه بها أوّلها: (وافر) .
ألا جل بالأمير المؤمنينا
…
فأنت بها أحقّ العالمينا.
فأنكر ذلك عليه. وإنما حمل المستنصر على ذلك أن الخلافة في زمنه قد تعطّلت في سائر الأقطار. وذلك أن الخلافة الأمويّة ودعاوى بني عبد المؤمن قد زالت عنها في المغرب بغلبة بني مرين عليهم وانتزاعهم الأمر منهم، وخلافة العبيديّين قد زالت من مصر، وخلافة بني العبّاس قد زالت من بغداد باستيلاء التّتر عليها.
وأما مبدأ دولتهم ومصير آخرها إلى بني أبي حفص بأفريقيّة، فإن أصل قيامها ابن تومرت: وهو محمد بن عبد الله تومرت، بن وجلّيد، بن يامصال، بن حمزة، ابن عيسى فيما ذكره محققو المؤرخين. وبعضهم يقول: محمد بن تومرت، بن نيطاوس، بن سافلا، بن مسيعون، بن ايكلديس، بن خالد، أصله من هرغة من بطون المصامدة من البربر. وبعض المؤرّخين يجعل نسبه في أهل البيت ويقول: هو محمد بن عبد الله، بن عبد الرحمن، بن هود، بن خالد، بن تمام، بن عدنان، بن سفيان، بن صفوان، بن جابر، بن عطاء، بن رباح، بن محمد، من ولد سليمان بن عبد الله، بن حسن، بن الحسن، بن عليّ، بن أبي طالب. وسليمان هذا أخو إدريس الأكبر الذي كان لبنيه الدولة بالغرب على ما مرّ «1» في الكلام على مكاتبة صاحب برّ العدوة.
ويقال إن سليمان هذا لحق بالمغرب إثر أخيه إدريس. وقيل: بل هو من قرابة إدريس اللاحقين به إلى المغرب ويكون على هذا المقتضى نسبه قد التحم بنسب المصامدة، واتصل بهم وصار في عدادهم كما تقدّم في نسب أبي حفص.
وكان أهل بيته أهل دين وعبادة، وشبّ محمد هذا فيهم قارئا محبّا للعلم، وارتحل في طلب العلم إلى المشرق على رأس المائة الخامسة، ومرّ بالأندلس،
ودخل قرطبة وهي إذ ذاك دار علم، ثم لحق بالإسكندريّة وحجّ، ودخل العراق، ولقي أكابر العلماء به يومئذ وفحول النّظّار، ولقي أئمة الأشعريّة من أهل السّنّة وأخذ بقولهم في تأويل المتشابه. ويقال إنه لقي أبا حامد الغزاليّ «1» رحمه الله واستشاره فيما يريده من قيام الدولة بالمغرب.
ورجع إلى المغرب وقد حصل على جانب كبير من العلم، وطعن على أهله في الوقوف مع الظاهر وحملهم على القول بالتأويل والأخذ بمذهب الأشعريّة في جميع العقائد، وألّف العقائد على رأيهم مثل المرشدة وغيرها. وكان مع ذلك يقول بعصمة الإمام على مذهب الإمامية من الشّيعة. وانتهى إلى بجاية فأقام بها يدرّس العلم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهناك لقيه عبد المؤمن أحد أصحابه وارتحل معه إلى المغرب وصار إلى بلاد هرغة من البربر، فاجتمع إليه الطلبة ونشر العلم، وأظهر مذهب الأشعرية.
وكان الكهّان والمنجّمون يتحدّثون بظهور ملك بالمغرب من البربر، وشاع في الناس أنه ذلك الملك، واختار من أصحابه عشرة فجعلهم خاصّته: وهم عبد المؤمن بن عليّ، وأبو حفص عمر بن علي، ومحمد بن سليمان، وعمر بن تافركين، وعبد الله بن ملويات وغيرهم. ودعا المصامدة إلى بيعته على التوحيد وقتال المجسّمين، فبايعوه على ذلك سنة خمس عشرة وخمسمائة.
ولما تكاملت له البيعة لقّبوه بالمهديّ، وكان قبل ذلك يلقب بالإمام، وكان عبد المؤمن أخصّ أصحابه به، وكان يلقّبه بالخليفة، وأبو حفص بعده في الخصوصيّة، وكان يلقّبه بالشيخ، وكان يسمّي أتباعه الموحّدين تعريضا بمن يجنح عن التأويل ويقف مع الظاهر فيوقعه في التجسيم وغيره، ولم تحفظ عليه بدعة إلا ما وافق فيه الإماميّة من القول بعصمة الإمام. وقد مرّ ذكر «2» مدّة ولايته ثم استخلاف